بيرل باك، ترجمة زينب عبد الحميد
(يسطرون للنشر والتوزيع، جدة، 2023)
[روائيةٌ وكاتبة أمريكية، حصلت على «جائزة نوبل» في عام ١٩٣٨، بدأت الاشتغال بالكتابة في عام ١٩٣٠م، وكتبت روايتها «ريح الشرق، ريح الغرب» ونشرتها في الولايات المتحدة، ثم عاصَرَت فيضاناتِ عامِ ١٩٣١م في الصين لتكتب عنها مجموعةً من القصص القصيرة المؤثِّرة حول المشرَّدين واللاجئين الذين خلَّفتهم، وجمعتها في كتاب بعنوان «الزوجة الأولى وقصص أخرى». ثم في عام ١٩٣٢م أصدرَت روايتها الشهيرة «الأرض الطيِّبة» التي حازَت بها شُهرةً عالمية، وحصلت بفضلها على «جائزة البوليتزر»].
[من مواليد القاهرة، مصر عام 1988، روائيّة وناقدة ومترجمة مصريّة، صدر لها العديد من الترجمات منها ثلاثيّة ديفيد كوبرفيلد لتشارلز ديكنز، حادثة على جسر أول لأمبروس بيرس، رسالة من بكين لبيرل باك؛ وفي الرواية صدر لها: في مقام العشق (بالاشتراك مع يوسف نبيل)، والعالم على جسدي (بالاشتراك مع يوسف نبيل)؛ وفي النقد صدر لها: التصوف في الرواية المصرية المعاصرة وسليمان العطار ناقدًا ومؤرخًا للأدب ومبدعًا. ونالت العديد من الجوائز المحليّة في النقد والترجمة].
جدليّة (ج): كيف اخترت الكتاب، ما الذي قادك نحوه؟
زينب عبد الحميد (ز. ع.): اخترت الكتاب في الأساس بسبب اهتمامي بكتب بيرل باك. اطلعت على بعض رواياتها وبحثت عن بعض أعمالها فوقعت على هذا الكتاب. بيرل باك كاتب أمريكية شهيرة حازت على جائزة نوبل للآداب واشتهرت بثقافتها المزدوجة الأمريكية/الصينية وبدا لي رصد التفاعل بين الثقافتين الأمريكية والصينية أمرًا مهمًا.
(ج): ما هي الثيمة/ات الرئيسية؟ ما هو العالم الذي يأخذنا إليه النص؟
(ز. ع.): تركز الرواية على الاختلاف والتفاعل بين الثقافتين الأمريكية والصينية، وتجسد ذلك عن طريق رصد العلاقة بين رجل صيني وامرأة أمريكية. عبر العلاقة بينهما تتطرق الرواية إلى الاختلافات الثقافية والاجتماعية بين الحضارتين. الرواية رقيقة ومكتوبة على لسان البطلة، بما يفسح المجال أيضًا لرصد العالم من منظور البطلة وإفساح المساحة الكافية لها للتحدث عن مشاعرها وأفكارها.
(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والترجمة؟
(ز. ع.): بصورة عامة امتازت لغة بيرل باك في هذا العمل بالسهولة. الصعوبات التي واجهتني في ترجمة العمل لا تتعلق به على نحو خاص، بقدر ما تتعلق بصعوبات الترجمة عمومًا، ومحاولة نقل عالم لغوي وأدبي إلى لغة وعالم آخرين، بكل ما يفرضه ذلك من إشكاليات لغوية وأدبية وتقنية.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الإبداعية؟
(ز. ع.): ترجمت قبل هذا الكتاب عملين لستيفان زفايج، وترجمت بعده ديفيد كوبر فيلد كاملة لتشارلز ديكنز، لكنها نُشِرت قبله. على المستوى الأدبي شاركت في كتابة روايتين مع الروائي يوسف نبيل بعنوان: في مقام العشق – العالم على جسدي. على المستوى البحثي صدر لي كتاب بعنوان: التصوف في الرواية المصرية المعاصرة.
