موجز المقال
تبحث هذه المقالة على جزئين في عملٍ سينمائي وثائقي يعود إلى عام 1957 تحت عنوان "برنامج الإسكان العراقي". وقد احتوى هذا التسجيل السينمائي على لقطاتٍ نادرة لعشوائيات الصرائف (أي تلك الأكواخ المصنوعة من القصب والطين) التي كان يسكنها مهاجرو الأرياف في مدينة بغداد في منتصف القرن المنصرم. وقد تم إنتاج ذلك الفيلم - الذي لم يكتمل أو يبصر النور – من خلال تعاونٍ بين المهندس المعماري اليوناني كونستانتينوس أ. دوكسياديس والمخرج ديميتريوس غازياديس، حيث قام الأخير بتصوير الفيلم ومونتاجه بين بغداد وأثينا. وتمثّل الغرض الأساسي من وراء الإنتاج حينها في إضافة الفيلم إلى عرض مكتب "دوكسياديس وشركاه" في معرض الإسكان القومي العراقي وتسليط الضوء على مشاريع الإسكان الحديثة التي صممها المكتب. وقد تم تصوير هذا الفيلم خلال فترة استخدمت فيها العديد من ممثلي نظام الدولة للفيلم الوثائقي باعتباره وسيطاً تمثيلياً ضمن محاولاتها لإعادة تعريف حدود مفاهيم المواطنة العراقية. وبذلك، يقدّم هذا الفيلم الوثائقي بوابةٍ سينمائية لبغدادَ أخرى صُوِّرَت باعتبارها مشكلة تنموية. وعلى خلفية تلك المناظر، ينتقل الفيلم في مَشاهِده اللاحقة لرواية الحلول المقترحة لتلك الأحياء العشوائية من خلال وضع إحدى عائلات الصرائف في منزل حديثٍ خُصِّصَ لذوي الدخل المنخفض، وذلك بقصد تحفيز الخيال التنموي للفيلم. كما يعرض الفيلم مفهوم ملكية العراقيين الشاملة للمنازل كشكل من أشكال المواطنة التي تقدّم المنزل باعتباره أداةً لتيسير الاتفاقات المالية والقانونية والاجتماعية بين مهاجري الأرياف والدولة العراقية. ومن خلال استجوابه للتساؤل المنهجي المتعلّق بكيفية تجميع أرشيفات المواقع المؤقتة وتوابعها، يقترح هذا المقال توسيع مفاهيمنا حول ماهيّة الأدلة التاريخية لحصد استيعابٍ أفضل للعلاقات المتشابكة ما بين العمارة والسياسات التنموية، وتمثيلاتها في وسائل الإعلام.
المشهد الثاني: تنظيم المشكلة
تم العثور على فيلم يعود إلى يوم الجمعة 3 أيار من عام 1957 خلف السدة [السد الشرقي] في بغداد.
يبدأ الجزء الأول من فيلم "برنامج الإسكان العراقي" بلقطة افتتاحية لطريق يبدو نهر دجلة وراءه{1}. يملأ المشاة والحافلات والسيارات والدراجات والشاحنات الشارع، وتنتقل العدسة بعدها إلى مشاهد من شارع الرشيد، وتمثالٌ للملك فيصل الأول معتلياً الخيل، وضريحٌ ذو ثلاث قباب، ومقاهٍ على ضفة النهر ونافورة للمياه. يحل الليل فجأة في المشهد التالي، وتومض لافتات النيون بإعلانات للخطوط الجوية الهولندية والألمانية، إضافة إلى إعلان لشركة شيفروليه للسيارات. ينظّم رجال الشرطة حركة السير بجوار إشارة للمرور. يصبح الليل نهاراً ويتحول المشهد إلى لقطة لجسر الملك فيصل.
[شكل 1: العاصمة، أكبر عشوائية من الصرائف بعد السد الشرقي في بغداد. البكرة الأولى، سالب الصورة، برنامج الإسكان العراقي/ 29200، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس، 3:16. مؤسسة كونستانتينوس وإيما دوكسيادس].
لا تحتوي هذه الأجزاء من الفيلم على أي صوت. وقد اقترح غازيادس استخدام موسيقى المسيرة العسكرية أثناء عرض العناوين ووفقاً لما هو مُتَّبَع في أفلام فوكس-موفينجتون الإخبارية{2}، كما قام بإرسال نصٍّ مُقتَرَحٍ للفيلم إلى دوكسيادس في تشرين الثاني من عام 1957 {3}. وفي حين أنه من المستحيل تركيب التعليق الصوتي الذي اقترحه غازيادس على مشاهد الفيلم بشكل تام، إلا أن هيكل السيناريو المقترح يرتبط بتسلسل الفيلم بشكل عام، كما تتوافق الحوارات التالية مع المشاهد الافتتاحية الموصوفة أعلاه.
