انتقالات مجحفة: دور دول الخليج في التحوّل إلى الاستدامة

انتقالات مجحفة: دور دول الخليج في التحوّل إلى الاستدامة

انتقالات مجحفة: دور دول الخليج في التحوّل إلى الاستدامة

By : Christian Henderson

فقرة تمهيدية

تعد الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى من كبار منتجي النفط. لقد تطورت هذه الدول بالتزامن مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي حين أن التأثير المناخي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وغيرها من دول الشمال العالمي المستهلكة (والمنتجة) للنفط أعلى من تأثير دول الخليج من حيث المخزونات، فإن للمنطقة دورًا رئيسيًا في إنتاج تدفقات انبعاثات الكربون.

يعد مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون الذي يعقد حاليًا في دبي فرصة لدولة الإمارات العربية المتحدة وغيرها من منتجي النفط والغاز الإقليميين للترويج لأنفسهم كدول واعية بيئيًا تعمل على تعزيز الاستدامة. ويتجلى هذا الطموح أيضًا في استثمارهم في التحول الإقليمي في مجال الاستدامة، إذ إنهم لاعبون رئيسيون في مشاريع الطاقة المتجددة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لكن هذه الصورة تحجب حقائق أخرى. حيث ما يزال منتجو النفط في الخليج ملتزمين باستخراج الوقود الأحفوري، كما أن تحولهم الأخضر يؤدي إلى ترسيخ علاقاتهم غير المتكافئة إلى حد كبير مع بقية دول المنطقة. إنّ التزامهم بالطاقة المتجددة ليس نابعاً من المسؤولية البيئية بقدر ما هو نتيجة لرغبتهم في تحديث تركيبتهم الاجتماعية. وعلى الرغم من الافتراض السائد بأن بيئتها القاحلة تجعل هذه الدول معرضة بشدة لتغير المناخ، إلا أن رأسمالها يمنحها في الواقع فرصة لتنفيذ مشاريع تكيّف تتفوق على بقية المنطقة.

ويحاول فصل كريستيان هندرسون، وهو جزء من كتاب تحدّي الرأسمالية الخضراء: العدالة المناخية والانتقال الطاقي في المنطقة العربية (تحرير حمزة حموشان و كايتي ساندويل، دار صفصافة للنشر والتوزيع، طبعة 2024)، توضيح هذه الحقائق، وبالتالي يقدم تحليلاً مختلفا عن الخطاب السائد.

انتقالات مجحفة: دور دول الخليج في التحوّل إلى الاستدامة

شهدت السنوات الأخيرة، في دول الخليج، استخدام مصطلحي "الاستدامة" و"الاقتصاد الأخضر" الرائجين بالكثرة التي يُستخدمان بها في كلّ مكان أخر. ودول مجلس التعاون الخليجي حريصة على أن تصوّر نفسها كمشارك متحمّس في التغيّر البيئي. يظهر هذا أكثر ما يظهر في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، الدول الثلاث التي يركّز عليها هذا الفصل. وهي بلدان عززت استثمارها في الطاقة المتجددة وأعلنت عن برنامج للتحديث البيئي، اشتمل على خطط لـ"نفط وغاز منزوعيّ الكربون" واقتصاد تدويري، والزراعة الرأسية، ومجموعة من الحلول التقنية‘. لكنّ هذه التصورات تعتّم على حقيقة واقعة بعيدة كلّ البعد عن مبادئ الاستدامة البيئية وممارستها. فهذه البلدان لا نيّة لها في أن تخفف إنتاجها النفطي، وكانت قد أفصحت عن التزامها توسيع الإنتاج ما دام ثمة طلب. وبهذا المعنى، يكون موقف الخليج منحازاً تماماً لموقف معظم مصدّري المحروقات الآخرين وشركات النفط.

