الأهداف المشتركة للعملية العسكرية في غزة وجنوب لبنان: حوار مع رشيد الخالدي

الأهداف المشتركة للعملية العسكرية في غزة وجنوب لبنان: حوار مع رشيد الخالدي

الأهداف المشتركة للعملية العسكرية في غزة وجنوب لبنان: حوار مع رشيد الخالدي

By : Rashid Khalidi

[تُنشر هذه الترجمة بموجب إذن رسمي من مجلة "Jacobin"].


بعد اثني عشر شهراً لا تلوح في الأفق نهاية لعدوان إسرائيل المتواصل على غزة، والذي شمل الآن لبنان. يشرح لنا المؤرخ رشيد الخالدي في هذا الحوار كيف أن إسرائيل والولايات المتحدة تعملان معاً لتدمير القيود التي تمنع استهداف المدنيين والاعتداء عليهم.

مر على هجوم إسرائيل على غزة أكثر من سنة الآن، ولا يبدي أية إشارة بأن نهايته قريبة، ووسّع بنيامين نتنياهو الحرب كي تشمل لبنان ما أدى إلى مزيد من المجازر. رشيد الخالدي، أحد أبرز مؤرخي فلسطين الحديثة، تحدث مع مجلة "جاكوبين" عن ما يجري في غزة وتداعياته العالمية، وعن نظرته إلى النظام الجامعي الأمريكي فيما هو يستعد للتقاعد من منصبه كأستاذ في جامعة كولومبيا.

دانييل فين: محرر في "جاكوبين"، وألّف كتاب "إرهابي رجل واحد: التاريخ السياسي للجيش الجمهوري الأيرلندي".


دانييل فين: تبادلنا الحديث في تشرين الأول\أكتوبر الماضي، في الأسابيع الأولى من الهجوم الإسرائيلي على غزة وأعتقد أن كثيراً من الناس يواجهون صعوبة في تصديق أننا بعد اثني عشر شهراً ما زلنا نرى أن هذا الهجوم يتواصل ويشتد، ويشمل الآن الضفة الغربية ولبنان. هل يمكن أن تشرح لنا، من وجهة نظرك كمؤرخ، كيف يبدو هذا الهجوم القاتل والمدمر الذي بدأ العام الماضي، خاصة عند مقارنته بتجربة النكبة في الأربعينيات؟

رشيد الخالدي: لم أكن أستطيع التصور في تشرين الأول\أكتوبر من العام الماضي أننا سنكون حيث نحن بعد عام. كان هذا غير قابل للتصور لدى معظم الناس كما أظن. غير أنه من الواضح أن هذه الحرب، بالمقارنة مع النكبة، ليست واسعة النطاق في بعض جوانبها حتى الآن، لكنها على مستوى آخر أشد قوة وكثافة، وتبدو بلا نهاية. ما فعلته إسرائيل في غزة أسوأ بكثير مما فعلته في أي جزء من فلسطين في ١٩٤٨، وما فعلته في لبنان أسوأ بكثير مما فعلته في ١٩٨٢، أو ٢٠٠٦. هذه حرب إبادة، إنها إبادة جماعية. قرأتُ مسرحية لمارينا كار تتحدث عن تدمير طروادة بعد حرب طروادة. اقتطفتْ كلام هيكوبا، التي قالت: "هذه ليست حرباً، في الحرب هناك قواعد وقوانين وأنظمة. هذه إبادة جماعية. إنهم يقضون علينا". أعتقد أن هذا هو ما يحدث الآن في غزة، وما اتسع الآن كي يشمل لبنان، وهذا واضح في درجة المعاناة التي يفرضها الإسرائيليون؛ والتعمد في قتل أعداد كبيرة من المدنيين. وأعتقد أن هناك تهديداً بتقويض النظام القانوني الدولي برمته إذا سُمح باستمرار هذا، كما تفعل الولايات المتحدة. وإذا ما واصلت الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل فإن الحواجز التي أُنشئت منذ الحرب العالمية الثانية ضد هذه الأنواع من الفظائع ستُزال، وسنكون في موقف يستطيع فيه أي شخص أن يفعل أي شيء. إن استهداف المدنيين، وعدد الأطفال الذين يدخلون المستشفيات من إصابات بطلقات في الرأس من القناصين، وتدمير معامل تنقية المياه والصرف الصحي، هذه الأنواع من الأفعال كلها تهدف إلى القتل والتجويع على نطاق جماهيري واسع، وهذا مستوى جديد فيما يتعلق بما فعلته إسرائيل بفلسطين والمنطقة. قال بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع: "سنفعل بلبنان ما فعلناه بغزة"، وهم يفعلون ذلك. ليس هذا تهديداً فحسب، إنهم يفعلون هذا في لبنان، وسيتم توسيعه. لكن الأمر لا يبدو واسعاً كما حدث أيام النكبة، ولم يؤثر حتى الآن إلا بقطاع غزة حيث يعيش مليونان ومئتا ألف فلسطيني، وبالضفة الغربية بدرجة أقل، لكن نطاقه يتسع، ويصل إلى لبنان الآن حيث أُجبر أكثر من مليون شخص على اللجوء. إن هذه الأرقام أعلى بكثير من تلك التي سُجلت أثناء النكبة، عندما تم تهجير ما يقارب مليون فلسطيني من ديارهم. وإذا أضفنا مليوني شخص شردتهم إسرائيل في غزة إلى مليون شخص اضطروا إلى مغادرة ديارهم في لبنان، فإن هذا الرقم يصبح أعلى بكثير من الأرقام التي سُجلت أثناء النكبة.

