كان لقضايا اللاجئين في أوروبا وتحوّلات الهويّة التي يعيشونها هناك، دور لافت في نشاط ساندرا علوش (1987) الإعلاميّ، مؤخراً. فاكتشاف المجتمعات الجديدة، ترك أمامها أسئلة مؤلمة عن العنصرية والتهميش وتلك الحيوات المؤجلة لآلاف اللاجئين في أوروبا.
"علوش" التي بدأت عملها مذيعة في العديد من إذاعات سورية المحلية، عملت أيضاً مقدمة برامج تلفزيونية في قناة (الدنيا) وكانت شاشة الإخبارية السورية هي آخر محطة عمل لها قبل الهجرة.
عانت "علوش" بدايةً من التهديدات الأمنية من قبل بعض من يسمّون أنفسهم "المعارضة السياسية"، وذلك نتيجةً لعملها مع قناة إعلامية مؤيدة؛ وبعد استقالتها من الإخبارية السورية عام 2012، تمّ تخوينها وملاحقتها من قبل بعض من يدعون "الوطنية"، فما كان أمامها سوى الهروب خارج البلاد.
لجأت الصحفية الشابة في بداية الأمر إلى لبنان، حيث بقيت هناك لثلاثة سنوات ومارست عملها كإعلامية، إلى جانب خوضها تجربة المشاركة في مسابقة "مذيع العرب" ووصولها إلى النهائيات. في هذه الأثناء استطاعت الحصول على تأشيرة سفر مخصصة للصحفيين المهدّدين أمنياً، وحسمت أمرها بالانتقال في عام 2015 إلى فرنسا برفقة زوجها.
محطة للأمل
اتجهت "علوش" برفقة زوجها، طارق حداد والذي يعمل كمخرج ومصوّر، إلى صناعة التقارير والأفلام حول اللاجئين والمهاجرين في أوروبا الغربية مع قناة (ARTE) الفرنسية الألمانية، والتي أنتجت بالتعاون معها أيضاً سلسلة وثائقية بعنوان "من دمشق إلى إلزاس"؛ تبعها العديد من الأفلام الوثائقية مثل "غرباء في الغابة" والذي حصد عدداً من الجوائز منها: جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير أجنبي (HIIDA)، وجائزة الاستحقاق المرموقة من مسابقة Impact DOCS، وكذلك جائزة التقدير من مهرجان الأفلام الإسكندنافية الدولي (SCIFF)، إضافة إلى جائزتي أفضل مخرج وأفضل مونتاج في مهرجان لوس أنجلوس للأفلام المستقلة (LAIFFA).
وكذلك قامت بإنتاج فيلم "حارس المعبد"، وفيلم " إنجلترا بعد كاليه"، انتهاءً بفيلم "في عيونكم" الذي تم عرضه لأول مرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهكذا استعادت ساندرا علوش بعد كل ذلك جزءاً كبيراً من توازنها المهنيّ بعد الهجرة، وتطوّر الأمر إلى فتح أبواب أخرى في قضايا الهجرة واللجوء.
تعمل "علوش" حالياً مع منظمة (New Women Connectors) كضابط مناصرة، حيث تقوم بحضور اجتماعات على أعلى مستوى في "البرلمان الأوروبي" والأمم المتحدة للدفاع عن حقوق اللاجئين والمهاجرين.
كما تتعاون مع شبكات حقوقية مثل الشبكة الأوروبية ضد العنصرية (ENAR) ومنظمة Avocats Sans Frontières – محامين بلا حدود، وصندوق الأمم المتحدة للنساء WPHF.
ومن الجدير بالذكر أنه قد تم اختيارها من قبل مكتب "الكويكر" في الأمم المتحدة (QUNO) كمستشارة في مجال الهجرة واللجوء، كما اختارتها شبكة الأمم المتحدة للم الشمل (FRUN) كسفيرة لها.
في عيونكم
واليوم نتوقف مع آخر أعمال ساندرا علوش وهو فيلم "في عيونكم" الذي يعرض واقع الهجرة بعيون المهاجرين واللاجئين. كان الهدف من هذا الفيلم -على ما يبدو هو أن يكون واقع هؤلاء اللاجئين، أيضاً، مرئياً في عيون المجتمعات المضيفة. إذ يتناول الفيلم الوثائقي القصير، معاناة اللاجئين والمهاجرين من خلفيات عربية وإفريقية وجنوب شرق آسيوية في بلاد أوروبا الغربية. ويعالج خصوصاً مشكلة الأشخاص ممن لا يملكون أوراقاً ثبوتية؛ ويكشف لنا الشريط الكثير عن تجاربهم لنتعرّف على العوائق والعقبات التي تخلقها "السياسات العنصرية" للحكومات الأوربية أمامهم، والتي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى تدميرهم!
تحاول فكرة هذا الوثائقي التأكيد على أنه من غير العادل معاملة اللاجئين بشكل مختلف عن غيرهم من الناس، في الوقت الذي يبذلون فيه كلّ ما لديهم من أجل "الاندماج" و"العمل الإيجابي" في المكان الذي قد قادهم القدر إليه. كما نلتقط من المشاهد والحوارات التي تابعناها؛ أثر فجوة اللغة والثقافة والأيديولوجيا، وتكريس النظرة الفوقية للقادمين من دول العالم الثالث، مما يعوق اندماجهم ومجاراتهم لشعوب تلك البلاد.