عبّر المسؤولون الخليجيون عن هذا الموقف صراحةً. وفي صيف عام 2021، أفصح عنه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود، بوضوح تام. فوفقاً لأحد تقارير بلومبيرغ، علّق الأمير في لقاء خاص على نيّة بلده مواصلة إنتاج النفط وبيعه مهما تكن الظروف. "ما زلنا آخر رجل على قيد الحياة، وسنخرج آخر جزيء من الهيدروكربونات". وهذا ما ردده مسؤولون آخرون في المنطقة. ففي عام 2022، قالت وزيرة المناخ والأمن الغذائي في الإمارات، مريم المهيري، أنّه "ما دام العالم بحاجة إلى النفط والغاز فسنمدّه بهما". وتنعكس هذه النيّة في حماية الأصول الهيدروكربونية وتلبية الطلب عليها في خطط كلّ دولة من دول الخليج الرامية إلى القفز بإنتاجها من النفط والغاز.

في ضوء هذا الالتزام الحازم بالنفط والغاز، كيف تتلاءم الطاقات المتجددة مع سياسات الطاقة الخليجية؟ يجب التشديد، أولاً، على أنَّ التقدّم الحالي في الانتقال إلى الطاقة المتجددة في دول الخليج يبقى بالغ البطء. في عام 2019، كان إنتاج الإمارات العربية المتّحدة للطاقات المتجددة هو الأكبر ضمن خليط طاقاتها، بين جميع دول مجلس التعاون الخليجي، بنسبة 0.67 بالمئة من الاستهلاك الوطني الإجمالي للطاقة في البلد. وهذا أدنى بكثير مما في العديد من الدول خارج مجلس التعاون الخليجي. غير أنّ بعض دول الخليج أعربت عن عزمها تغيير هذا الواقع. وأعلنت الإمارات العربية المتحدة التزامها توفير خمسين بالمئة من حاجتها إلى الكهرباء من خلال "طاقة نظيفة"، باستخدام خليط من الطاقات المتجددة والطاقة النووية و"الفحم النظيف"، بحلول عام 2050. وتنوي المملكة العربية السعودية بلوغ الهدف ذاته بحلول عام 2030. 

في هذه السياسات طموحٌ زائد ويجب أن تُعامل بشيء من الشكّ. يتيح إطلاق هذه التصريحات لتلك البلدان أن تظهر بمظهر الساعي وراء الاستدامة البيئية. وبذلك يكون التزام الانتقال إلى الطاقة المتجددة جزءاً من التزام الاستدامة البيئية الأوسع، ذلك الالتزام الذي يتجلّى أيضاً في معارض عامة، مثل إكسبو دبي 2020 الذي غلبت عليه سرديات الاستدامة. كذلك تشكّل سرديات الوعي البيئي أساس تطورات كبرى، مثل نيوم، المدينة المستقبلية الجديدة التي خُطِّط لها أن تُقام على ساحل المملكة العربية السعودية على البحر الأحمر. وسوف تكون نيوم، بحسب المواد التي تروِّج لها، "مخططُ غَدٍ تتقدمفيه البشرية من دون مساومة علىسلامة الكوكب". تُسفر هذه الحملات الدعائية في بعض الحالات عن تصريحات واضحة الزيف. وكان منظّمو كأس العالم في قطر 2022 قد زعموا أنَّ تلك الدورة هي الأولى الخالية من الانبعاثات الكربونية في التاريخ، لكنّ الصحفيين والناشطين سرعان ما كشفوا زيف هذا الادّعاء.

بصرف النظر عن كون هذه المزاعم سطحية ومحلّ تساؤل، فإنَّ هذا التمويه الأخضر الزائد يخدم غرضاً مهمّاً، هو التعتيم على حقيقة أنَّ دول الخليج تحتل موقع المنتج الأكبر للنفط والغاز في الاقتصاد العالمي. وهذا يتيح لهذه البلدان أن تحافظ على شرعيتها في الساحة الدولية وتضمن مكانتها كفاعل محوري في الجدالات حول سياسات الطاقة. فمن جهة أولى، يضمن التزام النفط والغاز أن تُبقي دول مجلس التعاون الخليجي سيطرتها على أسواق الطاقة، تلك السيطرة التي تتجلّى في الدور القيادي الذي تمارسه السعودية والإمارات والكويت وقطر في منظمة الدول المصدرة لنفط (أوبيك). ومن جهة أخرى، تُظهر صورة الاستدامة والوعي البيئي دول الخليج على أنّها مساهم مهمّ في أسواقٍ للطاقة المتجدّدة ومستقبلٍ خالٍ من الكربون. ومن الأمثلة على ذلك الدورة الـ28 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ "COP28" لعام 2023 التي ستعقد في دبي. فالمُراد لقمم المناخ العالمي هذه، منذ ثلاثة عقود وإلى الآن، أن تفضي إلى اتفاق دولي يؤدي إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة والحدّ من التغير المناخي. لكنَّ من سيقف على رأس المفاوضات، في الإمارات العربية المتحدة، في COP28 هو رئيس شركة بترول أبو ظبي الوطنية (ADNOC)، الأمر الذي وصفه أحد الناشطين بأنّه أشبه بـ"تولية ثعلب مسؤولية قنّ دجاج". يمثّل هذا تناقضاً واضحاً، لكنّه تناقضٌ يَسِمُ سياسات الاستدامة في كلّ مكان.

