[هذا المقال هو الجزء الأول من سلسلة من جزئين عن سياسات الموسيقى في أعقاب الانتفاضات العربية في العام 2011].
"ولكن هناك دوما حاجة لتقديم المجتمع على الإكراه، والانتقاد على مجرد التضامن واليقظة على القبول".
إدوارد سعيد، "الثقافة والإمبريالية"، ص 63.
[صورة (1): القاهرة، ميدان التحرير شباط/فبراير 2012. رسم جداري لفنانين محليين تخليدا لذكرى شهداء ثورة 25 يناير. (بعدسة الكاتب)].
في عصر يوم خميس في منتصف آب/أغسطس 2011، كنت أجلس في حافلة نقل صغيرة "ميني فان" على الطريق التي تتجه من دمشق إلى حمص. كانت الحرارة التي توازي درجة الغليان تذيب مفاصلي. كان الطقس رطبا، ومرّ وقت طويل قبل تجاوز حركة المرور البطيئة على الطرقات الرئيسية للخروج من دمشق. فقد تقلّصت الجادات الواسعة متحولة كل إلى طريق بممرّ وحيد بسبب الحواجز الأمنية الحكومية، التي ثبتت تحسبا للاحتجاجات التي تنظم بعد الصلاة كل يوم جمعة.
كانت مشاعر سياسية جديدة قد ظهرت بوفرة في 2011، وفي آب/أغسطس من العام نفسه، بدت كل لحظة وكأنها حبلى بظاهرة تجل تاريخية. كنت أجلس في الحافلة الصغرى أفكر بالأشهر التسعة الأخيرة منذ أن ازدهرت العديد من الشوارع العربية بطاقة هائلة، منتجة وقائع كنّا نظنها مستحيلة. حتى ذلك الوقت، كانت الانتفاضات العربية ما تزال حديثة الولادة تصارع مخاض الخروج من رحم القرن الماضي، لا تعرف إن كانت ستبصر النور أو تختنق حتى الموت بالحبل السري للمخططات الامبريالية التالية للاستعمار. والانفجارات الشعبية التي عصفت بالعالم العربي، من تونس إلى اليمن في 2011، أخذت الكثيرين منا على حين غرة. وخطفت الانتباه التغييرات السريعة المعممة بسيل متواصل من المعلومات التي تغزو شاشاتنا. كانت الإطاحة بالطغاة في الشوارع عرضا منعشا لدى مشاهدته فور حصوله. وكان الاستماع إلى شعارات تطلق في وضح النهار أمرا فاتنا، بعدما كانت تهمس بحذر في الظلام من قبل.
في خضم ذلك الحدث التاريخي، بدأت أشعر بالتململ في بيروت، وقررت الذهاب إلى سوريا مع صديق صحافي. ولكن، وقبل أن نستقل سيارة الأجرة من بيروت، حرصت على ملء هاتفي بمجموعة من الأغنيات المحمّلة التي كانت تهيمن على لائحة ما استمع إليه حينها. وفيما كنت أهتزّ، وأتمايل وأغرق في العرق في الحافلة الصغيرة، كانت فرقة الراب الفلسطينية "كتيبة 5" تطلق كلمات الأغاني المشحونة بالغضب في أذنيّ. أذكر محاكاة الكلمات بشفتي وتكرار أغنية واحدة: "الجمعيات". كانت من أغنياتي المفضّلة في ذلك الألبوم. وكانت الأغنية قد فتحت أذني على انتقاد تفشي الفساد والمحسوبيات داخل الجمعيات الأهلية المحلية والعالمية العاملة داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. في تلك اللحظة المشحونة بالتسيّس، التي حفّزتها الانتفاضات، شعرت بنوع من التماهي الوثيق مع هذا النوع المصنوع محليا من التعبير الموسيقي. مازلت أشعر بذلك العناد الطفولي، ذلك الإيمان النضالي تقريبا، لدرجة أنني لم أكن أستمع إلا إلى موسيقى مسيسة في ذلك الوقت. وفيما كانت انتفاضات روح العصر تعصف بضميري، شعرت بنفور مفاجئ من أنواع الأغنيات التجارية كلّها.
وكانت "كتيبة 5"، فرقة الراب من مخيم برج البراجنة، قد طرحت ألبومها الأول في صيف 2010. والفرقة تنتج موسيقاها بأصوات أعضائها الخمسة الذين يحاكون أصوات الإيقاعات الإلكترونية، وتتضمن قائمة من الأغنيات مليئة بلقطات من واقع أكثر المجتمعات تهميشا في لبنان.
"الجمعيات (الأهلية) عرصات هذا الزمن"، يتردد الغناء الحانق للاجئين الفلسطينيين في أذني فيما أنا أجلس في الحافلة الصغيرة محاولا أن أتعرف بنفسي على الإحساس برياح التغيير، عند الجهة الأخرى من الحدود، في سوريا.
في 2011، اختبر الملايين من الشباب العرب نوعا من التحول في الإدراك الحسي حضّنا على النظر إلى ما يتجاوز حواجز الهوية الوطنية. فجأة، أدركنا كم أننا نشبه بعضنا البعض وكم أننا كنا نشعر بالغربة والبعد عن بعضنا البعض قبل مجرد أسبوعين من الانتفاضات. وقد التقط بعض أقراننا هذا الإحساس جيدا، ولجأوا إلى أشكال جديدة من المحفزّات البصرية تصاحبها أصوات وصوتيات جديدة قلبت تجربتنا السمعية العربية من وقتها.
[صورة (2) مغني الراب شاهد أحد أعضاء "كتيبة 5" خلال عرض في بيروت في 2013 (الصورة بعدسة الكاتب)].
إعادة تلحين موسيقا الاحتجاج العربية
”رئيس البلاد شعبك مات برشة عباد من الزبلة اكلات
هاك تشوف آش قاعد صاير في البلاد
مآسي بارتو وناس ما لقاتش وين تبات
هاني نحكي باسم الشعب اللي تظلمو واللي ندسّو بالصباط".
بعد إصدار هذه الأغنية في السادس من كانون الثاني/يناير 2011، اعتقلت الشرطة التونسية مغني الراب "الجنرال" للاستجواب. وتصدرت قصته الأخبار في كل مكان، وانتشرت أغنيته "ريس البلاد" كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي في كل دقيقة كان يمضيها في السجن. وحين نشر خبر اعتقاله على الصفحات الأولى من وسائل الإعلام الغربية، بدأ المديح يكال لـ"فيسبوك" ولموسيقى الراب، على نحو خاطئ، في تفسير أسباب وسبل انتشار الانتفاضات عبر العالم العربي. وكانت ريّا الزين قد كتبت عن كيفية قيام النظام الاستشراقي النيوليبرالي ببناء وهم حول مغني الراب العربي. وقد شرحت أن وسائل الإعلام الغربية السائدة "توّاقة لتخيل شباب عرب منخرطين في أشكال من المقاومة المسالمة متصلة بشكل مباشر بالثقافة الأميركية. وشخصية مغني راب يقول الحقيقة في وجه السلطة هي شخصية يسهل على الجماهير تخيلها؛ وفي الوقت ذاته، هي شخصية سليمة تماما، تظهر الأنظمة المستبدة بصورة كاريكاتيرية على أساس أنها كلها الرجل الشرير نفسه." وناقشت الزين أنه حين يركّز الغرب على الشباب المبدع، يتغاضى عن فهم مدى تواطئ القوى الغربية.
