(المعهد العابر للقوميات (TNI)، أمستردام، 2023)
رابط تحميل الكتاب.
[إيان سكونز أستاذٌ في معهد دراسات التنمية في جامعة سَسِكْس. عمل على موضوع الأرض والماشية والزراعة، لا سيما في أفريقيا جنوب الصحراء، لعدّة سنوات. يقود مشروع "PASTRES" (الرعي وانعدام اليقين والمرونة: تعلّم الدروس من الهوامش) الذي يدعمه المجلس الأوروبي للبحوث].
(ج): ما الذي دفعك إلى تأليف هذا الكتاب؟
إيان سكونز (إ. س.): هناك تصورات خاطئة كثيرة حول الرعي، لكنه طريقة معاش مهمة للغاية في مختلف أنحاء العالم. يهدف الكتيب التمهيدي إلى تحدي الافتراضات الشائعة حول الرعي وإظهار كيف أنه نظام إنتاج فعال يمكن أن يكون مفيداً للبيئات والاقتصادات وسبل معاش الناس المختلفة. يواجه الرعاة الكثير من نفس التحديات التي تواجه صغار المزارعين، مثل ظاهرة الاستيلاء على الأراضي واستغلال الأسواق لهم. الهدف هو إظهار طبيعة النضالات المشتركة التي تتشكل نتيجة للرأسمالية النيوليبرالية، وأيضاً إظهار كيف يمكن أن نتعلم من الرعاة انطلاقاً من خبرتهم في التعايش مع انعدام اليقين والتعيش منه.
(ج): ما المواضيع والقضايا والنقاشات الأكاديمية التي يشتبك معها الكتاب؟
(إ. س.): يتناول كل جزء من الكتيب التمهيدي سؤالاً مختلفاً. على سبيل المثال، ما الاختلاف بين الرعي وغير ذلك من سبل تربية الحيوانات؟ هل الرعاة يدمرون البيئة ويتسببون في التصحّر؟ هل الماشية تسبب التغير المناخي؟ ما قيمة الرعي؟ هل اللحم والحليب ومنتجات الماشية الأخرى مهمة لغذاء الناس؟ كيف يهدد الاستيلاء على الموارد عالمياً الرعاة؟ هل المحميات الطبيعية والرعي على طرفي نقيض؟ وكيف ينظم الرعاة أنفسهم للدفاع عن معاشهم وبيئاتهم؟ يعتمد كل جزء على أدبيات متنوعة من مختلف أنحاء العالم، لإظهار كيف يمكن للرعاة أن يستفيدوا من البيئات شديدة التغاير والقسوة في أغلب الأحيان، بأشكال لا نفهمها بشكل جيد في الأغلب الأعم.
(ج): كيف يرتبط الكتاب بأعمالك السابقة و/أو يختلف عنها؟
(إ. س.): يعتمد الكتيب التمهيدي على عملي طويل الأجل بمجال الرعي والتنمية، ويستند بالأساس إلى عملي في أفريقيا جنوب الصحراء. في عام 1995 حررت كتاب "العيش مع انعدام اليقين: توجهات جديدة للتنمية الرعوية في أفريقيا" (متوفر الآن مجاناً بالإنجليزية)، وفيه نرى فكرة أن الرعاة خبراء في إدارة سياقات ينعدم فيها اليقين وأن على أعمال التنمية عبر جملة من النطاقات المختلفة، أن تتعاطى مع هذا. هذا يعني إعادة التفكير في التدخلات والمشاريع المرتبطة – مثلاً – بإصلاح قوانين حيازة الأرض واستخدامها، وتنمية الأسواق والتعامل مع الجفاف. يتناول الكتيب التمهيدي هذه القضايا والأسئلة ويتوسع فيها على امتداد أفكار وقضايا تناولها مشروع "PASTRES" (الرعي وانعدام اليقين والمرونة: تعلم الدروس من الهوامش) بتمويل من المجلس الأوروبي للبحوث.
(ج): من هم الذين تأمل أن يقرأوا الكتاب؟ وما التأثير الذي تنشده له؟
(إ. س.): في حين أن الكتيب التمهيدي يغطي باقة عريضة من القضايا والأسئلة، فهو مكتوب بشكل سلس وسهل (شكراً لكاتي ساندويل في المعهد الدولي التي ساعدت في تحريره). إضافة إلى الباحثين، أتمنى أن يقرأ الكتاب نشطاء الحركات الاجتماعية وممارسو التنمية وصناع السياسات المعنيون بها، وأن يساعد الكتاب في تحدي التفكير والممارسات الشائعة حول الرعي. آمل أيضاً أن يساعد في الربط بين من يعملون في سياقات زراعية وفِلاحية مستقرة ومن يعملون بمناطق الرعي، إذ يُظهر كيف أن التحديات في هذا السياق وذاك – والحلول ربما – متشابهة.