غير أنَّ دول الخليج، بعيداً عن السياسة، من المرجّح أن تتّخذ في آخر الأمر خطوات تزيد نسبة الطاقات المتجددة في مزيج طاقاتها المحلي. لعلّها لا تحقق الانتقال السريع الذي تعهّدت أن تحققه، لكنَّ من المحتمل أن تترسّخ الطاقات المتجددة في صميم الاستخراج العالمي للنفط. وكي نفهم ذلك، علينا أن نتمعّن في تكوين اقتصاد الطاقة في المنطقة ومقتضيات معاش المجتمع من أخذ وعطاء مع الطبيعة، في نظام بيئي حار وجاف. فهذه البلدان تتسم بمستويات من الاستهلاك المحلي للطاقة بالغة الارتفاع. وتتميّز السعودية والإمارات وقطر ببعضٍ من أعلى مستويات استهلاك الفرد للطاقة في العالم، وتتسم جميع دول مجلس التعاون الخليجي باستهلاك للفرد أعلى من متوسط استهلاك البلدان عالية الدخل. أحد أسباب هذا الاستخدام المرتفع هو الاستهلاك المحلي للطاقة في التكييف، وهو طلب فاقمته الطاقة المدعومة، مع أنَّ كثيراً من دول مجلس التعاون الخليجي يخفض هذا الدعم الآن. وينجم سبب آخر لهذا الطلب عن تحلية مياه البحر، تلك التحلية التي تغطي غالبية الاستهلاك المحلي للمياه في معظم دول مجلس التعاون. وتحلية المياه هي عملية شديدة الاستهلاك للطاقة. وتغطي في السعودية، على سبيل المثال، 20 بالمئة من استهلاك الطاقة. ويشير أحد التقديرات إلى أنَّ محطات التحلية في دول الخليج تغطي 0.2 بالمئة من استهلاك الكهرباء العالمي. ولقد توسّع هذا الطلب على الطاقة في السنوات الأخيرة بسبب النمو الاقتصادي والسكاني. ففي السعودية، على سبيل المثال، زاد استهلاك الطاقة عن الضعف، من 1335 تيرا واط/ساعة في عام 2000 إلى 3007 في عام 2021. ويمكن أن نلحظ زيادات مماثلة في غير مكان في المنطقة.

ما يزال منتجو النفط في الخليج ملتزمين باستخراج الوقود الأحفوري، كما أن تحولهم الأخضر يؤدي إلى ترسيخ علاقاتهم غير المتكافئة إلى حد كبير مع بقية دول المنطقة. إنّ التزامهم بالطاقة المتجددة ليس نابعاً من المسؤولية البيئية بقدر ما هو نتيجة لرغبتهم في تحديث تركيبتهم الاجتماعية

يغدو هذا المستوى الهائل لاستهلاك الطاقة عائقاً مكلّفاً لاقتصادات الخليج. فمعظم الكهرباء في دول الخليج توفّره محطات توليد تعتمد على النفط والغاز. ونتيجة لزيادة الطلب المحلي، تتغير وجهة كميات متزايدة من النفط بعيداً عن التصدير إلى المستهلكين العالميين الذين يدفعون بأسعار السوق. ولا يبدي الطلب المحلي على النفط أي علامة من علامات الهبوط. وتشير بعض التقديرات إلى إمكانية استمرار تزايد الاستهلاك المحلي للنفط بمعدل خمسة بالمئة في السنة. وتشير دراسة إلى أنّ الاستهلاك المحلي للنفط في السعودية سوف يضاهي مقدار الصادر منه بحلول عام 2030. وتحفّز هذه الميول على التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة في دول الخليج. فما يدفع التحوّل إلى الطاقة الخضراء في هذه البلدان هو فعلياً الحاجة إلى الاحتفاظ بالنفط للتصدير؛ أي أنَّ ما يحفزه هو التزام الاستدامة المالية، لا المخاوف البيئية.

