منذ نهاية العام 2022 استعاد ناصيف زيتون نشاطه الفني بوتيرة سريعة، وعلى سوية عالية، تمثلت بإنتاج أغنيات جديدة وتنفيذها بطريقة الفيديو كليب، وافتتح هذه العودة بأغنية "بالأحلام"، وسرعان ما أطلق بعدها أغنيات مثل رابع مرة، وكاراميلا، وحبيبي وبس، ليجمعها في ألبوم يحمل عنوان "بالأحلام"، مضيفا إليه باقة أخرى ليشتمل في المحصلة على 8 أغنيات، سوى "رابع مرة" التي لم يضمها لهذا الألبوم.
ولعل أبرز أغنيات الألبوم أغنية "حبيبي وبس"، التي تستمد أهميتها من طريقة كتابة الكلمات، ومن اللحن بالطبع، ولكن الأهم من ذلك هو التوزيع الهجين، والفيديو كليب.
الكتابة على أوزان صعبة
كتب كلمات الأغنية الفنان إيفان نصوح، وهو واحد من صناع الأغنية اللبنانية الحديثة، إذ كتب ولحن وغنى مجموعة من الأغنيات سابقا، مثل "كبرت سنة الحلوة" وغيرها، إلا أنه لم يأخذ موقعه بعد على خريطة الغناء العربي، فاختار أن يدعم وجوده بكتابة وتلحين أغاني لنجوم آخرين مثل نجوى كرم وديانا حداد، وسجل تعاونا مع ناصيف زيتون بأغنية "حبيبي وبس" كاتبا فقط، إذ لحنها سليم سلامة ووزعها عمر الصباغ.
كلمات الأغنية مكتوبة على وحدات زمنية مختلفة، لكنها متوازية، وهذه طريقة قل ما ينجح كتابها في الحصول على ألحان مناسبة لها، خصوصا إذا قام على تلحينها فنانون آخرون:
سامع بحدا
بحاجة إنو يضم حدا
كرمال يتنفّس
أو شايف حدا
بعينو الدني
من بعد إلي بيحبو
بتخلص
البيحب بأنانية
وعندو الغيرة مئذية
كل هيدي الإشيا فيي
وهيدا الملخّص
يمكن بسهولة ملاحظة سطور تتكون من 4 كلمات، وسطور أخرى تتكون من كلمة واحدة فقط، كما تتمايز هذه السطور بطول الوحدة الزمنية الموسيقية لكل منها، إلا أنها اتفقت على هذا القالب، ويظهر ذلك جليا عند مقارنة مقطع بآخر، كما اختار نصوح قوافي صعبة تطلبت منه الخلط بين الحروف على أساس التشابه الصوتي، فاستخدم السين والصاد كقافية واحدة، ثم استخدم الياء والتاء المربوطة كقافية واحدة، ولم يكن من السهل الانتباه لهذا الخلط للتخلص من عبء القافية مع الحفاظ على وجودها، وهذا طبعا تكنيك موجود ومعتمد بشكل تاريخي، ولكنه يدل دائما على براعة الكاتب.
أنا لما قررت حبك
يعني كلك
صرت ملكي حبيبي وبس
أنا حبّي مش متل غيري
أنا الغيرة
بتقتلني لو بيمسّك شخص
ويتضح أيضا في مقاطع لاحقة اعتماد نصوح على الكلمة المحكية دون محاولة ليّ ذراع المعنى، فهو يكتب كما يتكلم.
لحن ممتد بين الشرق والغرب
أما الملحن المخضرم سليم سلامة، فجنح إلى لحن يخدم البناء الوزني للنص، ولايخدش طقس الكتابة أو الشعور، فقسم الأغنية إلى مقطع "فالت"، أي يغنى بدون إيقاعات، يتبعه مقطع مقعّد إيقاعيا، على واحدة من صيغ الروك الكلاسيكية، وبدا اللحن انسيابيا رغم العقدة الوزنية التي صنعها نصوح، مستخدما مقام النهاوند النموذجي أو نهاوند الدو، وهو أكثر ألوان النهاوند شيوعا على مستوى أغنيات السوق.
وانتبه سليم سلامة كعادته إلى إفساح المجال للتصاعد الحسي المقرون بالتصاعد الموسيقي، فبدأ كل كوبليه بغناء فالت هادئ، ثم تصاعد في المنطقة الفاصلة بدون إيقاع وبالاستعانة بكوردات البيانو، لينطلق نحو قمة الأغنية في مقطع "أنا لما قررت حبك"، المقعّد إيقاعا، فشكل بذلك دورة لحنية كاملة، تكررت في المقاطع كلها.
التوزيع واقتراح المحاكاة
وكما خلق الكاتب عقدة وزنية وتغلب عليها المحلن بصناعة لحن هجين بين الشرقي والروك، فإن الملحن صنع عقدة بالنسبة إلى الموزع، إذ وضعه أمام لونين متباعدين، إلا أن عمر الصباغ الموزع الذي يحاول اجتراح الجديد في كل أغنية يوزعها برغم كثافة إنتاجه، استطاع التغلب على هذه العقدة، عبر محاكاة اللحن، فترك المقاطع الشرقية "الفالتة" بدون موسيقى صاخبة، ليتيح للمغني فرصة استخدام الحليات أو العُرب الشرقية دون تقييد، وعوّض ذلك بموسيقى صاخبة في المقاطع الملحنة على إيقاعات الروك، فألبسها الثوب الموسيقي الخاص بالروك، لكنه اختار أن يترك صوت المغني في مقاطع الروك وكأنه لايف ساوند، ليحاكي نمط مسرح الروك الغربي ولكن بنكهة عربية، فنلاحظ أن صوت ناصيف في مقطع "أنا لما قررت حبك" كأنه مسحوب من حفلة، وهذا اقتراح جمالي مدهش، خصوصا أنه لم يؤثر سلبا على صنعة الماستر، إنما أضاف إليها إحساسا حقيقيا بنكهة شرقية.
الفيديو كليب ليس فعلا تكميليا
ولا يخفى على المتابع الدقيق أن الفيديو كليب أداة مؤثرة، تساعد الأغنية على الانتشار وحصد القبول، أو يحد من انتشارها المفترض، كما حدث مع أغنية "رابع مرة"، التي اكتفى زيتون بتغطيتها من حفلة داخل استوديو، فنال الكليب منها.
أما في "حبيبي وبس"، فقد أفلحت المخرجة أوديل رحمة بصناعة سيناريو ملائم للأغنية، ساعدها على الانتشار، فاختارت سرد قصة طفل نشأ على شقاق عائلي، تسبب في دفعه إلى التعلق بحبيبته أكثر، واستخدمت هذه القصة لتغطية المقاطع المغنّاة دون إيقاع، أما مقاطع الروك فاختارت أن تحاكيها أيضا بصناعة مشاهد من حفلة روك على المسرح كان نجمها ناصيف زيتون.
وبذلك أظهر الفريق انسجاما قوامه المحاكاة، فخرج العمل متماسكا، وكأنه تم الاشتغال عليه بشكل متزامن.