يعيشُ اليوم آلاف السوريين في قبرص خوفاً اجتماعياً من فقدان فرصة العيش في الجزيرة، بسبب التحريض الذي يتعرض له المهاجرون السوريون الواصلون حديثاً إلى قبرص، والذين أعُيد معظمهم إلى لبنان بعد قرار مفاجئ اتخذته قبرص بخصوصهم.
"خلال الثلاثة أشهر الماضية، كان السوريون يصلون عبر البحر إلى قبرص من لبنان كلّ يوم تقريباً" هذا ما قاله رئيس جمهورية قبرص "نيكوس خريستودوليدس" خلال حوار منذ أيام مع "شبكة المحررين الألمانية (RND).
كما أكد أنّ "المهاجرين اليوم في قبرص يشكلون 7% من عدد سكان الجزيرة" وأضاف: "لم نعد قادرين على استقبال المزيد من اللاجئين السوريين، إنّها مسألة أمن قومي، ولذلك أخبرت الاتحاد الأوروبي بقراري حول تعليق طلبات اللجوء للسوريين في قبرص".
وكان "خريستودوليدس" قد علّق دراسة طلبات اللجوء للسوريين في الجزيرة المتوسطية ليلة 13 نيسان/ أبريل 2024، وجاء هذا التحرك ضمن إطار الحملة الإعلامية التي شنتها السلطات الرسمية على المهاجرين السوريين الواصلين حديثاً عبر البحر، والذين تدفقوا بكميات كبيرة مقارنة مع الأشهر الفائتة، حيث أعاد خفر السواحل القبرصيّ بالتعاون مع السلطات اللبنانيّة، منذ أيام، حوالي خمسة قوارب تقلّ نحو 400 مهاجر سوريّ.
"خريستوذوليذس" قال: "إن هذا القرار مؤقت بانتظار إعادة تقييم وضع النظام السوريّ لإيجاد مناطق آمنة يمكن إعادة المهاجرين إليها" على حد تعبيره.
وأكدت منظمات حقوقية أن قبرص نفّذت خلال العام 2023 نحو (11 ألف) عملية إعادة قسرية وطوعية للمهاجرين.
وبحسب الإجراءات المعلنة، سيتمكن المهاجرون السوريون الجدد من تقديم طلباتهم، ولكن لن يتم دراستها، وسيتم بعد ذلك نقلهم إلى مراكز الاستقبال وتُقدَّم لهم مساعدات عينية؛ وهي الغذاء والإقامة، ولكن دون أوراق رسمية للإقامة. لن يحق لأولئك الذين يختارون مغادرة مركز الاستقبال الحصول على أي مزايا. بالإضافة إلى ذلك، لن يكون لهم الحق في الحصول على عمل خلال الأشهر التسعة الأولى من وصولهم.
واعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول 2023، توجب على طالبي اللجوء الانتظار تسعة أشهر (بدلًا من شهر واحد) بعد تقديم طلب اللجوء قبل السماح لهم بالعمل. وأعرب في حينها مجلس اللاجئين القبرصي عن قلقه بأن ذلك من شأنه الدفع بالمزيد من الناس إلى العمل غير النظامي والعوز.
وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن "أعداداً متزايدة من طالبي اللجوء معرضون لخطر التشرد"، مشيرة إلى عدم كفاية الدعم الاجتماعي المقدم لهم.
وكان حزب فولت "Volt" القبرصي قد حذر من قرار الحكومة الأخير بتعليق فحص طلبات اللجوء المقدمة من المواطنين السوريين، واتهم الحزب في بيانه الحكومة بتغيير سياستها لكسر الصورة النمطية لها "دون أي تغيير جوهري"، وجاء في البيان أن "تعليق فحص الطلبات لن يكون بأي حال من الأحوال رادعاً لتدفق الهجرة من سوريا ولبنان"، مشيراً إلى أن "تعليق طلبات السوريين سيزيد الضغط على نظام إدارة اللجوء المثقل بالفعل، وسيتم وضع نصف طلبات اللجوء في الدِرج، لتواجهها خدمة اللجوء بعد بضعة أشهر، وفي ذلك الوقت سيكون العدد الإجمالي للطلبات المعلقة قد ازداد مرة أخرى بشكل كبير" بحسب البيان.