بعد 3 دقائق و16 ثانية من استعراض الفيلم لمشاهد من بغداد الحديثة والمنظّمة، ينتقل المُشاهد إلى الجزء الثاني والذي يصوّر في بدايته جسراً يقابل تجمّعاً من الصرائف [شكل 1]. وقد كان الموقع الذي تم اختياره للتصوير هو صرائف العاصمة، أكبر تلك العشوائيات الواقعة على امتداد سد بغداد الشرقي. إذ وعلى الرغم من وجود عشوائيات أخرى من الصرائف مثل الصرّافية وقرية الوشاش وتل محمد، إلا أنه ربما قد تم اختيار العاصمة نظراً لنمط تشكيلها المميز. فهي تمتد لأميالٍ عديدة بموازاة صفٍّ لا نهاية له من المداخن الطويلة التي ترتفع فوق مصانع الطوب في الأفق البعيد. وفي حين تم دمج العشوائيات الأخرى بشكل أكبر في الضواحي أو أحياء بغداد القديمة، إلا أن صرائف العاصمة كانت قائمة بذاتها. كما صادف بناء السدّ على الموقع السابق لأسوار المدينة القديمة في أن يعمل السدّ بالتالي بمثابة عتبة وحاجز لحدود مدينة بغداد التاريخية.
يبدو على الشاشة أجسامٌ صغيرة تتجول في المنازل والشوارع، ثم تتحرك الكاميرا إلى اليمين لإظهار مساحة المستوطنة الشاسعة. وفي حين تكثر النساء والأطفال في الشوارع، يبدو الرجال غائبين بشكل عام. تقوم الكاميرا من على مُرتَفَعِها بعدها بالتركيز على منازل المستوطنة بشكل أقرب. وتميل إلى الأسفل بزاوية 30 درجة لتطل على ساحات الفناء الخاصة، فيظهر الهيكل القصبي لصريفةٍ لم يتم الانتهاء من بنائها. وتتحول الكاميرا من موضعها على الجسر لإبراز سلسلة من المنازل المتجمّعة حول بركة من المياه الراكدة، والتي يضفي انعكاسها الشبيه بالسراب حساً من الصفاء على المشهد العام.
[جدول 1].
يوظّف المشهد التأسيسي للقطاتٍ طويلة التقطتها عدسة كاميرا وضِعَت في زاوية عالية لتأسيس هذا المشهد العام كموقع. وكما يناقش كريس لوكينبيل، فإن هذا الأسلوب من اللقطات السينمائية "يعتمد على رموز ونمطية المكان لإنشاء خريطة ذهنية للموقع الجغرافي للسرد. وتعتمد مثل هذه الخريطة المعرفية بدورها على استيعاب الجمهور للرموز الرئيسة لذلك الموقع"{4}. كما يتيح الاستخدام المتكرر لتلك اللقطات "الأيقونية" المرمّزة لـ “إمكانية خلق إرثٍ تمثيلي يعمل على بناء وتأسيس خريطة معرفية وحسّ بالمكان"{5}. ويبدو من المناسب هنا ذكر اقتباسٍ من أندرو هورتون يؤكد من خلاله بأن "جميع المناظر السينمائية هي بكراتٌ من الأفلام"، وهو يلعب هنا على الكلمات من خلال تطابق لفظ كلمة "بكرة السينما" (reel) و"الحقيقة" (real) باللغة الإنجليزية{6}. وفي حين لم ينتج مكتب دوكسيادس وشركاه أفلاماً أخرى عن العراق، إلا أنه قد حاول إنشاء خريطة معرفية من خلال تكرار الصور المؤلمة لعشوائيات الصرائف وسكانها في تقاريرهم وكتيّباتهم والمواد التي تم تقديمها في معرض الإسكان لعام 1957 وكما سيتم مناقشته في المشهد الثالث. إذ كان هدف مكتب دوكسيادس من إنشاء هذه الخريطة المعرفية هو تقديم حجة أقوى لإزالة تلك العشوائيات بما يتماشى مع أهداف مجلس التنمية العراقي.
يستمر تصوير كافة لقطات الصرائف عن بعد حتى هذا الجزء من الفيلم. ويبدو ظهور أول شخصٍ في الفيلم من خلال لقطة مقرّبة لرجلٍ ذو شاربٍ يبتسم بهدوء وهو يشيّد جداراً طينياً بيديه، إذ كانت مثل تلك الجدران تُستخدَم عادة في العشوائيات لتحديد الحدود بين مجموعات المنازل التي تتشارك فناءها. ويبدو تصوير سكّان الصرائف الثاني من خلال تثبيت الكاميرا بزاوية 45 درجة على مسافة قريبة من مجموعة من النساء والأطفال الجالسين في فناء مشترك وهم يغسلون ملابسهم ويعلقونها. أما اللقاء الثالث فيظهر في لقطةٍ قريبة لمجموعة من الأطفال الضاحكين وهم يغسلون أيديهم بسعادة في صنبور للمياه العمومية. ولا يبدو تدخّل معدات الكاميرا وفريق الإنتاج في النشاط أو مقاطعتهم للعب الأطفال الذي يستمرون برش بعضهم البعض بالماء.