دانييل فين: كيف تقارن سجل إدارة الرئيس بايدن في الأشهر الاثني عشر الماضية مع الإدارات الأمريكية السابقة، وخاصة إدارة ريغان وموقفها من غزو لبنان في الثمانينيات، أو جورج دبليو بوش وموقفه من الانتفاضة الثانية في العقد الأول من هذا القرن؟ ما العوامل الرئيسية التي تدفع جو بايدن إلى دعم إسرائيل، بدءاً من نظرته الأيديولوجية الشخصية إلى مسائل المصالح السياسية المحلية والتكتلات، والمصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة؟

رشيد الخالدي: إن الشيء الأول الذي يجب أن نفعله هو تحرير أنفسنا من فكرة أن الولايات المتحدة لديها تحفظات على ما تفعله إسرائيل. تفعل إسرائيل ما تفعله في تعاون وثيق ودقيق مع واشنطن وبموافقة كاملة منها. فالولايات المتحدة لا تسلّح إسرائيل وتحمي دبلوماسياً ما تفعله فحسب بل تشاركها في الأهداف وتوافق على أساليبها. إن السخرية والاستهزاء ودموع التماسيح بشأن القضايا الإنسانية والخسائر المدنية نفاق محض. لقد وافقت الولايات المتحدة على النهج الإسرائيلي إزاء لبنان، وتريد من إسرائيل القضاء على حزب الله وحماس، وليست لديها أية تحفظات حول هجوم إسرائيل على السكان المدنيين من أجل فرض التغيير في لبنان وفي غزة. سنرتكب خطأ منطقياً إذا افترضنا بأن هناك أية تحفظات لدى صانعي السياسة الأمريكيين سواء كنا نتحدث عن بايدن وأنطوني بلينكن وجيك سوليفان وبريت ماكغورك وعاموس هوكستين أو سامانثا باور ومن لفّ لفهم. من الخطأ تخيل أن هناك أية تحفظات حول الأهداف الإسرائيلية الأمريكية المشتركة. وسنكون متوهمين لو صدقنا أي شيء يقوله هؤلاء الأشخاص. لقد وقّعوا على قتل المدنيين كي يفرضوا التغيرات، والتي تتضمن استئصال حماس من الخريطة السياسية الفلسطينية، واستئصال حزب الله من الخريطة السياسية اللبنانية. هذه هي أهداف مشتركة يتم العمل على تحقيقها من خلال تعاون وثيق بين الطرفين. فالولايات المتحدة تساعد إسرائيل في استهداف قادة حزب الله وحماس، وهذه حقيقة، وكل من يتجاهل ذلك، ويتظاهر بوجود أي فرق بين ما تفعله إسرائيل وما تريد الولايات المتحدة فعله يكذب على نفسه، أو يكذب علينا. الأمر الثاني الذي يجب أن نعترف به هو أن ما يحدث يتساوق مع السياسات الأمريكية السابقة. ففي كتاب ألّفتهُ قبل بضع سنوات أشرتُ إلى أن حرب ١٩٦٧ كانت جهداً مشتركاً: اتفقت واشنطن مع إسرائيل حول ما يجب أن تفعله، ووافقت عليه. لم تسلّح الولايات المتحدة إسرائيل في تلك المناسبة لكنها حمتْها في مجلس الأمن الدولي، وأمكنة أخرى أثناء وبعد الحرب. وحدث الأمر نفسه في ١٩٨٢: وافقت الولايات المتحدة على ما خططت إسرائيل لفعله. وجاء آرييل شارون إلى واشنطن، والتقى مع ألكسندر هيغ. أعطى هيغ لشارون الضوء الأخضر حين قال له: "سنفعل هذا بمنظمة التحرير الفلسطينية، وسنفعل هذا بسوريا، وسنفعل هذا بلبنان". كبحت الولايات المتحدة جماح إسرائيل في نقطة معينة لأن الأهداف تحققت. فقد هُزم الجيش السوري في لبنان، وكانت هناك حكومة تابعة ستُشكل، ووافقت منظمة التحرير الفلسطينية على الانسحاب من لبنان. وحققت إسرائيل الأهداف التي اتفق عليها الطرفان، لكنها بدأت تقصف لبنان انطلاقاً من سادية خالصة، فطلب منها رونالد ريغان التوقف عن ذلك. لم تتحقق الأهداف المشتركة للقوتين في لبنان وغزة بعد، لهذا لم تكبح الولايات المتحدة جماح إسرائيل (وفي رأيي لن تفعل). على العكس، إن الولايات المتحدة شريك في هذه الحرب. فهي تقاتل في لبنان حتى ولو لم تكن القوات الأمريكية منخرطة بشكل مباشر في القتال. سنكون متوهمين لو افترضنا أن الأمر بخلاف ذلك. ما هو باعث ولاء جو بايدن الأعمى لكل ما تقوله وتفعله وتريده إسرائيل؟ أحد الأسباب هو الجيل الذي أتى منه بايدن، وهناك سبب آخر وهو حقيقة أنه أكبر متلق في التاريخ الأمريكي للنقود من أيباك (لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية). وهناك سبب آخر وهو حقيقة أن اليهود قاموا بتحويله بلا توقف منذ أن قامت غولدا مائير بغسل دماغه في سبعينيات القرن العشرين. ويتعلق جزء من هذا أيضاً بحسابات استراتيجية بخصوص العلاقة مع إيران، ومع من وُصفوا بأنهم وكلاء إيران. ثمة رؤية للشرق الأوسط - وهي منحرفة ومشوهة- تتقاسمها الولايات المتحدة وإسرائيل، وتستند إلى لجوء مطلق إلى استخدام القوة كوسيلة لحل القضايا. وكلما طُرح حل دبلوماسي يقوم نتنياهو بالتصعيد لجعله مستحيلاً. فعل هذا مرة بعد أخرى، وقتل الأشخاص الذين كان يتفاوض معهم في لبنان، أو في حماس، وهاجم السفارة الإيرانية في دمشق وهلم جرا. وكانت الولايات المتحدة شريكة في هذا كله، ووافقت على هذه المقاربة، وقدمت لها الأسلحة. ثمة مقالة طويلة في "محاضر المعهد البحري الأمريكي" عن الأسلحة الأمريكية التي استُخدمت في قتل حسن نصر الله. هذه أسلحة لا يمكن أن تُستخدم من دون غطاء أمريكي كاذب بأن هذا فعل دفاع عن النفس. إن بايدن على وجه الخصوص داعم مخلص لإسرائيل لكنه لا يختلف عن معظم أعضاء النخبة الأمريكية. ومن هذه الناحية، يعمل ضد الرأي العام الأمريكي لأن معظم الأمريكيين لا يوافقون على شحنات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل، وينطبق هذا على عدد كبير من الجمهوريين الذين يفضلون إيقاف شحنات الأسلحة هذه. ولا يحبذ معظم الأمريكيين سياسات بايدن ونتنياهو لكن هذا ليس مهماً في واشنطن لأنهم يفعلون ما يحلو لهم بصرف النظر عما يقوله الرأي العام ولا يكترثون به. بايدن هو في الطرف الأقصى من الطيف السياسي الذي يحتقر مسائل مثل الرأي العام، والقانون الإنساني الدولي، ومكانة الولايات المتحدة بين بقية دول العالم.

