(دار صفصافة، القاهرة، أكتوبر 2023)
[حمزة حموشان: باحث وناشط وكاتب جزائري مقيم في لندن، وعضو مؤسس لـ"حملة التضامن الجزائرية" و"العدالة البيئيّة في شمال أفريقيا" و"شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية". يعمل – حاليًا – منسق برنامج شمال إفريقيا في المعهد الدولي (TNI)].
[كايتي ساندويل: منسقة برامج في المعهد الدولي (TNI). يركز عملها بشكل خاص على الحق في النفاذ إلى الأرض والموارد، والسيادة الغذائية، والمحيطات، والانتقال العادل].
جدلية (ج): ما الذي دفعكما إلى تحرير هذا الكتاب؟
حمزة حموشان و كايتي ساندويل (ح. ح.) و(ك. س.): أغلب المؤلفات المتوفرة حول المناخ والطاقة في شمال أفريقيا والمنطقة العربية تنتجها مؤسسات نيوليبرالية دولية. إن نظرتهم متحيزة ومشبعة باستعارات استشراقية تحافظ على العلاقات الاستعمارية القديمة وتعززها، حتى عندما تتبنى لغة جديدة للاستدامة أو التحول الأخضر. ولا تأخذ مناهجهم في الاعتبار مسائل الطبقة أو العرق أو الجنس أو العدالة أو السلطة أو التاريخ الاستعماري. وتتجاهل توصياتهم الأسباب الجذرية للأزمة المتعددة الأبعاد في المنطقة، وبالتالي فإنها تهدد بتفاقم المشاكل التي يزعمون أنهم يحاولون حلها. وفيما يتعلق بأزمة الطاقة، على سبيل المثال، فإن خططهم تحابي المصالح التي تقودها الشركات الأجنبية على حساب الحلول المحلية والحقيقية التي تحترم البيئة وحقوق السكان المحليين.
وهذا الكتاب هو إحدى المحاولات لتحدي هذه التوجهات وإبراز مخاطرها. يندرج الكتاب ضمن الجهود المبذولة لمقاومة وتفكيك الروايات البيئية الاستشراقية والاستعمارية (الجديدة) حول المنطقة العربية من خلال تمكين وبناء رؤى العمل المناخي الجماعي، والعدالة الاجتماعية، والتحول الاجتماعي والبيئي بناء على التجارب والتحليلات والأفكار والرؤى التحررية للقوى العاملة في المنطقتين الإفريقية والعربية وخارجها.
وهذا الكتاب هو إحدى المحاولات لتحدي هذه التوجهات وإبراز مخاطرها. يندرج الكتاب ضمن الجهود المبذولة لمقاومة وتفكيك الروايات البيئية الاستشراقية والاستعمارية (الجديدة) حول المنطقة العربية من خلال تمكين وبناء رؤى العمل المناخي الجماعي، والعدالة الاجتماعية، والتحول الاجتماعي والبيئي بناء على التجارب والتحليلات والأفكار والرؤى التحررية للقوى العاملة في المنطقتين الإفريقية والعربية وخارجها.
عندما جمعنا باحثين وناشطين عربا ذوي رؤى نقدية، أردنا أيضًا تحدي المركزية الأوروبية التي تسود في الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام وإظهار أن المنطقة أكثر من قادرة على إنتاج معرفتها المشروعة حول موضوعات مهمة مثل المناخ والطاقة.
ومع انعقاد محادثات المناخ (COP28) في دولة الإمارات العربية المتحدة، والنقاش الدولي حول التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والاستدامة، وأسواق الكربون، وصندوق الخسائر والأضرار، أصبحت مثل هذه الكتابات النقدية أكثر إلحاحًا وأهمية بالنسبة للجماهير على نطاق عالمي.
(ج): ما هي المواضيع والقضايا والأدبيات التي يتناولها الكتاب؟
(ح. ح.) و(ك. س.): يتكون هذا المؤلف من مقالات كتبها بشكل أساسي باحثون وناشطون من مختلف دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بما في ذلك الصحراء الغربية والمغرب والجزائر وتونس ومصر والسودان وفلسطين والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر. يركز المساهمون على التحول الطاقي وكيفية إضفاء الطابع الديمقراطي عليه بطريقة تعود بالنفع على شعوب واقتصادات المنطقة. ويكشف الكتاب الطرق العديدة التي تسير بها التحولات "الخضراء" بشكل خاطئ ويرسم رؤى جريئة لما يجب تغييره حتى يتم تصويب هذه التحولات.