تأخذنا قفزةٌ في التصوير إلى مشهدٍ ريفي أكثر يبدو وكأنه يقع على أطراف المستوطنة، حيث يتم رعي مجموعة من الجواميس نحو برك من الماء التي تخوض فيها بحثاً عن الأعشاب. ويُختَتَم هذا المشهد بلقطة مقرّبة لثلاثة جواميسٍ يحدّق أحدها مباشرة في الكاميرا. يستمر هذا المشهد لمدة دقيقة و40 ثانية. وفيما يلي بعضٌ من السرد المقترح لهذا المشهد والمشهد التالي:
[جدول 2].
يتجلّى هنا وجود تناقضاتٍ سردية ما بين التسجيل المرئي النصي. إذ يلمّح نص التعليق الصوتي المتجهّم إلى كون العاصمة مكانًا لا يتحلّى بالجمال أو الرحابة، والمقصود هنا هو رواية سردٍ حول حاضرٍ ضارٍ غير صحيٍّ أو مريحٍ، ظروفه خطرة، وأفراده بائسون. ومع ذلك واعتماداً على منظور المشاهد وتوقعاته، فإنه بالإمكان الوصول إلى استنتاجاتٍ مختلفة عند مشاهدة الأفلام دون تعليق الراوي. إذ يبدو الأفراد الذين تم تصويرهم باسمين وضاحكين، أو على الأقل قانعين في معظم اللقطات التي تم تصويرها. وعلى الرغم من عدم وجود إمداداتٍ لمياه الشرب والاستخدام المنزلي، إلا أنه يبدو وضع نقاط الوصول إلى المياه في مواقع مناسبة. وعلى الرغم من عدم تبليط شوارعها وبالتالي صعوبة استخدام المركبات، تبدو الشوارع ما بين الصرائف خالية من الازدحامات. وفي حين قد تعدّ عشوائيات الصرائف خطرة لأولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم غرباء فيها، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت مكاناً خطيراً لساكنيها أيضاً. وفي حين قد لا تشير هذه الملاحظات إلى مثالية الحياة في الصرائف وخاصة لمطالبة سكّانها ذاتهم بتحسين ظروفهم السكنية والعامة، إلا أنها تعكس بدورها تمثيل الحياة في تلك الأحياء بشكل انتقائي لحشد الرأي العام لصالح محوها وإزالتها.
إن المفهوم القائل بعدم قيمة تلك الأحياء بغض النظر عن احتمال تطوّرها على مدى عقود عديدة وبشكل مستقل هو مفهومٌ يتعارض مع أساليب البحث الخاصة بمكتب دوكسيادس (وكما يبدو في السطر 23 من النص المُقترح). إذ يتجاهل الفيلم إمكانية رؤية سكّان الصرائف باعتبارهم معماريين من خلال الممارسة (وتشير مؤلفة هذا المقال هنا إلى رودوفسكي مرة أخرى) عند تكييفهم ممارساتهم العرفية لإنتاج حلول مبتكرة لمعالجة تحديات حياتهم اليومية في السياق الحضري الجديد. فقد وجد ساكنو الصرائف الحلول ذاتياً لاحتياجاتهم المتعلقة بتربية الحيوانات، وتأمين مواد البناء، والراحة المناخية، والطهي وإنتاج الألبان، والترفيه، والنظافة والغسيل، والتمتع بالخصوصية، وإنشاء الأماكن الترفيهية وتأمين الوقود المتجدد ووسائل الصرف الصحي والتهوية. ويبدو الإغفال عن معمارية سكّان الصرائف أكثر وضوحاً عند اعتبار بأن عدداً من المهندسين المعماريين مثل ماريا زاغوريسيو من مكتب دوكسيادس وشركاه في بغداد قد أمضوا ساعاتٍ لا حصر لها في التوثيق التفصيلي لكيفية بناء سكان الصرائف لمنازلهم باستخدام حصير القصب والطين، وتنظيم أولئك الساكنين لمخطط الأرضية ليتناسب مع أنماط هبوب الرياح، والعيش مع الجواميس، وتقاسم المساحات المشتركة مع الجيران، واستخدام روث الجاموس (متال) كوقود للتدفئة{7}. وبالتالي، فقد كان من الممكن استلهام العديد من "حلول" تحديات الإسكان الماثلة في عشوائيات الصرائف من الممارسات الحالية لساكنيها. وفي حين ربما لم يكن أولئك السكّان شركاء متساوين على طاولة عمل المهندس المعماري، إلا أنهم (وخاصة النساء اللواتي كن يقضين معظم أوقاتهن في المنزل) قد ساهموا في تشكيل التصميمات الجديدة من خلال التعبير عن مخاوفهم وأفكارهم ورغباتهم في المقابلات وأثناء الاستطلاعات المعمارية، وهو ما لم يتم ذكره أو الاعتراف به بتاتاً.
