يعد فيلم ''حرب أهلية'' الذي يعرض حالياً في دور السينما من الأفلام التي تقدم قيمتها استشرافاً لما ستؤول إليه الأحداث المستقبلية المتوقعة في الداخل الأمريكي وفي قراءة لما يمكن أن يقع نتيجة الصراعات السياسية والانقسامات الاجتماعية والاثنية في المجتمع الأمريكي بمكوناته القومية والثقافية المتعددة التي تتحول إلى كابوس محدق. تدور أحداث الفيلم داخل الولايات المتحدة في مشاهد لأحداث مستقبلية تشهدها الولايات المتحدة في سنة 2077. مشاهد الخراب والفوضى التي تعم الولايات المتحدة بعد الانقسام السياسي بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات المنتفضة (تكساس وكاليفورنيا وفلوريدا).. وذلك بعد تمسك الرئيس بدورة ثالثة مخالفاً للدستور، فتقرر قوات هذه الولايات الزحف نحو واشنطن للإطاحة بالبيت الأبيض الذي يمتلك جيشاً ضعيفاً. يسلط الفيلم الضوء على الانهيار الاقتصادي المرعب الذي ستشهده بعض الولايات، والتي لديها مشاكل مع الحكومة الفيدرالية، مثل ولاية فلوريدا وتكساس وكاليفورنيا متمثلا ما سيجري من انقسام وتعارض القرارات بين الحكومة الفدرالية من جهة وحكومة تكساس وحاكمها الرافض لقرارات الحكومة الفيدرالية من جهة أخرى. يقدم الفيلم مشاهد حافلة بصور الدمار والسيارات المحروقة والجثث المرمية على جانبي الطريق والمقابر الجماعية التي تشبه الى حد كبير مشاهد الدمار التي خلفها القصف الأمريكي إبان حرب الخليج وحرب 2003 على العراق، لمن شاهد وعايش تلك الأيام. حتى مشاهد القتل على الهوية والقناصين المجهولين الذين يقطعون الطرقات كلها مشاهد يقدمها المخرج البريطاني أليكس غارلاند في فيلمه بمحاكاة لواقع حدث في العراق. الفيلم يحكي قصة مجموعة من الصحفيين تقرر الذهاب من نيويورك إلى واشنطن لإجراء لقاء مع الرئيس الأمريكي والذي يبدو أنه بدأ يفقد السيطرة على قواته نتيجة التمرد الذي تقوده ولايتا تكساس وكاليفورنيا.
تكشف الرحلة التي يقوم بهذا الفريق الصحفي من نيويورك إلى واشنطن - حيث اللقاء المفترض مع الرئيس المهزوم - عن انهيار القيم الإنسانية وحالة الفوضى التي ترافق ذلك الانهيار في الوضع الأمني والاقتصادي، مما يضطر الفريق إلى استخدام الدولار الكندي للتزود بالوقود كدلالة على انهيار قيمة الدولار الأمريكي.
يتعرض الفريق إلى إيقاف من قبل (سيطرة وهمية) ترتدي الزي العسكري، فيقوم الجندي بسؤالهم من أي الولايات هم. ثم يلتفت لأحد أصدقائهم ويوجه السؤال له، وعندما يجيبه مرتعداً أنه من هونغ كونغ، فيصرخ بوجهه إذاً أنت صيني»، ثم يطلق النار عليه. وهذه واحدة من المخاوف التي تهدد الأقليات والإثنيات في امريكا حالياً مع صعود أسهم الشعبوية.
وحين يصل الفريق الصحفي إلى واشنطن، يكتشف أنهم غير مكترثين بما يجري حولهم من حرب أهلية. يدخل الفريق أحد المتاجر لبيع الملابس ليجد أن صاحبة المتجر تقرأ كتاباً. وتلك إشارة وكشف لطبيعة المواطن الأمريكي الذي لا يدري ما يدور حوله من أحداث جسيمة وحروب.
يتعرض الفريق لكمين من قناصين بلباس عسكري يتقاتلون مع قناص يحتمي بأحد المنازل، وعندما يسألهم (جويل) ممن يأخذون أوامره، يجيبه الجندي وهو مصوب بندقيتيه نحو الهدف «أنهم لا يأتمرون بأمر أحد فقط يقاتلون من يطلق النار.»
الفيلم مليء بالثيمات وبالرمزية والإشارات الاستشرافية، متمثلة باختيار تكساس وكاليفورنيا كولايتين متناقضتين في التوجه والقواعد الشعبية بين الحزبين (الديمقراطي والجمهوري)، وصولا إلى اختيار الفريق الصحفي من ثلاثة أجيال: ساميّ ولي وجسي. تلك قراءة لواقع يتربص بأمريكا وبمستقبلها الذي يقف على شفا حفرة من حرب أهلية تنسج خيوطها وجرس إنذار لما يمكن أن يحدث مستقبلا وتلك نبوءة سوداوية وكابوس محدق.