دانييل فين: حتى لو لم تكترث النخبة السياسية الأميركية بالرأي العام في ما يتصل بالأسئلة المتعلقة بإسرائيل، فهل تعتقد أن هناك تحولاً كبيراً حدث خلال العام الماضي في الطريقة التي ينظر بها الشعب الأميركي ككل إلى إسرائيل والتحالف الأميركي معها؟ هل من المرجح أن تكون هناك عواقب لهذا التحول على المدى الطويل؟ ما أهمية التعبئة المضادة التي شهدناها من جانب جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، وخاصة الجهود التي بُذلت لإزاحة بعض أعضاء الكونغرس الذين كانوا صريحين في الدعوة إلى وقف إطلاق النار؟

رشيد الخالدي: لا ريب أن الرأي العام قد تغير. ومن بين الأغلبيات التي ذكرتُها، ربما كانت الأغلبية التي تستنكر أفعال نتنياهو هي الأغلبية الوحيدة التي كانت موجودة قبل بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. لم يكن هناك استنكار جماعي لإسرائيل في بداية الحرب، بل كان هناك دعم لحربها في الرأي العام. بيد أنه حصل تغيّر ضمني في المواقف من إسرائيل قادتْه وجهة نظر مختلفة اعتنقها أشخاص تحت سن الثلاثين، أو تحت الخامسة والثلاثين، كانت مخالفة لوجهة نظر كبارهم. ولقد توسعت هذا الفظائع البربرية التي ترتكبها إسرائيل بأسلحة ودعم أمريكي، وأدت الفظائع المرتكبة إلى زيادة عزلة الأشخاص الذين ربما كانت لديهم آراء انتقادية إلى حد ما في السابق لكنهم تحولوا الآن إلى معارضة أكثر قوة للسياسات الأمريكية والإسرائيلية. لا أعتقد أنه حدث تغيّر رئيسي مهم في الرأي العام، وليس من المرجح أن تكون هناك عواقب على المستوى السياسي على المدى القصير. وأيا كان من سيفوز في انتخابات تشرين الثاني\نوفمبر، وأياً كانت الحكومة في السنوات العديدة التالية في هذه البلاد من المحتمل أن تكون ملتزمة كالحكومات السابقة بدعم غير محدود لأهداف إسرائيل الأساسية، حتى لو كانت هناك أحياناً اختلافات تكتيكية. هذا لأن النخبة الأمريكية لم تتغير مثقال ذرة. فالناس الذين يملكون السياسيين - طبقة المانحين، الأثرياء، الذين من دون ملايينهم وبلايينهم لن يتمكن السياسيون من البقاء في مناصبهم، - لم يتغيروا. هؤلاء الأشخاص أنفسهم هم من يملكون الشركات الكبيرة والإعلام والمؤسسات والجامعات، وهم الذين يدفعون للزمار، ويختارون اللحن، ويقولون للسياسيين ما هو مقبول وما هو غير مقبول. ويملكون هذه الأمور كلها بالطريقة التي يملك بها شخص ما منزله، أو مشروعاً خاصاً، ولم يتغيروا مثقال ذرة. لم يحدث تغيير بين النخب السياسية والإعلامية والشركاتية والثقافية ولهذا لا أتوقع تغييراً ولا عواقب على المدى القريب. ستزداد الفجوة بين رأي النخبة والرأي الجماهيري، ولكن هذا ما كانت عليه الحال في الماضي. لقد خاضت حربَ العراق نخبةٌ فقدت دعم الجماهير بعد عام من الحرب. وخيضت حرب فيتنام لسنوات متواصلة بعد أن تغيّر الرأي العام ضدها. وليس من غير العادي في التاريخ الأمريكي أن يتصرف قادة غير ديموقراطيين بطريقة تخالف وجهات نظر دوائرهم الانتخابية، وأخشى أن هذا سيتواصل. أما بالنسبة لهجومهم المضاد، وإن كان سيؤثر بالرأي العام، لا أعتقد أن هذا سيحدث. أظن أنه سيوسّع الفجوة بين الناس وحكامهم. إن الإجراءات القمعية، وتحويل معاداة السامية إلى سلاح لمنع أي خطاب حول فلسطين، ومحاولات استخدام وسائل قانونية لمعاقبة الجامعات إذا لم تمتثل لأوامر هؤلاء السياسيين الضعفاء، كل هذا سيتفاقم وستنتج عنه معارضة ومقاومة واسعة بين الجمهور العام للمقاربة التي تتبناها النخب.