على حد علمنا، هذه المجموعة من المقالات هي الأولى من نوعها التي تتناول بشكل مباشر مسألة التحول الطاقي في المنطقة العربية من منظور العدالة وفي إطار التحول العادل. يسعى هذا الكتاب إلى تقديم مساهمة مهمة في المناقشات العالمية الدائرة حول العمل المناخي والانتقال العادل من خلال التساؤل عما تعنيه هذه العمليات في السياقات الخاصة لمختلف بلدان المنطقة العربية.
يغطي الكتاب موضوعات مختلفة بما في ذلك استعمار الطاقة الخضراء، والتبادل غير المتكافئ والاستخراج الأخضر، والتحويرات النيوليبرالية، وخصخصة الطاقة ودور المؤسسات المالية الدولية، فضلاً عن الرأسمالية الأحفورية والتحديات التي تواجه التحول العادل في البلدان المصدرة للوقود الأحفوري.
(ج): كيف يرتبط هذا الكتاب بعملكما السابق و/أو يخرج عنه؟
(ح. ح.) و(ك. س.): على مدى السنوات القليلة الماضية كنا نراقب وندرس القضايا المتعلقة بالعدالة البيئية والمناخية وديمقراطية الطاقة. لقد أجرينا أبحاثًا مع الحركات الاجتماعية الإقليمية والدولية لاستكشاف مسائل العدالة المناخية، والنزعة الاستخراجية، ومبادئ الانتقال العادل.
يعتمد الكتاب على العمل الشعبي الذي تم إجراؤه في شمال أفريقيا والمنطقة العربية بالإضافة إلى التفاعلات مع العلماء والناشطين هناك. ويحاول تعزيز هذه المساعي من خلال تجميع دراسات حالات من العديد من البلدان في جميع أنحاء المنطقة. وهو يسعى جاهداً لإثراء المناقشات العالمية حول التحول الطاقي وتغير المناخ، مع التركيز على بعض السمات المحددة للمنطقة، والتي تشمل (أ) الأنظمة الاستبدادية، (ب) الاقتصادات المعتمدة على النفط، (ج) الاستعمار والإمبريالية السابقة والمستمرة، و(د) موارد الطاقة المتجددة المحتملة الضخمة.
(ج): من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
(ح. ح.) و(ك. س.): نأمل أن يستفيد من الكتاب الناشطون والعلماء والصحفيون والطلاب وصانعو السياسات المهتمون بقضايا الطاقة والعدالة المناخية وقضايا الاستدامة. يمكن للباحثين والأكاديميين من مختلف التخصصات (العلوم السياسية، والأنثروبولوجيا، والاقتصاد، وعلوم البيئة، ودراسات التنمية، والهندسة، وما إلى ذلك) استخدام دراسات الحالة كمواد تعليمية/بحثية. ويمكن للصحفيين أيضًا الاستفادة من تحليلات الكتاب والبناء عليها في تحقيقاتهم أو مقالاتهم التحليلية.
يمكن للناشطين في المنطقة أن يستمدوا الإلهام من مبادئ الانتقال العادل وديمقراطية الطاقة لإثراء وتعزيز الأطر المنظمة لتحركاتهم ونضالاتهم؛ في حين يمكن لنشطاء العدالة المناخية المقيمين في أماكن أخرى استخدام أفكار الكتاب لفهم الحركات الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل أفضل يتيح بناء رؤى جماعية متضامنة و تحركات مشتركة.
