[وائل سلطان شاعر عراقي صدر له التحليل النفسي للوردة، مجموعة شعرية عن دار الرافدين].
ساعة في منزلٍ مهجور
مثل ساعةٍ تدقّ بأعلى صوتها،
في منزلٍ مهجور
أنا أحبّكِ، وأكتبُ عنكِ،
وأصفُ إغفاءتَك وأحرس نعاسَك،
لكنّ كلّ هذا لا يمنع الموتى
من كسر جرّة الدمعِ على زهرةٍ ذابلة!
لم يموتوا جيدًا
أعرفهم من دموعنا الواثقة!
لكنّي أحبّكِ
وتُغمَضُ عيناي نصف إغماضةٍ،
مثل طيرٍ ينزفُ،
ويمسّ بأجنحته بحيرةً هادئة
صِفي هدوئي، صفي لمستي، ارسميها؛
لئلا تضيعَ، وانسَيها؛ لئلا تموت
دعيني أُرد من الحياةِ أكثرَ،
أنا ولدتُ أحمل فانوسًا، به رمادٌ أخير لبراءة العالم
أحملهُ ولا أدري أينَ أذهبُ،
علقتهُ عاليًا وابتعدتُ،
قربَ ساعةٍ تدقُ بأعلى صوتها، في منزلٍ مهجور..
آسِفٌ حقًا،
لقد جئتُ إليكِ،
بيدينِ فارغتينِ، ودمعةٍ جفّفتها الريح
وكل ما أريدهُ هو:
أن تعانقيني، الآن،
قد يكونُ لهذا الصمتِ معنى.
●
يهبط الليلُ وئيداً على الحديقةِ،
ويحضنُ العشب – في قلبهِ – أصوات مَن عبروا،
ومَن وقفوا على صمتهم..
حينَ كانت الحديقةُ تنامُ على نفسها، لفرطِ ما اكتظ قلبها بهشاشة الذكرى،
غير آبهةٍ لمعنى أنْ تكون بلا أحد!
وفي الليل، حينَ تُغمضُ أعينُ الناس،
تفتحُ الطبيعةُ عينها في كلّ مكان
في الكلمات التي تُركت على مقعدٍ متسخ،
في الأزهار المنزلية،
في رجُلٍ يراقبُ الحديقة وفي قلبهِ تنبض امرأةٌ نائمة،
في زهرةِ العاشقِ يابسةً في دفتر المعشوق،
و في دمِ العالم الذي يفورُ في الأعماق...
مأخوذةً بكلّ ما يمكن أن يرى المرء في حياته ويعرف،
لدرجةِ أن تظلّ صامتةً للأبد!
أتقاسمُ مع الحديقةِ بهجة الصبحِ وحكمة الليل
وصبرها على الدنيا التي تتغيرُ أسرعَ من نظرة الشاعر العاطفي
مثلها مختنقٌ بالمسافة التي لا أجتازها بالكلمات، بالطريق التي لا ظل لها
وبالحياة التي تنمو في الظل مثلَ عشبةٍ مضرّة!
وبها أطردُ صورتي من خيالي
وأحاول الهربَ، هذا المساء
في الحديقة العامّة،
مثلَ ملاكٍ يركضُ خلف الريح ناسياً جناحيه!
[هذا النص ضمن ملف عن الشعر العراقي].