إدارة الكارثة بوصفها استراتيجية 'تهدئة': سياسة الطوارئ في تركيا

إدارة الكارثة بوصفها استراتيجية "تهدئة": سياسة الطوارئ في تركيا

إدارة الكارثة بوصفها استراتيجية "تهدئة": سياسة الطوارئ في تركيا

By : Osama Esber أسامة إسبر

هارون إركان، ترجمة أسامة إسبر.

[هارون إركان عالم اجتماع سياسي متخصص في علم اجتماع الدولة، الحرب والصراع والاستبداد والحركات الاجتماعية والعرق، جامعة ولاية نيويورك].


سبّب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا وكردستان في السادس من شباط 2023 خسائر بشرية كبيرة ودماراً مادياً غير مسبوق وفشلت الحكومة التركية فشلاً ذريعاً في احتواء الكارثة متخلية عن عشرات الآلاف من الناس كي يموتوا تحت الأنقاض وعن ملايين الناجين الذين تعرضوا للصدمة وتساءلوا يائسين: "أين الحكومة؟".

حتى بعد مرور اثنتين وستين ساعة فشلت هيئة إدارة الكوارث في تركيا (أفاد) في القيام بعمليات إنقاذ للعالقين تحت الأنقاض في محافظة هاتاي التي تعرضت للضربة الأقوى. وكان الموقف مشابهاً في تسع مدن أخرى وأكثر سوءاً في الأرياف. وأدى سوء إدارة الطوارئ الحكومية وصرخات الاستغاثة من المناطق التي استهدفها الزلزال في الإعلام الاجتماعي إلى تعبئة تلقائية وسريعة في أنحاء البلاد لمد يد العون للمنكوبين. ونظمتْ شبكات التضامن، ومنظمات المساعدة المتبادلة، والبلديات التي ترأسها المعارضة، التي فتح عليها الأردوغانيون طويلاً نار النقد ونعتوها بصفة "إرهابية"، حملة كبيرة لإنقاذ الناس العالقين تحت الأنقاض ولتعبئة المساعدة التي يحتاج إليها ضحايا الزلزال. واستجابت الأسرة الدولية بسرعة لنداءات الاستغاثة وانبرت للمساعدة أيضاً كلٌّ من اليونان وأرمينيا وكردستان العراق (الدول التي تُشيطَن عادة كأعداء للدولة التركية) ومعها كثير من الدول الغربية التي اتهمتها الحكومة على نحو متكرر بالتآمر ضد وحدة تركيا وسلامة أراضيها.

يمكن أن يذهب الظن بالمرء إلى أن الحكومة التركية رحّبت بجهود الإغاثة المجتمعية أثناء هذه الأزمة، وتحركت بسرعة كي تدمج هذه الجهود في إطار جهود استجابة الدولة المنظمة للكارثة إلا أن الحقيقة هي أن حكومة حزب العدالة والتنمية اعتبرت حملة التضامن التي قادتها المعارضة تهديداً وشنت حملة عدوانية لقمع الأفعال الجماعية التي هدفت إلى تقديم المساعدة لضحايا الزلزال.

كيف نشرح العداء الشديد الذي تكنه حكومة حزب العدالة والتنمية لمنظمات المجتمع المدني التي تنظمت من أجل المساعدة المتبادلة بعد الزلزال؟ ما الذي يفسر رفض الحكومة التركية للعمل مع المجتمع المدني لتنظيم إغاثة المنكوبين في الكارثة ولجوءها إلى الذعر الأخلاقي العنصري ضد "من يقومون بعمليات النهب" والمهاجرين السوريين؟

طرأ على الدولة التركية تحوّل نحو الاستبداد في العقد الأخير، ذلك أن الحكومة ركزت بصورة رئيسة على دعم مؤسسات الدولة القسرية (الشرطة، الجيش، والاستخبارات) على حساب مؤسسات تقوم بوظائف غير قسرية (إدارة الكوارث، الصحة، والتربية)، وقد تكشفت هذه السيرورة من خلال سلسلة من الأحداث الجماعية المثيرة للجدل، شملت انتفاضتين في (2013-2014)، وحرب المدن (2015-2016) ومحاولة انقلاب (2016) في الوطن، بالإضافة إلى ثلاث عمليات عسكرية عابرة للحدود في سوريا (2016- 2019). وفي أثناء ذلك الوقت، أبدت الحكومة بشكل متزايد براعة في التعامل مع الطوارئ السياسية عن طريق إدارة حملات تهدئة.