حين أطلق سراح "الجنرال"، كانت كلمات أغنيته تتلى بشغف بين المحتجين الشبان في الكثير من المدن العربية. وأعطت هذه الموجة من التجاوب الشعبي مصداقية واعترافا من الشارع بهذا النوع الموسيقي الذي كان يعتبر ثقافة فرعية تعني الذين يستسيغون الهيب هوب الأميركي أو الفرنسي.
بعد فرار الرئيس التونسي بن علي إلى السعودية، قام فنان الهارد روك رامي عصام بالعزف على الغيتار وتأدية أغنيته الأيقونة "ارحل" أمام ملايين المحتجين. كان من الحماسي جدا رؤية مصريين من الأعمار والألوان والأطياف كافة وهم يهدرون مرددين اللازمة: “يسقط يسقط حسني مبارك". بعد فرار بن علي بقليل، أُسقط الرئيس المصري. ولكن مبارك رفض الفرار إلى المنفى. أصر بعناد على إمضاء ما تبقى من عمره في مصر والموت فيها. وفي تناقض وحشي، أرغم رامي عصام، الذي أصبحت كلماته نشيد الثورة في 2011، على مغادرة مصر بحلول العام 2014. وهو يعيش الآن منفيا في أوروبا.
في ربيع 2012، كُلفت بالعمل كمنسق أغان في حفل عيد ميلاد في بيروت. في لحظة ما بعد إطفاء الشموع، وكان الحاضرون في الحفلة مشغولين بقطع قالب الحلوى وتناوله، شغّلت أغنية راب عربية عنوانها "استشراق". وكان الأغنية ثمرة تعاون جديد بين مغنيي راب أحدهما من لبنان والثاني من الأردن؛ وكانت تشكك "بوضع الرجل الأبيض" الذي هبط كما بالمظلة على الانتفاضات العربية. وكان عمل الفنانين مستوحى من الكتاب هائل الأهمية للفيلسوف الراحل إدوارد سعيد. في منتصف الأغنية، جاء صاحب الحانة مستعجلا نحوي من خلف البار. وكان يرمقني بنظرات فهمت منها أنه آت للتحري عن الموسيقى. وسألني الشاب بشعره الطويل المربوط والمتدلي حتى منتصف ظهره، وهو مذهول: "ما هذه الموسيقى؟ من صنعها؟ ومن أين حصلت عليها وحمّلتها؟" ثم التقط صورة لقائمة الأغاني من على شاشة كمبيوتري. وقال وهو يربت على ظهري:" موسيقى عظيمة! لم أكن أعرف أن هناك راب بالعربية، ولكن هل يمكنك الآن الالتزام بأجواء عيد الميلاد؟" أومأت إيجابا وضغطت على أغنية "هابي بيرثداي تو يو " لوليد توفيق.
كانت السنوات التي تلت انتفاضات 2011 هي فترة تحولت خلالها تدريجيا مجموعات أغنياتي كمنسق أغان إلى موسيقى مستقلة جديدة كانت تتماشى مع إيقاع العصيان في الشوارع. وفي كل مرة كنت أتلقى عملا كمنسق أغان في مقاهي بيروت وحاناتها ونواديها الليليّة، كنت أجد نفسي مدفوعا بمهمة قهرية لملء الجو بموسيقى لها معنى. كنت أعتقد أنه يتعين أن تمتلئ أماكن عامة مماثلة بموسيقى آتية من الشوارع بسرديات جديدة. خلال ذلك الوقت، كانت هنا قابلية كبيرة لأغان مليئة بجمل تهكمية محملة على إيقاعات الكترونية ممتعة تسهّل وصول الرسائل السياسية. ومن موقعي كمنسق أغان، شعرت بنوع من الالتزام الأخلاقي لكي أنشر هذه العناصر الجديدة غير التجارية عبر الانترنت، وحضوريا.
وانتجت موجة الانتفاضات العربية أشكالا عديدة من الموسيقى البديلة المحملة بالرسائل السياسية. وكنت أتحدث مع طارق أبو قويق، أحد الفنانين الذين صنفتُ موسيقاه بنجوم خمسة على قائمتي حينها، سألته وهو المعروف باسمه الفني "فرعي"، أن يعبر عن رأيه في موسيقى السنوات العشر المنصرمة. ويذكر "فرعي" كيف أنه والفنانين الآخرين "يدينون" بشهرتهم لموجة انتفاضات 2011: "بالنسبة لي، كانت الانتفاضات العربية والموجة التي خلقتها بمثابة منتج. اليوم، أنت بحاجة لصرف المال وتكليف شركات إعلانات للحصول على مستوى الانتباه نفسه الذي منحتنا إياه الانتفاضات." وتحدث "فرعي" عن كيف أن "حدث البو عزيزي خلق فورة في الموسيقى البديلة" التي ازدهرت عبر موجات الصوت الرقمية. "حينها، كنا نصف بفناني الموسيقة البديلة، ولكن بمعنى ما، أصبحنا السائد القائم في ذلك الوقت في 2011."
فيما كنا نستمع إلى ديب وفرعي يؤديان الراب على نغمات دورات غييار صوتي في مديح الشوارع العربية الثائرة، بدأ موسيقيون يحملون رسائل سياسية يظهرون يوميا. وأصبح الانترنت في تلك الفترة صندوق موسيقي حقيقي يقدم الأغنيات الجديدة التي تتم مشاركتها ونشرها عبر منصات التواصل الاجتماعي. ومن بين الألحان الكثيرة التي انتشرت إلى جانب الاحتجاجات، أصبح الراب العربي هو الأعلى صوتا. وقام العديد من الفنانين الشبان بتسجيل أغنياتهم مستخدمين ميكروفونات بجودة عالية في أستوديوهات مؤقتة نصبوها في غرف نومهم ثم حملوها عبر تطبيق "ساوند كلاود". من بعد ذلك، بدأت عمليات تعاون بين مدن عربية مختلفة توسع المساحة الصوتية للانتفاضات العربية. وبحسب ريا الزين فإن "الراب كان فعالا في حالات كثيرة لأنه أتاح آفاقا جديدة لم نكن قد سمعنا بها من قبل، أو أننا لم نسمعها واضحة بهذه الثقة في العلن من قبل". وإذا نظرنا إلى الماضي، أعتقد أن الراب العربي بدا مختلفا في ذلك الحين لأنه وفر مساحة بلا قيود لجمل تهكمية خام شجعت التعبيرات الجماعية والفردية بالعربية. وتشرح الزين أن "ذلك التعبير الفردي، إذا شئت، لم يكن بإمكانه أن يكون بهذه الفعالية إلا لأنه كان يخاطب تجارب مشتركة".
[صورة (3): القاهرة، ميدان التحرير، رسم جداري لفنانين محليين ينتقد مسار الإخوان المسلمين بعد الانتخابات، في الزاوية اليسرى يقول أحد الشعارات: وثّقوا ثورتكم, (الصورة بعدسة الكاتب)].