لقد وقّعوا على قتل المدنيين كي يفرضوا التغيرات، والتي تتضمن استئصال حماس من الخريطة السياسية الفلسطينية، واستئصال حزب الله من الخريطة السياسية اللبنانية. هذه هي أهداف مشتركة يتم العمل على تحقيقها من خلال تعاون وثيق بين إسرائيل وأمريكا

دانييل فين: هناك على صعيد آخر فجوة هائلة قد انفتحت أثناء العام الماضي فيما يتعلق بخطاب حقوق الإنسان، والقانون الدولي، ونظام عالمي قائم على مبادئ تتجاوز السياسة الواقعية الساخرة التي تركز على الدولة. استخدمت الطبقة السياسية الأميركية وحلفاؤها هذا الخطاب لإضفاء شرعية على أفعالهم ودورهم في العالم، وخاصة على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية. وعلى مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، شهدنا تحركات قانونية مهمة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وطالب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرتي اعتقال ضد نتنياهو ويوآف غالانت. ما هي برأيك أهمية هذه التحركات وحقيقة أن الولايات المتحدة وحلفاءها تجاهلوها علناً؟

رشيد الخالدي: لقد وجّهت الولايات المتحدة ضربةً قوية لأية رؤية لنظام دولي قائم على القواعد. كالت ضربة للقانون الإنساني الدولي وقواعد الحرب. إذا كنتَ قادراً على الفتك بمئات المدنيين من أجل القضاء على زعيم واحد، فإن فكرة القانون الإنساني الدولي وقوانين الحرب القائمة على مبدأ التناسب والتمييز صارت مستحيلة. حدث ذلك منذ أحد عشر شهراً في غزة عندما أحيلت كتل سكنية بأكملها إلى حفرة واسعة من أجل قتل شخص واحد. لا نعرف العدد الدقيق لأولئك الذين قُتلوا لأن الضحايا تبخّروا. وفُعل هذا في كثير من الحالات، بأسلحة أمريكية، ولا يمكن أن يتواصل هذا من دون الأسلحة الأمريكية، والموافقة الأمريكية. قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل آلاف القنابل التي يبلغ وزن الواحدة منها ألفي رطل، والمزودة بأنظمة توجيه، واستخدمت إسرائيل هذه الأسلحة كي تدمر بشكل كامل أية تصور لنظام عالمي يستند إلى القواعد. إذا لم يكن هناك تناسب ولا تمييز في استخدام القوة تستطيع قتل أي عدد من الناس والزعم بأنهم كانوا دروعاً بشرية لشخص إرهابي وشرير يجب قتله. لم يعد هناك حدود. إن هذه واحدة من الآثار المأساوية الدائمة لهذه الحرب، ولا علاقة لها بفلسطين، أو إسرائيل، أو لبنان، أو الشرق الأوسط من حيث أهميتها المستقبلية. هذا هو النموذج الذي ستتمكن كل دولة من اتباعه في شن الحرب على أعدائها. فقد أزيلت القيود كلها الآن، وعدنا إلى ما كانت عليه الأمور قبل الحرب العالمية الثانية. لقد ارتُكبت أفعال أثناء الحرب العالمية الثانية قادت إلى توقيع اتفاقية الإبادة الجماعية، وسادت مظاهر مختلفة من القانون الدولي كان الناس يأملون أن تستمر. لكنها دُمرت الآن، وعدنا إلى السماح بالإبادة الجماعية، وإلى قتل عدد غير معروف من المدنيين، إذا كان بوسعك أن تستخدم كحجة الزعم بأن الهدف كان إكس أو واي. من ناحية، هناك أشخاص سيواصلون محاولة التأكيد على النظام القانوني الدولي واستعادته - ما يواصل الأمريكيون تسميته بنظام دولي قائم على القواعد - بينما من ناحية أخرى لديك أكبر قوة على الأرض ودولتها التابعة مشغولتان بتقويض هذا النظام وتحديد المعايير الفعلية التي يُسمح لهما وللآخرين بالعمل ضمنها.

دانييل فين: فيما نحن نتحدث، بعد اثني عشر شهراً من بداية هجوم إسرائيل على غزة، يبدو أن الموقف مشوش، وغير قابل للتنبؤ، وثمة احتمال بأن يتفاقم إلى حرب إقليمية شاملة يمكن أن تتجلى بطرق عديدة مختلفة. ما الذي تعتقد أنه من المحتمل أن يحدث نتيجة لما رأيناه في الأسابيع القليلة الماضية وحدها؟