سوق جديدة

علاوةً على حاجة دول الخليج إلى إعادة تشكيل إنتاج الطاقة المحلي، فإنها تنظر أيضاً إلى الطاقات المتجددة ووقود مثل الهيدروجين على أنّها فرصة سوق جديدة. والطاقة الخضراء هي فئة من الأصول الاستثمارية لرأس المال الفائض لدى دول مجلس التعاون الخليجي. وهذا القطاع قليل المخاطرة نسبياً: إذ يحظى بدعم مؤسّسات تمويل التنمية وبضمانات الحكومات المضيفة. وهذا ما يدفع شركات الخليج الكبرى لأن تنشط في هذا القطاع. وقد نشأت شركات طاقة جديدة غالباً ما تتلقى قدراً من دعم الدولة وتمويلها. إحدى هذه الشركات هي مصدر في الإمارات العربية المتحدة. وهي ملك لإمارة أبو ظبي، واشتُهرت في البداية بخطّتها لبناء مدينة في أبو ظبي على أساس مبدأ الاستدامة واستخدام الطاقة المتجددة. وللشركة ذراع استثماري ضخم يملك حوالي 20 مليار دولار أميركي في أصول الطاقة المتجددة في عدد من الأسواق حول العالم.

من الأمثلة الإضافية على مدى ترسيخ أموال دول مجلس التعاون الخليجي أقدامها في مستقبل الطاقات المتجددة وإدارة الموارد في المنطقة ذلك المقترح الذي وقعت عليه الإمارات وإسرائيل والأردن. إذ اتفقت هذه الدول الثلاث على خطّة لاستثمار مصدر الإماراتية في منشأة للطاقة الشمسية في الأردن تبيع جميع إنتاجها من الكهرباء لإسرائيل، مقابل بيع إسرائيل المياه المحلّاة للأردن. وإذا ما عُقدَت هذه الصفقة، فسوف توضح كيف يمكن لرأس المال الإماراتي والتكنولوجيا الإسرائيلية أن يحظيا بموطئ قدم أوسع في المنطقة. وسوف تطبّع الصفقة احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ونظام الفصل العنصري الذي تفرضه على الفلسطينيين وتعزّزهما. وهي تُبدي عن قدرة هذا النمط من المشاريع على توليد نتائج غير متكافئة إلى حدّ بعيد؛ حيث ستُحوَّل الطاقة من مزرعة شمسية مقامة على أراضٍ أردنية إلى الأسواق الإسرائيلية، وستوصل شبكات إنتاج الماء والكهرباء للمستهلكين الأثرياء، في حين يُقصى السكّان المحرومون الخاضعون لاحتلال عسكري.

منطقةُ انعدامٍ للتكافؤ

كيف تستخدم دول الخليج عوائدها من المحروقات لحماية مستقبلها في ضوء أخطار التغيّر المناخي؟ تضع موارد دول الخليج ورؤوس أموالها هذه الدول في قمّة التراتب الاقتصادي والسياسي الإقليمي الذي يتّسم باستقطاب متزايد. إذ يسود المنطقة انعدام للتكافؤ سحيق بين بلدانها الفقيرة وبلدانها الغنية. على سبيل المثال، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد في اليمن 701 دولار أميركي، بينما يبلغ في الإمارات 44315 دولاراً أميركياً. ويمكن أن نقع على أمثلة أخرى لهذا التباين في غير مكان من المنطقة: إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد في سوريا 533 دولاراً، وفي قطر 66000 دولار. ونتيجةً لانعدام التوازن هذا، فإنَّ بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تتقاسم التوقعات ذاتها في ما يخصّ تأثيرات التغيّر المناخي. وما تعنيه قوة دول الخليج السياسية والاقتصادية هو أنّها أقدر على تدبّر مشاكل احترار المناخ. وذلك بخلاف القدرة الضعيفة لبلدان أخرى في المنطقة، كاليمن ولبنان وسوريا، تعاني من تضافر الانهيار الاقتصادي مع الدَّين العام الخانق والصراع والاضطراب الداخلي.