ولّدت الانتفاضات العربية جيلا من الفنانين الشبان الذي أدوا دور السفراء الفنيين الذين ينشرون روح ذلك الوقت ويعبرون عنها. والجانب الأبرز الذي كانت موجة جديدة من الفنانين تعبر عنه بأعلى صوت كان الهوية. وخلقت قضية الهوية العربية تبادلا ثقافيا لم يستمر طويلا بين الفنانين الشبان العرب. وسعت هذه المحاولات إلى وصل مساحة جيو-تاريخية تتجاوز بنى الهوية الوطنية التالية للاستعمار. كان ذلك زمن أنشد خلاله فنانون من سوريا في مديح بو عزيزي في تونس، وفنانون من ليبيا من أجل تحرير فلسطين، وأنشد فنانون فلسطينيون في المنفى للمصريين المنتفضين في التحرير.
وكانت أرمادا بيزيرتا من بين الفنانين الذين جاؤوا من تونس إلى بيروت للمشاركة في ألبوم عربي مشترك عنوانه "خط ثالث". وجسدت أغنيات الألبوم روح الحدث. وكتبت الكلمات جماعيا ونسقت لتحريض الفكر نحو رابط عربي جامع منطقي. كانت محاولة لإعادة صياغة القواسم المشتركة في أبعاد الهوية العربية- الإسلامية. من خلال الغنائية التقنية، والإنتاجات الانتقائية، والمستمعين الناشطين باطراد، تمكن الفنانون العرب من استيعاب النوع الفني الإلكتروني واستملاكه، مستخرجين نصوصا من معجم عربي ضخم ومقدمين كلمات جديدة وسخرية حاذقة هي ما اختاروه سلاحا. وجسد "خط ثالث" شخصية الفنان الملتزم سياسيا الذي يؤيد وحدة الانتفاضات في مدن مختلفة، وينتقد المساعي المضادة للثورات، وينشط في الانتفاضات العربية.
وأنتج "خط ثالث" مجموعة شاملة من ثلاثة وثلاثين أغنية تغطي طائفة واسعة من هذه الموجة الجديدة من الموسيقى الواعية المتعمدة. وقدّم الألبوم فنانون من كل من فلسطين وتونس والأردن ومصر وسوريا ولبنان. وكان عنوان المجموعة يشير إلى خط ثالث لسكك الحديد، في تعبير مجازي حول وجود طريق ثالث للنظر إلى مناخ الاستقطاب السياسي الذي كان يتشكل بعد الانتفاضات بعامين. وكان فنانو الألبوم يهدفون إلى تضخيم الإشارة تاريخية إلى خط الحجاز الذي كان يصل الأراضي العربية قبل أن تعيق حدود مصطنعة حركة الناس فيها.
[صورة (4): 8 شباط/فبراير 2013. خلال حفل إطلاق ألبوم "خط ثالث" في مسرح "مترو المدينة" في بيروت. إلى اليسار، مغني الراب والمنتج السوري وتّار وإلى اليمين مغني الراب والمنتج السوري درويش].
اء إطلاق الألبوم في سهرة استثنائية في الثامن من شباط/فبراير 2013 في مسرح "مترو المدينة" في بيروت. وكان العدد الهائل من مقدمي الحفل الذين اصطفوا على المسرح مشهدا فريدا من نوعه. وبدا في تلك الليلة وكأن الجمهور والفنانين اتحدوا، تلقائيا، لتقديم جمل تهكمية ولازمات تتمركز حول إعادة إحياء المسار العربي الجماعي. وتوجت اللغة العربية ملكة على القصر الذي شيّد في المسرح الواقع تحت الأرض. في لحظة من التفاعل الشديد وذروة الاندماج، افتتح الفنانون الموجودون على المسرح جولة طويلة من الراب الحر بلا موسيقى. حين وصل الدور إلى مغني الراب الوحيد الذي يؤدي بالإنجليزية هو عراقي-كندي، قام بالأداء الإنجليزية. جوبه انحرافه هذا بأصوات استهجان قوية من الجمهور، الذي تحداه للأداء بالعربية. ما تلا كان فترة من الصمت العميق تخرقه أصوات هسهسة وضحكات شريرة من الجمهور، في حين كان الرجل الواقف في مواجهتهم يحاول فك لسانه الأم بلا جدوى. وكان الجمهور متحمسا، منيعا؛ وكانت أرواحهم قد تشربت جملا قوية، تنساب بلهجات سورية، وفلسطينية وتونسية ومصرية ولبنانية. وتم أُنقذ الموقف حين تم تمرير الميكروفون سريعا واستؤنفت الجمل الغنائية التهكمية، من دون انقطاع دوي الكلمات.
[صورة (5): مغني الراب في فرقة "خط ثالث" اللبناني إد عباس وفي الخلف منسق الأغاني "ليثال سكيلز" وهو أقدم وأكثر منسقي الأغاني رسوخا في ساحة الهيب هوب العربية].
افعلها بنفسك: الموسيقى، الانتفاضات
في الأيام الأولى للانتفاضات، كان الناس يتعلمون من بعضهم البعض بسرعة غير مسبوقة. فقد أشعلت موجة الانتفاض زخما محررا للعديد من الفنانين العرب بهدف كسر المحظورات الاجتماعية-السياسية التي كانت تعرقل إبداعهم الفني. في ذلك الوقت، أصبح الفن، من خلال اندماجه مع تحركات الجماهير، أداة تعبير عن الشوارع الثائرة ومناخا يعكس مشاعر الناس الذين كانوا ينامون في الميادين.
في العامين 2011 و2012، لم يكن ابداع الفنانين مدفوعا (بعد) بمصالح شخصية قصيرة المدى تهدف إلى الشهرة أو الربح. عوضا عن ذلك، كان الإبداع ينقل تعبيرا شعبيا إزاء الأنظمة القائمة في مختلف أنحاء العالم العربي. من هذا المنطلق، شهدت الانتفاضات العربية عملية استثنائية من الإلهام، أظهرت الفنان والمبتكر المبدع في كل واحد منّا.
وعلّق "الفرعي" على تلك الظاهرة. حين أدت موجة الانتفاضات العربية إلى توسيع دائرة التعاون، حمل مبتكرو الفن البديل مثله إلى واجهة الساحة الموسيقية وقاموا بصياغة أنواع جديدة. "كانت هناك دوما فرق موسيقى بديلة في كل من مصر وبيروت والأردن، وكانت تتعاون في ما بينها، ولكن زمن البو عزيزي حمل ذلك المشهد إلى مستوى مختلف." ويلقي "فرعي" الضوء أيضا على أنه في ذلك الوقت، كان الناس في الشارع يرفعون أصواتهم للتعبير عن مطالبهم بدون أي رادع لاختيار الكلمات. " كانت المطالب الكبرى التي تهتف بشجاعة في الشوارع تحفز الفنانين على رفع السقف وقول كل ما يرغبون بقوله من دون خوف." في المقابل، أصبح العديد من الفنانين اليوم مدفوعين بالخوف من الإلغاء.