يعارض الكتاب استعمار الطاقة و النزعة الاستخراجية التي تؤدي إلى تفاقم أزمة المناخ في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم. ويؤكد على الحاجة إلى تحليلات شاملة وتغيير هيكلي من أجل مواجهة الخطاب النيوليبرالي/الاستعماري الجديد السائد حول التحول "الأخضر" الذي تروج له مختلف الجهات الفاعلة الدولية. وتتحدى الحجج التي يدفع بها الكتاب الخطاب "الأمني" من خلال اختيار مفاهيم العدالة، والسيادة، وإنهاء الاستعمار، بدلاً عن المطالب التي تتمحور حول أمن المناخ، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة. نأمل أن يتمكن الكتاب من دعم القوى/الحركات/المجموعات الشعبية التقدمية في المنطقة العربية لصياغة استجابة محلية وديمقراطية وشاملة للتحول الطاقي المطلوب، ودمج التحليلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والطبقية والبيئية. وهذا أمر مهم لا سيما و أن محادثات المناخ الأخيرة (COP27 وCOP28) انعقدت في مصر والإمارات العربية المتحدة.
أخيرًا وليس آخرًا، يطمح كتابنا الجماعي إلى إرساء الأساس للتضامن الدولي والاستراتيجيات الجماعية بين الحركات من المنطقة العربية وحركات المناخ والعدالة البيئية العابرة للحدود القطرية من خلال إظهار النضالات التقدمية والمقترحات الشعبية المحلية للتحول الاجتماعي والبيئي.
(ج): قلتما في مقدمة الكتاب إن أهميته ليست إقليمية فحسب، بل عالمية. هل يمكنكما أن تشرحا لماذا؟
(ح. ح.) و(ك. س.): يجب فهم منطقة شمال أفريقيا وغرب آسيا/منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سياق السوق العالمية الرأسمالية الأكبر، والتي تتميز بالظهور المتزامن لمناطق جديدة من التراكم والنمو في بعض أجزاء العالم والتراجع النسبي للأنظمة القائمة منذ فترة طويلة في مراكز القوة في أمريكا الشمالية وأوروبا. وتلعب المنطقة اليوم دوراً رئيسياً كوسيط في شبكات عالمية جديدة للتجارة والخدمات اللوجستية والبنية التحتية والتمويل. وهي أيضًا نقطة محورية رئيسية في نظام الوقود الأحفوري العالمي وتلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على الرأسمالية الأحفورية سليمة من خلال إمداداتها من النفط والغاز. وفي الواقع، تظل المنطقة المحور المركزي لأسواق الهيدروكربونات العالمية، حيث بلغت حصتها من إنتاج النفط العالمي الإجمالي حوالي خمسة وثلاثين بالمائة في 2021/2022. تاريخياً، غذت هذه الإمدادات تحولاً كبيراً في نظام الطاقة العالمي خلال منتصف القرن العشرين، حيث حل النفط والغاز محل الفحم كوقود أساسي للنقل العالمي، والتصنيع، والإنتاج الصناعي. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت موارد الشرق الأوسط ضرورية لتلبية الطلب المتزايد على النفط والغاز الذي يغذيه صعود الصين، مما أدى إلى تحول هيكلي رئيسي في الاقتصاد السياسي العالمي على مدى العقدين الماضيين على أساس علاقات أوثق بين الشرق الأوسط وشرق آسيا. كل هذا جعل منتجي النفط في الشرق الأوسط أطرافاً لا غنى عنها في المناقشات المتعلقة بتغير المناخ وأي تحول مستقبلي بعيداً عن الوقود الأحفوري.
إن التحول العادل يستلزم تحولا عالميا وبما أن المنطقة العربية، التي تضم 465 مليون شخص، ستكون أحد المواقع الحاسمة لهذا التغيير، فإننا نعتقد أن أهمية الكتاب عالمية، وليست إقليمية (فقط). من خلال تعزيز الدراسة الناشئة لتحولات الطاقة من خلال منظور الاقتصاد السياسي، يهدف الكتاب إلى توضيح واستكشاف المفاهيم والأفكار السياسية التي يمكن أن تساعد في توجيه وتحفيز التغيير الذي تقوده القواعد الشعبية.
(ج): ما هي مشاريعكما الأخرى/المستقبلية؟
(ح. ح.) و(ك. س.): بعد إطلاق الكتاب في الوقت المناسب؛ قبل أسابيع قليلة من انعقاد مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، سنشارك في سلسلة من الأحداث حوله، مثل المؤتمرات وورشات العمل، من أجل نشر الأفكار وإثراء النقاشات الإقليمية والعالمية حول العدالة المناخية وانتقال الطاقة.
