ترجمة وسن قاسم
أثارت كلمة الجندر خلال الشهر الأخير ضجة في وسائل الإعلام والخطاب السياسي في العراق. حيث عملت حملة ذات دوافع أيديولوجية تقودها شخصيات وقوى مؤثرة في المؤسسة السياسية العراقية على شيطنة وحظر استخدام مصطلح الجندر والنوع الاجتماعي والمثلية، متهمة من يستخدمه بالتآمر لإفساد المجتمع وتقويض الدين وتدمير والأسرة.
الفاعلون الذين يقفون وراء هذه الحملة معروفون: هم الجماعات السياسية والأفراد من الإسلامويين المحافظين المنتسبون إلى المؤسسة السياسية العراقية. تبدو الحجة قديمة ومألوفة للغاية، وهي تكرار لخطاب سمعناه في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين حول كلمتي النسوية والمساواة. "هذا شيء غربي، وضد ثقافتنا وديننا" إلخ. في الواقع، الحملة ضد الجندر كاريكاتورية للغاية وشديدة البساطة الفكرية ومفتقرة للخبرة لدرجة أنه كان من الصعب في البداية حتى أخذها على محمل الجد.
ومع ذلك، أدت هذه الحملة المناهضة للجندر إلى خلق مناخ من التخويف وانعدام الثقة في البلاد، وتبعتها تدابير حقيقية من جهات مؤسساتية ورسمية من مجالس المحافظات والمجلس النواب إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تمنع او تقييد استخدام مصطلحات الجندر والنوع الاجتماعي. لجنة الاتصالات والإعلام أوصت أيضاً بفرض استخدام "الشذوذ الجنسي" وهو مصطلح ازدرائي بدلاً من "المثلية الجنسية" على وسائل الإعلام والشركات القطاعية ووسائل التواصل الاجتماعي ووكالات الاتصال.
لقد كانت نظريات المؤامرة الغربية وفزع "الأخلاق الجنسية" ولا تزال استراتيجيات ناجحة تستخدمها المؤسسة السياسية العراقية كستار لإلهاء الرأي العام وكأداة لتقويض الأصوات الناقدة لسلطتها وتبرير قمعها العنيف للاحتجاجات والمعارضة. هذه الحملة هي محاولة للاغتيال المعنوي للقوى التقدمية ولا سيما الشبكات والمنظمات والشخصيات الأكاديمية النسوية والمدنية التي تستخدم مفهوم الجندر. وقد شجبت شبكة من المثقفات والمثقفين في العراق وشخصيات من المجتمع المدني وحقوق الإنسان والنسوية هذه الحملة في عريضة نشرت بعنوان "عن الجندر والحريات والعدالة الاجتماعية" يطالبون فيها بوقف هذه الشيطنة ويذكرون مسؤولي الدولة بأن استخدامهم لمصطلح الجندر مشتق من المعاهدات والاتفاقيات الدولية وتلك الخاصة بالأمم المتحدة الموقعة من قبل الدولة العراقية وبما يتماشى مع دستور البلاد الذي ينص على المساواة في المواطنة.
بعد عقود من الحرب والعسكرة، لم يعد العنف لغة الذكورة فحسب، بل لغة السلطة أيضاً، سواء في المنزل أو في الشارع. إن هذه الحملة تؤدي الى تفاقم العنف تجاه الأفراد والجماعات الذين هم بالفعل ضحايا لها. حيث يتغلغل العنف الجندري في جميع مناحي الحياة في العراق ولا يوجد ملاذ آمن منها. وقد حاولت المنظمات النسوية منذ أكثر من عقد تشريع قانون لمناهضة العنف الأسري. في كل محاولة، واجهوا نفس ردود الفعل العنيفة من نفس المجموعات التي تقود الحملة المناهضة للجندر.
هذه الحملة تعبر عن عنف ليس فقط ضد النساء، ولكن أيضاً تجاه أولئك الذين لا ينصاعون للنماذج المهيمنة للذكورة والأنوثة والجنسانية. إن أفراد مجتمع الميم هم من بين أكثر الأشخاص تهميشاً وتعرضاً للوحشية والاضطهاد. قبل عقد من الزمان، استهدفت موجة من أعمال القتل الوحشي أولئك الذين "يُنظر إليهم على أنهم مثليون" وحتى الآن لا يزال استخدام العنف ضدهم أمراً طبيعياً وطاغياً ومتغلغلاً.
منذ الغزو والاحتلال الأمريكي إن المجتمع العراقي مشبع بالعنف ويعمل فيه القمع السياسي، بما في ذلك التهديد بالاختطاف والتعذيب والقتل والاختفاء القسري للنشطاء والمثقفين والمتظاهرين، دون عقاب. في سياق كهذا، يتوخى الكثيرون الحذر في تصريحاتهم العلنية حول هذه الحملة لأن الخطر حقيقي، والتضامن الدولي مع النشطاء والمثقفين والمتظاهرين العراقيين نادر. إن الصمت او الرضى في كثير من الأحيان لبعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) فيما يتعلق بهذه الانتهاكات لا يؤدي إلا إلى تعزيز الإفلات من العقاب الذي تتمتع به السلطات العراقية والجماعات المسلحة التابعة لها.
هذه الحملة المناهضة للجندر هي مثال على كيفية عمل السلطة في العراق وفي العالم المعاصر. يقع الجندر في قلب بنى السلطة، وهي رابطة يتم من خلالها تأكيد السلطة أو نشرها أو مصادرتها. يصور الأيديولوجيون المناهضون للجندر أنفسهم على أنهم حاملو لواء الثقافة المحلية الأصيلة وحماة الدين. ومع ذلك، فإن استراتيجيتهم ممنهجة، وهي خطاب كلاسيكي ذكوري هوموفوبي ونيوفاشي ويميني متطرف موجود في المنطقة من لبنان وإيران إلى مصر وفي العالم من المجر واليابان إلى الولايات المتحدة وفرنسا. من مؤيدي ترامب في الولايات المتحدة ورئيس الوزراء المجري الذين حظروا دراسات الجندر في الجامعات، إلى الأيديولوجيين العراقيين المناهضين للجندر، هناك تسييس شائع الهوية المهيمنة الدينية أو العرقية أو الطائفية إلى جانب الذكورية الهوموفوبية. وتشترك هذه القوى أيضاً في قطع جميع أشكال الحماية الاجتماعية والخدمات العامة، وحرمان الفقراء والطبقة العاملة من الوصول إلى الموارد والحقوق الأساسية.
لا يمكن تفسير هذه الهجمات فقط على أنها استراتيجيات تظهر قبل اللحظات الانتخابية الحاسمة، بل هي سبب وجود القوى اليمينية المتطرفة النيوفاشية وهويتهم ومورداً للحفاظ على سلطتهم والإبقاء على امتيازاتهم الطبقية والاجتماعية. بعبارة أخرى، تُظهر الحملة المناهضة للجندر أنه في العراق، كما هو الحال في أي مكان آخر في العالم، لا يمكن للنضال من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة والحريات أن يستبعد مكافحة العنف الجندري. فالدفاع عن الجندر هو رفض العنف.
[زهراء علي، أستاذة مساعدة في علم الاجتماع في جامعة روتجرز ومؤلفة كتاب النساء والجندر في العراق].
[وسن قاسم شاعرة ومترجمة عراقية].