وقالت الحقوقية "كورينا ذروسيوتو" من مجلس اللاجئين القبرصي، وهو منظمة غير حكومية، للصحفيين: "إن هذا القرار لا يستند على أي أسس قانونية لاستبعاد جنسية معينة من طلبات اللجوء". وأوضحت أنه تمت تجربة إجراء مماثل أثناء إدارة الرئيس القبرصي السابق "نيكوس أناستاسيادس"، لكنه فشل في تحقيق أي نتائج. وأضافت أن "هذا الإجراء تمت تجربته أيضاً عام 2022، في ظل الحكومة السابقة، ولم يأتِ بنتائج، كما أنه لم يقلل من وصول المواطنين السوريين".
وخلال الأسابيع القليلة الماضية؛ زار وفد قبرصيّ رسميّ، لبنان، لمناقشة سُبل التصدي لخط الهجرة البحريّة والذي ينطلق من السواحل اللبنانية عادة- نحو سواحل قبرص، ونتج عن ذلك تنسيق سريع في سبل الإعادة القسرية لقوارب المهاجرين السوريين.
وبحسب إحصائيات مفوضية اللجوء في الأمم المتحدة – قبرص حتى أيلول – سبتمبر 2023، فقد تقدم نحو (3357) سورياً بطلبات لجوء إلى قبرص، في وقت كان هناك نحو (9477) طلباً للجوء إلى قبرص معلقاً حتى عام 2022.
وأكدت السلطات الرسمية أن قرار رئيس جمهورية قبرص بتعليق دراسة طلبات اللجوء للسوريين، سيكون ساري المفعول على الطلبات التي قُدّمت خلال الـ 18 شهراً الماضية!
ويوم الجمعة 19 نيسان/ أبريل 2024، اكتشف رادار جمهورية قبرص البحري، قاربين في المياه قبالة "كيب جريكو" وعلى متنهما (141) شخصاً؛ (92) رجلاً و (12) امرأة و(25) طفلاً و (12) قاصراً دون ذويهم. تم استقبال الأشخاص الـ 138، وهم لاجئون من سوريا، ورجل من لبنان، ورجل وامرأة من فلسطين، من قبل سفينتين تابعتين لشرطة الموانئ والبحرية وتم نقلهم إلى ميناء لارنكا حيث تم تسجيل تفاصيلهم. قالوا إنهم بدأوا رحلتهم في 11 أبريل/ نيسان 2024، من لبنان بعد أن دفعوا في السابق ما بين 3000 و3500 دولار أمريكي لشخص مجهول، وتم نقلهم إلى مركز "بورنارا" لإيواء المهاجرين المؤقت في "كوكينوتريميثيا". وكان قد وصل منذ 31 آذار / مارس حتى منتصف نيسان/ أبريل نحو (17) قاربًا يحملون (949) مهاجراً إلى قبرص، معظمهم من السوريين.
وفي تصريحات لوزارة الداخلية القبرصية، فإن هناك نحو 10000 طلب معلق، وقد تم تنفيذ قرار الحكومة القبرصية استناداً إلى "آلية أوروبية يتم تفعليها في حالات التدفق المتزايد للمهاجرين غير الشرعيين". وفي تقرير سابق، أشارت الوزارة إلى انخفاض طلبات اللجوء وزيادة عمليات مغادرة المهاجرين خلال العام 2023. وبحسب البيانات، انخفض إجمالي عدد الوافدين في عام 2023 بنسبة 50% مقارنة بعام 2022. وعلى وجه الخصوص انخفض عدد الوافدين من الخط الأخضر وزاد عدد الوافدين عن طريق البحر بنسبة 355%. وبلغت طلبات اللجوء عام 2022 (21565) ومنها (4088) طلباً لسوريين. بينما عام 2023 بلغ عدد طلبات اللجوء (11617) وعدد طلبات السوريين (6148) طلباً.
وكانت المحكمة الإدارية للحماية الدولية قد تلقت (8377) قضية طعن بقرارات للاجئين، وبنحو (12300) طلب استئناف تتعلق بأجانب عُلّقت طلبات لجوئهم. وقد تمت معالجة (9818) قضية أمام المحكمة المذكورة، ولم تنجح إلا في خمسة وأربعين قضية، أي بنسبة 0.46%.
ويشار إلى أنه منذ عام 2020 إلى عام 2023، تم تسجيل زيادة بنسبة 472% في الطعون أمام المحكمة الإدارية للحماية الدولية. ومع ذلك، فقد تبين أنه في الفترة من 2022 إلى 2023، تم تسجيل انخفاض بنسبة 9٪ في الطعون. 76% من الطعون المسجلة تتعلق بمتقدمين من بلدان آمنة.
وتشير إحصائيات موقع "Eurostat" إلى أن عدد طلبات اللجوء المعلقة في قبرص حتى نهاية شهر كانون الثاني / يناير 2024 وصلت إلى (31615) طلباً، وقد تقدم خلال عام 2023 نحو (6155) سوريا بطلب لجوء في قبرص.