نحن ندرك أن هذا الكتاب الجماعي به بعض الثغرات - مثل تأثير الحرب والصراع المستمر (وما ينتج عنه من نزوح كارثي للسكان عبر الحدود) على مسائل التحولات العادلة في بلدان مثل العراق ولبنان وليبيا وسوريا واليمن. ويرجع ذلك جزئيًا إلى القيود المفروضة علينا وضيق الوقت. ومع ذلك، فإننا نخطط لتوسيع نطاق هذا الكتاب في السنوات القادمة ليشمل دولًا أخرى في المنطقة. قد لا يكون هذا كتابًا آخر، بل مجموعة من المقالات أو القراءات الطويلة المنشورة على الإنترنت.
وفي عام 2024، سننشر أيضًا كتابًا تمهيديًا عن تعويضات المناخ/ديون المناخ لاستكشاف المناقشات الجارية حول الخسائر والأضرار، وتمويل المناخ، والحاجة الملحة إلى تقاسم الثروة والتكنولوجيا بشكل عادل في الاستجابات العالمية لأزمة المناخ. سنواصل العمل على مواضيع العدالة المناخية والبيئة العابرة للحدود الوطنية، والسيادة الغذائية، والعمل، مع الحركات الإجتماعية و الشعبية لتعميق تحليلنا للانتقال العادل وتعزيز المقترحات الجذرية للتحول الاجتماعي والبيئي الضروري لتلبية متطلبات أزمة المناخ.
مقتطف من الكتاب (من المقدمة)
أصبحتْ آثارُ الانهيار المناخي واضحةً في المنطقة العربيَّة، متمثّلة في تقويض الأسس الإيكولوجية والاجتماعية–الاقتصادية للحياة. تواجهُ دولٌ عربيةٌ مثل الجزائر وتونس والمغرب والسَّعوديّة والعراق والأردن ومصر، تحديات مُناخية كبيرة بسبب موجات الحرّ الحادة والمتكررة، وفترات جفاف مطولة، ما ينذر بآثار كارثية على الزراعة وصغار المزارعين.
شهد العراق، الذي يُصنّف ضمن أكثر خمس دولٍ ضررًا مِن التغيّر المُناخي والتصحر، العديد مِن العواصف الرملية المتكررة في 2022، أصابتْ الحياةَ بالشلل، وأرسلت آلاف المواطنين إلى المستشفيات بسبب مشاكل في التنفس. وأشار وزير البيئة العراقي إلى أنَّه على مدار العقدين التاليين سوف يُضرَبُ العراقُ بالعواصف الرملية على مدار 272 يومًا في المتوسط كل سنة، وبحلول عام 2050 ستُصبح على مدار 300 يوم. شهد الجزائر في صيف 2021 حرائق غابات غير مسبوقة هائلة ومدمرة، بينما ضربت الكويت موجة حرّ محتد تجاوزت 50 درجة مئوية، وهو رقم قياسي عالمي في ذلك العام، في حين عانت الإمارات واليمن وعمان وسوريا والعراق ومصر من فيضانات مدمرة، بينما واجهت مناطق جنوب المغرب أسوأ موجة جفاف للعام الثالث على التوالي. وتُشير هيئة المُناخ، الهيئة الحكومية الدوليَّة المنوطة بتغيّر المناخ، إلى أنَّ منطقة حوض المتوسط ومنطقة الخليج ستشهد في السنوات المُقبلة، تفاقمًا في الأحداث المناخية المتطرفة، مثل حرائق الغابات والفيضانات، مع تصاعد في وتيرة الجفاف في التربة والأمطار.
