نيكي جيوفاني شاعرة وناشطة وأستاذة جامعية أمريكية، وُلدت في مدينة ناكسفيل بولاية تينيسي، ونشأت في سينسيناتي بولاية أوهايو. خلال ثلاثين عاماً من مسيرتها الأدبية، حصلت جيوفاني على العديد من الشهادات والتكريمات من جامعات وكليات مرموقة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية. نالت ”جائزة روزا باركس للمرأة الشجاعة“، وحازت على ”وسام لانغستون هيوز للتميز في الشعر“.
نشرت جيوفاني عدداً من المجموعات الشعرية التي لاقت شهرة واسعة، بدءاً من مجموعتها الأولى، التي أصْدرتْها على نفقتها الخاصة بعنوان "شعور أسود، حديث أسود" (1996)، وصولاً إلى مجموعتها الشعرية التي حقّقت أعلى المبيعات وفقاً لنيويورك تايمز "دراجات: قصائد حب (2009). ومن كتبها "اجعلني أُمطر: قصائد ونثر" (2020)، و"أفضل مائة قصيدة لشعراء منحدرين من أصل أفريقي" (2010).
تستكشف قصائد نيكي جيوفاني موضوعات متعددة مثل الجندر والعرق والجنسانية والعائلة الأمريكية ذات الأصول الأفريقية وتنبثق من تفاصيل حياتها الخاصة، من انكساراتها الروحية والجسدية، ومن متعها وعشقها ولحظات فرحها. شعرها لا يعكس الجوانب الجسدية وتحولاتها وحسب، بل ينبع أيضاً من همومها السياسية كمناضلة من أجل حقوق الإنسان. ولم يكن نضالها مجرد خلفية لشعرها، بل على العكس، كان شعرها حركةً نابضةً بالإبداع والتميز، حيث ابتكرت لغةً خاصة تمتح من الحميمي والخاص والمكبوت، حتى يمكن القول إن نيكي جيوفاني شاعرة تكشف زيف العلاقات بين الكلمات والأشياء، وبين الكلمات والكلمات.
ترجمة واختيار: أسامة إسبر
في ذلك اليوم
إذا كان لديك مفتاح
فأنا لديّ باب
فَْلنَفْعَل الأمر
كما فعلناه من قبل
إذا كان لديك وقت
فأنا لديّ الطريقة
لفعل ما فعلناه
حين فعلناه طوال اليوم
لديك كأس
ولديّ نبيذ
سنفعل ما فعلناه
حين أفرطنا في فعله
إذا كان لديك عجين
فأنا لديّ حرارة
يمكننا أن نستخدم فرني
حتى ينضج ويطيب
أعرف أنني تجاوزتُ الحدود
بعرض نفسي عليك بهذه الطريقة
إن متع هذه الدنيا
ساحرة ولا يمكنني أن أفوّتها
الوقت نقودٌ الآن
وثمة حاجة إليها
أما إذا كنتَ مشغولاً يا حبيبي
فنحن قادران على القيام بالأمر واقفين
نستطيعُ فعْلَ هذا على الأرض
نستطيع فعله على الدرج
نستطيع فعله على الأريكة
نستطيع فعله في الجو
نستطيع فعله بين الأعشاب
وإذا ما أُصبْتَ بالحكة
سأحكّ ظهركَ بيدي اليسرى
لأنني ساحرة في الحقيقة
إذا فعلنا هذا مرة في الشهر
نستطيع فعله في الوقت المناسب
إذا فعلناه مرة في الأسبوع
نستطيع فعله بانتظام
إذا فعلناه كلّ يوم
نستطيع فعله بالطرق كلّها
نستطيع فعله كما فعلناه
حين فعلناه
في ذلك اليوم.
شتاء
الضفادعُ تحفرُ جحورها في الطين
الحلازينُ تَدْفنُ نفسَها
وأنا أشمّس اللّحفَ وأهوّيها
استعداداً للبرد.
شَعْرُ الكلاب يطولُ
الأمّهات يطْبخن دقيقَ الشوفان
والأطفال الصغار، ذكوراً وإناثاً،
يتناولون شراباً مضاداً للسعال.
الدّببةُ تخزنُ الدهون
السناجيبُ تموّن المكسّرات
وأنا أجمعُ الكتب
من أجل الشتاء القادم.
امرأة
أرادت أن تصيرَ ورقةَ عشبٍ
وسْط الحقول
غير أنه رفض
أن يكون نبتة هندباء بريّة.
أرادت أن تصير طائرَ أبي حنٍّ يغرّدُ
بين الأوراق
فرفض أن يصير شجرةً لها.
نسجتْ نفسها بيتَ عنكبوتٍ
ثمّ، وهي تبحثُ عن مكانٍ تستقرّ فيه،
استدارت إليه
فوقف منتصباً
رافضاً أن يكون زاويةً لها.
حاولتْ أن تصيرَ كتاباً
فرفضَ أن يقرأه.
أرادت أن تصيرَ بصلةً
لم يسمح لها بالنموّ
فقرّرت أن تصيرَ امرأة
ورغم أنه واظبَ على رفض
أن يصير رجلاً لها
قرّرت ألا
تكترث بالأمر.
