أوبتيموس، اسم روبوت صنعته شركة تيسلا الأمريكية سيتمكّن من القيام بمهمات روتينية من بينها التسوق، ويُرجَّح أن تبدأ هذه الشركة بإنتاجه في ٢٠٢٣. كما أنَّ أميكا، الروبوت الذي صنعته شركة إنجنيرد آرتس الهندسية، يُعَدُّ الرجل الآلي الأكثر تقدماً حتى الآن، ويتميز بأجهزة استشعار يمكنها تَتَبُّع الحركة في غرفة، دعْ ما قُيِّضَ له من قدرات تتيح له أن يتعرَّف على الوجه والصوت، ويتفاعل على نحوٍ طبيعي مع البشر. إنّه قادر أيضاً على إيصال تعبيرات جسديّة شائعة مثل الدهشة والمفاجأة وإيماءات مثل التثاؤب والاستهجان.
نجد أيضاً أولتر ٣، صنعته جامعة أوساكا ويمتلك أذناً موسيقية؛ وكذلك آرمز ٦، وهو روبوت طوره الباحثون في معهد كارلسروه للتكنولوجيا في ألمانيا ويعمل في خلفيات صناعية ويستطيع استخدام المثاقب والمطارق وأدوات أخرى. زدْ عل ذلك أسترو، روبوت يسير على عجلات ويعمل مع العمال، أما أطلس الذي صنعته شركة بوسطن دايناميكس فطوله خمس أقدام ووزنه ١٩٠ رطلاً. وتزداد القائمة اتساعاً فهناك جيا جيا، أول روبوت صُنع في الصين سيكون قادراً على الضحك والبكاء قريباً!
ونكتشف وجود روبوتات أخرى دخلت الخدمة العسكرية، وربما صارت جنوداً في بعض الجيوش على ما ذهبت إليه بعض التقارير الصحافيّة: فالروبوت الروسي ماركر الذي استُخدم كما قيل في دونباس، يتمتع برؤية تقنية ونظام تحكم آلي، ويعمل بشكل مستقل في ظروف الحرب السيبرانية، كما يستطيع تحديد أهداف العدو من مسافة ١٥ كم واستهدافها بنيرانه الخاصة.
هذا، وبحسب موقع سبوتنيك طور الجيش الأمريكي الكلب الآلي المسلح، الذي رُكبت بندقية على ظهره، وهو قادر على إطلاق النار على مسافة تصل إلى ١٢٠٠ متر، ومزود بنظام رؤية متقدم مع تكبير ٣٠ ضعفاً وجهاز تصوير حراري ومغطى بسيراميك خاص للاختفاء عن أجهزة الرؤية الليلية للعدو. وبحسب الموقع، الكلب الآلي قادر على التنقُّل الذاتيّ عشرات الكيلومترات.
إن التقدم ينطلق بسرعات مفاجئة كصواريخه التي صارت حديث الساعة، إذ بعد الإعلان عن بناء الشمس الصناعية التي درجة حرارتها أعلى من درجة حرارة الشمس بسبع مرات قامت الصين باختبار صاروخ خارق لسرعة الصوت من طراز (دي إف ٢٧) تفوق سرعته سرعة الصوت ٥ مرات في٢٥ شباط (فبراير) الماضي، الأمر الذي فاجأ الاستخبارات الأمريكية وبلبل الحسابات الدفاعية للدولة العظمى بسبب قدرته على اختراق منظوماتها الدفاعية. ما يحدث في حقل العلم ينبئ بتحولات مذهلة سنكون سوقاً أو وقوداً لها.
إنَّ ما سينتج عن هذه التحولات قد يشتريه بعضنا أو يستهلكه أو يوظفه؛ لكننا لن نكون مشاركين فيه على المستوى نفسه، وقد لا تنعم شعوبنا بنعمه، وسيخدم النخبة التي تحافظ على الأوضاع القائمة مذكية الغباء الاصطناعي الذي يرسخ قبول الأمر الواقع ولا تتعطل مخابره ومصانعه ليلاً ونهاراً.