تغلّب أردوغان في هذه الأحداث المثيرة للجدل على التحديات التي واجهت حكمه عن طريق تعبئة القومية العرقية التركية لحشد الدعم الشعبي وتوحيد الجسم السياسي وتقويض المعارضة زاعماً أنه يقاتل ضد أعداء داخليين وخارجيين في آن واحد[١]. من ناحية أخرى، حين نشأت الحاجة لمواجهة الطوارئ العامة كالوباء وحرائق الغابات، ومؤخراً الزلزال، لم تتمكن وكالات الدولة المعنية من مواجهة هذا التحدي بفعالية، ما أدى إلى غضب شعبي واسع النطاق وتجريم الأصوات المعارضة و\أو الأقليات.

بصرف النظر عن السبب الكامن وراء طارئ، وظّفتْ الحكومة التركية حالات الطوارئ في إطار التنافس السياسي من أجل الشرعية. وتساوقَ رد فعل الحكومة على الزلزال الذي حدث مؤخراً مع تصورها المسيس بشكل مفرط لحالات الطوارئ. وبعد أن واجهتها أزمة شرعية نتيجة لفشلها في حماية حياة مواطنيها، لجأت الحكومة التركية إلى حملة تهدئة، مستغلة مشاعر العداء للسوريين التي انتشرت على نطاق واسع في محاولة لإضعاف حملة التضامن. وعوضاً عن مجرد استعادة الشرعية، هدفت جهود التهدئة الحكومية أيضاً إلى إنشاء أوضاع من أجل التمهيد لمشروع ضخم لإعادة بناء المناطق التي ضربها الزلزال في غضون سنة.

سوابق خطيرة وسياسة إدارة الكارثة

لا شك أن قوة الزلزال زادت من الدمار الذي نجم عن الكارثة. وقد كانت الديناميات البنيوية التي أسهمت مباشرة في التكاليف البشرية والمادية العالية، من ناحية أخرى، قيد التشكل منذ أن تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في 2002. ذلك أن استراتيجية تراكم رأس المال لدى حزب العدالة والتنمية تعتمد بشكل كبير على النمو السريع في قطاع البناء والتسامح البيروقراطي مع الانتهاكات المنهجية للقواعد والقوانين على كل من المستويين الوطني والمحلي، وخاصة حين يمتلك المتعاقدون صلات مع الشبكات السياسية الصحيحة. وفي سياق كهذا، إن أي لجوء إلى مصطلح "فساد" تبسيطي ومضلل، ذلك أن تفشي هذه الانتهاكات المنهجية يبيّن أن المشكلة كامنة في نموذج النمو الخاص بحزب العدالة والتنمية وناجمة عنه. فبحسب تقرير أعده اتحاد غرف المهندسين، إن نصف الأبنية تقريباً التي انهارت أو تأذت بسبب الزلزال بُني بعد عام 2000.

ثمة عامل آخر مهم أسهم في ارتفاع حصيلة القتلى هو فشل الحكومة في بناء وكالة لمواجهة الكوارث تعمل بفعالية بعد تفكيك البنية التحتية السابقة التي كان يقودها الجيش في 2009. فقد استند توجّه حزب العدالة والتنمية لمنع الجيش من استغلال حالات الطوارئ إلى مخاوف شرعية. منذ الستينيات حتى أوائل القرن الحادي والعشرين، كان الجيش التركي الوطني العلماني قادراً على إدارة البلاد بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق استغلال حالات طوارئ حقيقية أو مفبركة، وقد استتبع هذا إدراجاً دائماً لمبادئ مكافحة التمرد في هياكل الحكم. وأنتج مشروع حزب العدالة والتنمية لتمدين إدارة الكوارث وكالة أقل فعالية في التعامل مع الكوارث في الأعوام التالية. واندمجت جميع منظمات الإغاثة في حالات الكوارث التي كانت موجودة في 2009 تحت مظلة هيئة إدارة الكوارث التركية (أفاد). وبعد مدة وجيزة، تم تطويق إدارة الكوارث والطوارئ من قبل بيروقراطية تنسيقية متعددة الطبقات أخضعت الإغاثة في حالات الكوارث لسيطرة سياسية أكبر، وقُوضت بالتدريج سلطتها المستقلة في صناعة القرار كي تعمل بسرعة في حال حدوث كارثة. علاوة على ذلك، قامت هيئة "أفاد" الحكومية بإعادة هيكلة منظمات الإغاثة في أوقات الكوارث كالهلال الأحمر كي تولّد قوة ناعمة عن طريق إرسال مساعدة إنسانية إلى الخارج على حساب كوارث محلية.