وتقنيات الصناعة المحلية اليدوية التي انتشرت خلال الانتفاضات العربية كشفت عن تاريخ من الروابط الجغرافية-التاريخية ومن تبادل الأفكار. بالإضافة إلى ذلك، كانت الموجات الرقمية التي تتخطى الحدود توّفر محتوى احتجاجيا جديدا، أساسية في شبكات من تبادل التجارب تستفيد من الأفكار والمعرفة التي تتم مشاركتها. وكان تبادل التكتيكات التنظيمية بين حركات الاحتجاجات عبر المدن العربية خلال الانتفاضات، يشبه لوهلة نوعا من الشيوعية العربية الشاملة. وأضحت هذه الروابط ظاهرة حيوية تتكرر وتغذي هوية عربية جامعة مهملة.
وما أن أصبحت كلفة الهواتف الذكية والاتصال عبر الانترنت من الأساسيات متاحة بالنسبة لقسم أكبر من الشعب العربي، دخلت الأسواق مجموعة من الكمبيوترات الصينية المحمولة زهيدة الكلفة، ووسعت أفق إمكانيات موارد الإبداع. وتحولت تلك الفترة إلى ذروة لأنواع الإنتاج المعرفي وتبادل الخبرات كلها: شارك الفنانون على صفحاتهم الالكترونية روابط لتنزيل برامج انتاج مجانية مقرصنة ونصائح لإتقان خطوات ما بعد الإنتاج. واجتمع صناع الأفلام والصحافيون معا وأسسوا أجهزة إعلام مستقل كانت تهدر بتفان، غير مدفوعة بحجم التمويل. كان تلك هي روح التطوع والعمل المشترك التي أنتجت جماليات قضية مشتركة. بتلك الطريقة أصبحت مساحة الإبداع، للمرة الأولى، متاحة أكثر من تلك التي تتخطى مجال القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة العليا. وقاد ذلك، ولو لفترة وجيزة، إلى شبكة واسعة من التعاون العضوي، إن كان بين حركات الاحتجاج، أو المتضامين عبر اتصالات الفيديو، أو الفنانين المستقلين. والفضاء الرقمي المشترك قدم لمحة عن حسنات ربط الناس داخل جسم عربي قطعته الحدود المصطنعة التالية للاستعمار واحتلال عسكري يطعن قلبه منذ 1948.
جماليات الثورة
بعدما نجحت التحركات الشعبية في جعل أنواع جديدة من الروابط الاجتماعية ممكنة، بحلول بداية 2013، كانت التجسيدات الموسيقية للوقائع المحلية ما زالت تعكس ظلالا من الخطاب العربي الجامع. ولكن، مع نهاية 2013، ساد إحساس من الاستسلام حفزه الإدراك بأن الموسيقى الحاملة للرسائل السياسية لا يمكنها أن تحقق سياسة منظمة. بعدها، انحسرت الانتفاضات وانسابت قبل أن تتحور بفعل التشظي، والقمع الشديد، والنزاعات الأهلية؛ مع حلول ربيع 2014، بدأ الطلب على الموسيقى الملتزمة سياسيا يصبح محصورا بدوائر اجتماعية محددة. في ذلك الوقت، كان فنانو الموسيقى البديلة قد حصدوا اعترافا سمحت لهم ببعض الاستدامة. حين فرغت الشوارع، انتقل الفنانون إلى النوادي، والمقاهي الفنية، والمراكز الثقافية، والمهرجانات الموسيقية التي ترعاها مجموعة متنوعة من الجمعيات غير الحكومية، ومشروب الطاقة "رد بول"، وعدد كبير من المثقفين من أبناء الطبقة العليا التحرريين الذين نمّوا مذاقا للمواهب الهدامة.
في مصر ما بعد مجزرة رابعة، أجبر الفنانون الملتزمون سياسيا على الفرار أو البقاء وقطع علاقاتهم بميدان التحرير والسياسات التي ولدت في 25 يناير 2011. بعدها بقليل، برزت وجوه جديدة على ساحة الهيب هوب المصرية يؤدون على مسارح مضاءة في أماكن السهر والحفلات الغنائية السائدة، يغنون في مديح الاستقرار. حين توقفت النوادي ومنظمو المهرجانات عن الاهتمام بالأغنيات السياسية، ذهب الفنانون الذين كانوا قد وجدوا أصواتهم خلال الانتفاضات في جولات في أوروبا وفي أميركا الشمالية. وقدم هؤلاء الفنانون، الذين كانوا قد غادروا مصر للتو، قصصا مليئة بالحنين عن مسرح الثورة إلى أبناء الشتات المشتاقين، ضمن أمان وعزلة الدول التي تبنتهم، فيما كان الوضع في البلاد يبدو قاتما. ووجد فنانون مصريون آخرون وظائف في مجالي التسويق والإعلانات وانتقلوا إلى الإمارات العربية المتحدة، التي لم تمنعهم من انتاج راب جريء أو مكتئب، إلا أنها صفّت الإشارات السياسية كلها التي كانوا يسكبونها في أغنياتهم السابقة. والعديد من فرق الموسيقى البديلة التي بقيت في مصر أرغمت على إنتاج موسيقا عن حسنات الاستقرار والأمن الذي حمله النظام الجديد.
شهد صيف 2014، منحى جديدا تمثل بإقامة مهرجانات موسيقية متخصصة في العديد من المواقع والمناطق العربية في الصحراء، وفي نوادي بحرية خاصة الملكية، أو في الجبال ضمن خصوصية النوادي الريفية، حيث دعي فنانو الموسيقى البديلة لأداء أغنياتهم المشحونة سياسيا أمام جمهور مختار. وتفاعل كثيرون في الجمهور مع توليفات تجمع نماذج من إيقاعات وألحان الموسيقى العربية قديمة الطراز وأصوات الباص العريضة، ووقع آلة الدرام 808. وكان ذلك أيضا زمن التحول الذي انتزع التعبير السياسي من لحن جماعي وانزلق نحو نهج من الهذيان المبسط المنمق الفرداني. وكان وقت شهد بداية خيبات الأمل وبدأ إحساس بالوحدة المحبطة يزحف خارجا من الميكروفونات. في وقت لاحق، وبنظرة استرجاعية، بدا أنه حين خنقت الرواح الجماعية للانتفاضات حتى الموت، بدأت الموسيقى المعبرة سياسيا تنحو باتجاه مسار إنساني/حقوق-فردية.
[صورة (6): الإسكندرية-مصر. رسم جداري بالأحمر يقول: يسقط. ورسم الساعة يقول: انتهى وقتك انتهى يا مجلس. (الصور بعدسة الكاتب)].
في 2014، كانت الحرب السورية قد أسفرت عن موجة أخرى من اللاجئين الذي وصلوا ورفعوا الساحة الموسيقية في لبنان. أعاد الفنانون السوريون الذي فروا إلى بيروت إحياء الساحة الفنية اللبنانية عامة، وأحدثت موهبتهم ونجاحهم موجة شوفينية لبنانية. أصبحت العروض التليفزيونية اللبنانية قابلة للمشاهدة بفضل دمج ممثلين ومخرجين وتمويل من سوريا. ومن خلال الاهتمام الدولي الذي تركز بصورة كثيفة على اللاجئين السوريين، وجد الكثير من الفنانين السوريين الملجأ والرعاية لمواهبهم. لذلك، لدى وصول موجة من مغني الراب السوريين إلى بيروت في 2012، تلتها موجة أخرى في 2014، كان زخمهم المبدع معديا ومنعشا. وهذا النزوح الجماعي وجد في بيروت فرقة الراب "مسوخ" وهي أصوات متعددة من مغني الراب السوريين، والفلسطينيين السوريين، واللبنانيين، ابتكروا ثقافة فرعية من حولهم. وكان أفراد فرقة الراب، مع معجبيهم وأصدقائهم، يتأرجحون جيئة وذهابا، للسكن والعروض الحية، بين حيي الحمرا ومار مخايل السياحيين في بيروت.