(ج): هل هناك نصوص كانت ذات تأثير خاص، أو قرأتها أثناء إنجاز الترجمة؟ ما هي المراجع التي اعتمدت عليها؟
(ز. ع.): اطلعت على بعض أعمال بيرل باك الأدبية كما قرأت بعض الآراء النقدية عنها.
(ج): من هو الجمهور المتوقع للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
(ز. ع.): يتناول الكتاب قصة حب إنسانية عامة، ومن هذا المنطلق فهو يلائم جميع القراء. علاوة على ذلك يمكن أن ينتبه إليه على نحو خاص المهتمون بالعلاقة بين الثقافة الصينية والأمريكية ورصد التفاعل الاجتماعي والثقافي بين البلدين، وقبل الجميع المهتمون بأدب بيرل باك ومن يريدون الاطلاع على أعمالها.
(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(ز. ع.): أترجم الآن دراسة اجتماعية عن المشكلات تواجهها المرأة في العالم كله والتمييز الذي تتعرض له والإشكاليات الاجتماعية والثقافية والسياسية الناجمة عن سياسات التمييز ضدها على نحو عام. أعمل أيضًا على إنهاء رسالة الدكتوراة.
فصل من الكتاب
لا أستطيع العودة إلى سريري. أتسائل هل تموت العاطفة بعد أن يموت الزوج وتترمل المرأة؟ أم هل يعيش الجسد مستصرخًا جسدًا مدفونًا في قبر؟ ولكن جيرالد لم يمت بعد. إنه يعيش بتفاصيله في ذاكرتي. ها هو هناك؛ في منزلنا. يعود إلى المنزل ليلا، ويأكل وينام ويستيقظ مرة أخرى. ينظر إلى هذا القمر نفسه الذي يضيء الآن خارج نافذتي. أتذكر جسده فتسري الدماء الحارة في عروقي. هل تصل إليه رغبتي واشتهاء جسدي؟ إنه لم يمت، لم يزل على قيد الحياة بالتأكيد، وهو بالتأكيد يعلم ما أبتغي. نعم؛ يعلم أنني أقف هنا بجانب النافذة، وأنظر إلى القمر، وأحلق بروحي فوق الضباب؟ إنها ليلة ربيعية. ها أنا مع الذكريات، وها أنا أتذكر... لقد استطعنا منذ مرتنا الأولى في هذا المنزل أن نجعل من حبنا حبًا أبديًا. لم نكن قد تزوجنا بعد. وها أنا أكتب هذا الآن؛ رغم أنني لم أبح أبدًا بسرنا هذا من قبل، ولم يبح به هو أيضًا. أنا على يقين أنه لم يبح بسرنا هذا. لطالما قال إنه لا يحب سواي، وسيظل على حبه لي مهما حدث؛ ولذلك لم يخبر أحدًا بما وقع بيننا. ربما أسأت التصرف، لكنني سعيدة الآن بما فعلته واخترته.
كان جيرالد حساسًا جدًا في أغب الأوقات، وقد انتابه رعب غريب في أيامنا الأولى. تحدث ساعتها بالكاد عن الحب. خشي أن أشعر باستهجان لما تبدو من هيئته الصينية. وحقًا كان يبدو في بعض الأحيان صينيًا أكثر منه أمريكيًا. صرخت في وجهه قائلة:
-
آه يا حبيبي، كم أنت سخيف!
أناديه "حبيبي" منذ وقت طويل وقبل أن يجرؤ هو على مناداتي بها. لقد بدأ بمنادتي بأسماء التدليل، ولم يكن الأمر سهلاً في معظم الأوقات؛ فلم يحدث أبدًا أن دللني في حضور الآخرين. أذكر الآن نظرة عينيه الداكنتين؛ حينما قال:
-
لا يمكنني العيش بدون حبك، وكذلك لن أستطيع أن أعيش بعد امتلاكي لهذا الحب دون أن أخشى أن أخسره. إنني لا أجرؤ على طلب الزواج منك لهذا السبب.
هذا صحيح. لم يطلب جيرالد الزاج مني، ولم يسمح لي بقول أننا مخطوبان.
بكيت وأنا أقول في اندفاع:
-
أنا أحبك وسأظل أحبك دائما.