المشهد الثالث: تنظيم الحل
لقطات تم العثور عليها لمعرض الإسكان الأول في العراق المصادف الأربعاء 17 نيسان 1957.
[شكل 2: زوارٌ في معرض حول الهجرة من الأرياف ضمن فعاليات معرض الإسكان لعام 1957 في بغداد. العراق: (البكرة الثانية) الموصل، سورشينار، الوشّاش، بغداد، صور متحركة وتسجيلات فيديو / 29158، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس، 1:12. مؤسسة كونستانتينوس وإيما دوكسيادس].
عُلِّقَ فوق مدخل محطة سكة الحديد الدولية التي استضافت معرض الإسكان الأول في غرب بغداد لافتة باللغة العربية كُتِبَ عليها "مساكن أخطر وأحسن للأهلين"{8}، وتراوح عدد زائري المعرض ما بين تسعة إلى اثني عشر ألف فرداً وفقاً لمصادر مختلفة [شكل 2] إلى جانب مشاهديه عبر شاشات التلفاز. افتتح معرض الإسكان رسمياً في 23 آذار 1957 بزيارة ولي العهد الملك فيصل الثاني ورئيس الوزراء نوري السعيد ورئيس الوزراء السوداني عبد الله خليل والسفير البريطاني السير مايكل رايت وحرمه للمعرض، واطلاعهم على بعض المشاريع السكنية في غرب بغداد برفقة دوكسيادس.
وصل المصور أنستاساتوس والمخرج غازياديس إلى بغداد في 9 نيسان 1957 بعد بضعة أسابيع من افتتاح المعرض وبعد أن أغلق أبوابه أمام الجمهور، ومكثوا في العاصمة لمدة 24 يوماً لاستخراج التصاريح وتوظيف موظفي دعم الإنتاج المحليين وإجراء البحوث الاستطلاعية حول مواقع التصوير. ولم يتمكّن غازياديس بسبب وصولهم المتأخر من تصوير افتتاح معرض الإسكان، إلا أنه أصدر تعليماته إلى فريق الإنتاج لتأمين اللقطات المفقودة من جون شيرمان، رئيس وحدة الأفلام في شركة النفط العراقية{9}. كما قام مكتب دوكسيادس وشركاه في بغداد بترتيب زياراتٍ لكبار الشخصيات وطلاب المدارس وغيرهم من الفئات الأخرى بهدف خلق أجواء حيوية ونابضة في قاعة العرض لتصويرها. إذ قد نظّم مكتب دوكسيادس على سبيل المثال في 17 نسيان 1957 زيارة لرئيس الوزراء نوري السعيد إلى المعرض، يرافقه عضو البرلمان العمالي البريطاني أنورين بيفان، ووزير التنمية العراقي الدكتور ضياء جعفر{10}. ويبدو أناستاساتوس في إحدى اللقطات مصوراً لهم عند دخولهم القاعة الكبرى [شكل 3]. وأدناه مقتطف من سيناريو الفيلم حول المعرض:
[شكل 3: أندرياس أناستاساتوس مصوراً نوري السعيد وأنورين بيفان والدكتور ضياء جعفر أثناء دخولهم محطة سكة حديد بغداد للاطلاع على معرض الإسكان لعام 1957. العراق: بغداد ليلاً ونهاراً / 29156، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس، 6:09. مؤسسة كونستانتينوس وإيما دوكسيادس].