فيما كنت مستمرا في عملي كمنسق أغان في أيام نهاية الأسبوع في عدد من أماكن السهر حول بيروت، كنت أحرص على الإبقاء على أغان برسائل سياسية على قائمة ما سأقدمه. وعلى نحو ملفت للنظر، بدأت حينها أتلقى المزيد من الطلبات من أماكن السهر حيث أعمل بألا أقدم "أشياء سياسية اليوم." وحين لم أكن أعمل، كنت أذهب إلى حفلات الراب كلها، ولكن، وفيما كان الوقت يتسلل، بدأت ألاحظ تغييرا في الجمهور. حينها انتبهت كيف أن الدفعة الأولى من الناس الذين كانوا يحضرون تلك الحفلات الموسيقية (2011-2012) كانوا يأتون إلى المكان وكأنهم يشاركون في مظاهرة: يقفون كتفا على كتف أمام المسرح ويدربون آذانهم على انتظار تلك الجملة الوحيدة التي أتوا من أجلها؛ اللازمة الوحيدة التي كانوا يقولونها بطرق مختلفة: الشعب يريد تغيير النظام. انتبهت أنه بعد الانقلاب في مصر في 2013، بدأ تغيير تدريجي في الجمهور. في إحدى الليالي، كنت أعمل في ناد وحين لعبت أغنية باسم يوسف الساخرة توقف عدد كبير من المتواجدين عند ساحة الرقص عن الرقص فيما كان الكلام يتوالى. سألت إحدى النساء إذا كان من الممكن أن أشغّل أغنية لروبي عوضا عن ذلك. بحلول صيف 2015، باتت هناك مجموعة مختلفة من الشباب، كانوا مراهقين في 2011 ونمّوا مع الوقت ذوقا للإيقاعات الالكترونية الرائجة الموضوعة فوق جمل عربية مثيرة للجدل.
بحلول ذلك الوقت، كان الجمهور قد شكّل ألفة متزايدة مع الفنانين المؤدين، بواسطة التواصل الحميم اليومي عبر فيسبوك. وترجمت هذه الحميمية الجديدة حفلات تستهدف ما يبدو وكأنه تجربة مفصّلة على مقاس شخصي. تجاوز المستمعون الآن الإحساس الجماعي المحيط في تجاربهم بالاستماع. لم تعد بحاجة لأن تكون جزء من الحشد المبتهج؛ كنت تعيش تجربتك الخاصة مباشرة مع الفنان. هي ظاهرة استماع تشرحها ريا الزين على أساس إنها "الشيء الذي يجعل المستمعين ينصتون بعناية وبانتباه في حفلات الراب العربية، والتي تستند فعليا على كون المستمعين قادرين على الإنصات وحدهم قبلها (أو بعدها) – وهي فعليا ذلك الإحساس الذي يسأل ماذا سيقول المغني مما يجعلني أغير رأيي في ما أعرفه أو أبدله أو أبصق عليه؟".
يبدو أنه حين بهتت الثورة من الخليط، لم يبق منها إلا الجماليات التي ولّدتها. أحيانا في تلك الحفلات، يمكن للمرء أن يتعرف على وجوه أبناء وبنات أكبر أثرياء البلاد، يرتدون للحضور إلى مناسبات جذرية من هذا النوع أكثر الغنائم كلفة في المدينة، حريصين على مظهر أنيق وشعبي في الوقت ذاته. وكان ظهور بنطلونات جينز من ماركة "ترو ريليجن" والقمصان الأصلية التي تحمل رسومات لبانسكي في هذه الحفلات يمثل فردية من دون أي رمزية طبقية بديهية ظاهرة (إذا تغاضيت عن أجهزة هواتف "آي فون" وثمن كل منها ألف دولار التي كانوا يأخذون صورهم الشخصية (سيلفي) بها).
انشطار نووي
في أب/أغسطس 2015، حضرت حفل راب في بيروت عنوانه "شدّ عصب". ذهبت إلى الحفل في تلك الليلة مدفوعا بالفضول الذي أثاره عنوانها. في الكواليس، جلست مع مغنيّ الراب السبعة الذين كانوا سيقدمون عرض تلك الليلة لأعرف سبب اختيارهم لعنوان مماثل لحفلهم. وأجمع مغنو فرقة "مسوخ" كلهم على أن "شد عصب" كان صرخة من أجل "تحفيز روح الجماعة"، في مرحلة ما بعد الانتفاضات حين كانت الخيبة والشعور باليأس يخيمان على الشباب العربي المسيس حديثا.
خارج المسرح، في "مترو المدينة"، اختلطت مع الجمهور الذي تجمع بالقرب من البار في ممر ضيق وهم يشربون، ويدخنون، ويكثرون من الثرثرة. أخبرني شاب أنه يستمع إلى الراب العربي بسبب "بلاغة التعبير الخطابي واستخدام اللغة العربية." ثم وجدت نفسي منجذبا نحو النظارات الضخمة التي تستخدمها امرأة في مطلع العشرينيات من عمرها، وهي تسترق السمع إلى حديثنا. كانت ترتشف من كأسها وتحمل سيجارة. سألتها ماذا يعني لها هذا النوع من الموسيقى. فكرت لبرهة ثم قالت، "أنا نصف سورية ونصف يمنية، ومفهوم الهوية والانتماء شكل بالنسبة لي دوما معضلة لم أتمكن من حلّها". حين سألتها عما تقصده بهوية، وضعت كأسها جانبا، وأوضحت بين نفخات من الدخان كيف أن الموسيقى، على مستوى شخصي حميم، بدت وكأنها تتكلم معها. "حين دخل الراب العربي عالمي بعد الانتفاضات، عكس هذا النوع من الموسيقى الأفكار ذاتها التي كانت تدور في رأسي، والتي لم يكن بإمكاني التعبير عنها كما يفعل الراب العربي. الراب العربي أعطاني مفهوما واضحا عن هويتي."
كان هذا الحفل في بيروت صرخة راب تناول أوجه الظلم الاجتماعي بلغة المجتمع المدني وانتهى بنبرة عالية. وقدم مغنيا الراب السوري درويش واللبناني بو ناصر مساهمتهما في نهاية الحفل. وأشعلت أغنيتهما الجديدة الكثيرين في الحضور، الذي كانوا يصيحون معيدين اللازمة الجذابة وصولا إلى الشارع بعد الحفل: "حيّ على خير الشغب". وتحولت كلمات أغنيتهما إلى ملزمة وشعارات على الجدران خلال الاحتجاجات التي اندلعت احتجاجا على أزمة النفايات التي شهدتها بيروت في ذلك الوقت. وكان عنوان الحفل يجسد قلقا غير معلنا: في غياب الموجة الكبيرة من الجماهير المحتجة، كانت الروح الجماعية التي ولّدت ذلك النوع من التعبير الموسيقي قد بدأت تتبخر.