تبرّج
نصنعُ وجوهنا
لأسبابٍ جمّة:
للذهاب إلى السينما،
أو إلى حفلةٍ مدرسّية للصغار،
من أجل مشاهدة رياضة الهوكي على الجليد
أو فريق "الدودجرز" لكرة القاعدة
يعود إلى الوطن خاسراً مرة أخرى
لا يتطلّب الذهاب إلى حانوت إلا
أحمر شفاهٍ
أما لعبةُ البريدج
فتقتضي الانطلاق بسرعة
إلى حلّاق لصباغة الشعر
أُزيلُ المساحيق عن وجهي
قبل أن أنام
وأنا وحدي
وإذا كان مزاجي سيئاً
أرشّ الأغطية بمزيل التعرّق ألترا بان
يرتدي معظم الناس وجوهاً مزيّفة
قبل انطلاقهم للقاء الآخرين
سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً
أم أطفالاً
ومن الملائم دوماً
كما تعرفون
وضع القليل من المسكرة
حول العينين
نصنعُ أوهامنا
كي نواجه الحياة
نحتاج إلى الإيمان
بأننا جيدون في العمل
أو على الأقلّ في السرير
نصنع الأكاذيب
كي نؤثّر بأشخاصٍ
يلفّقون بدورهم الأكاذيبَ
كي يؤثّروا فينا
وإذا قام أحدٌ منا
بإزالة المساحيق كلّها
تصبح الحياة غير جديرة بأن تُعاش
نقدّم الأعذار
نقول: نحن آسفون من…
اعذرني على…
سامحني لأنني…
ألم أشرح لك لماذا في النهاية …
أسامحكَ
لأنه ليست لديك قوة كافية
كي تأتي إليّ وتقول لي:
عودي إلى البيت
أحتاج إليكِ.
الوجود والعدم
لم أقم بأيّ عملٍ
نافعٍ منذ مدّةٍ طويلة
إن عدم القيام بأي عمل
أمرٌ في غاية الأهمية.
أفترضُ أن بإمكاني أن أعشق
أو أن أقفَ في طابورٍ على الأقل
بما أنني مستاءة
لكن هذا يتطلّب جهداً
ولا أريدُ أن أبدّد
ذرة من طاقتي وعواطفي.
شعرتُ دوماً بالفخر
بأنني طفلةُ الستينيات
وها قد انتهينا كلّنا
وهذا ما يجعل الوجود عدماً.
شعوري الخاص
اكتشفتُ أن سعادتي تزداد
حين أمارسُ الحبّ معكَ
ويتبقى لديّ ما يكفي
كي أبتسم لبوّاب بنايتي.
أدركتُ أنني أشعرُ بالرضا
كمثل بقرةٍ كبيرةٍ وسمينة
في مراعٍ خصبة
حين تُقبّل مكانك الخاص
خلف ركبتي مباشرةً
أشعرُ بالسعادة كملاطٍ
على طوبة تنتظر طوبة أخرى ستُركّب عليها
حين تدخل من بابي
في معظم الأحيان، حين تكون موجوداً،
أشعر بأنني كمثل لحنٍ
تغنّيه روبرتا فلاك
أنتَ في ذهني ساعةٌ
وأنا عقرب الثواني الذي يدور حولك
ستين مرة في الساعة
أربعاً وعشرين ساعة في اليوم
ثلاثمائة وستين يوماً في العام
ويوماً إضافياً
في السنة الكبيسة
لأن هذا ما أشعر به
هذه ما أشعر به نحوك.
عادات أمي
ورثتُ عادات أمي:
أستيقظُ مثلها في منتصف الليل
أدخّن سيجارة
أشعرُ بالرعب من السفر بالطائرة
ومن البقاء وحدي في الظلام
إنّ النوم رياضةٌ نمارسها جميعنا
مضرة للشباب
ومفيدة للكبار في السن
رغم أن كلّ ما يقوم به النوم
هو أنه يسرّع مرور اليوم
حين يكون الانحلال محتّماً
يزداد تعبي
كما يحدث لأمي من دون
أن تنطق حتى كلمة واحدة صغيرة
تعبّر عن اكتراثها
وكمثل أمي أستسلم
لأحلامي
دون اكتراث أيضاً.
الحياة التي عشتها
أعرفُ أن ذراعيّ ستترهّلان
كما حدث
لنساء عائلتي.
أعرفُ أن الشرايين الأرجوانيّة
ستنقّط ساقيّ يوماً ما
كمثل أسماكٍ نافقة في نهر السين
وأن يديّ ستذبلان
ويشيب شعري
أعرفُ أن أسناني ستتخلخل يوماً ما
حين تبتسم شفتاي
وأن شعيرات خفيفة ستنمو
في أسفل أنفي.
لكنني أتمنى ألا تبقّع جلدي الألوان
ألا أعاني من صعوبة في حيضي
وأن أبقى مشدودة ونحيفة
ومعتّقة كنبيذ خُمّر في أحواض خشبية قديمة
بأسلوب فريد
هذا لأنني أريد أن أكون متميزة
ولن أمانع أن يكون لي أحفاد
وأريد أن تُرتب أزهاري وحليّي كلها وتُوضع في مكانها الصحيح
وأن يستقر الهدوء الناجم عن عدم رمي القنابل على كمبوديا
فوق نهديّ المترهّلين.
آمل أن تعثر كتفي على رأسٍ يحتاجُ إلى عشٍّ
وأن تعثر قدماي على مسند قدمين بعد نَقْعهما جيّداً
في أملاح إبسوم
آمل أن أموت
دافئة
من الحياة التي سعيتُ إلى
أن أعيشها.