في عصر العولمة نجد أننا بعيدون عن العالم، وفي عصر المعلومات نجد أننا بلا معلومات دقيقة عن أي شيء داخل بلداننا، ويتحول ما يُسمى بالمعلومات المتاحة في الميديا بأنواعها إلى عدسات نرى بها وجودنا، ما يدفع الفكر النقدي إلى أقرب مقبرة في الفضاء السيبراني، حيث كثرة المعلومات تتحول إلى حجاب على الحقيقة، وفي هذا الفضاء نشهد نمواً مريباً لشركات الخبراء والصيارفة والأكاديميين والمتخصصين في حقول معينة ولموظفي الشركات الأمنية، وخبراء الذكاء الاصطناعي، الذين يعكفون على إعداد جيوش عمياء لن يمرّ وقت طويل حتى نراها في شوارعنا تمتطي خيولاً إلكترونية وتضع مسدساً على خصرها تطارد المعارضين أو الأحياء، أو قد تُوظَّف كخدم للخدم، أي أدوات أمنية آلية للأدوات البشرية الموظفة في خدمة الطغيان.
تتجمّع المعلومات وتُتاح معارف هائلة في إطار الثورة الرقمية، ولكن هذه المعلومات المتراكمة، والتي هي زاد للذكاء الاصطناعي، لا تقوم على فكر نقدي مُغيِّر لأنظمة التفكير، أي أن العقل الغبي والمتخلف في العالم قد يمتلك القدرة على إدارة إنجازات هائلة في هذا المضمار وعلى امتلاك خزانات المعارف وتحويلها إلى أرشيف في دائرة أمنية في العالم الافتراضي أو الواقعي ومن ثم شحن اختراعاته بها.
تخيلوا مثلاً مهندساً شوفينيّاً، أو عالماً إثنيّاً، أو أي شخص يعمل في هذا المجال ولا يمتلك نظرة إنسانية إلى الآخر، أو سياسيّاً لا يتورع عن توظيف نفسه في خدمة أعتى أدوات القتل التكنولوجية. تخيلوا كل هؤلاء وهم يديرون الذكاء الاصطناعي ويوظفونه، ألا يعني هذا أن الذكاء الاصطناعي سيكون أداة سلطوية تساعد في مد الهيمنة وبسط النفوذ؟ هنا لا تصح دعوة هيغل ومن تبعه من الماركسيين إلى إعادة تربية المُرَبِّي، لأننا لسنا أمام متأدلج يريد أن يغير العالم وفقاً لمنظومته الأيديولوجية بل أمام خبير، وأخصائي، ومستشار، وسلسلة أعمال ووظائف تتطلب معرفة تخصصية في مجال محدد ما يعني هيمنة الموظف البيروقراطي وموت المفكر بالمعنى الإيديولوجي أو النقدي، أي ذلك الذي يحتج ويثور ضد ما يجري في العالم ويمتلك بديلاً نظرياً له.
العالم مجنون، تبدو المعادلة الداروينية هي الأوضح في الصراع الدائر للاستئثار بالكوكب. صار التطور الآن تطوراً للآلات كالصواريخ والمُسَيَّرات. تتوضح هنا معادلة البقاء للأقوى، لكن الأقوى لن يتنعّم في العصر النووي بعالم محروق لا إمكانية للحياة فيه، ربما تستطيع الآلات فعل ذلك إذا طورتْ وعيها الخاص، ونجحت في فرض استقلاليتها كما يخشى علماء وكان بينهم ستيفن هوكينغ.
في هذه الحقبة التي يَسِمُها فتح جديد هو الذكاء الاصطناعي، من يقرأ الصحافة العربية ويتابع الإعلام الاجتماعي، يرى كيف أننا نحارب الذكاء بيننا كبشر ونعتمد الغباء كإيديولوجيا ورؤية للوجود، ونمارس حروب الإلغاء في لعبة تتبع فيها أفكار الصحافة توجيهات القصور الجمهورية أو الملكية، أو قصور العقل. وفي حقبة يتسم فيها العالم بالتحول إلى دوائر نفوذ صرنا بيادق على شطرنج اللحظة المعاصرة، أو نعيش كأعشاب البحر والجذوع المطروحة في معادلة المد والجزر.
التكنولوجيا تتطور والزمن يتسارع في أمكنة ويتباطأ في أخرى. الأفكار تتغير في أمكنة وتبقى آسنة في أخرى.