لا يجب التسليم بأنّ الأزمة المناخية واقع حتمي لا رجعة فيه، إذ ظهرت الأزمة ولا تزال قائمة على إثر قرارات مستمرة بالاعتماد على حرق الوقود الأحفوري، وهو خيار يتحمل مسؤولية كبرى عنه الشركات والحكومات في الشمال، بالشراكة مع الطبقات الحاكمة في مختلف الدول، بما فيها المنطقة العربيَّة. وتضع هذه الأنظمة خطط الطَّاقة والمناخ في ذلك الجزء من العالم بمساعدَّة داعميها في الرياض وبروكسل وواشنطن، فتتحالف نُخب الأثرياء المحلّيين مع الشركات متعدِّدة الجنسيات والمؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. وعلى الرغم من تعهداتها، تبقى تصرفات تلك المؤسسات معاديةً للعدالة المناخية وبقاء الإنسانية ذاتها.
تجتهد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بشركاتها الوطنية للنفط والغاز، جنبًا إلى جنب مع شركات النفط الكبرى، للحفاظ على عملياتها، والتوسع والاستفادة من مخزونها من الوقود الأحفوري المتبقي. وتطمح مصر في عهد السيسي أنْ تصبح قوة طاقوية في المنطقة، إذ تعتزم تلبية احتياجات الاتحاد الأوروبي من الطَّاقة عبر تصدير فائض الكهرباء وتعبئة مصادر الطَّاقة المختلفة، مثل الغاز والنفط البَحَرِيَّين والطاقات المُتجدِّدة والهيدروجين، وهو طموح يتزامن مع الجهود الجارية للتطبيع السياسي والاقتصادي مع دولة إسرائيل الاستعماريَّة. يستغل النظام الجزائري بدوره ارتفاع أسعار النفط ويرى فرصة في بحث الاتحاد الأوروبي حثيثًا عن بدائل للغاز الروسي، لتوسيع عملياته وخططه المتعلقة بالوقود الأحفوري، وعلى نفس النهج تسير دول الخليج، مثل السَّعوديّة والإمارات وقطر. تتغنى الطبقاتُ الحاكمة في المنطقة عن حقبة "ما بعد النفط" لعقود، دون أنْ تتخذ الحكومات المتعاقبة إجراءات ملموسة نحو الانتقال إلى الطاقات المُتجدِّدة، مكتفية بإطلاق الخطط والمشاريع الضخمة وغير الواقعية، كمدينة نيوم المستقبلية الضخمة المقترحة والمثيرة للجدل في المملكة العربيَّة السَّعوديّة. تستغل تلك النخُب الحاكمة مؤتمرات الأطراف المتتالية كفرصة ذهبية للترويج لأجندة الغسيل الأخضر، وكذلك لجذب والاستيلاء على رؤوس الأموال والتمويلات لمشاريع الطَّاقة المختلفة والخطط "الخضراء" المزعومة.
يعتمد بقاء الجنس البشري على ترك الوقود الأحفوري في باطن الأرض، وعلى التكيُّف مع المناخ المتغيّر بالفعل في مراحل الانتقال إلى طاقات متجددة ومعدلات مستدامة من استخدام الطَّاقة وتحولات اجتماعية أخرى. ستتكلف محاولة التكيُّف مليارات الدولارات، لأجل البحث عن موارد مائية جديدة وإعادة هيكلة الزراعة وتغيير المحاصيل وبناء حواجز بحرية (مصدات أمواج) لحماية اليابسة من التَّآكل وتغيير شكل وطبيعة المدن، والسعي إلى مصادر خضراء للطاقة بواسطة بناء البنية التحتية المنشودة والاستثمار في الوظائف الخضراء والتكنولوجيا الخضراء. ثَمَّة سؤال وجيه: في مصلحة مَنْ ستصُبُّ تلك التحوُّلات والانتقالات الطَّاقية؟ ومَن الذين سيحملون عبء وثمن الأزمة المُناخية والتعاملات التالية معها؟
شمال أفريقيا وغرب آسيا بصفتهما محورًا أساسيًا في رأس المال الأحفوري العالمي
ينبغي فهم منطقة شمال أفريقيا وغرب آسيا، أو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في سياق السوق الرأسمالية العالمية الأوسع، وهي تتميز بالصعود المتزامن لمناطق جديدة للتراكم والنمو في بعض أنحاء العالم، والتراجع النسبي لمراكز السلطة المستقرة في أمريكا الشمالية وأوروبا. وتتمَّتع المنطقة بلعبها اليوم دورًا مهمًّا في حركة الشبكات العالمية الحديثة للتجارة والنقل والبُنى التحتية ورؤوس الأموال،13 وكذلك أهميتها في نظام الوقود الأحفوري العالمي من خلال دورها المحوري الذي تلعبه في الحفاظ على رأس المال الأحفوري عبر إنتاجها الوفير من النفط والغاز. في واقع الأمر، فإنَّ المنطقة هي المحور الأساسي لأسواق المحروقات العالمية، وحصّتها الإجمالية من إنتاج النفط بلغت 35% تقريبًا في 2021. تاريخيًّا، ساهمت تلك الإمدادات في التحول الكبير في نظام الطَّاقة العالمي خلال منتصف القرن العشرين، حين حلَّ النفط والغاز كوقود رئيسي للنقل العالمي والتصنيع والإنتاج الصناعي محلّ الفحم.
