ونحن نكتب هذه السطور، ترتكب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة في قطاع غزّة، بوحشية، وعلى نطاق غير مسبوق منذ 1948. ويمكّن دعم الحكومات الغربية العسكري والدبلوماسي الكامل هذا التطهير العرقي. وخطاب الإبادة الجماعية كما التهديدات التي أطلقها الساسة الغربيون والإعلام على الفلسطينيين في الأسبوع الماضي تتمثّل على الأرض فيما نتكلم الآن.
قتلت عملية "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أكثر من 1300 جندي ومدني إسرائيلي، وأصابت عدداً أكبر، ونتج عنها أسر نحو مئة عسكري ومدنيين. لا يمكن تبرير استهداف المدنيين في أي سياق كان. فقوانين الحرب تنطبق على الجميع من دون تفرقة وإلا تصبح بلا جدوى.
في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الحرب. منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، قام الجيش الإسرائيلي بقصف قطاع غزة على نحو متواصل من الجو، والبر، والبحر. في ذلك اليوم، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قد ألقى حتى ذلك الوقت أربعة آلاف طن من القنابل على قطاع غزّة، في واحدة من أكثر عمليات القصف ضراوة في التاريخ الحديث.
وحتى كتابة هذه السطور، كانت عمليات القصف الإسرائيلي قد قتلت أكثر من ألفين وأربعمئة فلسطيني، وأصابت أكثر من تسعة آلاف منهم، وسوّت أرضاً أحياء بأكملها في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. وشطب ما لا يقل عن 45 عائلة بكامل أفرادها من السجلّ المدني. وعمدت إسرائيل إلى خنق قطاع غزة، قاطعة عنه الماء والكهرباء والإمدادات بالوقود، ومانعة دخول أي أغذية أو مواد طبيّة إليه. ولطالما كنا نعرف أن غزة هي أكبر سجن مفتوح في العالم. اليوم، نحن نشهد تحوّل هذا السجن إلى ساحة للتطهير العرقي المكثّف.
في مساء الثاني عشر من تشرين الأول/أكتوبر أبلغت إسرائيل الأمم المتحدة بإنذار: يتعين على نحو مليون فلسطيني يعيشون في شمالي قطاع غزّة، بما في ذلك مدينة غزة ومخيم جباليا للاجئين، النزوح إلى جنوبي القطاع خلال 24 ساعة. وهذا النزوح الجماعي هو ترحيل قسري للسكان وهو تطهير عرقي. بالنسبة للناجين من حربي 1948 و1967، لا تعد هذه مجرد مشاهد مألوفة فحسب؛ بل إنها تكتسب معنى جديداً بالكامل.
ولقد أعلنت إسرائيل بوضوح أنه هذه ليست سوى المراحل الأولى من حربها على غزّة، والفلسطينيين، وفلسطين. وفيما نشهد نطاق الكارثة المتكشّفة أمامنا، علينا تتبع عناصر الاستمرارية والتمزق خلال 75 عاما من الاستعمار الاستيطاني، والاحتلال العسكري، ونظام الفصل العنصري.
إن الاستعمار الاستيطاني، والاحتلال، والفصل العنصري الإسرائيلي، جميعها قائمة وتستمر بدعم كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، ومساعدتها. فتأييدها العسكري والسياسي والمعنوي غير المشروط شكّل حصانة تجعل من التطهير العرقي الذي نشهده اليوم، ممكنا.
الفلسطينيون اليوم عرضة للتحقير، ولتجريدهم من إنسانيتهم، وتجريمهم لمحض وجودهم.
غزّة ليست جزيرة. والتاريخ لم يبدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وتأطيرات الإعلام مثل "القضاء على حماس" و"الحرب الإسرائيلية على غزة" تمحو فلسطين والفلسطينيين. إن ما يحدث على الأرض، ومنذ 1917، هو تعريض الشعب الفلسطيني، مراراً وتكراراً، للمحو والحرمان. هذا الصراع بتعقيداته كلّها يتمحور حول منع التحرر الفلسطيني وإنكار وجود الفلسطينين كشعب.
لا يوجد حل عسكري لهذه الأزمة أو القضايا الأوسع التي أنتجتها. لا شيء سيطفئ الإرادة الفلسطينية لتحقيق الحرية.
[ترجمة هنادي سلمان. صورة الغلاف لنضال خيري].