خرائط سايكس بيكو تُعدل، ويتم تحريك البيادق على رقعة شطرنج الجغرافيا. كثيرون ممن أعرفهم من أبناء جيلي ما يزالون يؤمنون بنظرية المؤامرة، ويتمسكون بمنطق المستعمر الخارجي والمكائد التي تُحاك ضد الأمة دون أن ينتبهوا للأسباب الحقيقة للمأساة التي جاءت بها الأنظمة العسكرية القمعية بعد مرحلة الاستعمار الأوروبي.
وفي لحظة تحول فيها الذكاء الاصطناعي إلى أحد التجليات الكبرى للتطور نرى أن الغباء الاصطناعي أو المُصنّع يقود ظاهرة التديّن السلفيّ التكفيريّ في العالم العربي بأنواعه كافةً.
وتتسم الديانات التوحيدية كلها، كما تُمارس على المستوى التكفيريّ، بالتعصب والجهل وإلغاء الآخر. إذ نرى إلى الإسلام وهو يتجلى في أعتى الحركات الأصولية بينما تتجلى اليهودية في نزعة التعصب المؤيدة للتفوق العسكري والاحتلال والتدمير. وثمة أديان أخرى كالهندوسية أو البوذية يمارس بعض أتباعها المتعصبين قتل الآخر كتسلية.
لقد أصبح الإصرار على احتكار الحقيقة في عصر العولمة هوية المتدينين. لذلك لا نشهد حواراً بين الأديان ولا بين المتدينين، الكل متمترس وراء دشمته. الكل أغلق على نفسه باب كتابه المقدس. لا يوجد تسامح في الدين كما تمارسه حركاته المتطرفة، هناك معادلة إما أن تقبل غصباً عنك أو أنت كافر. أحياناً أشعر أن الحب هو البعد الغائب في حياتنا، وأن كلاً منا ينظر إلى الآخر عبر العدسة السميكة للإيديولوجيا والدين والمُسبق، ونعلّم أبناءنا أن يكرهوا الآخر ويكوّنوا ثقافة حامية كالدرع ضده منذ الطفولة. وفي الغرب حيث تنمو الفطور السامة للتعصب العرقي والقومي صار القتل أداة تعبير عن هذا التوجه، وقُتل كثيرون لمجرد أنهم أجانب من ثقافة أخرى. وفي الوقت الذي يتسابق فيه العلماء على تقديم مزيد من الاختراعات التي تواصل تغيير وجه العالم نشهد تحول التجارة إلى دين جديد له رسله ومعابده وكتبه التي تبشر بفراديسه أما الجحيم فيتأجج على هوامش المدن وفي مدن الصفيح حيث يتكدس الفقراء بلا أمل.
إن عصرنا هذا هو عصر الفقراء الذين لا يستطيعون أن يسدوا رمقهم. انظروا إلى الوضع في سوريا حيث صار الجوع هوية الجماعات وبات الحلم الجماعي الحقيقي لكثيرين هو مغادرة البلاد حتى لو كانت النتيجة الغرق. انظروا إلى التضخم الذي بدأ يغزو الدول العربية واحدة تلو أخرى. صار الجوع واضحاً في ملامح الوجوه.
نعم، في عصر الذكاء الصناعي تطور غباؤنا وأخذ أبعاده. تدهور التعليم في بلداننا وتدهور اقتصادنا، صرنا أكثر تبعية سياسياً وعسكرياً وصناعياً للغرب، تحولت بلداننا إلى مكاتب خدمات لضبط الهجرة غير المشروعة وضبط السكان وحراسة تدفق الموارد عبر الحدود. نعم تُرمى لنا حصص لكن ليس كشعوب، بل كنخب تحكم الشعوب، وتكتفي بالفتات الذي يحدده الغرب. إن أكبر وظيفة يمكن أن تحلم بها السياسة العربية في المنظار الغربي هي رئيس مخفر حدودي لضبط السكان ومنعهم من الهجرة إلى أوربا.
إن الحدود البحرية العربية فضيحة. ثمة إجماع على أن الأجيال الطالعة عاجزة عن بناء أي شيء في أوطانها وأنها يجب أن تهرب كي تحظى بفرصة ما خارج الحدود. تنبه الغرب الرسمي الذي يتعامل مع الأراضي التي تقع خارج حدوده كمناطق وغابات للصيد والقنص إلى هذه المسألة وبدأ بإعادة حقن الدكتاتوريات كي تضبط موضوع الهجرة، وصار من أثمان الحماية أو البقاء على الكرسي هو التقيد بهذه السياسة.
