على غير العرف السائد، ترافق انطلاق كأس العالم 2022 في قطر، مع إطلاق مجموعة أغنيات رسمية، وليس أغنية واحدة فقط، فكيف بدت هذه الأغنيات وكيف تمايزت؟
هيا هيا
قبل 7 شهور أطلق مونديال قطر 2022 أولى أغنياته الرسمية: "هيا هيا"، التي اشتغلت على كلمة شائعة الاستخدام في مثيلاتها من الأغنيات، فـ"هيا هيا" هي ذاتها Allez Allez بالفرنسية، والتي اعتمدت عليها أغنية ريكي مارتن لمونديال فرنسا 1998، وكذلك ذاتها Wakka Wakka بالسواحلية في أغنية شاكيرا لمونديال 2010 في جنوب إفريقيا، لكن الأهم من ذلك هو اعتناء المنتج الموسيقي بترجمة روح الكلمة موسيقيا إلى العربية، وعندما نتحدث عن ريد ون، فهذا يعني أن أمرا كهذا لن يفوته.
أحسن ريد ون، الموسيقي المغربي العالمي، استخدام ثيمة لحنية تلائم حماسة كأس العالم، لكن ضمن إطار عربي يعبر عن الثقافة الجزيرية العربية، انطلاقا من الروح القطرية، فأشرك في الأغنية الفنانة عائشة القطرية، والتي بدت في الكليب بلباس عربي يكمل الصورة اللحنية، إلى جانب كل من المغني الأميركي ترينيداد كاردونا، والمغني النيجيري دافيدو، وبضربة واحدة جمع ثلاث قارات، واختار إيقاعا رائجا في مجمل الثقافات، لكنه يتخذ لونا توزيعيا مختلفا في كل ثقافة، إيقاع الرومبا المسرّع، واختار في الإنترو تقديم الإيقاع بالتوزيع الخليجي، مع صوت المجاميع بالتوزيع ذاته يرددون عبارة "هيا هيا"، وبسهولة انسحب من الطقس الخليجي العربي إلى الطقس الأميركي، إذ أبقى على الإيقاع نفسه ولكن بالتوزيع الغربي، مع دخول كاردونا، وكما دخل على هذا النحو من الانسياب، خرج على النحو ذاته، إلى الإيقاع بصورته الخليجية مطعّما إياه بالعود، أما ما يؤخذ على الأغنية فأنها لم تفرد مقطعا باللغة العربية كما فعلت سابقاتها تقديرا للغة البلد المضيف، فحتى عائشة القطرية غنّت باللغة الإنجليزية.
ارحبوا
الأغنية الثانية التي أطلقت في آب الماضي، كانت "ارحبوا" والتي قام عليها ريد ون أيضا منتجا موسيقيا، وقدمها المغني الأميركي إيبيك غيمز والبورتوريكي أوزونا، هذه الأغنية اقتربت من الطقس الموسيقي الجزيري أو الخليجي أكثر، حيث استخدم ريد ون في الإنترو إيقاع السامري السعودي ولكن على سرعة تفوق 3000، ما أمكنه من مزجه بإيقاع إلكتروني غربي.
تبدأ الأغنية بصوت كورال بنكهة خليجية يردد: "هلا هلا هلا بيكم حيهم ارحبوا"، وقد تفوقت هذه الأغنية على سابقتها من حيث المزاوجة واقتناص الروح الخليجية.
لايت ذا سكاي
المفاجأة الثالثة من أغنيات المونديال كانت أغنية لايت ذا سكاي، وهي أيضا من إنتاج ريد ون، لكنها اقتربت من المحيط العربي من حيث المغنين، فيما ابتعدت من حيث التوزيع كل الابتعاد، فقدمت الأغنية كل من بلقيس فتحي من اليمن، ورحمة رياض من العراق، ونورة فاتحي الكندية من أصل مغربي ذائعة الصيت في بوليوود، ومنال من المغرب، الأغنية تقدم اقتراحا حداثيا قوامه ركوب الموجة الموسيقية الدارجة لقول ما هو ليس دارجا، فميزة هذه الأغنية الأساسية الإيقاعات الصاخبة والمزج الذي راعى التفاصيل، ومنح كل صوت إطارا ملائما له، اللحن أيضا ذهب بعيدا في التجريب، حتى اقترب من أداء فرقة Fifth Harmony، وأسهم الكليب أيضا في دفع هذه الأغنية قدما، حيث قدم النجمات الأربع على نحو مذهل.