-
إنك لا تدركين معنى ما تقولين. لا يمكن لإنسان أن يتأكد من حبه تمامًا؛ فغرائز الجسد لديها قانونها الخاص.
تحدثنا في ليلة مقمرة تشبه كثيرًا ليلتي هذه. كان الربيع قد تأخر في ذلك العام، وقد تمشينا سويًا تحت ظلال أفرع الأشجار؛ لنبقى وحدنا بعيدًا عن عيون والدتي. أحسست بالبرد؛ ففرد معطفه ووضعه على كتفي وسرت بينما يحتضنني. قلت له:
-
أنت من لم يتأكد من حبه بعد.
ثم فكرت في طريقة لأجعله يتأكد بها من مشاعره؛ فأخبرته:
-
إذا كنت تعتقد أنني لن أحبك لسبب خفي ربما لا أعرفه الآن؛ فلتأت إلى غرفتي الليلة. دعنا لا نخفي شيئا عن بعضنا البعض. دعنا نتأكد من مشاعرنا قبل الزواج.
شعرت به يرتعد. كنت أعلم أنه أحس بأنه مصدوم وقد شرد بذهنه بعيدًا؛ فرد على طلبي هذا قائلا:
-
لا، أنا لا أستطيع فعل هذا.
جاء شهر يونيو ولم يكن قد قبل دعوتي بعد. حصل على شهادته من جامعة هارفارد. حضرت أمي حفلة التخرج، ورحت أغني فخورة لسماع التقديرات العالية التي تلقاها. "امتياز مع مرتبة الشرف" أخذنا نكرر هذه الكلمات مرارًا وتكرارًا. قابلته أمي بودٍ لم أعهده فيها من قبل؛ وأخذت تتهلل له بينما تقترب خطواته نحونا ولم يزل مرتديًا وشاح تخرجه وقبعته.
لم يجد رجلا يضاهيه جمالا. أصبح في هذه اللحظة غير متحفظ. لقد كان منتصرًا وسعيدًا وقد أمسك بيدينا؛ والدتي وأنا؛ قائلا:
-
أشكركما على الحضور. بدونكما لم أكن لأحظى بعائلة. دونكما لكنت وحيدا.
ردت والدتي قائلة:
-
خالص تهانينا لك.
راحت تضغط على يديه بكلتا يديها. أما أنا فوقفت على أطراف أقدامي وقبلت وجنتيه. كانت هذه هي المرة الأولى التي أقبله فيها أمام والدتي؛ بعدها أحمر خجلا وألقى بنظره إليها. لم يجد منها اعتراضًا؛ فابتسم. تناول ثلاثتنا العشاء في تلك الليلة، في مطعم صيني في بوسطن. كان حيرالد من طلب نوعية طعامنا بالفعل، وأخذت والدتي تتذوق من أطباق الطعام الغريبة واحدًا تلو الآخر. أما أنا فقد أجهزت على طعامي كله، وصرحت بإعجابي بشتى أنواع الطعام. ضحك جيرالد في وجهي فشعرت بحبه وقد رأيته بنظرته، على الرغم مما كان يبديه من تحفظ.
عاد جيرالد معنا في اليوم التالي، وما إن حل المساء حتى بات ثلاثتنا في المنزل. أذكر هذه اليلة الصافية. كان الجو باردًا وحلوًا كما لو كان هواء الجبال العليل قد حل بنا. قالت والدتي إنها متعبة؛ فذهبت مبكرا إلى حجرتها للنوم. جلست مع جيرالد حتى ساعة متأخرة من الليل في الشرفة الحجرية التي بناها والدي في الصيف قبل وفاته. انخرطت بطريقة ما في الحديث مع جيرالد عن نفسه. قلت له:
-
كم أتمنى أن أعرف عنك كل شيء.
فسألني بدوره:
-
ما الذي تريدين معرفته عني؟
أمسك بيدي في هذه اللحظة. أحسست يده باردة وجامدة، وكانت يدي كعادتها أكثر دفئًا بينما تتشبث به. قلت:
كم تمنيت أن يتعرف أبي على الرجل الذي سيصير زوجي.