بعد شهرين من حفل "شد عصب"، أدى أفراد فرقة الراب "مسوخ" معا واحدة من حفلاتهم الأخيرة قبل انقسامهم ومن ثم سقوطهم. كانت ليلة مريعة من شهر تشرين الأول/أكتوبر. كانت تلك الليلة مؤشرا على نهاية طريق حركة الاحتجاجات المتضائلة التي لفّت وسط البلد في بيروت في صيف 2015. بعد المغيب، هبت الرياح، وأعلنت نسائم الخريف لاذعة البرودة نهاية زخم شهرين من الاحتجاجات، وشعر الكثير من الشبان وكأنما الحفلة قد انتهت، ولكن لم يكن أي منهم راغبا بالعودة إلى المنزل. في ذلك الوقت قررت "مسوخ" حمل الاحتجاج إلى مسرح "مترو المدينة" في الحمرا. انتقل الخبر بين الناس بسرعة، وبعد ساعتين من الوقت أصبح المكان الواقع تحت الأرض مكتظا بأجساد محتشدة باكتظاظ وصولا إلى طرف المسرح. كان الدخول مجانيا في تلك الليلة بما أنه لم يكن باستطاعة مالك المكان إلا التعاطف مع الأعداد الكبيرة من الوجوه المتعرقة والعيون المذهولة المشحونة بالأدرنالين، والتي كانت تصل أفواجا إلى مسرحه الصغير. تمكنت من إحصاء خمسة أو ستة من أفراد الشرطة السريين. وقفوا مصدومين وسط حشد كان يعرف كيف يستمع ويستجيب إلى مغني الراب السبعة الذين كانوا يصيحون في ميكروفوناتهم ويومئون بشكل محموم على المسرح. في منتصف ذلك الحفل العجيب، حصل تدخل كان مؤشرا على الأخطاء التي كانت قد بدأت تُفسد خلية العصب الجماعية. قفز شاب فجأة صاعدا إلى المسرح وبدأ يرقص وهو يهز جسده بعنف بطريقة تشبه أداء الرقصة الأخيرة لعصفور مذبوح. كان حسن رابح، وهو راقص سوري وجد ملاذا في بيروت وأصبح جزء من المحيط الذي يرافق "مسوخ" خلال الاحتجاجات، اعتلى المسرح وشرع يدوس عليه بسخط. وفيما كان يتعثر بالأسلاك ويتخبط بين مغني الراب الكثيرين على المسرح، حول رقص حسن الارتجالي حفل راب مؤقت إلى ما يشبه الأدغال الصاخبة. وبدأت ألاحظ كيف أنه كلما بدأ يشعر بزيادة الضغط عليه، كلما نشط، دافعا دوران رقص جسده إلى الرقص بقوة أكثر. وبدت تصرفات حسن على المسرح، وكيف أسرع لحظر مغني الراب الذي كان يحمل الميكروفون، وكأنه يحتج على إبعاده عن العرض. أطلق شخص من الجمهور صوت استهجان، تلته صيحات منسقة، تطالب حسن بالنزول عن المسرح. وقد حفز ذلك حسن وبدأ يحرك جسده بقوة أكبر بعد. حين أوقفت الموسيقى بغتة، أدرك أنه قد شدّ على عصب أصدقائه، مغني الراب على المسرح. وفي مشهد حزين، تمت تنحية حسن عن المسرح.
دلت تلك الليلة من شهر تشرين الأول/أكتوبر أن الطاقة اللازمة لاستنهاض العصب الجماعي التي استدعيت في آب/أغسطس، خلال عرض "شد عصب"، وحافظت على صخبها خلال الاحتجاجات، كانت تصل إلى نهاية محبطة. انهارت المعنويات حين سقط كل شيء ومعه إدراك بارد أن الوضع الاجتماعي-السياسي كان يعود ليصبح أسوأ مما كان عليه قبل بداية احتجاجات النفايات. ربما كان حسن يحاول أن يعبّر عن كل ذلك الرعب الصامت بحركاته الراقصة تماما كما كان مغنو الراب على المسرح يحاولون التعبير عنه بكلمات أغانيهم.
كان الشعور غير المعلن الذي بدأ الكثيرون منا بإدراك وجوده هو أنه في الشهرين اللذين سبقا، خلال احتجاجات النفايات، سمعنا الكثير من التأكيد الصارخ على الـ "نحن"، ولكن في كل اختبار جماعي للفعل السياسي المباشر، كانت المصالح الفردية قصيرة المدى تسود. وحل المشهد المحير في الصدارة حين بدأت تصفية الاحتجاجات وتأطيرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع استعراض الـ"أنا". بعدها خمس سنوات من الانتفاضات العربية، بدا أداء الذات خلال التظاهرات في صيف 2015 على أنه المشهد الأكثر أهمية. حين فشل الصخب في تحقيق نمط منظم من السياسات، ترك الذين انجذبوا إلى وهم الجماعة أيتاما.
في صيف 2016، كانت موجات الهجرة إلى الشمال في أوجها. وضّب العديد من فناني الفنون البدلية كمبيوتراتهم وأنغامهم وهاجروا إلى أوروبا، وكندا والولايات المتحدة. أصبح أعضاء فرقة الراب الفلسطينية "الكتيبة 5" لاجئين مرة جديدة، وانتشروا عبر أوروبا. في الوقت ذاته، كانت فرقة "مسوخ"، التي دعت لـ "شد العصب" في العام الذي سبق، قد بدأت بالتحول والانقسام بسبب خلافات داخلية شخصية. لاحقا، طال الخلاف عضوين من الفرقة، السوري واللبناني الذين شكلت أغنيتهما هتاف الشوارع في 2015، وافترقا بسبب مسائل شخصية تافهة تشاجرها من أجلها علنا عبر فيسبوك. وشهد ذلك الوقت أيضا نسبة عالية من عمليات الانتحار بين لاجئين فلسطينيين وسوريين شبان في لبنان. واتسم صيف 2016 بحادثة مأساوية جسدت موت الروح الجماعية التي ولدت في 2011.
في 22 حزيران/يونيو 2016، أدى حسن رابح، الراقص في الحفل الأخير لـ "مسوخ"، رقصته الأخيرة وترك جسده بدور ويهوى من الطابق السابع، مغادرا هذا العالم للأبد. كتبت حينها تخليدا لذكراه أن حسن لم يقتل نفسه، بيروت قتلته. أتذكر رؤية حسن وهو يتسكع حول "المسوخ"؛ ومثل كثيرين، كان يستلهم من موسيقاهم وأحيانا، كما في حادثة المسرح أعلاه، كان يفترض انتماء لما كانوا يفعلونه. كان ينضم للغناء في كل مرة كانت تنظم حلقة راب في منتصف التظاهرات في 2015. ثم، ومع نهاية الصيف، كنت أجده وحيدت مدمدما جمل راب وهو يجلس على الرصيف ويدخن. كان قد فر من دمشق في نهاية 2012، وكان بإمكاني أن أخمّن في كل مرة كنت أراه فيها في الحمرا أن فقاعات بيروت الاجتماعية المتباهية الجوفاء كانت تنهش سلامة عقله. أذكر كيف كانت عيناه تغرقان في تجويفاتهما كلما كنا نتحدث. وكان يدهشني أساه الدائم، وقوله لأشياء لم تكن منطقية بالنسبة لي، ولكنها كانت كذلك بالنسبة له. كنت أشعر أنه كان دوما يحاول إيصال ما يشعر بكلمات لا يمكن أن تترجم ضخامة حجم وحدته.