تبدأ البكرة الثانية من فيلم برنامج الإسكان العراقي بزيارة الرجال والنساء من عامة الجمهور للمعرض واطلاعهم على الخرائط المعروضة فيه. وقد تمت طباعة هذه الخرائط بحجمٍ كبير وتصميمها لإيصال أفكارٍ مفردة بدلاً من التركيز على تفاصيل البيانات التي تمثّلها. وقد بدت كل خريطة وكأنها تعكس لمشاهديها فكرة لعراقٍ موحدٍ تفسّره وتدعمه أساليبٌ علمية قابلة للقياس والمعرفة والتطوير. علاوة على ذلك، يبدو تمثيل الاختلافات المتعلقة بالثقافة والعرق والدين والمنطقة والطبقة الاجتماعية في الخرائط من خلال نقاطٍ وخطوطٍ وتخطيطاتٍ شريطية وألوانٍ تشير إلى فئات تحليلية جديدة. فمثّلت بعض الخرائط على سبيل المثال كثافة سكان العراق، ونسبة سكان الصرائف في الريف وفي الحضر، وأنواع إشغال المنازل، والتعداد السكني الحضري لعام 1956 وفقاً للناحية، وأنواع المنازل حسب مواد البناء، ومعدل وجود الكهرباء في المنازل. وفي حين تم استخراج الكثير من هذه المعلومات من تعداد المساكن لعام 1956، إلا أنه لم يتم بذل أي جهود للاعتراف باحتمال عدم دقة تلك البيانات. إذ تم عرض كل خريطة على أنها مجموعة من الحقائق التي توصل إليها الخبراء بهدف إبهار الجميع حتى أولئك الأكثر تشكيكاً فيها.
[جدول 3].
دَعَمَت بعض المظاهر المصورة في فيلم "برنامج الإسكان العراقي" هذه الرواية القائلة بأن الهجرة من الريف إلى المدينة وما أعقب ذلك من ارتفاع في عدد المستوطنات العشوائية هو الدافع الرئيس لبرنامج الإسكان الضخم هذا، فركّزت إحدى لقطات الفيلم على سبيل المثال على رجلين يقفان ويشيران باتجاه محافظة العمارة جنوب شرقي البلاد. كما يبدو في رسمٍ أفقي موضّح في شكل 2 وضع صورة نمطية تمثّل "المركز الحضري المزدهر" في مركز الرسم، في حين تم وضع صورٍ لسكّان البادية على جمالهم وغيرهم من السائرين من القرى والأهوار على كلا جانبي الرسم، تصاحبهم أسهمٌ ملوّنة تشير إلى انتقالهم إلى المركز الحضري. في حين يكشف رسمٌ آخر من المعرض مكوّن من ست لوحات عند رفعه إلى الأعلى عن صور للأحياء الفقيرة والمساكن التقليدية تحت عنوان "الماضي"، وتتحول تلك المشاهد عند قلب اللوحات إلى الأسفل لتكشف عن رسوماتٍ لمخططاتٍ أرضية مستقيمة بعنوان "الحاضر". وهنا يبدو أيضاً محو عشوائيات الصرائف من هذه العروض مسبقاً باعتبارها من مخلفات الماضي البعيد.
أما المستقبل، فقد تم تصوّره من خلال نماذج وخطط المنازل المصممة للمقيمين من كافة الفئات، ابتداء بذوي الدخل المنخفض ووصولاً إلى الطبقة الراقية [شكل 4]. وقد وعد برنامج إزالة العشوائيات في بغداد على وجه التحديد بإعادة توطين سكان الصرائف في أحياء جديدة يُمنحون فيها قطعة أرضٍ مزودة بإمدادات المياه ونظامٍ للصرف الصحي وأساساتٍ لمنازلهم [شكل 5]. وفي حين تم تسوية الفروق العرقية والعشائرية والدينية والطبقية من خلال الدخل، إلا أن واقع كسب سكان الصرائف لليسير من المال قد أدى إلى إسكان العديد منهم في أرخص طراز من المنازل وهو طراز (A3) المكوّن من غرفتين ومطبخ ومرحاض وفناء وشرفة على السطح. وتبلغ المساحة الإجمالية لتلك المنازل 90 متراً مربعاً (6 × 15 م).
[شكل 4: عرض حول أنواع المساكن حسب دخل الأسرة في معرض الإسكان لعام 1957 في بغداد. معرض إسكان بغداد 1957/35469، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس. مؤسسة كونستانتينوس وإيما دوكسيادس].
يستحضر الانتقال من الصرائف المكوّنة عادة من غرفة واحدة إلى منزل ذي غرفتي نوم لتأملات روبن إيفانز في عام 1978 حول الأشكال والأبواب والمقاطع التي تقرأ المخطَّط المعماري باعتباره تمثيلًا (توجيهياً) للعلاقات الإنسانية التي تعمل على تقسيم الأفراد وتوحيدهم، وعلى رسم إيقاعات الحياة اليومية{11}. كما يستحضر اقتراح إزالة الأحياء الفقيرة وإعادة التوطين كذلك لممارسات الإسكان الخيري البريطانية في منتصف القرن التاسع عشر، وذلك من خلال شركات المساكن النموذجية في الجانب الشرقي لمدينة لندن، والتي سعت إلى إرساء الفضائل باستخدام الأبواب وممارسات الفصل أثناء النوم على أساس العمر أو الجنس أو الحالة الاجتماعية{12}. ويناقش المشهد الرابع هنا كيفية تصوير منزلٍ نموذجي معين باعتباره المرحلة الأخيرة التي يدرك فيها ذلك الموضوع التنموي النمطي – أي ساكن الصريفة - لإمكاناته الكاملة كمواطن مُنتِجٍ في بلاده.