رشيد الخالدي: لا أستطيع التنبؤ بالمستقبل، ولن أحاول فعل ذلك. لا أعرف ما الذي سيحدث، لكنني أستطيع أن أقول لك ما هي الاتجاهات الحالية الآن. إذا استمرت هذه الاتجاهات فإنها ستحضر لنا الكثير مما رأيناه سابقاً. ما بدأ في غزة يتوسّع الآن كي يشمل الضفة الغربية على نطاق محدود لكنه بدأ يتمدد، وهذا النهج يجري اتباعه الآن بقوة ضارية في لبنان، ويخشى المرء أن يمتد إلى إيران إذا تمكنت حكومة نتنياهو وحلفاؤها وأصدقاؤها وشركاؤها في النخبة الأميركية من تحقيق أهدافهم. ما نشأ هو رغبة في الانخراط في ارتكاب قتل جماعي، وجرائم حرب شاملة، كعقاب جماعي للسكان كلهم من أجل فرض بعض التغيرات. هذا ما تفعله الولايات المتحدة وإسرائيل في غزة. جرت محاولة لنقل مليون شخص خارج الجزء الشمالي من غزة، وقتل أكبر عدد منهم لإجبارهم على الانتقال، فيما يتواصل قتل خمسين إلى مائة شخص يومياً. يهدف هذا إلى إحداث تغيير للنظام. لا أتحدث هنا عن المظهر العسكري بل أتحدث عن أي نوع من النظام يحاولون فرضه في غزة. من المحتمل أن يفعلوا الأمر نفسه في الضفة الغربية. وأعلنت كلٌّ من الولايات المتحدة وإسرائيل أنهما ستفعلان الأمر نفسه في لبنان. وقالت وزارة الخارجية إن الولايات المتحدة لم تعد تحاول فرض وقف إطلاق النار في لبنان، إنها تتمسك بأهداف إسرائيل، التي أوضحها نتنياهو: يريد تغيير كاملاً للنظام في لبنان، ويخشى المرء أن يمتد هذا كي يشمل إيران. وأود أن أذكّر الناس أن لتغيير النظام في لبنان تاريخاً. فقد كانت حرب ١٩٨٢ تهدف، بين أمور أخرى، إلى تنصيب نظام صديق لإسرائيل في لبنان. ورأينا ما الذي نتج عن هذا: أدى إلى مزيد من عدم الاستقرار، وظهور حزب الله، كما أدى أيضاً إلى هجمات استهدفت جنود مشاة البحرية الأمريكيين والسفارة الأمريكية، والسبب هو أن كثيراً من اللبنانيين تعاونوا مع إسرائيل في قتل تسعة عشر ألف فلسطيني أثناء حرب ١٩٨٢. ساد اعتقاد بأن الولايات المتحدة ستنفّذ وعدها بحماية المدنيين الذين تُركوا في الخلف حين غادرت منظمة التحرير بيروت في آب\أغسطس ١٩٨٢، لكن عملية القتل حدثت في صبرا وشاتيلا. وما حاول هيغ وشارون فعله في لبنان لم يؤد إلى نتائج جيدة، كما أن محاولة تغيير النظام في العراق لم تتمخض عن نتائج جيدة، أيضاً. صار العراق دولة تابعة لإيران أكثر من كونها تابعة للولايات المتحدة. وفي ٢٠٢٤، أُطلقت صواريخ على القوات الأمريكية في العراق، وأُطلقت صواريخ على إسرائيل من العراق. لا أعرف ما الذي سيحدث، لكن هذا ما تبدو عليه التوجهات الحالية، وثمة اعتماد للإبادة الجماعية والقتل الجماعي كسياسة من أجل تحقيق أهداف سياسية معينة. أستطيع أن أقول لك، بناء على التجربة السابقة، إن هذه الأمور لا تؤدي إلى نتائج جيدة وخاصة للسكان الخاضعين للقتل الجماعي، ولا للذين يحاولون فرض هذه التغييرات أيضاً. 

دانييل فين: من الجلي أن هذه إحدى أصعب اللحظات، إن لم تكن أصعبها على الإطلاق، التي واجهها الشعب الفلسطيني في المدة الزمنية التي تلت النكبة. ومن الجلي أنه من الصعب للغاية أن نتحدث في ظل هذه الظروف عن الآفاق المستقبلية للفلسطينيين، وما قد يكون عليه الطريق إلى الأمام، ولكن هل يمكنني أن أسألك ما إذا كانت لديك أي تأملات عامة قد ترغب في الإدلاء بها رداً على هذا السؤال؟

رشيد الخالدي: إن وضع الشعب الفلسطيني في غاية السوء. لا أتذكر النكبة. لقد ولدتُ في تشرين الثاني\نوفمبر ١٩٤٨، وفي ذلك الوقت كانت النكبة قد انتهت، ولم أكن واعياً لأي من هذا. لا أعرف حتى إن كان بوسعي أن أعقد مقارنة تاريخية، لكن لا ريب أن هذا هو اليوم الأشد ظلمة بالنسبة للفلسطينيين منذ ذلك الوقت. أما فيما إذا كان الوضع أشد سوءاً من السابق أم لا، فإن الزمن وحده كفيل بأن يجيب على هذا السؤال لأن الأحداث لم تصل إلى نهايتها بعد، ولا تلوح نهايتها في الأفق. أتمنى أن تنتهي، لكن التطورات لا تبشّر بذلك.

