لعل أحمد سعد واحد من الأسماء التي انتظرت طويلا دورها لتصدر المشهد الغنائي، فالفنان المصري الذي أطلق أول أعماله في مطالع الألفية، لم يحظَ بصدارة المشهد أو الاهتمام الاستثنائي خلال 20 سنة أمضاها يقدم أعمالا متنوعة، ولكن إصراره وصبره ومراكمته العمل تلو الآخر دون كلل أو ملل، ودون يأس من تحقيق الهدف، بالإضافة إلى موهبته بالطبع، وضعته في آخر الأمر على رأس الهرم خلال عام واحد. فكيف حدث ذلك؟
على عتبة التريند
في لقاء مع منى الشاذلي ضم أصالة وأحمد سعد قبل نحو عام، كان سعد ذكيا في جلوسه إلى جانب أصالة منتظرا إتاحة دور له للحديث، ويبدو أن موضوع انفصال أصالة وزواجها الجديد سيطر على اللقاء مما تسبب في التركيز عليها أكثر منه. ولكن أحدا لم يكن يعرف حينها أن سعد يتحضر لانطلاقة جديدة من شأنها أن تغير خريطة الرواج.
صدارة بالإجماع
بانتهاء عام 2022 كانت المنصات تُجمع على أنه عام أحمد سعد، دون أي منافس، والسبب يعود إلى ضخه أعمالًا بشكل كثيف، ومتنوعًا لونًا وصنعة، حيث وجدناه في كل مكان خلال العام المنصرم، فمن أغنيته "الملوك" المشتركة مع "عنبة" و"دابل زوكش" نهايات 2021، شق مسارا جديدا نحو جيل جديد، وقد وفقت الأغنية إذ ضُمت في عرض عالمي داخل مسلسل "فارس القمر" من إنتاج "ديزني"، وواصل إلى دويتو مع مصطفى حجاج بعنوان "عالدوغري" مكّنه من العودة للأغنية الشعبية.
19 أغنية في عام واحد أنتجها أحمد سعد، رفع هذا العدد الكبير نسبيا احتمالات النجاح، وقبل التورط في الحديث عن أبرز هذه النجاحات، فلا بد من الإشارة إلى الرواج الذي حققته أغنية "العيد" وهي إعلان لشركة زين، تمكن خلالها من إظهار متعة في الأداء الغنائي ومتعة أخرى في الأداء التمثيلي.
أغنية الحظ
أما أغنية "عليك عيون"، فهي جالبة الحظ، فمنذ إطلاقه هذه الأغنية، تغيرت الأحوال، وصعد بعدها سعد سلم التريند سريعا، واستقر هناك بفضل مراكمة أعمال أخرى بعدها، وما يمنحه الحق في الاحتفاء بهذا النجاح على نحو أكبر، هو أنه ملحن هذه الأغنية الفيروسية التي كتب كلماتها محمد شافعي ووزعها محمد عاطف الحلو. الأغنية وقعت بين منزلتين، فلا هي أغنية شعبية ولا هي أغنية بوب رومانسية، طبيعة الكلمات الجانحة للهجة الريف لا لهجة المدينة مثل "تزقني"، "صافي وابن حلال" و"يرجع خام"، وضعتها في إطار شعبي، لكن الصور الشعرية المتلاحقة مثل: "عليك كلام يمشي الحزن وابقى تمام" وغيرها كثير، وضعتها في إطار مديني جميل ورومانسي.
اللحن أيضا جاء على السوية ذاتها، فيه من التطريب الذكي ما لا يُخلف الحداثة، مشفوعا بصوت وإحساس سعد، بالإضافة إلى التوزيع الهادئ الذي أتاح للّحن والصوت أن يقولا ما هو أعلى مما تقوله الآلات.
وقبل أن تُخفق أغنية "سايرينا يا دنيا" في اللحاق بأختها "الغزالة رايقة"، فالأغنيتان من كتابة منة القيعي، وألحان إيهاب عبد الواحد، وتم إطلاقهما في فيلم "من أجل زيكو"، قبل أن تخفق الأغنية روج لها سعد عبر حساباته على السوشيال ميديا برقصة من اختراعه، جذبت متابعيه، وهو ما نبّهه إلى أهمية الاستثمار في روح الطرفة لديه، وقد خدمه ذلك فعلا، وفق ما تقول نتائج هذا الفيديو الترويجي للرقصة، الذي دفع باتجاه رواج الأغنية ولحاقها بأختها سريعا.
إجادة القفز
ومن هذه الأغنيات إلى "وسع وسع"، التي أعادت تقديم سعد بصورة شعبية مغايرة، الكلام الطريف الذي يساور الأبهة الكوميدية، واللحن المواكب والتوزيع الجذاب، فضلا عن الكليب المبالِغ في الاهتمام بالتفاصيل، الألوان الجميلة والوجوه والرقصات، كانت كل هذه من أسباب نجاح الأغنية الجديدة، والأهم أن نجاحها أدى إلى ثبات على سلم التريند.
وقد أتبع هذه النجاحات أيضا بأغنية "اليوم الحلو ده" في فيلم "عمهم"، سيطرت الأغنية على الصيف بفضل اللحن والكلمات، أما أداء أحمد سعد فمحير، إذ تجد منه استقرارا في الإجادة مهما تغير اللون، فمن يصدق أن مغني "وسع وسع" هو ذاته مغني وملحن بكائية "مش باقي مني" التي كتبها جمال بخيث، وضمها فيلم "دكان شحاتة".
وقد افتتح سعد عام 2023 بأغنية "يا عراف" وهي أغنية مشتركة مع أحمد زعيم ومروان نوردو، قيل إنها تأجلت كثيرا، وربما كان ذلك من مصلحة سعد، الذي كان يعلو شيئا فشيئا طوال فترة تأجيل الأغنية، التي قد يكون أعيد النظر في توزيع الأدوار فيها إرضاء للنجم المتصدر.
هذه القدرة على القفز من لون إلى آخر، مكنت سعد من توسيع جمهوره، ليس لأنه كثير القفز، بل لأنه يجيده، فكثيرون حاولوا أن ينوعوا لكنهم نجحوا في تشرب لون دون آخر، فاصطدموا بفشل بعض الأعمال.
محصلة عام من العمل كانت كفيلة بتحقيق أحمد سعد أرقاما هائلة، فوفق موقع سوشال بلايد، فإن أكثر من 3.31 مليون يتابعون قناته الرسمية على يوتيوب، وقد شوهدت أغنياته أكثر من 1.212.5 مليون مرة، أكثر من نصفها تحقق خلال عام 2022 فقط، كما ازداد عدد متابعيه 1.3 مليون مشترك في العام نفسه، مما يجعل أرباحه السنوية المتوقعة من مشاهدات يوتيوب تتراوح بين 185 ألف و3 ملايين دولار، بحسب الموقع.
ولكن محصلة 20 عاما من العمل، هي ما أيقظ بصيرته نحو اختيار أعمال سريعة الوصول ومختلفة، وتحافظ على رواجه دون أن تحط من قيمته الفنية.