(ج): ما المشروعات الأخرى التي تعمل عليها الآن؟
(إ. س.): مشروع "PASTRES" الذي ذكرته ينتهي هذا العام، لكنه أنتج بحوثاً مهمة كثيرة للغاية حول الرعي عبر ست دول في ثلاث قارات، بما يشمل الصين وأثيوبيا والهند وإيطاليا وكينيا وتونس، بقيادة ستة من طلبة وطالبات الدكتوراه الرائعين. كان من المدهش أن نقارن بين ونستفيد من الخبرات المختلفة في فريق العمل. ومؤخراً اجتمعنا في ورشة عمل استضافها المعهد الدولي لبحوث الماشية في أثيوبيا، لمناقشة التداعيات. وعلى شاكلة المقولات الأساسية الواردة في الكتيب التمهيدي، توصلنا إلى ضرورة وضع "سردية جديدة" حول تنمية النشاط الرعوي، تبدأ بـ "أن نرى كالرعاة". في الأشهر التالية، سوف يتوفر كتاب جديد بعنوان "الرعي وانعدام اليقين والتنمية" (تحميله مجاناً)، وفيه نستعرض لماذا يجب وضع سردية جديدة لتنمية نشاط الرعي، مع تقديم أمثلة من جميع الدول الست.
مقتطف من الكتاب
ما الرعي وما أهميته؟
نركّز في هذا الكتيب التمهيدي على واحد من أنواع تربية الماشية، هو الرعي. والرعي هو طريقة لتربية الماشية تفيد من مختلف البقاع الطبيعية بسَوْق الحيوانات إليها وإدارة استيامها[1] فيها. وهو مصدر رزق ملايين كثيرة من البشر، ويستخدم مراعيَ في جميع القارّات ما عدا القارة القطبية الجنوبية، على أكثر من نصف سطح البسيطة.
ما السمات المميِّزة للرعي؟ السمة الأولى والأهمّ، هي أنَّ الرعي يفيد من التغاير. ذلك أنَّ بيئات المراعي التي يزدهر فيها الرعي تتنوّع أشدّ التنوّع، بتغيّر هطول الأمطار وتساقط الثلوج تغيّراً شديداً بين الفصول ومن سنةٍ لأخرى. وفي عديدٍ من الأماكن، يجعل التغيّر المناخي الطقسَ أبعد عن الانتظام. ويفيد الرعي من المعرفة والممارسات التقليدية في مساعدة الحيوانات والبشر على العيش معاً في بيئات متقلّبة ولا يمكن التنبّؤ بها.
السمة الثانية، هي أنَّ استيام حيوانات الرعي يُدار بِسَوْقِها المتعمّد في قطعان، الأمر الذي تتيحه تفاعلات الرعاية الوثيقة بين البشر والحيوانات. فلكي يكون لحيوانات الاستيام نظام غذائي صحي، لا بدّ أن تتناول غذاءً متوازناً. ويُعِين الرعاة الحيوانات على ذلك بتركها تكلأ في بيئاتٍ تختلف في ارتفاعها ورطوبتها ونوع غطائها النباتي. وعادةً ما يقتضي هذا سوق الحيوانات من مكان إلى آخر، على نحوٍ موسمي في الغالب. وهنا تبرز مهارات الرعاة ومعرفتهم، فضلاً عن تدريب الحيوانات، بما يتيح لها الاستفادة المثلى من العناصر الغذائية التي استمدّتها من بقاع شتّى تتغيّر أشدّ التغيّر بمرور الوقت.
السمة الثالثة، هي أنَّ الرعي يؤدّي دوراً حاسماً في حماية البيئات وتنحية الكربون وتعزيز التنوع الحيوي، وفي الوقت نفسه يوفّر طعاماً ذا قيمة غذائيّة كبيرة لبشرٍ مهمّشين في الغالب. ويستخدم الرعاة أراضي هامشية غالباً ما تكون متناثرة السكّان، ولذلك غالباً ما تكون لهؤلاء الرعاة هوية ثقافية مميزة ولو كانوا يتفاعلون ذلك التفاعل الوثيق مع مزارعين مستقرين أو سكّان مناطق حضرية.