[شكل 5: عرض لبرنامج إزالة الأحياء الفقيرة في بغداد في معرض الإسكان العراقي لعام 1957 في بغداد. بغداد: برنامج إزالة العشوائيات/ 35477، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس. مؤسسة كونستانتينوس وإيما دوكسيادس].
المشهد الرابع: إعداد الخيال المتصوّر
لقطات تم العثور عليها من يوم الخميس 25 نيسان 1957 في الوشّاش غرب بغداد
[شكل 6: لوح كلاكيت مكتوب عليه "الوشّاش SPA 4 داخلي 25/4/57"{13}. من مقتطفات فيلم برنامج الإسكان العراقي. العراق: (البكرة الثانية) الموصل، سورشينار، الوشّاش، بغداد، صور متحركة وتسجيلات فيديو/ 29158، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس، 3:53. مؤسسة كونستانتينوس وإيما دوكسيادس].
يحمل رجل من فريق غازيادس لوح كلاكيت في يده اليسرى مكتوب عليه "الوشّاش SPA 4 داخلي 25/4/57" [شكل 6]. إذ قام فريق غازيادس في 25 أبريل بالتصوير في مشروع إسكاني لذوي الدخل المنخفض يدعى "برنامج الوشّاش الخاص بالعمل 4" والذي كان جزءاً من مخطط تنمية منطقة غرب بغداد الهادف إلى توفير السكن لأكثر من 100,000 مواطن. وبالإضافة إلى عرض مَرافِق الراحة المتنوعة في الحي والمنازل، فقد قرر فريق الفيلم وضع عائلة في منزل فارغ من طراز (A3) لتحريك الخيال التطوري للفيلم. وفي هذا الخيال، يتم إعداد المنزل النموذجي كموقعٍ استهلاكي لأسرة عراقية نووية حديثة.
يسير رجلٌ في شارع تصطف على جانبيه منازل فارغة في حيٍّ حديث البناء. يقرع الباب، وتفتحه امرأة مبتسمة تحمل طفلاً. يدخل الجميع إلى المنزل ويجلسون في غرفة على يمينهم. يجلس الرجل بين ولدين صغيرين على مقعد على شكل حرف (L) تكسوه الوسائد، بينما تجلس المرأة مقابله بشكلٍ طولي في زاوية والطفل في حجرها، ضاحكين ومتبادلين لأطراف الحديث، أمامهم طاولة صغيرة تحمل مشروبات في عبوات معدنية. تطلب المرأة شيئاً من الرجل، ويأخذ ما يبدو أنه مسبحة ويسلمها لها، لتعطيها بدورها للطفل، فيمد يده ويأخذ المسبحة من يدها. تبدو المرأة في اللقطة التالية جالسة على سرير وهي تهز الطفل الصغير برفق وهو نائم في سرير حديدي صغير. يجلس بجانب المرأة الرجل والصبيّان على ذات السرير.
تصوّر اللقطات التالية مفتاحاً كهربائياً وأضواء وحوضاً وصنبوراً للمياه. يفتح أحد الأبواب ليكشف عن مرحاض شرقي دافق للمياه. يجلس رجلٌ في المشهد التالي في الهواء الطلق وهو يقرأ جريدة بجوار دراجة هوائية تقف تحت درج يفضي إلى شرفة. يصعد الرجل الدرج، وتنظر الكاميرا إليه من الشارع وهو يقف على شرفة منزله، ممسكاً بمسبحته بشكل عفوي، ومحدقاً في الحي الجديد من موقعه المرتفع [شكل 7]. تلقي الكاميرا أثناء وجودها في الأحياء الفقيرة لنظرةٍ على سكّان هذه المستوطنة الجديدة، وتتطلّع الكاميرا إلى الأعلى نحو المواطن الحضري النموذجي. وهو ما يقدّم تبايناً مرهفاً وفعالاً في الوقت ذاته بين التطلّع إلى "منازل جديدة مريحة وصحية ولطيفة" وبين شبح "المساكن والأكواخ القديمة" التي يتم سردها في النص أدناه:
يقدّم الحوار رقم 32 نموذجاً مثالياً حول ملكية المنازل العراقية الشمولية باعتبارها شكلاً من أشكال المواطَنة. إذ لم يتم تقديم مخططات ونماذج الإسكان في هذا الفيلم كرد فعل للمعارضة السياسية أو لأزمة نقص المساكن في بغداد ببساطة وحسب، ولكن تم تقديمها كأداة تربوية للتشجيع على أنماطٍ معينة من السلوك. وبهذا الأسلوب، فقد تم استخدام المنزل كأداة لها أن تسهّل التوافق المالي والقانوني والاجتماعي ما بين المواطن المهاجر والدولة العراقية.
