تكمن أهمية الاهتمام بالبيئة بالنسبة للبشر، وعموم الكائنات الحية، في التفاعل المباشر والمادي معها، والتأثير الذي تتركه البيئة على الكائنات الحية، ومن بين مكونات البيئة المؤثرة على حياتنا هو الغلاف الجوي، الذي تتفاعل أجسامنا معه من خلال التنفس، حيث تدخل مكوناته حرفياً إلى داخل أجسامنا من خلال عملية التنفس، ومن هنا تأتي ضرورة الإهتمام بمكوناته، بحيث لا تتعرض للاحتلال بما يؤدي إلى آثار ضارة بالنسبة للبشر.
باعتباره نظاماً مفتوحاً، يتأثر الغلاف الجوي للأرض بكل شيء تقريباً، بأشعة الشمس وأي شيء آخر قادم من الفضاء، بالإضافة إلى أي نشاط على الأرض بما في ذلك تنفس الكائنات الحية وعمليات الاحتراق والبناء الضوئي للأشجار، وبما أننا نحتاج من أجل استمرار حياتنا درجات حرارة محددة ونسب محددة من مكونات الهواء، فإن جودة الهواء الذي نستنشقه هو أحد أهم المعايير للحياة الصحية.
في تعاملنا مع نظام ضخم ومفتوح كالغلاف الجوي، تقع مسؤوليتنا في نطاق ما نستطيع التأثير به، فلا نملك بشكل مباشر التأثير على الأشعة القادمة من الفضاء بما فيها أشعة الشمس، فهذه الأشعة تتفاعل مع طبقات الغلاف الجوي، وخصوصاً طبقة الأوزون بشكل يبدد الطاقة العالية لموجات الضوء بحيث يصل إلينا ما يمكننا العيش معه، لكننا نملك التأثير على الانبعاثات التي نتسبب بها عبر إحراق الوقود الأحفوري، والتي تتسبب في تدمير طبقة الأوزون التي تحجب عنا أشعة الكون الضارة والتي إن نفذت إلى الأرض فإن كوكبنا سيتحول لمكان غير صالح للحياة.
في نطاق مسؤوليتنا وقدرتنا، تقع جميع الأنشطة البشرية المؤدية إلى انبعاثات أكاسيد الكربون، فأول أكسيد الكربون غاز خطير بالنسبة لصحة البشر ومسبب للاختناق والوفاة عند التعرض له بنسب تفوق الـ 50 جزءاً من المليون إذ يرتبط بذرات الحديد التي تساعد على نقل الأكسجين ويمنعها من تأدية وظيفتها، أما غاز ثاني أكسيد الكربون فهو من غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية والحياة على كوكب الأرض بشكل عام.
إن لطبقة الأوزون دوراً محورياً في حماية الأرض من الأشعة الضارة، لكن غاز الأوزون نفسه شديد السمية بالنسبة للبشر، وكذلك بالنسبة للنباتات والكائنات الحية عموماً، ويتكون غاز الأوزون بالقرب من سطح الأرض بسبب تفاعل أكاسيد النيتروجين بوجود أشعة الشمس مع المركبات العضوية المتطايرة من المصانع وعوادم السيارات وغيرها من مصادر التلوث، وبالتالي فإن خطورة الأنشطة المؤدية للتلوث تتجاوز التأثيرات البعيدة أو متوسطة المدى مثل الإرتفاع في درجات حرارة الأرض لتصل إلى التأثير المباشر والآني على الأشخاص والكائنات التي تعيش في بيئة ملوثة بالمركبات العضوية المتطايرة وأبخرة البنزين وأكاسيد النيتروجين.
لسوء الحظ، فإن المناطق التي تتعرض لتلوث المركبات العضوية المتطايرة وأكاسيد النيتروجين المؤدي إلى تكون غاز الأوزون السام، تتعرض بشكل مترافق للتلوث بأكاسيد الكبريت، الضار جداً بالنسبة للجهاز التنفسي للبشر خصوصاً الأطفال والأشخاص الذين يعانون من مشاكل الربو وحساسية الجهاز التنفسي.