تتنوّع نُظُم الرعي ذلك التنوّع المدهش. بعض الرعاة بدوٌ رُحَّلٌ تماماً وفي حركةٍ دائمة. وبعضهم الآخر شبه مستقر أو دائم الاستقرار. يقطع بعضهم مسافات طويلة من منطقة إلى أخرى. ويسوق بعضهم الآخر الحيوانات يومياً أو موسمياً في نطاق أصغر. لبعض الرعاة علاقات وثيقة للغاية مع مزارعين، فإمّا أن يزرعوا بأنفسهم (الرعاة المزارعون) أو يبادلوا بالسماد الطبيعي أو المنتجات الحيوانية إمكان الوصول إلى أرض يمكن للحيوانات أن تحصل فيها على الكلأ.
ما أهمية الرعي في القرن الحادي والعشرين، وما بعده؟
ما خصائص الرعي المعاصر التي تجعله مهمّاً في هذه الأيام وفي المستقبل؟ نشير هنا إلى ثمانية مواضيع متداخلة، سوف نستكشفها بمزيد من العمق في الأقسام التالية.
مساحات شاسعة، أعداد كبيرة من البشر. تشغل المراعي أكثر من نصف أراضي البسيطة، حيث يكاد يستحيل العيش وإنتاج الغذاء على غير الرعي. وينخرط في الرعي ملايين البشر في مجموعات متنوعة للغاية حول العالم، كما يبيّن مشروع حديث العهد للخرائط التفاعلية. ولا يمكن تجاهل هذا القدر من الأرض وهذه الكثرة من البشر الذين غالباً ما يحضرون في الجدالات السياسة.
تثمين التغيّر. يعتاش الرعاة من التغاير، عبر المناطق المختلفة، فيكسبون عيشهم في بيئاتٍ تكون فيها الزراعة وغيرها من مصادر الرزق صعبةً أو مستحيلة. ويتمتّع الرعاة بمعرفة فريدة ومهارات تمكّنهم من أن يستجيبوا بمرونة وفعالية في الأحوال المضطربة التي يتغيّر فيها المناخ وتشتدّ أشكال انعدام اليقين الأخرى. وهذا ما يقدّم دروساً لنا جميعاً.
التنقّل. التنقّل أساس في ممارسات الرعي وجزء رئيس في استجابتهم للتغيّر. وبعض مجموعات الرعي تبقى في حركةٍ تكاد تكون دائمة، في حين لا تقطع مجموعاتٌ أخرى سوى مسافاتٍ قصيرة. ويختلف التنقل باختلاف أنواع الحيوانات وفصول السنة والبيئة. وهو يفضي أيضاً إلى أشكال معقدة من استعمال الأرض. ويقدّم فهم الموقع المركزي الذي يحتلّه التنقّل في التكيّف مع التقلّب دروساً مهمّةً لعالمنا المتنقّل والمتشابك.
التغذية عالية الجودة. يُنتج الرعاة منتجاتٍ حيوانيةً عالية الجودة ومغذّية، تمدّ مختلفَ السكّان، من خلال المبيعات المحلية وشبكات التجارة الأوسع، بالبروتين عالي الكثافة والمغذّيات الدقيقة. ويمكن لهذه المنتجات الحيوانية المصدر أن تساهم مساهمةً بالغة الأهمية في النُّظم الغذائية للفقراء أو المهمّشين أو الذين يعانون سوء التغذية، وهي مهمة على نحو خاص للأطفال الصغار والنساء الحوامل.
تعزيز التنوع الحيوي وحماية البيئة. يتشارك الرعي التطوّر مع المراعي والمتنزّهات والسافانات[2] والحراج المفتوحة التي هي موائل أساسية ومواقع مهمة للتنوع الحيوي. ويمكن لاستيام الماشية وقضمها[3]، وهجراتها من بقعة إلى أخرى أن يعزّز التنوع الحيوي. كما يمكن للفوائد البيئية للرعاة الذين يعيشون بشكل مستدام مع الحيوانات في هذه البقاع أن تتعدّى بكثير فوائد "حماية" هذه النظم البيئية من خلال الحماية الإقصائية.
إنتاج حيواني منخفض الكربون. بخلاف النُّظم المكثّفة، يمكن أن يكون الإنتاج الحيواني الواسع والمتنقّل محايداً أو حتى إيجابياً بالنسبة إلى المناخ. ونظراً إلى أنَّ نظم الرعي تحاكي نظم الحياة البرية وتحلّ محلّها، فإنّها قد لا تضيف إلى إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة. وفي حين تنتج جميع المجترّات غاز الميثان، يمكن لنظم الرعي أن تساعد أيضاً في تكوين كربون التربة، ما يقلّل من التأثير الإجمالي. ويمكن أن يؤدي الرعي الحذِر والسلالات المعدّلَة وإدارة السماد الطبيعي إلى مزيدٍ من تقليل الانبعاثات.