من الأمثلة على هذا الانعدام للتكافؤ في المنطقة حالة الأمن الغذائي لدول الخليج. ذلك أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد اعتماداً شديداً على واردات الغذاء، وتستورد ما بين 80 و90 بالمئة من السلع. وهذا ما يخلق هشاشةً إزاء الاضطراب الجيوسياسي يمكن أن تؤثّر في اللوجستيات وسلاسل الإمداد. ولقد استخدمت دول الخليج رأسمالها لتخفيف هذا الخطر. واستثمرت بسخاء في البنية التحتية للنقل والتخزين. وبات بمقدورها أن تستورد الغذاء من أماكن مختلفة من العالم، ضامنةً بذلك امتلاكها مصادر متنوعة للسلع. فدول الخليج تستورد الغذاء من جميع مناطق العالم، وتمتلك أراضٍ في شمال أفريقيا ومنطقة البحر الأسود والولايات المتّحدة وأميركا اللاتينية. وأقامت منشآت ضخمة لتصنيع الأغذية والدواجن والألبان. تخدم هذه المنشآت الأسواق الخليجية وتوفّر بعض الاكتفاء الذاتي، لكنها لا تزال تحتاج استيراد السلع الخام، مثل علف المواشي. ومؤخّراً، راحت دول الخليج تستثمر في القدرات التقنية الزراعية التي تسمح لها بتنمية الغذاء في بيئات داخلية مضبوطة بالكامل. وهذه المشاريع شديدة الاستهلاك للطاقة وتعتمد على إمداد بالكهرباء وغيرها من المُدخَلات تموّله حكومات الخليج.

من الأبعاد الأخرى لعدم التكافؤ في المنطقة السعة التخزينية لحبوب الطعام، تلك السعة التي تشكّل درعاً في وجه ارتفاع الأسعار المفاجئ وأزمات العَرض. ولهذا الأمر أهميته الخاصّة في البلدان العربية، نظراً إلى اعتمادها على الغذاء المستورد مع الانكشاف للصدمات المناخية وصدمات السوق المحتملة. ولقد استثمرت دول الخليج بقوة في صوامع الحبوب ومخازن الغذاء، وضُمِّنَت هذه البنية التحتية في مشاريع الموانئ والمطارات في تلك البلدان. والنتيجة، أنَّ سعتهم التخزينية تتفوق بأشواط على نظيرتها في بلدان المنطقة الأخرى. على سبيل المثال، فإنَّ سعة تخزين الحبوب لدى السعودية تبلغ حوالى 3.5 مليون طن، لسكّان يبلغ تعدادهم 35 مليون نسمة، في حين تبلغ سعة مصر التخزينية نحو 3.4 مليون طن، لسكّان تعدادهم ثلاثة أضعاف سكّان السعودية، نحو 105 مليون نسمة. وتبلغ سعة قطر التخزينية نحو 250 ألف طن، لسكّان تعدادهم 2.6 مليون نسمة، في حين لليمن السعة التخزينية ذاتها إنّما لسكّان تعدادهم 30 مليون نسمة. ونجد هذا التباين في مقارنات أخرى بين بلدان المنطقة، لا سيما مع تلك المجتمعات المنكوبة بالحروب والكوارث. وعلى سبيل المثال، فقد دمّر انفجار مرفأ بيروت الكارثي في آب/أغسطس 2020 صوامع المرفأ التي تسع 100 ألف طن من الحبوب.