[شكل 7: رجل يتطلع من شرفة سطح منزل في الوشّاش، مشروع غرب بغداد. العراق: (البكرة الثانية) الموصل، سورشينار، الوشّاش، بغداد، صور متحركة وتسجيلات فيديو/ 29158، أرشيف كونستانتينوس دوكسياديس، 3:59. مؤسسة كونستانتينوس وإيما دوكسيادس].
[جدول 4].
الخاتمة
عاد غازيادس وفريقه إلى أثينا في 19 أيار 1957 بأكثر من 2,000 متراً من الأفلام التي تم تصويرها، وهناك أجروا نشاطاتٍ تمهيدية لعملية المونتاج وتطوير الصوت والسيناريو{14}. وإضافة إلى استهلاله بموسيقى المسيرة العسكرية، كان من المفترض أن ينتهي الفيلم بالنشيد الوطني العراقي متبوعاً بصورة للملك والعلم. تم شحن نسخة من بكرات أفلام العمل التي تم مونتاجها جزئياً إلى بغداد بعد بضعة أشهر من ذلك للحصول على الموافقة والتوجيه النهائي من مجلس التنمية العراقي، لكن الفيلم قد قوبِل بالنقد والمعارضة. إذ يبدو أن المجلس - الذي أنشأ مؤخراً وحدة داخلية لإنتاج الأفلام - لم يفهم سبب اتخاذ دوكسيادس لهذه المبادرة المستقلة لإنتاج فيلمٍ دون موافقتهم الصريحة. وبعد التلطيف من سوء الفهم الأولي هذا، اعتمد مصير فيلم "برنامج الإسكان العراقي" على ثلاثة أفراد رئيسيين.
اطّلع مدير عام مكتب الارشاد والمطبوعات ورئيس وحدة الأفلام في وزارة التنمية السيد خليل إبراهيم على نسخة العمل الصامتة، وصاحَبَه في مشاهدته جون هـ. همفري، مستشار الوزارة العراقية الأمريكي في مجال الصور المتحركة. كان الانتقاد الأول الذي واجهه الفيلم متعلقاً بطوله الذي اعتقدوا بوجوب تقليصه بحوالي 10 إلى 15 دقيقة، ليكون طول المنتج النهائي أقرب إلى 20 دقيقة. وأوضح إبراهيم في تقرير صدر في كانون الثاني من عام 1958 بأن السبب في ذلك هو "عدم اقتناع أصحاب دور السينما وكذلك الجمهور بأفلام الدعاية المباشرة". وكانت "المشاهد الطويلة" التي اقترح التخلي عنها هي تلك التي تشمل "الأكواخ وأعمال التنقيب والمصانع والمباني وإعلانات النيون لسيارة شيفروليه" وما إلى ذلك{15}.
لقد تمت صياغة لقطات مستوطنات المهاجرين المترامية الأطراف باعتبارها مواقع قابلة للتخلص منها نظير معدلات أكبر من الكفاءة وفترة قصيرة من الاهتمام. ومع ذلك وحتى مع إلغاء كافة المقاطع المقترحة، فلم يكن هؤلاء الأفراد الثلاثة مقتنعين بضرورة استكمال الفيلم. بدلاً من ذلك، اقترح كل من مكتب الإرشاد والنشر وهمفري شراء سلبيات الفيلم الأصلية لاستخدامات الوزارة المستقبلية باعتبارها "سجلاً للتاريخ"{16}.
لم يتحقق الطموح الكبير لبرنامج دوكسياديس للإسكان الوطني العراقي بشكل كامل، حيث أغلق النظام الثوري ذلك البرنامج في عام 1962. ومع ذلك، فإن ما يتبقّى من ذلك هو العمل ذاتي الوعي لأرشفة تلك اللحظات المنسية حتى الآن، والتي نظّمت مدينة بغداد ومواطنيها من سكنة الصرائف باعتبارهم الأساسات التاريخية التي يمكن على أساسها تحقيق تنمية العراق وتقدّمه.