الرعي رفيع القيمة. يُبرز الرعي طيفاً متنوعاً من القِيَم التي يجب على صانعي السياسات أن يُحسنوا فهمها. ومن بينها قِيَم الرعي الاجتماعية والثقافية والبيئية التي لا تؤخَذ بالحسبان في الأسواق. ويمكن لدعم الأسواق المحلية والإقليمية أن يوفّر فرصاً جديدة لكسب الرزق المستدام، وأن يأتي ببشر جدد وبأفكار وثقافات جديدة في مناطق هامشية.
دعم مصادر الرزق والأقاليم. يمكن للرعي المزدهر والمستدام أن يبقي المناطق الريفية حيةً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وكان تناقص السكّان والهجرة الخارجية قد أدّيا في عديدٍ من المناطق إلى تقويض نظم الرعي، ومعها البيئات التي تعتمد عليها. وهذا يقلل من التنوع الحيوي، ويزيد من حرائق الغابات، ويفتح مناطق أمام استثمارات تجارية أقل فائدة. إنّ ازدهار الجماعات الرعوية يقيت الريف ويزيد من حيويته.
تُثبت هذه المواضيع أهمية الرعي، لكنَّ قَدْرَاً كبيراً من الفهم الخاطئ لنظم الرعي لا يزال قائماً، ما يفضي إلى تحيزات واسعة النطاق وتدخلات غير مناسبة. فالرعي، بالنسبة إلى بعضهم، نظامٌ "متخلّف"، مرحلة في الطريق إلى شيء أكثر استقراراً و"تحضّراً". وهذا يدفع مشاريع "التحديث"، مشاريع احتواء أولئك الخارجيين العنيدين ذوي المراس العسير وترويضهم. لكنّ ما يراه هذا الكتيب التمهيدي هو أنَّ الرعي يجب أن يُفهَم على أنّه نظام حديث منتج للغاية، و"بنية تحتية" مضبوطة أشدّ الضبط كي تحقق أعظم الفائدة في شتّى الأوضاع.
هل يسع الرعاة أن يُرُونا المستقبل؟
على مدى آلاف السنين، تعلّم الرعاة العيش مع انعدام اليقين ومنه. وبنوا مصادر رزق مستدامة في المراعي الهامشية. وتعدّ منتجاتهم حيوية للجماعات المحلية وفي التغذية الأوسع لكثيرين. وفي الوقت ذاته، توفّر الماشية أيضاً السماد الطبيعي، وطاقة الجرّ، والنقل، وسواها. لا يدمّر الرعاة الكوكب، بل يمكنهم في الواقع أن يعزّزوا التنوع الحيوي، وينحّوا الكربون، ويحسّنوا البقاع. والرعاة عنصر حيوي بالنسبة إلى مستقبل الأرض، باعتبارهم حرّاساً لمناطق واسعة من سطح البسيطة.
في حين تكافح مؤسساتنا وسياساتنا وممارساتنا لمواكبة عالم مضطرب سريع التغير، فإنَّ لدى الرعاة أيضاً كثيراً مما يعلّموننا إياه حول الثقة والتكيف والمرونة في مواجهة انعدام اليقين.
يسلط هذا الكتيب التمهيدي الضوء على عدد من الخصائص التي تَسِمُ ممارسات الرعاة في كسب عيشهم وتُبرز عيشهم مع انعدام اليقين ومنه. وهي تشمل الآتي:
-
تنمية المعارف والقدرات والحفاظ عليها للاستجابة للتغاير الشديد وتوليد الثقة في أوساط ينعدم فيها اليقين.
-
التنقل والقدرة على الاستجابة للمتغيرات المكانية والزمنية.
-
الاستجابات المرنة للملكية والحيازة من خلال أشكال مختلفة للتحكّم بالأرض، وأشكال مفتوحة لاستخدام الموارد، والتشارك.
-
أسواق فعلية منغرسة في علاقات اجتماعية قادرة على الاستجابة للتغاير.
-
تشكيلات اجتماعية ديناميكية، تربط الأفراد عبر الأسر بالأقارب والعشيرة والجماعة وشبكات أوسع لتبادل المعلومات وإعادة توزيع الثروة ودعم بعضهم بعضاً.