كان من أسباب عجز حكومة حزب العدالة والتنمية عن بناء بنية تحتية لمواجهة الكوارث أيضاً هو توجّه تركيا الاستبدادي واستثمارها الكبير في مؤسسات القسر الحكومية. فعلى مدى العقد الأخير، خصّصت الحكومة التركية على نحو متزايد قسماً كبيراً من مواردها لبناء دولة بوليسية لقمع الانشقاقات الداخلية وبناء جهاز صناعة حرب كي تعزز أجندتها الإمبريالية في كردستان وسوريا والعراق، والشرق الأوسط الأوسع. ومنذ 2009، ركزت "أفاد" في معظم الأحيان على إدارة معسكرات اللاجئين في تركيا والمناطق التي تحتلها تركيا في سوريا فجرّدها هذا من القدرة على مواجهة كارثة "طبيعية". وفي ظل غياب مؤسسات غير قسرية فعالة في الوطن، فاقم طموح النخب السياسية التركية لبناء قوة إقليمية في الشرق الأوسط التأثيرات المدمرة للزلازل. وعلى نحو مشابه، لا تزال استجابة الحكومة للكوارث المسيسة بشدة تتشكل من خلال الإيمان بهيمنة الدولة على المجتمع، علاوة على الدروس السياسية المستمدة من التاريخ الحديث للكوارث الكبرى.

الحقيقة هي أن حكومة حزب العدالة والتنمية اعتبرت حملة التضامن التي قادتها المعارضة تهديداً وشنت حملة عدوانية لقمع الأفعال الجماعية التي هدفت إلى تقديم المساعدة لضحايا الزلزال

الحكومة التي في جميع الأمكنة وليست في أي مكان

عجّلتْ أزمتان متعاقبتان صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى السلطة في 2002. كانت الأولى هي فشل حكومة الائتلاف في حماية حياة المواطنين وتقديم المساعدة الفعالة في أعقاب زلزال إزمير في 1999. وكان هذا ملفتاً للنظر على نحو خاص لأن الجيش التركي تصرف بسرعة في الساعات الاثنتين وسبعين الأولى كي ينظم الاستجابة للكارثة. وبسبب الإمكانية المحدودة للدولة، لم تكن جهود الإغاثة فعالة إلا جزئياً، بينما كان التأثير الاقتصادي للزلزال شديداً بعد أن ضُرب القلب الصناعي لتركيا. وأشارت أزمة 2001 الاقتصادية إلى نهاية "تركيا القديمة"، التي كان يحكمها الجيش العلماني بشكل غير مباشر . ورغم أن الجيش هدف إلى شرعنة هيمنته القسرية أثناء التسعينيات عن طريق تصوير الحركتين الكردية والإسلامية بوصفهما تشكلان تهديداً للدولة والأمة، فإن هاتين الأزمتين مهّدتا الطريق لحزب العدالة والتنمية كي يفوز بانتخابات 2002.

أوضح هذا التحول أيضاً كيف أن الكوارث التي تُدار على نحو سيء تدمر ثقة المجتمع بحكومة البلاد، ومؤسسات الدولة، والقيادة. وعلى نحو مشابه، كشف زلزال 2023 مسبقاً عجز الحكومة عن حماية مواطنيها بينما قدم أيضاً للمعارضة فرصة بنيوية كي تزيد من تقويضها لحكم أردوغان الاستبدادي. في ضوء ما قلناه، يتطلب فهم كيف أن الزلازل يمكن أن تعيد تشكيل المشهد السياسي في تركيا فحصاً أكثر شمولاً لمقاربة الحكومة لسياسة الطوارىء.