ومن بين هؤلاء الواصلين "عبد الكريم. ن" الذي لا يخفي تخوّفه من الترحيل رغم أنه "يعمل بالأسود" ولم يحصل بعد على أوراق تخوّله العمل والإقامة، فهو مثل آلاف الواصلين خلال العامين الماضيين "لم يأته الردّ على طلب المقابلة من أجل اللجوء" بحسب ما قاله.
فيما تحاول "دعاء. م" العمل من بيتها في بيع الأطعمة السورية عبر فيسبوك، وهي تعيل أبناءها الأربعة بعد أن قُتل زوجها في سوريا بريف دمشق عام 2014، وتؤكد: "لقد وصلت منذ خمسة عشر شهراً، وأعيش اليوم في لارنكا، ويذهب أولادي إلى المدرسة لأن أعمارهم ما بين 8 سنوات و15 سنة، لكنهم دون أوراق رسمية، ربما سوف يحصلون عليها فيما بعد بحكم اندماجهم في المجتمع، كما يحدث مع معظم الأبناء الذين يأتون مع عائلاتهم ثم يُنتزعون تدريجياً عبر المدرسة والعادات والتقاليد هنا، ليكونوا جزءاً من المجتمع المحلي. هذا لا يخيفني، ولكني أخشى ألا أستطيع إكمال الانتظار بعد تعليق طلبات اللجوء والعيش دون أوراق".
وتشير "دعاء. م" في حديثها معنا أنها تقدمت منذ سنة بطلب لخدمة اللجوء في العاصمة القبرصية نيقوسيا، ولكنها ماتزال تنتظر رغم أن طلبها وُضع مع آلاف الطلبات في الدِرج ليذهب إلى الأرشيف حتى إشعار آخر.
ويعاني "علي ناصر" الذي يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، من تشوّه في فمه نتيجة حادثة صعق كهربائي في الطفولة، وهو قد وصل إلى قبرص منذ أربعة أشهر فقط، ويعمل كصانع في محل للحلاقة، ولكنه لا يملك أوراقاً، يقول: "وصلت إلى قبرص وحدي، وأهلي ما يزالون في إدلب، ولكني بحاجة للمال، أعمل عند حلاق عربي هنا وأستطيع أن أتنكر كواحد من الزبائن إذا جاءت السلطات للتأكد من أوراقي، لأنه لا يحق لي العمل دون قرار من خدمة اللجوء بالموافقة على منحي حق الحماية الثانوية وكرت الإقامة".
ولا تقدم قبرص أية امتيازات تُذكَر لتأهيل اللاجئين (…) ومعظم من يصل إليها يطمح بالحصول على أوراق ليكمل رحلته إلى دول أكبر مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا لكن، قبرص في جميع الأحوال نادراً ما تمنح السوريين حق اللجوء "الكامل" مع "وثيقة السفر" وهذا ما يجعل اللاجئين السوريين يزدادون فيها، لأن مشكلتها الجوهرية هي منحهم إقامة بقصد العمل والسكن وهي لا تؤهلهم للسفر إلى أوروبا إلا باستخدام جوازات سفرهم السورية وهذا أمر شبه مستحيل بسبب تعقيدات التأشيرة والفيزا، وبمعنى أدق؛ يعيش اللاجئون السوريون في قبرص ضمن سجن كبير نسبياً، أما الآن، حتى هذا السجن بات اليوم مهدداً بالتضييق بعد قرار تعليق طلبات اللجوء والضغط على السوريين دوناً عن غيرهم!
لا بد من الإشارة أخيراً إلى أن قراراً مررته الحكومة القبرصية في نهاية العام الماضي ينص على تعديلات في قواعد التجنيس والتي بحسب منظمات حقوقية قد تم إقراراها دون استشارة المجتمع المدني إلى تشديد متطلبات الإقامة، وذلك عبر إدخال شرط "الدخول غير الشرعي إلى قبرص" كمعيار للحكم على "حسن سلوك" مقدم الطلب، الأمر الذي سوف يؤثر فيما بعد على اللاجئين والمستفيدين من الحماية الثانوية والأشخاص ذوي الإعاقة بخصوص استحالة حصولهم على الجنسية القبرصية، كما أن الأطفال المولودين من أبوين لاجئين سوف يواجهون احتمال انعدام الجنسية.
[تُنشر هذه المقالة بموجب اتفاقية تجمع بين جدلية وموقع صالون سوريا].