اللازمة التي تم الاعتماد عليها كانت عبارة "هيا هيا" مدموجة مع جملة إنجليزية "every body light the sky-a" وركزت الأغنية على توصيف الثقافة العربية الواقعة بين الشرق والغرب.
توكا تاكا
قد تكون أغنية توكا تاكا الأكثر إثارة للجدل في المحيط العربي، والسبب يعود لمشاركة ميريام فارس بها، أو لشكل هذه المشاركة، على نحو أدق، حيث ظهرت بصورة جريئة أثارت الجماهير مؤيدين ومعارضين، فمنهم من انتقد تنميط المرأة العربية بصورة الجارية أو الراقصة على رمال الصحراء، ومنهم من رآها اجتهدت وحاولت تقديم صورة تمزج الجرأة بالروح الشرقية، لكن هذه الأغنية لم تحظ تحت وطأة هذا الجدل بقراءة حقيقية، الأغنية شارك في أدائها إلى جانب ميريام، كل من المغنية الترينيدادية نيكي ميناج والمغني الكولومبي مالوما، وفي تقديري لم تفلح بالقفز عاليا عن أغنيات ريد ون، فجاءت ريذمية أكثر من اللازم، دون الاعتماد على الموسيقى مطلقا، حتى اللازمات الموسيقية استخدمت الفوكالز بدلا عن الموسيقية الإلكترونية أو الآلاتية، إلا أن الإيقاعات ذات التوزيع الخليجي والإنترو ولازمة "توكو توكو توكا تا"، اشتغلت على حس التحميس بشكل جيد، أما المقطع العربي الذي قدمته ميريام فلم يكن على السوية المطلوبة، كلمات مجانية غير مترابطة ولا تنتمي إلى لهجة عربية محددة أو بيّنة، وترافقت مشاركتها مع اعتذار شاكيرا عن المشاركة بأعمال المونديال الفنية، فهل حلت ميريام بديلة؟ وهل استطاعت أن تقدم أداء مكافئا؟
الحالمون
أما أوبريت "الحالمون" الذي قدم ضمن سبع لوحات في افتتاح المونديال، فكان خاطفا بسبب مشاركة نجم فرقة BTS الكورية جنغ كوك، وإلا لما كان سيحظى بهذا الاستقبال، إلا أن مشاركة الفنان القطري فهد الكبيسي فيه منحته امتيازا خاصا بالنسبة إلي، إذ لم يظهر المغني بإطلالة منسجمة مع إطلالة جنغ كوك، بل حافظ على هويته من خلال الزي التقليدي القطري، وهو ما انعكس على سلوكه أيضا، فكانت الرقصة متزنة والحركة مدروسة.
أغنيات موازية
وبالتوازي مع هذه الأغنية التي أطلقتها المنصات الرسمية للفيفا ولمونديال قطر 2022، انطلقت أغنيات من منصات أخرى أيضا مثل قناة الكاس، أرض المونديالوأهداف أبديةوديرة الخير وغيرها، ومن إنتاج قطر للطيران قدم الشاب خالد أغنية Champions، التي فاقت ألبومه الأخير توزيعا ومزجا ولحنا وإيقاعات، وربما من حيث الكلمات أيضا التي كتبتها سميرة ديابي، فيما أنتجها روجر سعد المعروف بـ"دي جي رودج" المنتج اللبناني الذي نفذ مع الشاب خالد من قبل أغنية "اسمها بيروت"، في الأغنية ثمة ثلاث لغات: الإنجليزية والفرنسية والعربية، وكعادة الشاب خالد ثمة إتقان للّكنات جميعها، الأغنية جاءت متحررة من فكرة إقامة كأس العالم على أرض عربية، لكنها اكتحلت بمفاصل إيقاعية عربية جميلة، كدخول إيقاعَي البلدي والمقسوم، وسط الإيقاعات الإلكترونية.
هذه الباقة على اختلاف ألوانها وصناعها، تقاطعت باتشاحها وشاحا عربيا أو شرقيا، تحقيقا لرسالة المونديال، إلا أن الصولة الكبرى كانت من حظ ريد ون، الذي نجح في اصطياد المشهد موسيقيا من زاوية سانحة بالنسبة إليه، كمنتج موسيقي عابر للثقافات.