وفي الآونة الأخيرة، كانت موارد الشرق الأوسط ضرورية لتلبية الطلب المتزايد على النفط والغاز مع صعود الصين، ما أدّى إلى تحول كبير في الاقتصاد السياسي العالمي على مدار العقدين الأخيرين، إذ تطورت الروابط والعلاقات بين الشرق الأوسط وشرق آسيا. وهذا يعني أنَّ منتجي النفط في الشرق الأوسط أصبحوا أبطالَ مسرح مناقشات التغيّر المناخي، وأيِّة انتقالات مستقبلية بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
إلا أنَّه لا يجب النظر إلى المنطقة ككتلة واحدة متجانسة فيما يرتبط بهذا التحليل، بلْ يجب إدراك اللاتكافؤ واللامساواة العميقة في داخلها. وإذا نظرنا بشكل أعمق إلى دور الخليج الرئيسي في التشكيلة العالمية، كمنطقة شبه طرفية (semi-periphery) – أو حتى قوة شبه إمبريالية (أو إمبريالية بالوكالة)، فليس الخليج – وفقط أغنى من الدول العربيَّة المجاورة، إنَّما يشارك كذلك في الهيمنة على فائض القيمة ومصادرته على المستوى الإقليمي، مع تكرار إنتاج علاقات الاستغلال بين المركز والهامش وعلاقات التهميش والتراكم من خلال السلب. في هذا الإطار، ارتبطً التحرير الاقتصادي (اللبرلة) للشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة (عبر حزم إعادة الهيكلة الاقتصادية المختلفة في التسعينيات وعقد الألفية) ارتباطًا وثيقًا بتدويل رأس المال الخليجي في المنطقة بأكملها. يهيمنُ رأسُ المال الخليجي الآن على القطاعات الاقتصادية الأساسية في كثير من دول الجوار، بما في ذلك قطاعات العقارات والتطوير العقاري، والصناعات الزراعية والاتصالات وتجارة التجزئة والنقل والعمل المصرِفي والأسواق المالية.
لذلك وحين الحديث عن التصدي لتغيّر المناخ والتحول نحو الطاقات المُتجدِّدة بالمنطقة، تَبرزُ أسئلةٌ مُهمَّة: كيف ستكون العدالة المُناخية هنا؟ هلْ تشمل حرية الانتقال داخل المنطقة وفتح الحدود بين دولها ومع أوروبا؟ هل يعني دفع الدين المناخي والإنصاف والتعويض مِنْ قِبل الحكومات الغربية والشركات متعدِّدة الجنسيات والنخب المحلِّيَة الثرية على الصعيدين الوطني والإقليمي؟ هلْ يعني الانتقال بعيدًا عن النظام الرأسمالي؟ ما مصير موارد الوقود الأحفوري في المنطقة التي تستخرجها حاليًا شركات وطنية وأجنبية؟ مَنْ المسؤول والمسيطر على الطَّاقة المُتجدِّدة في المنطقة؟ ماذا يعني التكيُّف مع المناخ المتغيّر ومَنْ سيحدد آليات ذلك التكيُّف؟ ومَنْ الفاعلون الذين سيناضلون مِنْ أجل تغيير حقيقي وتحولات جذرية؟