بعد موت حسن بقليل، أطلق مغني الراب والمنتج السوري "الأصلي"، والذي كان عضوا في "المسوخ" وصديقا لحسن، أغنية عنوانها: الرابح حسن. في الأغنية، رثا الأصلي موت حسن، ملاحظا في أحد الأبيات كيف أنه رفض فرصة للهجرة إلى أكاديمية رقص في السويد وفضّل لبنان بالرغم من صعوباته. وأنهى الأصلي رثاءه باللازمة التالية: وهو ابن الشّام بسّ مات طير، ما مات غرقًا.
[صورة (7): الراقص السوري حسن رابح (الصورة من صفحته على فايسبوك)].
فردانية عدمية أم ترفيه؟
إغواء الترفيه الذي يقدمه الموسيقيون الذين كانوا من قبل يرفضون صناعة الموسيقى التقليدية باتوا يرون فيه اليوم وسيلة للوصول إلى الحشود والحصول على دخل مقابل مواهبهم. وشهد زمن الانقسام الجماعي ذروته حين أصبح العديد من مغني الراب من ذوي الضمير مهووسين بنزاهتهم. بحلول 2016، تسبب التحول إلى الذات المؤدية باضطراب تم التعبير عنه بالغيرة، والحسد، وسوء الفهم التي أدت إلى تحميل أغنيات تعبر عن مشكلات وأفعال مهينة بلا جدوى. كان ذلك هو مناخ التفكك الذي أدى إلى انقسام مجموعات وعمليات تعاون عابرة للحدود، فيما كان كل فنان يصطحب معه متابعيه عبر التواصل الاجتماعي.
في 2016، كان الجنرال لا يزال راسخا، يصدر أغنيات تعبر عن خيبة الأمل بالعملية السياسية التي تلت بن عزيزي في تونس. من جهة أخرى، وخلال صيف 2016، بدأت ساحة الراب في تونس (كما في دول عربية أخرى)، تتبع نمط التعبير الفردي الانطوائي. السفينة التي حملت الموسيقى المشحونة سياسيا في 2011 بدأت تبحر نحو نطاق الذاتية في الترفيه.
يقول مقال لمنصة نواة التونسية أنه "من خلال جمع شبكات وموارد فنية مختلفة معا، كان تصوّر [الفنانين] بريك وبنز لحدث "وور زون" هو توفير وسيلة للتونسيين من المناطق كلها لكي يجدوا تمكينا ذاتيا من خلال الفن. بالنسبة لهم، فإن الإبداع والابتكار والتعبير عن النفس هي العوامل التي تجعل ثقافة الهيب هوب غنية وحيوية." وكانت "وور زون" في تونس مبادرة أوجدت مساحة لمغني الراب الطموحين "لكي يعبروا عن أوجه مختلفة من هوياتهم"، بحسب سهيل قسمي، أحد الحكّام في الحدث، في المقال ذاته في "نواة".
والتحول نحو الترفيه بدأ متزامنا مع بروز نمط "اتلانتا تراب" الذي وجد آذانا صاغية بين الشباب العربي. وسريعا ما أصبح راب التراب قدوة لفنانين مثل سمارة من تونس. في بداياته، كان سمارة يتشبه بنوع الراب الذي يؤديه مغني الراب الأميركي "يونغ ثاغ". ومثل "ثاغ"، كان سمارة يستخدم أسلوبا غنائيا خارجا عن المألوف، تتم تنقيته من خلال جرعة إضافية من الخليط المعدل للصوت. في فيديوهاته، يعرض صورته الفريدة المطابقة للموضة التي تبرز اختلافه. حمل سمارة تيار الراب العربي إلى خطاب نثر يبتغي النجاح مهما كانت الكلفة؛ عاكسا نمط حياة من الاستهلاك الفاخر، والرغبة ومذهب المتع. وكانت جمله نابعة عن فقر، وحرمان وتهميش، وكان يؤديها برغبة حارقة للتنعم بالرفاه.
ونجم عن النكسات والانقسامات التي تلت الانتفاضات العربية احتقارا لدى دفعة جديدة من الشباب الذين كانوا الآن يمقتون السياسة التنظيمية ووجدوا، من خلال تعقباتهم الهائلة عبر الانترنت، ملاذا في معتقد ذاتي مصنوع من فقاعة مصفاة. بلا خوف، كان أفراد الدفعة الجديدة من مغني الراب ينسخون ويلصقون الإيقاعات، وأسلوب تلاوة الراب المحفز بالكوديين، والمستلزمات الأساسية، والصور المستخدمة في فيديوهات موسيقية آتية من أتلانتا. عبر الانستغرام، كان هؤلاء الموهوبون الجسورون يضعون غرورهم ضمن إطار من الحس المضخم يتيح إرضاء الغرائز وتصديقات متدفقة من الهواة. واتخذ شعار سمارة من العدمية والمتع بأي ثمن منحى مأساويا حين اعتقل لحيازته على المخدرات، ومن ثم سجن في دبي. وتزامن وصول سمارة مع موجة جديدة من مغني الراب المصريين الشبان، الذين كانوا يقلّدون برشاقة تركيبات التراب التي كانت ترد من أتلانتا. وفجأة ظهر العديد من "يانغ ثاغز" و"ترايفس سكوتس" في فيديوهات تدندن بالعربية حول قضايا شخصية تافهة. وشهد المحتوى فائق الفردانية للراب الذي يؤدونه، وطبيعة تلاوة تيار التراب، بداية محاكاة جو من الانشقاق الفرداني يشبه مراهقا فاسقا (بانك) يقدم أداء من الفردانية العدائية والمتمردة.
أجواء الهوية
شهدت نهاية 2016 طفرة في المستجدات الموسيقية التي جمعت بين الموسيقى الشعبية التقليدية من مختلف أرجاء سوريا الكبرى. وهذا التقديس لإعادة مزج الموسيقى والألحان التقليدية، والتي أنتجت تاريخيا خارج المدن، بدأ حين تعاونت بيورك مع مغني الأعراس السوري عمر سليمان. بعد ذلك، بدأ العديد من الفنانين السوريين والفلسطينيين بإعادة مزج أغنيات الأعراس التقليدية من الأرياف وخلطها مع إيقاعات اليكترو. وأحد أنجح الفرق ضمن هذا الهوس الجديد كانت فرقة "السبعة وأربعين" الفلسطينية. والفرقة التي شكلها أربعة فنانين من الذكور الفلسطينيين، مزجت بين جماليات أنماط الدبكة من مختلف أنحاء منطقة سوريا الكبرى وبين المؤثرات الصوتية الإلكترونية والدرام. وكان محتوى موسيقاهم فلسطينيا بالأساس منذ البداية، وأصبح ذلك صنارة تجذب المستمعين المتعطشين لتعبير فلسطيني مهجن مدمج مع إيقاع معولم. وبفضل عناوين ألبومات مثل "ساميون" و"وعد بالفورن"، نجحوا في استهداف جمهورهم الشامل. ومشت هذه الموسيقى الراقصة الجديدة على خطى اللاجئين الجدد عبر جولات وعروض في مهرجانات رقص في الشتات. والشهرة التي اكتسبتها الفرقة السابعة والأربعين، بموسيقى الدبكة الالكترونية التي كانوا يؤدونها، صاغت نوعا جديدا من الرقص أصبح يعرف ب "شامستيب" (خطى الشام).