الخليج والانتقال العادل

تقف المبادئ الاجتماعية والاقتصادية الأساسية التي تَسِمُ الانتقال العادل في تعارض مع الاستراتيجيات آنفة الذِّكْر. فما يسعى إليه الخليج، باستثماره في الطاقة المتجددة والتجارة الزراعية وتطوير البنية التحتية، هو برنامج رأسمالي مكثّف وتقني للتحديث البيئي. ويشتمل ذلك على حلول تقنية وتراكم من خلال الاستيلاء باسم "الاستدامة". وما يحفز هذه الطرائق في المقام الأول هو الربح والاعتبارات الأمنية، في حين يشغل التزام الاستدامة البيئية مرتبة ثانوية من الاهتمام. ذلك أنَّ هذه المقاربة لا تبدي، إن أبدت، سوى أقلّ اهتمام بالمساواة والعدالة والحاجات العامة الأساسية. وهي تنطلق من فكرة أنَّ الاستدامة البيئية مسألة تكنوقراطية، يمكن فصلها عن المسائل السياسية العميقة المتعلقة بتوزيع الثروات والموارد، و الاستهلاك، واستخلاص الأرباح.

لهذا الاتجاه عواقبه الإقليمية. وكما أشرنا أعلاه، فإنَّ نفوذ دول الخليج جليّ في استثمارات الطاقة المتجددة في اقتصادات بلدان مثل مصر وتونس والمغرب والأردن. إذ تعمل شركات مجلس التعاون الخليجي الكبرى التي تقودها الدولة على ترسيخ أقدامها، من خلال استثماراتها، في تحوّل المنطقة إلى الطاقة المتجددة. لكنَّ هذا النفوذ حاضر أيضاً على مستوى أوسع في أرجاء المنطقة. إذ تعمل إعانات دول الخليج واستثماراتها على تعزيز سلطة عدد من الحكومات العربية، مثل مصر والأردن و تونس، تقدّم لها دول الخليج قروضاً تموّلها وتسندها. وإضافة إلى التمويل، توجّه دول الخليج السياسات في المنطقة عبر سبل أخرى. فقد تدخّلت السعودية والإمارات عسكرياً في اليمن، ودعمت قطر والسعودية وكلاء رجعيين لهما في سوريا. تحول هذه التدخلات دون قيام الفضاء الديمقراطي الضروري لانتقالٍ عادلٍ حقّاً؛ فهي تعيق نشوء حركات اجتماعية يمكن أن تطالب باستخدام للموارد الوطنية أعدل وأكثر استدامةً. علاوة على ذلك، وكما ذكرنا آنفاً، فإنَّ استخدام مساحات واسعة من الأرض لإنتاج الطاقة المتجدّدة وإقامة محميات التجارة الزراعية غالباً ما يقوم على الاستيلاء على أرض مستخدمين آخرين، وهو استيلاء يتحقق بأشكال من الحكم سلطوية وقمعية. وكي يتحقق انتقال عادل في العديد من بلدان المنطقة العربية، لا بدّ من أن تأخذ مسائل العدالة الاجتماعية والبيئية هذا البعد الإقليمي في الحسبان. ذلك أنَّ مسار التغير الثوري والاجتماعي لا يمكن فهمه على أنّه لا ينطوي إلا على نضالات يحددها الصراع الطبقي على المستوى الوطني وحده: لا بدّ من إدخال ثقل النفوذ الخليجي في الاقتصاد السياسي للمنطقة في المعادلة.

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • Unjust Transitions: The Gulf States’ Role in the “Sustainability Shift” in the Middle East and North Africa

      Unjust Transitions: The Gulf States’ Role in the “Sustainability Shift” in the Middle East and North Africa

      In recent years the buzzwords of “sustainability” and the “green economy” have been used in the Gulf states as much as they have been anywhere else. The Gulf Cooperation Council (GCC) countries are keen to portray themselves as eager participants in environmental change. This is most apparent in Saudi Arabia, the UAE and Qatar, the three countries that are the focus of this article. These countries have promoted their investment in renewable energy and have publicized a program of environmental modernization, including plans for “decarbonized oil and gas,” a circular economy, vertical farming, and an array of technology-based solutions. However, these conceptions obfuscate an actuality that is very far from the principle and practice of environmental sustainability. In reality, these countries have no intention of curbing their oil production and have articulated their commitment to expanding production for as long as there is demand. In this sense, the Gulf’s position is completely aligned with that of most other hydrocarbon exporters and oil companies.

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