يواجه الفلسطينيون على المستوى السياسي المعضلة نفسها التي واجهوها في الخامس من تشرين الأول\أكتوبر العام الماضي. ما يزالون منقسمين، ومن دون قائد، وثمة تيار قوي، أو فئة، تناصر شكلاً غير مقيد من العنف. في رأيي، لا يمتلك هذا التيار رؤية استراتيجية. لقد حقّق انتصارات تكتيكية، ومُني ببعض الهزائم الاستراتيجية الكارثية، وسبّب معاناة هائلة للفلسطينيين، وكذلك للإسرائيليين، بيد أنه لا توجد قيادة موحدة، أو رؤية استراتيجية مشتركة. كان هذا هو الموقف قبل السابع من تشرين الأول\أكتوبر ولم يتغير. لا يوجد تصور حول كيف يريد الفلسطينيون أن يعيشوا في المستقبل، وكيف ستكون علاقتهم مع الإسرائيليين في فلسطين، ولا يوجد تصور حول كيف سيحققون ذلك. هذه مسائل استراتيجية لم تُطرح، ولم يجب عليها الأشخاص الذين يزعمون حالياً أنهم يقودون الحركة الوطنية الفلسطينية، في حماس، أو في ما يُدعى، على نحو مثير للضحك، السلطة الفلسطينية، المؤسسة التي لا سيادة، أو سلطة، أو شرعية لها بين أفراد شعبها. لا أعتقد أن هاتين القيادتين لديهما أجوبة على الأسئلة التي طرحتُها وهكذا فإن الفلسطينيين كشعب بلا دفة على صعيد القيادة السياسية. من ناحية أخرى، ينبغي أن يُقال إن إسرائيل والولايات المتحدة تصرفتا بطريقة تثير تساؤلات جوهرية حول إمكانية استمرار النهج الإسرائيلي، ونهج الشعب الإسرائيلي، حيث يبدو الآن أنه يوافق إلى حد كبير على ما تفعله حكومته في المنطقة. أتساءل كيف يمكن أن يستمر هذا الوضع إلى ما لا نهاية في المستقبل، وكيف يمكن لإسرائيل أن تتوقع أن تواصل هيمنتها على الناس بالطريقة التي تحاول أن تفعل بها ذلك دون أن تصبح المقاومة شاملة. أعتقد أن إسرائيل ستفشل في غزة والضفة الغربية ولبنان. أعلم أن هناك أصواتاً في إسرائيل تقول: "هذا انتحار، هذا جنون، لا توجد استراتيجية هنا. كيف تريد أن تنتهي هذه الأمور؟" لا توجد أجوبة على هذه الأسئلة، لأن الناس الذين يقودون المشروع ليست لديهم أجوبة، سوى القول: إن كانت القوة غير كافية يجب أن نستخدم المزيد من القوة. هذا هو الشيء الوحيد الذين يفهمونه. هكذا يرون السياسة، لكن هذه ليست سياسة، إنها كما لو أن كارل فون كلاوزفيتز لم يوجد أبداً. من ناحية أخرى، أرى المستقبل قاتماً جداً بالنسبة للفلسطينيين على المدى المنظور، وسيظل هكذا إلى أن يطوروا إجماعاً حول استراتيجية وقيادة. آمل أن يحدث هذا قريباً جداً لكن لا نعرف متى سيتحقق. 

أعتقد أن هناك رسالة في ما تفعله إسرائيل. إن سياسة القوة، التي كانت ستعمل في القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر، أو التاسع عشر، وحتى في العشرين، لا يمكن أن تعمل في القرن الواحد والعشرين، ومن المستحيل أن تعمل في أي مكان على المدى الطويل، ولكنها لا يمكن أن تعمل في هذه الحالة خاصة لأن إسرائيل كمشروع تعتمد بشكل كلي على الدعم الخارجي. هكذا هي الآن، وهذا ما كانت عليه دوماً، ولم يكن المشروع مستقلاً تماماً، أو فكرة قادرة على الاستمرار بذاتها، وإلا لما ذهبوا إلى بريطانيا للحصول على وعد بلفور، أو إلى الأمم المتحدة للحصول على قرار التقسيم، ولما ذهب رئيس الموساد للحصول على موافقة ليندون جونسون في عام ١٩٦٧، ولما ذهب شارون للحصول على موافقة هيغ في عام ١٩٨٢. إن المشروع يعتمد على العالم الخارجي، وخاصة على الغرب الذي يمثل ميتروبول هذا المشروع الاستيطاني الاستعماري، وهو أيضاً مشروع قومي له جوانب أخرى عديدة لكنه يعتمد كلياً على الميتروبول الغربي. وهو ما أدى إلى نفور الرأي العام في الغرب، وتدمير قاعدة دعمه في البلدان التي تعتمد عليها إسرائيل، والتي لا تستطيع أن تفعل شيئاً من دونها. ما يزال لديها النخب والحكومات والمجمع العسكري الصناعي، الذي يسعده جداً بيع كميات غير محدودة من القنابل التي يبلغ وزن الواحدة منها ألفي رطل. ولكن إسرائيل فقدت نوع الدعم الشعبي الشامل الذي كان المشروع الصهيوني ودولة إسرائيل يتمتعان به في معظم أنحاء العالم الغربي منذ وعد بلفور وحتى تسعينيات القرن العشرين، أو حتى الانتفاضة الأولى في أواخر الثمانينيات. من الممكن أن نتصور إمكانية وقف هذا الاتجاه، أو حتى عكسه، ولكن هذا يتطلب تغيير سياسة القوة هذه، سياسة اللجوء إلى المزيد من القوة، ولا شيء غير القوة. يتطلب هذا إيقاف القتل الجماعي والعقاب الجماعي، ولا أرى أن هذا يحدث. إن المستقبل قاتم جداً بالنسبة للفلسطينيين، لكنني لا أعتقد أنه أفضل بأية طريقة بالنسبة للإسرائيليين. وفي الحقيقة قد يكون أسوأ في بعض مظاهره على المدى الطويل لإسرائيل في وضعها الحالي.