-
ضروب من التضامن والتجمّع تشكّل أساساً لـ"اقتصادات أخلاقية" تعيد توزيع الثّروات، كي لا يواجه البشر حالات انعدام اليقين بمفردهم.
جميع هذه الصفات حيوية بالنسبة إلى الرعاة، ولكن ماذا عن الآخرين الذين يتعيّن عليهم الاستجابة للتغاير ومواجهة انعدام اليقين على نحو يومي؟ ماذا عن المصرفيين أو المموّلين أو المهاجرين أو وكالات الإغاثة في حالات الكوارث أو أولئك الذين يديرون البنى التحتية الأساسية مثل إمدادات الكهرباء والمياه؟ بدلاً من السعي إلى السيطرة، من الضروري إدارة انعدام اليقين وتجنّب مخاطر الجهل.
يتطلّب هذا مهاراتٍ وقدراتٍ جدّ مختلفة، وإطارَ سياسات مختلفاً جذرياً للتصدي للأزمات والكوارث. على سبيل المثال، في الأزمة المالية لعام 2008، انحلّت النُّظم التنظيمية التي افترضت القدرة على التنبؤ والإدارة والسيطرة. ومع إتجار عالمي في المشتقات المعقدة يحصل في أجزاء من الثانية، لم يعرف أحد ما كان يحدث في الوقت المناسب، وعمّت التقلّبات.
كانت الخصائص الأساسية التي تَسِمُ استجابة الرعاة لانعدام اليقين غائبة: الاعتماد على مصادر متنوعة للمعرفة، والتعلّم على نحو تكيفي من خلال الشبكات، وتجاوز حالة انعدام اليقين من خلال العلاقات الاجتماعية. وتوضح التأملات في هذه الدروس أهمية التفاهمات على مستوى النظام، والقدرة على الاستجابة للمفاجأة، والفصل بين الشبكات المُقامة مع التجار والبنوك، بحيث يمكن دعم التفاعلات والعلاقات البشرية.
هكذا يتبيّن أنَّ للمبادئ التي يتبعها الرعاة في الاستجابة لانعدام اليقين والجهل والمفاجأة أهميتها الواسعة التي تمضي أبعد منهم بكثير. ويمكن لنا جميعاً أن نتعلّم من الرعاة، سواء في ما يتعلق بالجوائح الفيروسية أو تغير المناخ أو الهجرة أو الكوارث الطبيعية أو التقلبات المالية.
واضحٌ من بقايا مشاريع التنمية الفاشلة في المناطق الرعوية أنَّ الدافع إلى السيطرة عديم الجدوى، بل وخطير. بدلاً من ذلك، ثمة مقاربة أكثر انفتاحاً ومساءلة وأنساً ورعاية مقترحَة كبديل. ويمكن لمبادئ الرعي – المتمحورة حول التعدّدية والمرونة والتعلّم والتقاسم والتشارك – أن تغدو مجموعة أساسية من الممارسات لعالم اقتحَمَ انعدامُ اليقين كلّ موضعٍ من مواضعه. يمكن للرؤية كما يرى الراعي – وللانتقال من "السيطرة" إلى "الرعاية" – أن يوفّرا تبصّرات قيّمة لعددٍ متزايد من البشر والمنظمات التي تكافح كي تستجيب لمختلف حالات انعدام اليقين. من هذه الزاوية، يمكن قطعاً للرعاة أن يُرُونا المستقبل.
الهوامش:
[1]: الاستيام هنا مقابل Grazing. واستيام الماشية، في العربية، جَعْلها تتغذى بالرعي دون تقديم العلف لها. ولذلك قد نستخدم الاستيام والرعي بالمعنى ذاته. والمعنى العلمي الدقيق لـgrazing هو استهلاك الحيوانات المستأنسة والبرية للوزن القائم للكلأ )الأعشاب النجيلية وعريضات الأوراق الصالحة للاستهلاك). أو تغذية الحيوانات الزراعية وحيوانات الصيد على الأجزاء الخضراء أو الجافة للنباتات العشبية الكاملة أو بعض أجزائها بطريقة الرعي في الأراضي الرعوية. (المترجم).
[2]: السافانا، Savanna، أراضي تنمو فيها حشائش وأعشاب متقاربة وشجيرات متناثرة ومتباعدة. (المترجم).
[3]: القضم هنا مقابل Browsing، وهو استهلاك الحيوانات أوراق النباتات الخشبية وغصيناتها وأزهارها وثمارها الصالحة للاستهلاك (أشجار وشجيرات وكروم وصباريات ونباتات غير عشبية). قارن مع الاستيام. (المترجم).