"إسرائيل في القلب، تحية جلال لمقاتلاتنا الباسلات في القيظ والبرد القارس، تفانيًا في الذود عن الوطن"
هذا ما غرد به حساب إسرائيل بالعربية، والذي يستمر كل فينة وأخرى مثله مثل الحسابات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية على تأكيد دور الجنديات الاسرائيليات و"بسالتهن" في الحرب على غزة.
لكن لماذا هذا الاستمرار في امتداح الجنديات وتأكيد مشاركتهن؟ ولماذا تتراقص الجنديات يوميًا على حساباتهن في تيك توك وتصوير أنفسهن بطرق مثيرة؟ ولماذا رغم كل محاولات إظهارهن كمقاتلات باسلات أهمل الجيش الإسرائيلي التنبيه المسبق لمجنداته بقدوم ضربة حماس في ٧ أكتوبر؟
"لقد كنا نضحك عليها بسبب المبالغة"
قبل عدة شهور من طوفان الأقصى في 7 أكتوبر التي نظمتها حماس المقاومة كانت المجندات الإسرائيليات على حدود غزة يتابعن تحركات غريبة كما وصفتها للبي بي سي، فرعاة الأغنام اقتربوا من السياج على غير العادة، ومجاميع من حماس يتدربون تدريبات عسكرية غير تدريبات اللياقة الاعتيادية، وهناك قنابل تُزرع بالقرب من السياج، ودوريات مراقبة منتظمة يشاهدنها.
أبلغت المجندات اللاتي يبلغ أغلبهن 19 عامًا رؤسائهن، وكتبن العديد من التقارير لكن لم يلق أحد لهن اهتمامًا، واشتكت احداهن لعائلتها لكن العائلة كما قالت للبي بي سي بعد قتل ابنتهم "لقد كنا نضحك عليها بسبب المبالغة".
تقول إحدى المجندات اللاتي غادرن الخدمة في حدود المستوطنات قبل طوفان الأقصى: "لأننا أدنى الجنود في النظام لذلك تعتبر كلمتنا أقل احترافية".
هكذا تعامل الكيان مع مجنداته اللاتي نبهنه بقدوم أحد أكبر الأحداث في تاريخه، نظر إليهن هو وعائلاتهن باعتبارهن مبالغات، هذا هو ذات الكيان الذي ينشر كل فترة صور مجنداته الباسلات المقاتلات دفاعًا عن "الوطن".
مثل هذه التقارير التي توضح كيف ينظر الاحتلال لمجنداته لا تنتشر مثلما تنتشر صور وأخبار المرأة الإسرائيلية المقاتلة "البطلة".
لكن هل يمكن أن نبني فكرة احتقار الاحتلال لمجنداته على هذا الحدث فقط؟
قواد حارسات السجن
قبل عامين، نشر موقع TRT تقريرًا حول تعرض واحدة من كل أربعة مجندات إسرائيليات للاعتداء الجنسي أثناء خدمتهن الإلزامية، وتقول المجندات بأنهن يشتكين لرؤسائهن في قوة الشرطة والسجون إلا أن أحدًا لا يحرك ساكنًا.
وليس هذا فحسب، فقد نشرت إسرائيل تايمز تقريرًا في نفس العام عن فضيحة من سُمّي بـ"قواد حارسات السجن" وهو ضابط مخابرات إسرائيلي يمارس القوادة على المجندات الإسرائيليات. تقول إحداهن إنه سلّمها لسجين فلسطيني، ليعتدي عليها مرارًا وتكرارًا، وإن الكثير من الجنود والضباط كانوا يفعلون المثل، وحاول جهاز المخابرات إسكاتها حين نشرت قضيتها، إلا أن الفضيحة أدت إلى فتح تحقيق في الكنيست.
وبحسب التقرير، فإنها لم تكن حالة فردية. في عام 2018 اشتكت العديد من المجندات في السجون من إجبارهن على "التفاوض الجنسي" مع السجناء من قبل الضباط أو ما أسموه بـ"حلوى العين" إلا أن قضيتهن أغلقت لعدم وجود أدلة، لكن أحد الضباط بعدها بعام أبلغ رؤساءه بأن ادعاءات المجندات حدثت فعلًا فأعيد فتح القضية وعوقب الضابط المتهم بالإقالة فقط وذلك "لعدم فقدان ثقة الجمهور في الجهاز".