إن جودة حياتنا مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بجودة الهواء الذي نستنشقه، وجودة الهواء مرتبطة بسلامة الغلاف الجوي ودرجات الحرارة، وبما أن المسبب الأول للاختلال الذي تتعرض له منظومة الغلاف الجوي هو النشاط البشري المؤدي للتلوث، فإن الحفاظ على الغلاف الجوي لكوكبنا جزء لا يتجزأ من سعينا للحفاظ على مستقبل الجنس البشري دون مبالغة، لذلك بدأت المدن بقياس جودة الهواء فيها عبر مقياس مخصص لجودة الهواء يقيس معدلات أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت والمركبات العضوية المتطايرة والجسيمات الدقيقة التي يساوي قطرها 10 ميكرومتر أو أقل، وهي الجسيمات القادرة على الوصول للرئتين والتسبب بالأذى للجهاز التنفسي، بحيث يعبر هذا المقياس من خلال أرقام عن جودة الهواء، بحيث كلما قلت نسب هذه المواد كلما زادت جودة الهواء.
في معيار جودة الهواء الذي طورته وكالة حماية البيئة الأمريكية، يعتبر مقياس الجودة الذي يقل عن 50 صحياً ومقبولاً بينما 151 فما فوق على مؤشر جودة الهواء غير صحي بحيث قد يعاني معظم الناس من آثار جانبية مؤثرة على الصحة العامة بينما ستعاني المجموعات الحساسة من آثار خطيرة جداً. باستثناء الأردن والإمارات وقطر والبحرين وعمان وبعض مناطق المملكة العربية السعودية والعاصمة اللبنانية بيروت، لا تتوفر أي بيانات حول جودة الهواء في المدن العربية، ومن خلال ما يتوفر، فإن اللون الأصفر (من 50 إلى 100 على مقياس جودة الهواء) يغلب على النتائج، مع الأخذ بعين الاعتبار أن النتائج قادمة من بلدان تضع البيئة ضمن اهتماماتها بحيث تقيس جودة الهواء، وتقديراتنا أن الوضع في المناطق والبلدان التي لا تقيس جودة الهواء أكثر سوءاً، لاعتبارات متعلقة بعدم الاهتمام بالمعايير البيئية العامة، أو باعتبارها بلدان غير مستقرة مؤسسياً وسياسياً وأمنياً.
إن جودة الهواء واحد من معايير الصحة العامة المهمة، وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن 9 من كل 10 أشخاص يتنفسون هواءًا ملوثاً، وتتسبب الجسيمات الدقيقة العالقة بالهواء، والهواء الملوث بأكثر من 7 ملايين وفاة مبكرة سنوياً بحسب المنظمة التابعة للأمم المتحدة، والتي يؤكد مديرها أن الضرر الذي يتسبب به تلوث الهواء أكبر وأشد وطأة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ما يعني أن العبء الذي يتسبب به تلوث الهواء غير متكافئ، ويرجع ذلك إلى الإعتماد الأكبر على حرق الوقود الأحفوري في البلدان التي لم تتمكن من بناء بنية تحتية للطاقة المتجددة، أو بسبب اعتماد النقل فيها بشكل أكبر على وقود الديزل وغيره من الوقود الذي تحرقه وسائل النقل ذات المحركات القديمة.
يعتبر الاهتمام بالبيئة مسألة متكاملة وشمولية، والترابط بين كل عناصر الإهتمام بالبيئة ترابط عضوي وأساسي، وبالتالي فإن الصحة العامة مرتبطة بجودة الهواء، وجودة الهواء مرتبطة بالانبعاثات الكربونية، والانبعاثات الكربونية ناتج رئيسي للأنشطة البشرية من صناعة ونقل وتعدين وتوليد كهرباء، وعليه فإن الانتقال نحو اقتصاد أخضر هو أيضاً انتقال نحو عالم أكثر استدامة وأكثر صحة، واهتمامنا بالبيئة هو وجه من وجوه اهتمامنا بصحتنا.