كانت وكالات الدولة التركية غير موجودة تقريباً في المناطق الأكثر تضرراً في الأيام التي أعقبت الزلزال الأول في 2023 لكن هذا لا يعني أن الآلة الاستبدادية الأردوغانية كانت معطلة. فمنذ السادس من شباط 2023، ركزت الحكومة على إدارة التداعيات السياسية للأزمة وليس على الكارثة نفسها. وفي غياب مؤسسات فاعلة تستجيب بفعالية لكوارث كهذه، اتسمت قواعد اللعبة الأردوغانية الاستبدادية للتعامل مع الكوارث "الطبيعية" الخطيرة باللجوء إلى استراتيجية التهدئة، إلى سيرورة امتصاص الغضب الجماعي من الحكومة المنتشر على نطاق واسع عن طريق مزيج من التكتيكات القمعية العنفية واللاعنفية.

إن الهدف الجوهري لقواعد اللعبة الأردوغانية هو تخفيف التكاليف السياسية للاستجابة غير الملائمة للكوارث إلى الحد الأدنى. ويمكن أن تُدعى مقاربة أردوغان بأنها "إدارة الكوارث كتهدئة". ويمكن أن تكون استراتيجية كهذه فعالة إلى درجة أن الحكومة تصبح قادرة على أن تحمّل قوى خارجية المسؤولية عن تكاليف فشلها في حماية مواطنيها إلى درجة أنها يمكن أن تقمع شبكات التضامن والمجتمع المدني المعبأة من أجل الاستجابة المجتمعية للطوارئ. إن التهدئة في هذه النقطة شرط أساسي لأردوغان كي يتمكن من إطلاق مشروعه الضخم في المناطق المتضررة من الزلزال، والذي سيبدو مرة أخرى بأنه يمنح أولوية للسرعة على حساب الأمان. في هذا السياق، تهدف الحكومة إلى إبعاد شبكات التضامن من المدن المدمرة، وإسكات الأصوات المعارضة على المستوى الوطني، وأيضاً منع ازدياد محتمل في التعبئة السياسية في المستقبل القريب.

إن محاولة ربح القلوب والعقول عن طريق مزيج من التكتيكات العنفية واللاعنفية ليست ظاهرة جديدة في تركيا. ذلك أن مؤسسات الدولة القسرية في تركيا هي امتداد لحملة التهدئة في شمال كردستان القائمة منذ 1984. بالتالي، تعتمد مؤسسات الدولة بشكل كبير على تكتيكات مكافحة التمرد كي تتغلب على أية تحديات رئيسة لشرعية الدولة، ليس فقط في إقليم كردستان بل في أنحاء تركيا. ولعبت ممارسات مكافحة التمرد دوراً مهماً في انتقال تركيا إلى الاستبداد بعد انتفاضة جيزي في 2013، خاصة بعد أن دخل حزب العدالة والتنمية في تحالف مع نخب مكافحة التمرد في التسعينيات فيما كان يوجه الضربة القاضية إلى عملية السلام الكردية (2009-2015). وعلى مدى العقد الأخير، أدى استخدام النخبة الحاكمة المستمر لتقنيات مكافحة التمرد إلى نعت نصف السكان تقريباً بـ"الإرهابيين".

حين يحصل طارئ حقيقي في الدولة، يصبح مزج القسر بأنشطة بناء الشرعية محورياً لذخيرة التهدئة كما فعلت الحكومة منذ 2015. ويمكن أن تتنوع العمليات السيكولوجية للحكومة بحسب نوع الطارئ، لكن هدفها المحوري هو أن تسترضي الأغلبية التركية المهيمنة عن طريق تجريم مجموعات ثانوية تنتمي إلى الأقليات. وفي سياق الكوارث، صارت عملية التحويل الاستراتيجية التي تقوم بها الدولة لجماعات الأقليات إلى أكباش فداء استجابة إلهائية منهجية حين يُسلط الضوء على عدم كفاءة الحكومة. على سبيل المثال، بسبب الافتقار إلى طائرات مكافحة الحرائق، صارعت حكومة حزب العدالة والتنمية لأسابيع لإطفاء سلسلة من حرائق الغابات بدأت في آب (أغسطس) 2022 نتيجة لأزمة المناخ. وبدأ الإعلام الذي تسيطر عليه الحكومة على الفور بنشر نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة لائماً الحركة الكردية ومتهماً لها بالوقوف وراء حرائق الغابات من دون أي تبرير. أدى هذا السعار العنصري الكبير إلى سحل وقتل أكراد ولاجئين سوريين في المناطق المتضررة، بينما خفض أيضاً إلى درجة كبيرة التكلفة السياسية لفشل الحكومة في احتواء الكارثة. ولجأت الحكومة التركية إلى أفعال قمعية مشابهة في الأسبوع الأول بعد كارثة الزلزال، وتمت جهود التهدئة على حساب استجابة للكارثة أكثر فعالية كان يمكن أن تنقذ حياة آلاف الأشخاص الآخرين.