وفي حديثها معنا قالت ساندرا علوش: "الحكومات الأوروبية لديها منطقها المبني على نظرة استعمارية فوقية وهذا واضح في كل الجوانب، فمثلاً نظام الفيزا مختلف تماماً إذا كان الزائر قادماً من دولة مثل كندا أو البرازيل عنه إذا كان الزائر قادماً من دولة إفريقية أو شرق متوسطية أو جنوب شرق آسيا؛ بالتالي ليس لكل المهاجرين نفس الحقوق ونفس المعاملة وهذا يخلق ظلماً اجتماعياً تدفع ثمنه المجتمعات المهاجرة من خلال عدم تكافؤ الفرص في التعليم والعمل والمشاركة السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية وتتسبب بعزل هذه المجتمعات وخلق مشاكل أكبر للدول المضيفة".
وتضيف: "لكن بالمقابل هناك مسؤولية تقع أيضاً على المجتمعات المهاجرة في تقبل الثقافة الجديدة التي دخلوا إليها، وتغيير بعض العادات والتقاليد والمفاهيم التي لا تتناسب مع المجتمعات الأوروبية ومحاولة تغيير الصورة النمطية عن المهاجرين واللاجئين وتعريف المجتمعات المضيفة بالجانب الإيجابي من ثقافاتنا المختلفة".
من ناحية أخرى يطرح الفيلم المشاكل من نظرة واقعية، عقلانية، بعيداً عن اللعب على وتر الضحية. يقدم وجهة نظر خبراء من المجتمعات المهاجرة، ويناقش هؤلاء القضية من جميع الجوانب مقترحين حلولاً عملية.
نرى بعض التجارب الفردية الناجحة التي تمثل كفاحاً حقيقياً في بيئة غير متعاونة، ينتج عنها قصص نجاح مؤثرة وملهمة، فقد تحولت معاناة بعض اللاجئين إلى مشاريع مناهضة للعنصرية التي طالتهم وتطول سواهم، فهم لا يكتفون بعرض المشكلة وتصوير المعاناة، بل يحاولون طرح الحلول والمقترحات أيضاً.
لقد كانت ساندرا علوش لاجئة من بين هؤلاء قبل وقت قصير، ومرّت بمعظم تلك الصعوبات، وتحدثنا اليوم عن ذلك قائلة: "لطالما كنت مهتمة بحقوق الإنسان والعدالة والحرية، وتبلورت هذه القيم من خلال تجاربي الشخصية والمهنية التي وجهتني بشكل أو بآخر لأن أدرك أنني أريد تسخير طاقتي لتحسين أوضاع المجتمعات المهاجرة والمهمشة في أوروبا. ولربما أدخل المجال السياسي يوماً ما للتمكن من تمثيل جزء من اللاجئين والمهاجرين هنا.. كل شيء وارد.. فأنا أؤمن بأن التغيير المطلوب يحدث من داخل مجالس النواب الأوروبية وبالأساليب الديمقراطية المتاحة؛ مدعومة بضغط شعبي" على حد تعبيرها.
وعن رحلة صناعتها لفيلم "في عيونكم" قالت ساندرا علوش في حديثها لموقع صالون سوريا: "بدأت العمل على تطوير الفكرة في أبريل/ نيسان 2023 بالتعاون مع الصحفي الأرجنتيني "إنريكه تيسيري" المقيم في فنلندا، والناشط أيضاً في الدفاع عن حقوق المهاجرين. ثم بحثنا عن فرص للتمويل وقمنا بتقديم الفكرة للشبكة الأوروبية ضد العنصرية ENAR وحصلنا على تمويل صغير بقيمة 5500 يورو. قمت بالتصوير وحدي في شهر أغسطس/ آب في هولندا وفرنسا وسويسرا وبلجيكا، وتعاونت مع طارق حداد لتنفيذ العمليات الفنية البصرية والسمعية، كما حصلت منه على حقوق استخدام مقطوعات موسيقية من تأليفه في الفيلم لتكون هي الموسيقى التصويرية. عُرض الفيلم للمرة الأولى في مدينة أوتريخت ضمن فعالية قمت بتنظيمها مع منظمة New Women Connectors، حيث دار نقاش مع الحضور حول الفيلم وموضوع الهجرة واللجوء؛ ثم عرضنا الفيلم في بروكسل بحضور عدد من منظمات المجتمع المدني".
أما عن الصعوبات والتحديات التي واجهها ويواجهها الفيلم حالياً، تقول علوش: "تركزت الصعوبات بالنسبة لي في الميزانية المحدودة التي فرضت علي تنفيذ الفيلم بأقل الإمكانيات؛ ومن ثم أصبحت الصعوبات في التسويق، والذي يتطلب شبكة علاقات قوية مع منصات ومحطات مختلفة، خاصة وأنه يتناول موضوع حساس قد يتعارض مع سياسات معظم المنصات وقنوات العرض".
ومع ذلك لا تزال "علوش" تسعى لتسويق "في عيونكم" والمشاركة في العديد من الفعاليات، لعلها تتمكن من إيصال الرسالة الحساسة والمهمة التي يطرحها الفيلم، حيث ينافس حالياً في عدة مسابقات، من ضمنها مهرجان أفريقيا لحقوق الإنسان، حيث سيتم عرضه في العاصمة كيب تاون.
ويبدو أن ساندرا علوش لن تتوقف عن توثيق وتصوير الواقع لنا، ولكن هذه المرة بطريقة أكثر ابتكاراً، إذ تقوم الآن بالتنسيق والتعاون مع مغني الراب اللبناني بو ناصر طفار، لإنتاج عمل جديد يستعرض أهم أحداث الشرق الأوسط خلال الأعوام الخمسة عشر الفائتة، والذي سيمثل تجربة فريدة، وسيكون عملاً ذا طابع جديد ومختلف، من خلال دمج النضال السياسي بالموسيقى.
[تُنشر هذه المقالة بموجب اتفاقية تجمع بين جدلية وموقع صالون سوريا].