من بين طبقات الغلاف الجوي، تعتبر طبقة الأوزون الأكثر شهرة، فلا تكاد أن تجد أحداً لم يسمع عن "طبقة الأوزون المثقوبة" في الغلاف الجوي، فنظراً للأهمية الشديدة لهذه الطبقة، فقد سمع الجميع –تقريباً- باسمها، سواء من خلال المقالات والنشرات الإخبارية، أو من خلال المساقات المدرسية والجامعية التي تتطرق لقضايا البيئة أو العلوم.
طبقة الأوزون هي إحدى مكونات طبقة الستراتوسفير، ثاني طبقات الغلاف الجوي فوق كوكب الأرض، والأوزون عبارة عن غاز يتكون من جزيء يحتوي على ثلاث ذرات أكسجين. تلعب هذه الطبقة دوراً هاماً ومحورياً في حماية الحياة على الأرض، من خلال مساهمتها في امتصاص الأشعة فوق البنفسجية شديدة الضرر على الكائنات الحية.
تحمي طبقة الأوزون الحياة على الأرض من خلال عمليتين، الأولى هي التفاعل بين الأكسجين و الأشعة فوق البنفسجية القادمة بشكل رئيسي من الشمس، حيث تكسر هذه الأشعة عالية الطاقة الرابطة الكيميائية بين ذرتي جزيء الأكسجين، ليتكون جذرين حرين من ذرات الأكسجين، وهي ذرات شديدة التفاعل وغير مستقرة، فتلجأ الجذور الحرة هذه إلى التفاعل مع جزيء أكسجين آخر لتكوين جزيء مستقر يتكون من 3 ذرات أكسجين، ونتيجةً لهذه العملية يتم تبديد جزء من الطاقة القادمة من الشمس، أما العملية الثانية فهي التفاعل بين الأشعة فوق البنفسجية وجزيء الأوزون ذو الثلاث ذرات من الأكسجين، بالإضافة إلى دور هذه الطبقة في انعكاس جزء من أشعة الشمس.
إن لغياب الأوزون، وبالتالي وصول الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض أضراراً بيولوجية كبيرة، لأن الأثر الكيميائي الذي تقوم به الأشعة عالية الطاقة، يتضمن تكسير الروابط وتحفيز تفاعلات غير مرغوبة، تؤدي في البشر مثلاُ إلى سرطانات الجلد، ويتعدى هذه التأثيرات البشر والحيوانات إلى النباتات، التي تتأثر بشدة نتيجة لتعرضها للأشعة فوق البنفسجية، فتقوم بمحاولات لحماية نفسها من الأشعة عبر إنتاج مركبات كيميائية لتتجنب أضرار أشعة الشمس، وهو ما حاولت النباتات فعله خلال الانقراض الكبير نهاية العصر البرمي، حيث أدت الأنشطة البركانية والحمم المنفوثة والغازات إلى احترار عالمي وتدمير شبه تام لطبقة الأوزون أسهم في القضاء على نسبة كبيرة جداً من الكائنات البحرية والحيوانات على اليابسة وتأثرت بشدة النباتات.
تؤدي التغيرات في مستويات الأوزون –وليس غيابه- أيضاً إلى تأثيرات ونتائج سلبية وخطيرة، فالتغير في مستويات الأوزون تسبب خلال النصف الثاني من القرن العشرين بنحو ثلث الاحترار في القارة القطبية الجنوبية ومياه المحيطات حولها، وتتسبب في تغير نسبة الأشعة فوق البنفسجية التي تستطيع النفاذ من الستراتوسفير إلى سطح الأرض وتعريض الكائنات الحية إلى مخاطر كبيرة، وبالتالي فإن قضية طبقة الأوزون حساسة ومهمة لحياتنا ولغذائنا أيضاً.
يتبادر للأذهان تساؤلات حول طبقة الأوزون، مثل: لماذا تتضرر هذه الطبقة المهمة لحياتنا؟ وما الذي يسبب هذا الضرر؟ وما علاقتنا بذلك؟ هل نستطيع فعل شيء؟
يتجاهل الكثير من الناس أثر الأنشطة البشرية على البيئة بشكل عام، لأن الغالبية لا ترى ذلك الأثر على طبقة تبعد فوق رؤوسنا عشرات الكيلومترات، ولا ترى تأثير اختلاف مستويات الأوزون على مدى سنوات، ولا التغيرات الإحصائية الهامة في معدلات الإصابة بسرطانات الجلد، لكن العلم الذي حذرنا من هذه المخاطر يمتلك إجابات مهمة حول هذه التساؤلات.
تعتبر غازات الهالوكربونات، وتحديداً غازات الكلوروفلوروكربون من أكثر الغازات خطراً على طبقة الأوزون، وهي الغازات التي كانت تستخدم في أنظمة التكييف والتبريد، قبل أن يحظرها برتوكول مونتريال، الاتفاقية الدولية التي تهدف لحماية طبقة الأوزون عبر التخلص التدريجي من المواد المسؤولة عن استنزافها، وهي الاتفاقية الأكثر نجاحاً من بين الاتفاقيات الدولية بحسب الأمين العام الراحل للأمم المتحدة كوفي عنان، حيث بدأ تطبيقها والتخلص التدريجي من تلك الغازات الضارة للطبقة على نطاق واسع. أدى ما يعتقد أنه تسرب لغازات الكلوروفلوروكربون الضارة تلك من أجهزة التكييف القديمة التي تم التخلص منها، أو البنايات القديمة التي لم تتم صيانتها وتحديثها في منطقة شرق الصين إلى دق ناقوس الخطر مرة أخرى من احتمال تأثر طبقة الأوزون التي بدأت بالتعافي تدريجياً بعد بروتوكول مونتريال، وعلى الرغم من أن الحدث يبدو بسيطاً، إلا أنه يدل بشكل واضح على حساسية تلك الطبقة وأهميتها، وعلى خطورة تلك الغازات، التي يتجاوز تأثيرها المدمر بآلاف المرات أكثر من باقي غازات الدفيئة.
لقد نجحت إذاً -على غير العادة- اتفاقية دولية بخصوص المناخ، فمع أن الاتفاقية لم تنته بعد، ولا زالت آليات المراقبة والأقمار الصناعية المعنية بالأمر تعمل، إلا أن النجاح في تطبيقها والالتزام بها على نطاق واسع يطرح تساؤلين: لماذا نجحت هذه الاتفاقية دون غيرها من المعاهدات البيئية؟ وهل من أمل في تبني معاهدات بيئية تفضي بنا إلى أنشطة أكثر مراعاة لبيئتنا وتنوعها؟ إن الإجابة على هذين السؤالين تحتاج أن نفرد لهما مقالات أخرى، لكن الإجابة باختصار تكمن في الحافز والكلفة الاقتصادية، فتدمير طبقة الأوزون، والبيئة على كوكب الأرض بشكل عام، يأتي من النشاط الاقتصادي، الصناعي تحديداً، والحفاظ عليها يتطلب منا أن ننظر إلى تلك الأنشطة؛ لنفهمها، وننظر في إمكانية التأثير فيها عبر تشجيع الأنشطة الاقتصادية الخضراء والصديقة للبيئة، وتشجيع الدول لتبني سياسات تفضي في نهاية المطاف إلى اقتصادات مستدامة، تجنب البشر والكائنات الأخرى المخاطر الناجمة عن تدمير البيئة عبر الأنشطة الاقتصادية الضارة.