[صورة (8): الفرقة الفلسطينية 47SOUL. أداء على إيقاع دبكة إلكتروني. اللقطة من الفيديو الكليب الخاص بأغنيتهم "دبكة سيستم" على يوتيوب].
من جهة أخرى، وجدت فرق موسيقى بديلة مثل "مشروع ليلى" نجاحا أكبر بتفرد مكانتها. أصبحت موسيقاها معروفة بشكل متزايد بين المستمعين من الشباب الذي سمعوا في موسيقى "مشروع ليلى" حنينا لأعمال فرق مثل "كوين"، واعتبروا أن الفرقة ليست مجرد مجموعة من الموسيقيين بل تجسيدا لهوية.
مع نهاية العام 2017، تواصل فرع حملة "المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" في بيروت مع "مشروع ليلى" حاثا الفرقة على "حماية اسمها من دعم المثلية كما من استغلاله" من قبل إسرائيل. وحضت حملة المقاطعة في لبنان الفرقة على رفع صوتها علنا ضد المساعي الإسرائيلية، ودعتها إلى إصدار بيان يدين ادعاءات "التضامن" الكاذبة. بعد ذلك، نشر التحذير علنا شارحا أن حملة المقاطعة أرسلت بيانا إلى الفرقة لكنها "لم تحصل على أي رد". ودفع ذلك حملة المقاطعة لنشر رسالتها علنا كتحذير من محاولات إسرائيل التقليدية للتلاعب بالتناقضات الاجتماعية من أجل غاياتها الخاصة.
في 2019، حظر منظمو المهرجانات اللبنانية الدولية في جبيل "بيبلوس" حفلا لمشروع ليلى "حقنا للدماء". وجاء إلغاء حفل "مشروع ليلى" من المهرجان بطلب من الكنيسة المارونية، التي اتهمت الفرقة بالتجديف وإهانة الطقوس الدينية المقدسة. ودعما للبيان الصادر عن المسؤولين الدينيين الموارنة، أصاب العديد من اللبنانيين حال من الهيجان مطالبين بإلغاء الحفل. واتخذ السخط العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي شكلا رهيبا في خانات التعليقات فاقم إلى مستوى خطير رهاب المثليين الذي تلاه تهديدات بالقتل لأفراد الفرقة. وتفجرت حال من فوضى الأصولية المسيحية الشوفينية عبر منصات وسائل التواصل صدمت العديد من النخب من ذوي الثقافة الغربية في لبنان. وفي فعل تضامني مع الفرقة المحظورة، أدى يو يو ما على التشيللو أغنية "طيف لـ "مشروع ليلى" في نهاية عرضه في مهرجان بيبلوس في لبنان.
في المغرب في 2019، تسببت فرقة "مشروع ليلى" بموجة من الخلاف شبيهة بالتي أحدثتها في مصر قبل ذلك بعامين. وأثار عرض "مشروع ليلى" في "مهرجان موازين" على "مسرح محمد الخامس"، السخط بين المغربيين بعدما قام أحد الأشخاص من الجمهور برفع علم قوس القزح الخاص بالمثليين والكوير. ولم تكن تلك هي المرّة الأولى الذي يشهد هذا المهرجان أفعالا تثير استياء الكثير من المغربيين. قبل حادث راية قوس القزح مع "مشروع ليلى"، أدينت جنيفر لوبيز لارتدائها زيا لا يحترم عادات البلاد وتقاليدها.
في 2017، رفع علم قوس القزح في حفل لـ "مشروع ليلى" دفع "نقابة المهن الموسيقية" في مصر إلى حظر الفرقة من الأداء أو المشاركة في حفلات في البلاد. تلا حفل مشروع ليلى في مصر قصة سارة حجازي المأساوية، التي كانت قد رفعت راية قوس القزح. اعتقلت سارة وتعرضت للتعذيب في مصر، ثم دفعت إلى المنفى. في 2020، انتحرت بعد معاناة قاسية من الاكتئاب. ومدحت سارة، التي كانت مطورة برمجيات وكوير ناشطة، من قبل كثيرين عبر مواقع التواصل عقب صدور خبر انتحارها. حين قرأت الكلمات الأخيرة التي كتبتها سارة، لم يسعني ألّا أفكر بحسن رابح الذي أنهى حياته في 2016.
في البداية، لم أتمكن من فهم القاسم المشترك بين حسن وبين ساره. ثم أدركت أن الإثنين يمثلان نوعا من المعاناة من الوحدة بدأ الكثير من الشباب العرب يعانون منها في فترة ما بعد الانتفاضات. وكأنما الشرخ بين الواقع الصعب وبين الواقع الافتراضي خلق شعورا بالشك الحارق لدى الذين أحسوا، ربما، بأنهم جزء من جماعة أو تيار لم ينجز بينهم حين كان ضروريا.
وخلق إسقاط أي درجة من الظلال السياسية على التعبير الموسيقي ضحايا جدد في مصر في 2018 حين أصدر رامي عصام من منفاه أغنية أخرى شديدة اللهجة: "بلحة". والكلمات الجذابة للأغنية تحقر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، محدثة جرحا في الكبرياء أسفر عن اعتقال ستة أشخاص. أحد الذين اعتقلوا في 2018 كان شادي حبش مخرج الأفلام البالغ من العمر 24 عاما، لأنه قام بإخراج فيديو "البلحة". في 2020، توفي المخرج الشاب داخل سجن "طره" سيء السمعة في القاهرة، "لأسباب صحية لم تحدد بعد". وقدمت أغنية "البلحة" تحديا ساخرا حاذقا للجنرال الذي تحول إلى رئيس. ورد الفعل القاسي للنظام المصري على تهكم موسيقي مدّته أربع دقائق ونصف الدقيقة، أظهر مستوى التشدد وانعدام الاستقرار إزاء أي شيء يذكر الناس بروح 25 يناير 2011. وكان سحق الذين كانت لهم أي صلة بإنتاج "البلحة"، رسالة نقلت بوضوح مفادها أنه بعد انقلاب 2013، فإن النظام العسكري في مصر شديد التيقظ وعازم على خنق أي تعبير يحمل نفحات من ذكرى تلك الفترة التي شهدت تعليقا مؤقتا لعوائق الخوف.
[نشر المقال بالانكليزية على «جدلية». ترجمة هنادي سلمان].