عشرة، عشرون، خمسون، مائة، مائة وخمسون… خمسمائة… ثمانمائة ثمانمائة كيلومتر مشيا على الأقدام للوصول إلى ظفار… إلى ثورة ظفار.
ذهبت هيني سرور إلى ظفار، باحثة عن المعنى الحقيقيّ للثورة كما تراها هي، وكما يجب عليها أن تكون. ثورة ضدّ الغطرسة والإمبريالية، تحمل في استراتيجيات معاركها حربا من أجل المرأة ومعها. لن تكتمل بالنسبة لهيني سرور أيّ ثورة تهدف إلى تحرير شعب دون أن تلتحم بها غاية تحرير المرأة، ليس كموضوع، بل كشريك. حملت هناك النّساء السّلاح وخُضن المعارك بدل انتظار المحاربين في المنازل والخيمات كما في الحروب التي رمنسها التاريخ.
ذهبت إلى هناك صحبة فريقها، حاملة معها الكاميرا والكثير من الخيبات، بما فيها نكسة حزيران وخطابات اليسار العربي الموغلة في العنصرية والمتمثّلة أساسا في مقولات الحكومة المصرية إثر خسارة يونيو/حزيران 1967 وخطاب صوت العرب الذي اعتبرته معاديا للسامية. هي المنتمية إلى الديانة اليهودية ومتبنية الفكر الأممي مدافعة عن القضية الفلسطينية ومعادية للكيان المحتل.
سئمت سرور المقولات المدعية للنسوية في ظاهرها والغارقة في الذكورية في طياتها باعتبار أغلب قياديّي اليسار العربي أنّ تحرير المرأة ليس أولوية ضمن برامج الإصلاح السياسي والاجتماعيّ الذين كانوا مقدمين عليه.
ذهبت إلى هناك مبدؤها: "من ليس معنا فهو ضدّنا" وفلسفتها: "الإيديولوجيا تحكم الكاميرا"[1].
"السينما المباشرة" في خدمة الثورة
من ضجيج بيروت الستينيات وصخبها الفكريّ والسياسيّ، تكوّنت قناعات هيني سرور التي عاصرت كثافة الأحداث والتحوّلات السياسية التي شهدتها المنطقة في تلك الفترة. بيروت التي اشتعلت كجمرة في أذهان مثقفيها ومبدعيها وسكّانها، وكبركان من الرهانات الجيوسياسية لأعدائها والطّامعين فيها، صنعت من هيني سرور شعلة من التمرد والتطرّف في الحريّة والدّفاع عنها، لا تحرق فقط الأعداء، بل تأتي على المحايدين والمدّعين.
"على هذه الأرض، ذات التنوّع النسبيّ التي تسمى بيروت، كانت لي القدرة على استيعاب الكم الهائل من الأفكار التي تعجّ بهذه العاصمة. هكذا، وعلى عكس غالبية أخواتي العربيات، لست مدينة بقناعاتي السياسية والفنية لأخ أكبر أو أب أو زوج أو حبيب"[2].
وُلدت في بيروت سنة 1945 حيث درست علم الاجتماع في المدرسة العليا للآداب، ثم انتقلت إلى فرنسا لدراسة "علوم الأعراق" في جامعة السربون. كانت تشتغل على الدكتوراه وتعمل في نفس الوقت كصحفية حين اكتشفت الجبهة الشعبية لتحرير عمان وسمعت من خلالها عن أحداث ظفار في جنوب عمان.