العالم يستثمر بسخاء الآن في الذكاء الاصطناعي وجيل المستقبل من الروبوتات التي ستزاحم بأقدامها البشر على مسرح الوجود. أتخيل روبوتات مدججة بالأسلحة الرشاشة والقنابل تجوب الشوارع وأخرى تقود الطائرات فيما البشر يفرون أمامها كالحشرات المذعورة في مشهد ذكرني بقصيدة الشاعر الأمريكي فيرلنغيتي ”أنياب التنين“ التي يصف فيها هجوم الطائرات المسيرة على المدنيين الذين يركضون مذعورين أمامها. ينظر الغربيون إلى العرب كأتباع يدورون في فلكهم، كسوق لاستهلاك السلاح بشكل رئيس، وكآخر لا يستحق الجلوس إلى المائدة. وحين يُسمح للعربي الرسمي بالجلوس يكون الهدف هو تحديد دور له.
إن جملة المعارف المكدسة في المخازن السبرانية ستشكل زاداً مستقبلياً يتغذى منه الذكاء الاصطناعي، والذي يُوظَّف الآن بشكل مكثف في خدمة سباق التسلح، وسيأتي يوم تحيّد فيه هذه الآلات الذكية الإنسان، كما قال بعض العلماء، وسيشهر الروبوت مسدسه ويطلق النار على صانعه ويصبح قادراً على اتخاذ قرارات قتل ذاتية.
المسألة الأخرى التي يجب أن تُناقش هي ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في بلداننا العربية حيث الذكاء الوحيد الموظف هو الذكاء الأمني، الذي حول بلداننا إلى سجون، ذكاء الانتصار على الخصوم بالطرق كافةً حتى لو كان من بينها تدمير البلاد؟
لقد حدثت نقْلَةٌ نوعية في الذكاء الاصطناعي من لغة البرمجة إلى لغة التدريب، كما يقول العلماء. في حقبة الكمبيوترات والآلات التابعة كنا كمستخدمين نبرمج الحواسيب إلا أن ما نقوم به الآن هو تدريب الآلات على تلقي الأوامر وتنفيذها. ما نشهده في منطقتنا هو تحويل أجساد البشر إلى آلات تابعة أو منفذة للأوامر، بعيداً عن أي مشروع نهضوي.
دُرِّب الجسد العربي على الامتثال وعلى خيانة رغباته وتحويلها إلى معادلة سرية، كما دُرِّب على تحويل أفكاره إلى طقوس سرية بسبب البنى الثقافية والأمنية المستشرسة. طقس الامتثال البشري هذا موجود في الآلات، ويبدو أن الآلات التي يخترعها البشر تحمل من مواصفاتهم الكثير. نحن كبشر نتمرد إذا استُعبدنا ويخرج منا سبارتاكوس وتشي غيفارا، والإنسان المتمرد يمتلك عواطف وخيالاً وعقلاً وجملة مواصفات تؤثر في قراراته وقد تلجم رغبته بالتحول إلى وحش مفترس. لكن من يضمن لنا أن الروبوتات التي اخترعناها وربيناها وأرضعناها من وقتنا وعقلنا أنه حين تتمرد سترأف بنا. ربما هي ستنهي المعادلة، وهذا احتمال لا يستبعده العلماء، هذا في السياق العالمي، أما في سياقنا العربي أما آن الأوان كي نخرج من شباك الغباء الاصطناعي ونسير على دروب ذكاء محرر ومخلّص؟
مصادر:
١-من أجل أسماء الروبوتات ومواصفاتها اعتمدنا على المقالة المنشورة بالإنكليزية في الرابط.
٢- للمزيد من المعلومات حول توظيف الروبوتات في المجال العسكري يمكن العودة إلى هذا الكتاب المهم الصادر في اللغة الإنكليزية:
P.W. Singer, Wired for War, the Robotics Revolution and
Conflict in the 21ST Century, Penguin Books, 2009.
٣- لمزيد من المعلومات حول الروبوتات العسكرية، انظر الرابط.