شكر وتقدير
لم يكن هذا البحث ممكناً دون المساعدة والتفاصيل الثمينة التي قدمتها بسخاء جيوتا بافليدو من أرشيف كونستانتينوس أ. دوكسيادس. كما قدّم كل من ناصر رباط وكارولين جونز وفرحان كريم وريو فيشر وماريبيث مينسي مشكورين لمدخلاتٍ تحريرية وفكرية نقدية قيّمة ساهمت في تشكيل هذا النقاش وتنفيذه. ولا يسعني هنا كذلك سوى شكر كونستانتينا كالفا التي تبرعت مشكورة بوقتها لترجمة الوثائق من اليونانية إلى الإنجليزية، كما ساهمت كاترينا جورجيو من أرشيف الأفلام اليوناني في وضع الفيلم ومخرجه في سياقٍ أوسع للسينما اليونانية. وأخيراً وليس آخراً، فقد أبصرت هذه المطبوعة النور بفضل الدعم المقدم من برنامج الآغا خان للعمارة الإسلامية في معهد ماساتشوستس للتقنية، والزمالة الدولية لأبحاث الأطروحة التابعة لمجلس أبحاث العلوم الاجتماعية المموّل من مؤسسة أندرو دبليو ميلون.
هوامش:
{1}: برنامج الإسكان العراقي (البكرة الأولى - سالب)، صور متحركة وتسجيلات فيديو/ 29200، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس.
{2}: مرفق من غازياديس إلى دوكسيادس بعنوان "المؤشرات الفنية للفيلم عن العراق" بتاريخ 7 تشرين الثاني 1957 في C-QA 2632، 16 تشرين الثاني 1957، لعناية O-QB، "أفلام حول المعرض"، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس.
{3}: النص مؤرخ في 11 تشرين الثاني 1957 ومرفق برسالة بعنوان "المؤشرات الفنية للفيلم عن العراق" أرسلها غازياديس إلى دوكسيادس بتاريخ 16 تشرين الثاني 1957. سيناريو "برنامج الإسكان العراقي"، ملفات الأرشيف/ 23953، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس.
{4}: كريس لوكينبيل، "مشاهد سينمائية"، مجلة الجغرافيا الثقافية 23.1، (2005)، 8.
{5}: المرجع السابق.
{6}: أندرو هورتون، "مشاهد [حقيقة] من بكرة: السينما مُبَيَّأة"، كما ورد في "دراسة المشاهد الثقافية"، المحررون: إيان روبرتسون وبيني ريتشاردز (لندن: آرنولد، 2003)، 71.
{7}: سكان الصرائف في بغداد، DOX-QBE 1، 1958، ملفات ماريا زاغوريسيو/ 36505، أرشيف كونستانتينوس دوكسياديس.
{8}: برنامج الإسكان العراقي (البكرة الأولى - سالب)، صور متحركة وتسجيلات فيديو/ 29200، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس، 9:49.
{9}: رسالة أ. تسيتسيس إلى جون شيرمان (مدير وحدة الأفلام بشركة النفط العراقية) بتاريخ في 6 تموز 1957، فيلم شركة النفط العراقية لأسبوع التنمية، ملفات الأرشيف/ 23954، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس.
{10}: وصَفَ تقرير التقدّم المُحرَز في المشروع الذي أعدّه كريستوفيلوس في 29 نيسان 1957 زيارة عضو البرلمان العمالي البريطاني أنورين بيفان لمعرض الإسكان مرافقاً رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد في 17 نيسان 1957. "الأسبوع المنتهي في 21 نيسان 1957"، GHP 9.، معارض الإسكان والعشوائيات، ملفات الأرشيف/ 23921، أرشيف كونستانتينوس دوكسياديس.
{11}: روبن إيفانز، "ترجمات من الرسم إلى المبنى" (لندن: منشورات الجمعية المعمارية، 1997)، 56.
{12}: المصدر السابق، 105.
{13}: العراق: (البكرة الثانية) الموصل، سورشينار، الوشّاش، بغداد، صور متحركة وتسجيلات فيديو/ 29158، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس، 3:53.
{14}: رسالة من غازياديس إلى دوكسيادس بتاريخ 16 تشرين الثاني 1957، "المؤشرات الفنية للفيلم عن العراق"، العراق الإصدار 78 – مراسلات C-QA (تشرين الأول – كانون الأول 1957) ملفات الأرشيف/ 23953، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس.
{15}: نسخة من رسالة من إعداد السيد خليل إبراهيم (رئيس وحدة الأفلام في وزارة التنمية العراقية) بعنوان "تقرير بتاريخ 12-1-1958" مؤرخة في 5 آذار 1958، العراق الإصدار 110 - مراسلات C-QA (كانون الثاني – آذار 1958)، ملفات الأرشيف/ 23953، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس.
{16}: نسخة من رسالة مؤرخة في 5 آذار 1958 بعنوان "د. ج مكتب التوجيه والمطبوعات، 12.1.58" إلى D.G. ديوان الوزارة، العراق، الإصدار 110 - مراسلات C-QB (كانون الثاني - آذار 1958)، ملفات الأرشيف/ 23953، أرشيف كونستانتينوس دوكسيادس.