تهدئة شبكات التضامن

سعى أردوغان بعد الكارثة مباشرة إلى استرضاء قاعدته الدينية زاعماً أن الزلزال صنيعة القدر. وأدركت الحكومة بسرعة حدود هذا التوصيف، وركزت على الحجة القائلة بأن الزلزال كان شديداً على نحو استثنائي وأن أية جهود للتخفيف من الكارثة عاجزة عن منع الدمار الذي لا مفر منه. إلا أن الحكومة التركية ارتبكت من السرعة التي قامت بها شبكات التضامن ومنظمات الإغاثة والبلديات التي تقودها المعارضة بحملة التعبئة الفعالة فشنت حملة تهدئة. وكان هذا جلياً في السابع من شباط (فبراير) 2023 حين أعلنت الحكومة "حالة الطوارئ" لثلاثة أشهر في المدن العشر التي تضررت من الزلزال كي تمنح المزيد من سلطة حرية التصرف للشرطة والجيش. (قامت الحكومة سابقاً بتحديد المناطق التي ضربها الزلزال بوصفها "مناطق كوارث" من أجل تقديم تمويل إغاثة خاص وكبير لمواجهة الكارثة).

حاولت الحكومة التركية في الثامن من شباط (فبراير) أن تحجب تويتر وتيك توك اللذين كانا جوهريين لجهود الإغاثة المجتمعية. وفي اللحظة التي غصّ فيها تويتر التركي بالدعوات إلى الإنقاذ الفوري في مناطق معينة، لم تعكس عملية الحجب الوحشية هذه غياب الكفاءة لدى الحكومة فحسب بل عرّضتْ أيضاً جهود الإنقاذ لخطر شديد. ومن اللافت أن الحكومة أُجبرت على التراجع بعد تسع ساعات بسبب الغضب الشعبي الذي انتشر على نطاق واسع، ما أشار إلى عمق الأزمة التي بزغت في قلب استجابة حزب العدالة والتنمية للكارثة. وفي الأيام التالية، بدأت الشرطة التركية باعتقال المقاولين المشتبه في ارتكابهم انتهاكات للقواعد والقوانين في محاولة لتحميل آخرين مسؤولية الفشل في احتواء الكارثة والحد من تكاليفها. ورغم ذلك، وبالمقارنة مع حجم وإلحاحية الأزمة الإنسانية المتواصلة، لم يكن لأي من هذه الإجراءات الحكومية تأثير كبير على الغضب العام المستمر. فقد تفاقمت الأمور بسرعة وتم الإبلاغ عن عدد قليل نسبياً من عمليات النهب. لكن بينما برر الرئيس أردوغان الحاجة لسلطات طوارئ، بذر بذور الذعر الأخلاقي متعهداً بشن حملة على اللصوص والمجرمين في الأماكن المتضررة من الزلزال. وشُنت حملة تضليل قوية في الإعلام الاجتماعي لتضخيم "تهديد النهب" بالتعاون مع أحزاب "المعارضة" التي تتبنى أجندة عنصرية معادية للمهاجرين. وظهرت صُور "اللصوص السوريين" المزعومين الذين عذبتهم الشرطة التركية بشكل غامض وبدأت تنتشر بكثافة في الإعلام الاجتماعي.

بعد أن واجهت الحكومة أزمة شرعية تعمّقت نتيجة استجابة للكارثة عُبئت بصورة مستقلة عن الدولة، اضطرت إلى اختراع "الخطر"، (اللصوص) بينما زعمت أيضاً أنها "الدرع" (عنف الدولة) ضد التهديد كمحاولة لبناء الشرعية عن طريق سياسة القانون والنظام. ولم تشمل الهستريا العنصرية التي رعتها الدولة حول عمليات النهب تعذيب لصوص مزعومين فحسب بل أدت أيضاً إلى سحل ثلاثة أشخاص حتى الموت وإلى قتل شخص آخر على يد الجندرما (قوة الشرطة الريفية). وعَسْكرَ الإرهاب الذي رعته الدولة مسبقاً المناطق المتضررة من الزلزال، بهدف طرد شبكات التضامن في المستقبل القريب.