دانييل فين: أنت الآن على وشك التقاعد من جامعة كولومبيا. رأينا أثناء العام الماضي كيف أصبحت الأحرام الجامعية في الولايات المتحدة إحدى أهم وأبرز ساحات المعارضة والجدل. وكانت هناك إشادة غير مباشرة بأهمية معسكرات الطلاب من قبل العناصر الأشد يمينية في الكونغرس الأمريكي، الذين عقدوا سلسلة من جلسات الاستماع للمطالبة باتخاذ إجراءات ضدهم. ما الذي تعتقد أن تجربة العام الماضي تقوله لنا عن نظام الجامعات الأمريكية، وإلى أين يتجه؟

رشيد الخالدي: ما حدث العام الماضي حدث عالمي تاريخي. ما بدأ في الحُرم الجامعية الأمريكية انتشر في أنحاء العالم، وأوضح بشكل كامل أن الأغلبية الساحقة من الشعوب في كل بلد على وجه الأرض تعارض ما يحدث رغم حقيقة أن حكوماتها سعيدة بشكل كامل بالسماح له بالاستمرار، أو منخرطة في مساعدته على الاستمرار. صارت الفجوة بين الشعوب والحكومات جلية. إنها أيضاً فجوة جيلية، فالشبان ملتزمون بشكل كامل بينما الكبار في السن منقسمون أكثر حيال الأمر. تذكّرْ أن الجامعات تعمل وفق تقويم غريب حيث تبدأ الأمور في الخريف وتنتهي في الربيع. نحن الآن في عام جديد يبدأ في أيلول\سبتمبر، أو تشرين الأول\أكتوبر. كان هذا العام مختلفاً عن العام الأخير في الحرم الجامعي. فقد حققت التدابير القمعية التي فرضها الكونغرس، والتي نفّذها بحماسة غير عادية مديرو الجامعات المذعنون والجبناء والجديرون بالازدراء، نجاحاً كبيراً. ولم نشهد أي نشاط قوي على المستوى الذي شهدناه العام الماضي. حدث حراك في حرم جامعة كولومبيا، وكان الطلاب يقرؤون أسماء الأشخاص الذين قتلتهم إسرائيل، وفعلوا ذلك لأيام متتالية، وكان فعالاً جداً، لكنه لم يحدث تأثيراً - ولم يُسمح له بذلك - كمثل أي شيء فُعل العام الماضي حتى حدوث اقتحام الشرطة. لقد لعبت الجامعات دوراً كبيراً في ٢٠٢٣-٢٤، لكنني لا أرى احتمال استمرار هذا الدور، على الأقل في الولايات المتحدة، في الأمكنة التي أستطيع رؤيتها. في أوروبا يمكن أن يحدث في الأحرام الجامعية نشاط أكبر مما يحدث الآن في الولايات المتحدة حيث انتقل الاحتجاج إلى الرأي العام. لقد تبدل الرأي العام لأن الناس يشاهدون على شاشات هواتفهم الحقيقة التي يكذب حيالها الإعلام الجماهيري ويشوهها، ويمنعنا من رؤيتها. بصراحة، لا أعتقد أنه يمكنك أن تتطلع إلى الجامعات، في ضوء نجاح موجة القمع هذه، للحصول على النوع نفسه من الشرارة الملهمة التي قدمتها في عامي٢٠٢٣ و٢٠٢٤. وبناء على ما أعرفه لا تستطيع الرهان على الأحرام الجامعية. كانت الإجراءات الأمنية التي فُرضت في جامعة كولومبيا خلال العام الدراسي الحالي - نقاط التفتيش، والمراقبة، والقيود غير العادية على الحركة وعلى العمل السياسي - فعالة للغاية. واتُخذت هذه الإجراءات بتنسيق مع الولاية وقسم شرطة ولاية نيويورك، وعن طريق التعاون مع أشخاص من الاستخبارات الإسرائيلية والإف بي آي، للتأكد أن ما حدث العام الماضي لا يمكن أن يحدث مرة ثانية لهذا لن أتطلع إلى الجامعات في هذا العام الدراسي. إلا أن هذا لم يمنع المظاهرات الناشطة خارج الحرم الجامعي، فقد قمنا بالكثير منها في مدينة نيويورك على الأقل. قد أكون مخطئاً: نحن فقط في تشرين الأول\أكتوبر، ولا يعرف إلا الله ما الذي سيحدث في الأشهر القادمة.

دانييل فين: يتناول كتابك القادم، على حد علمي، الروابط والتفاعلات بين الاستعمار البريطاني في فلسطين وفي بلدان أخرى، وخاصة في أيرلندا. هل يمكن أن تحدثنا قليلاً عن هذا؟

