صادف قبل أيام، الثالث من آذار، يوم العناية بالأذن، أو اليوم العالمي للسمع، وهو حدث عالمي تسلط الأمم المتحدة من خلاله الضوء على أكثر الإعاقات الحسية انتشاراً، حيث يعاني منها أكثر 5.3% من سكان العالم، وأكثر من ثلث الأشخاص فوق سن الستين، فيما يتعايش نحو 80% من سكان الدول منخفضة الدخل مع ضعف السمع، بينهم نحو 40 مليوناً في منطقة شرق المتوسط.
عندما يتعلق الأمر بالبيئة، يخطر على بال الكثيرين الملوثات الأكثر شهرة مثل الغازات السامة والغازات المسببة للاحتباس الحراري، وطبقة الأوزون، وغيرها، إلا أن المنظور الأكثر شمولاً للبيئة يتضمن إدراج جميع العوامل والمؤثرات والمواد المحيطة بنا، باعتبارها جزءاً من بيئتنا، فالغازات السامة والملوثات هي خطر بيئي لأنها ناتجة عن أنشطة بشرية أو متأثرة بها، وتتسبب بأضرار للكائنات الحية التي تعيش في المنطقة الملوثة بحيث تؤثر على صحتها أو تتسبب بموتها بما يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي، وهو اختلال يمكن تداركه من خلال إجراءات للحد من الأنشطة المسببة للتلوث، ومن هذا المنظور، يعتبر الضجيج أحد الملوثات التي لا تحظى بالإهتمام على نحو واسع، رغم تأثيرها الشديد على الحيوانات.
إن الضجيج المسبب للتلوث يشمل جميع الضوضاء التي تتسبب بها الأنشطة البشرية، بدءاً من الصراخ وصولاً إلى ضجيج المصانع والآلات، مروراً بالضوضاء المرورية والضجيج الذي تسببه التوربينات الهوائية المولدة للكهرباء، من حيث أن كل أنواع الضجيج هذه، وغيرها، تتسبب بأضرار كبيرة، فالضوضاء المرورية مسؤولة عن زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية، إذ تتسبب ضوضاء المرور في الليل إلى تعطل النوم، وزيادة إنتاج هرمون التوتر، وزيادة الاختلالات الوظيفية في البطانة التي تغطي سطوح الأوعية الدموية، بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم واضطرابات التمثيل الغذائي، كما رصدت دراسات علاقة بين زيادة الضجيج و مرض الزهايمر. رغم أن العلاقة بين الضجيج والزهايمر غير مثبتة علمياً، من حيث أن الترابط بين الضجيج والمرض لا يعني السببية، إلا أن هذا يضيف سبباً آخر إلى الأسباب التي تدعونا لأخذ مشكلة الضوضاء صحياً وبيئياً على محمل الجد.
في بعض الأماكن، أساء المستثمرون أو صناع القرار، أو كليهما، اختيار الموقع الملائم لإنشاء مزارع الرياح، حيث تمثل مزارع التوربينات الهوائية في بعض الأماكن خطراً بيئياً، وذلك لوقوعها على مسارات الطيور المهاجرة، أو في مواطن بعض الطيور الهامة أو النادرة نسبياً، ويتمثل الخطر في ناحيتين، الأولى خطر الاصطدام المباشر للطيور بالتوربينات بما يؤدي إلى موتها بأعداد كبيرة، أو أن الضجيج الذي تتسبب به التوربينات يسهم في مغادرة بعض أنواع الطيور لموطنها بما يقلل من فرص بقائها. تحتاج مزارع الرياح إلى المزيد من الحذر في اختيار موقعها، والمزيد من الدراسات لتقليل أخطار اصطدام الطيور، حتى لا تتسبب التقنية التي نراهن عليها لتقليل الانبعاثات الكربونية بمشكلة جديدة.
بالإضافة إلى الأثر البيئي المتمثل في حرق كميات هائلة من الوقود، تتسبب العملية التي ينقل من خلالها 90% من البضائع بين دول العالم بالضجيج المؤذي بالنسبة للحياة البحرية، حيث لم تسلم الأسماك والكائنات البحرية من الضجيج، سواء بسبب السفن التي يتجاوز هديرها في بعض الأحيان والأماكن ما يمكن أن تتحمله الكائنات البحرية، أو بسبب التنقيب عن الغاز، أو بسبب مزارع الرياح البحرية، إذ يتسبب الضجيج بالصمم للحيتان، ويقتل العوالق البحرية، ويسهم في إبعاد الأسماك عن أماكن تغذيتها وتكاثرها.
يعتبر التلوث السمعي، أو الضجيج، أحد المعايير التي يحاول الإنسان أخذها بعين الاعتبار عند اختيار المسكن، فمن الأسئلة البديهية عن المكان، يستفسر الإنسان الراغب بشراء أو استئجار منزل عن هدوء المنطقة باعتباره معياراً لجودة المعيشة، لكن مستوى الضجيج من المفترض أن يكون أحد المعايير التي تندرج تحت اهتمامات الحكومات والإدارات المحلية، بالإضافة إلى المؤسسات الحكومية المسؤولة عن الجودة والمواصفات، بحيث يدخل مستوى الضجيج ضمن المعايير التي تصنف على أساسها الأجهزة والأبنية.
من بين الفئات التي يجب العناية بمستوى الضجيج من حولهم هم الأطفال، حيث ينبغي أيضاً أن تتضمن معايير بناء المدارس ضرورة وجود عتبة لا يتجاوزها مستوى الضجيج، عبر الأخذ بعين الاعتبار موقع المدرسة ومعايير البناء من حيث عزل الأصوات، بالإضافة إلى الاهتمام بمستوى الصوت الصادر عن أجهزة التكييف والتبريد.
ككل المشاكل تقريباً في العالم العربي، تواجه المعايير المتعلقة بالضجيج انفصالاً بين الواقع والتشريعات، ففي البلدان التي تتواجد فيها أنظمة وتعليمات تتعلق بالضجيج، لا نجد توافقاً بين الحد مسموح به بالنسبة لأجهزة التكييف الضرورية في بعض المناطق للفصول الدراسية وبين الحد المسموح به داخل الفصل، أو عدم الأخذ بعين الاعتبار العزل الصوتي كجزء من معايير البناء المدرسي، بالإضافة إلى غياب كلي للتشريعات المتعلقة بالضجيج في الكثير من البلدان العربية.
إن الضجيج معيار مهم من معايير جودة الحياة، لتأثيره الكبير على الإنسان، ومن هنا يجب أن يوضع على قائمة الأولويات بالنسبة للمهتمين بالشأن العام في العالم العربي، بالإضافة إلى ضرورة عدم إغفاله من قبل الناشطين البيئيين باعتباره أحد الملوثات البيئية التي تضر بالتنوع الحيوي بشكل قد يؤدي في بعض الأحيان إلى انقراض أنواع من الطيور والأسماك عبر إبعادها عن أماكنها الطبيعية، فالهدوء حق للإنسان والحيوان طالما أن الضجيج قد يتسبب لهم بالأذى.