كانت مصادرة المساعدات التي نظمتها حركة التضامن هدفاً محورياً لاستراتيجية التهدئة أيضاً. فقد ألحت الحكومة على أن كل مساعدات الإغاثة في حالات الكوارث يجب أن تُرسل للناجين من الزلزال عن طريق مراكز التنسيق التابعة لهيئة "أفاد". ولجأت الحكومة إلى قوات الشرطة لمصادرة المساعدات التي أمنتها منظمات المجتمع المدني الكردي وحزب الشعب الديمقراطي وعينت حاكم مقاطعة بوصفه "وصياً" على مركز منظمة إغاثة في منطقة بازارجيك، في كهرمان مرعش. وأفيد عن حوادث مشابهة في عرقلة وصول المساعدات في محافظة شرناق ومنطقة غوجلوكوناك وملاطية.

وفي عملية تخدم الهدف نفسه، اعتقلت الشرطة عشرة عمال مساعدات من الحزب الشيوعي التركي، وكان هذا كما تبيّن جزءاً من محاولة لتخويف الناشطين في المناطق التي ضربها الزلزال. علاوة على ذلك، هدّد مسؤولو حزب العمل الوطني المتحالف مع الحكومة مراراً وتكراراً بالاستيلاء على التبرعات المقدمة لمجموعة "أحباب" وهي إحدى أبرز منظمات الإغاثة في أوقات الكوارث في تركيا. علاوة على ذلك، بعد أن رأت حكومة حزب العدالة والتنمية كيف نجح طلاب الجامعات في تنظيم مساعدات شاملة للأمة في الأسبوع الأخير، قامت باللجوء استباقياً إلى استراتيجية لمنع طلاب الجامعات من التنظيم والتعبئة في الحرم الجامعي معلنة أنه يجب إخلاء جميع الغرف الجامعية التي تديرها الدولة لإيواء ضحايا الزلزال، ما جعل التعليم من خلال الحضور الشخصي في الجامعة مستحيلاً في نهاية العام الجامعي.

بدأت الاحتجاجات المتنامية في أنحاء البلاد ضد الحكومة تكشف لماذا لجأ أردوغان إلى الإجراءات الاستباقية. فقد طالب عشرات الآلاف من جماهير أكبر أندية كرة القدم في تركيا باستقالة الحكومة في 26 شباط في رد على الاستجابة للزلزال. وهوجم أكثر من مائة ناشط من حزب العمال التركي بشكل وحشي واحتُجزوا في اسطنبول بعد القيام بمسيرة للاحتجاج على عجز الحكومة عن تقديم الخيام لضحايا الزلزال.

وبحسب الأدبيات المتنامية حول التهدئة، يشير المصطلح إلى ما هو أكثر من سحق المعارضة، فالتهدئة هي أيضاً نتاج القوة وتمكّن من إنشاء أجهزة شرطة جديدة، ومشاريع اقتصادية وأنظمة اجتماعية. وقد وعد أردوغان في الأسبوع الثاني من حملة التهدئة التي قادتها حكومته بأن يبني جميع المدن المدمرة خلال عام واحد. وبصرف النظر عن مسائل محتملة أخرى، يجب أن يتغلب أردوغان أولاً على تحدي جديد هائل يتمثل في صعود القوى الاجتماعية الجديدة من أسفل عن طريق جهود التضامن التي تدفع أحزاب المعارضة إلى توحّد أوثق ضد الائتلاف الحاكم.


هوامش:

١- من أجل دراسة جديدة حول الطريقة التي لجأ إليها أردوغان لتعبئة القومية العرقية التركية لمواجهة الهزيمة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية في ٢٠١٥ وصعود الحركة الكردية في روجافا، انظر:

أنور غوناي وإردم يوروك: اضطرابات عرقية: الإسلام السي اسي والصراع الكردي في تركيا، منظورات جديدة حول تركيا ٦١ (تشرين الأول ٢٠١٩)، ص ٩-٤٣.

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