رشيد الخالدي: هذا كتاب آمل أن أكتبه، ولم أكتبه بعد. فالأفكار لم تتطور بشكل كامل، إنه مُنْتج لم يكتمل، ولست متأكداً كيف سيتطور. ما أعرفه هو أنني كنت أعمل على بعض الروابط والتواشجات الفائقة للعادة بين الأساليب التي اتُبعت في أيرلندا وتلك التي اتُبعت لاحقاً في فلسطين. ثمة أوجه تشابه مهمة أيضاً بين أيرلندا وفلسطين كمستعمرتين استيطانيتين. من الواضح أن هناك أيضاً اختلافات هائلة. ذلك أن المحاولات الإنجليزية والبريطانية اللاحقة لإخضاع أيرلندا تعود إلى القرن الثاني عشر، وتواصلت على مدى قرون. ولم تبدأ عملية الاستيطان المهمة حقاً في هذا السياق إلا في العصر الإليزابيثي والقرن الذي تلاه، أي قبل مئات السنين من ظهور الصهيونية كمشروع سياسي. وكما كان الحال في معظم المشاريع الاستيطانية الاستعمارية، فإن ما رأيناه في أيرلندا كان توسيعاً لسيادة وسكان الدولة الأم وتحويلاً لأيرلندا إلى مستعمرة استيطانية. لقد أرسل التاج البريطاني رعاياه الإنجليز والويلزيين والإسكتلنديين لبسط سيادته والسيطرة على البلاد التي تم استيطانها. هذا هو النموذج الكلاسيكي للاستعمار الاستيطاني، وهذا ما حدث في أميركا الشمالية وأستراليا والجزائر وجنوب أفريقيا وكينيا وبلدان أخرى. إلا أن الحركة الصهيونية كانت مختلفة جداً. كانت مشروعاً سياسياً مستقلاً، ومشروعاً قومياً. لقد ذهب المستوطنون إلى أمريكا الشمالية، أو إيرلندا، كمستوطنين إنجليز، كرعايا للتاج، وكتوسيع لسيادته. لم يصنعوا كياناتهم المستقلة، وسمّوا كارولاينا على اسم الملك تشارلز، وجيمس تاون على اسم الملك جيمس وهلم جرا. إلا أن الصهيونية كانت لها مظاهر أخرى، ورأت نفسها كحل للمسألة اليهودية، وبالنسبة للناس الذين تعرضوا للاضطهاد في العالم المسيحي، كانت تستند إلى صلة بين اليهودية وأرض إسرائيل، وهكذا كانت لها سمات متميزة لكن منهجيتها وسلوكها كانا سلوك ومنهجية مشروع كولونيالي استيطاني. رأى الصهاينة الأوائل أنفسهم في هذا الضوء، ونظروا إلى أنفسهم كمستوطنين يعملون كمثل المستوطنين الأوروبيين الآخرين في أراض بربرية غير أوروبية يحب أن يُزْدَرى سكانها الأصليون. هذه هي مقاربة المشاريع الاستيطانية الكولونيالية تجاه السكان الأصليين. ولكن الصهيونية لم تكن مجرد مشروع استيطاني، بل كانت مشروعاً مستقلاً. وكانت الصهيونية تتطلب على غرار المشاريع الاستيطانية الاستعمارية الأخرى، وجود عاصمة (ميتروبول). كانت الدولة الأم هي الميتروبول بالنسبة لأغلب هذه المشاريع. وبالنسبة لأميركا الشمالية وأستراليا وأيرلندا، كانت إنجلترا أو المملكة المتحدة في وقت لاحق هي العاصمة. كانت الصهيونية مشروعاً مستقلاً، وبدأت بالبحث عن الدعم من القيصر الألماني، أو السلطان العثماني، أو الجمهورية الفرنسية، قبل أن تجد بريطانيا حليفة لها في نهاية المطاف. ولكن المشروع الصهيوني تحول بسلاسة إلى الاعتماد على دعم الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي عندما خفّ الدعم البريطاني في عام ١٩٣٩. يتطلب أي مشروع استعماري استيطاني بالضرورة وجود عاصمة كبيرة، ولكن الصهيونية فريدة من نوعها في قدرتها على القفز من جبل جليدي إلى جبل جليدي آخر، حيث وجدت العديد من الرعاة الخارجيين المختلفين للمشروع. واليوم، يعمل الغرب ككل ــ الدول الغربية القوية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وعدد قليل من الدول الأخرى ــ كعاصمة كبيرة لهذا المشروع. إن التفاصيل مثيرة. ذلك أن الأشخاص الذين فاوضوا لإنهاء حرب الاستقلال الأيرلندية كانوا نفس الأشخاص في رئاسة الوزراء نفسها التي تبنت وعد بلفور، وساعدوا في فرض الانتداب على فلسطين. وأدى هذا إلى إرساء النظام الذي أنشأته بريطانيا في فلسطين لتعزيز ودعم المشروع الصهيوني. وكان هناك الأشخاص أنفسهم: آرثر بلفور، وديفيد لويد جورج، وونستون تشرشل.

كانوا ينقلون مسؤولاً من الهند ويحضرونه إلى أيرلندا لتعذيب الناس. وكان الشيء التالي الذي تعرفه، بعد عقد من الزمان، وبعد المزيد من الخدمة في الهند، أنه يعود إلى فلسطين ليقيم مراكز للتعذيب. بعد ذلك نُقل قائد الشرطة الملكية الأيرلندية إلى فلسطين لإنشاء الدرك الفلسطيني، وتم إرسال الجنود الأيرلنديين السود وقدامى المحاربين في الشرطة الملكية الأيرلندية عندما اضطرت بريطانيا إلى مغادرة أيرلندا في نهاية حرب الاستقلال في عامي ١٩٢١ و١٩٢٢. إن هذه الروابط ملحوظة، وهي تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. كانت هذه هي الخبرة العامة للإمبراطورية، وكانت الخبرة التي تم تطويرها في مستعمرة المستوطنين الأيرلندية على وجه الخصوص هي التي تم توريثها لاحقاً للضباط والمسؤولين الذين طبّقوا السياسة البريطانية في فلسطين، وبدورهم ورّثوا هذه الخبرة للإسرائيليين. إن الضباط الذين كانوا منخرطين في قمع التمرد في فلسطين في نهاية الثلاثينيات نقلوا دروس مكافحة التمرد البريطانية إلى الأفراد الذين أصبحوا الضباط الرئيسيين في الجيش الإسرائيلي. لقد دُرّب موشيه دايان وإيغال آلون على يد هؤلاء، وتعلما كيف يطلقان النار على السجناء، وكيف يدمران البنية التحتية. علّمهم أسيادهم البريطانيون مقاربات مكافحات التمرد هذه، وكان كثيرون من هؤلاء الأسياد أنجلو أيرلنديين مثل السير تشارلز تيجارت، مثلاً، أو المشير برنارد مونتغمري، الذي قاد لواء في كورك أثناء حرب الاستقلال، ولواء في فلسطين في الثلاثينيات. كان ابناً لرجل دين من كنيسة إيرلندا. وكانت مواقفهم ونظرتهم إلى العالم (خاصة الطريقة التي نظروا بها وعاملوا بها السكان المحليين وتفضيلهم للمستوطنين) متطابقة في أيرلندا وفلسطين.


[ترجمة عن الإنكليزية أسامة إسبر، المصدر: "Jacobin"].

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