لكن الضابط الإسرائيلي المتهم يقول إنها ادعاءات غير صحيحة فالمجندات عميلات بموافقتهن الكاملة لاستخراج المعلومات من السجناء.
وإن صحت موافقتهن (وهو أمر وارد) فهو برأيي لا يختلف عن القوادة.
إضافة إلى ذلك، فقد انتحرت مجندة إسرائيلية بعد اغتصابها من ضباط إسرائيليين والتغطية عليهم بعد شكواها بحسب صحيفة هارتس الاسرائيلية.
وعلى هذا فالكيان لا يهمش ويحتقر مجنداته عسكريًا فحسب بل واستخدمهن كأداة جنسية سواء للآخرين أو لجنوده "البواسل" فالباسلون للباسلات كما يبدو.
لكن هل اكتفى الكيان بجنسنة مجنداته وراء الأبواب؟
"أن تكون مثيرة لصالح الأمة"
«قيل لنا إن المرأة الجديدة يجب أن تهدف إلى أن تكون مثيرة، في هذا الوضع العسكري الجديد، لصالح الأمة… مما يوحي بأن هذا هو واجب النساء الوطني خلال زمن الحرب…» هذا ما كتبته إيفا بيرغر ودوريت نعمان، في دراستهما «الجميلات المقاتلات: صور المجندات الإسرائيليات في الصحافة منذ حرب لبنان عام 2006» وقد كتبت فوز الجميل مقالًا حول الدور الجنساني للمرأة في جيش الاحتلال الإسرائيلي وقد احتوى على دراسات حول كيفية اختيار النساء في جيش الاحتلال واشتراط معايير جمال محددة كشرط للقبول.
لا أحد ممن يتابع الحرب على غزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلا وقد مر عليه مقطع فيديو لمجندات إسرائيليات يرقصن أو يأخذن وضعية مثيرة في التصوير، هذه الصورة ليست موجهة لك أيها العربي بل لمجتمع غربي يرى أنه من المستحيل أن تقوم هذه الجميلة بعملية إبادة أو أن تكون هذه المراهقة الظريفة على تيك توك قاتلة أطفال، إنها ليست صورًا عفوية أو فيديوهات تسلية شخصية، إنها عملية منظمة لخلق صورة المرأة الإسرائيلية الحرة اللطيفة المقاربة لقيم الغرب وتكريس فكرة اختلاف المرأة الإسرائيلية عن العربية التي تكرس نفس الأدوات صورتها كمكممة وحزينة ومتوحشة ولا تعيش حياة طبيعية، وهو ذاته ما صرح به الإرهابي نتنياهو بأنها "حرب بين أطفال النور وأطفال الظلام".
دور المجندة الإسرائيلية هي أن تقول للغرب إنها ابنة النور، وقد يتضح ذلك في منشور لإحدى المجندات على ساحل البحر في غزة كتبت فيه أنها لا تصدق بأن الفلسطينيين يملكون هذا البحر الجميل ويذهبون للحرب، وهو تصوير لفكرة رومانسية حول حب الإسرائيليين للحياة وحب الفلسطينيين للموت.
ناهيك عن سيل من الصور الأرشيفية لنساء لبنانيات بالمايهوات على البحر تنشرها الحسابات الصهيونية مرفقة بكلمات مثل "كن هكذا قبل الإرهاب الإسلامي" أو "الحياة قبل حزب الله" وما إلى ذلك، فجسد المرأة لدى هذا المحتل هو ساحة الحرب التي يقاتل بها عدوه، جاعلًا منها "حلوى للعين" لأهداف عسكرية.
يدرك المحتل بأن اللبنانيات ما زلن قادرات على لبس المايوه على البحر، ويدرك بأن النساء العربيات مختلفات وذوات هويات متنوعة كل هوية منها تختلف فيها مساحة المرأة عن الأخرى، لكن هذا لا يهم، الهدف هو المواطن الغربي (الأبيض على الأخص) والذي لا يفقه شيئًا في التنوع الهوياتي لدى العربيات ولا يفهم سوى الصور التي يصدرها له إعلامه، ويبحث عن التصنيف السهل، وغارق في أفكار النسوية البيضاء التي تدعم الاستعمار بحجة تحرير المرأة، ولأن الرجل الأبيض أهم فالآلة الإعلامية الصهيونية تكرس جهدها في التوجه له، لتقول إن نساء النور يحاربن نساء الظلام.
دعنا هنا نؤكد على عدم إنكارنا للكثير من الصعوبات وأدوات القمع الاجتماعية والسياسية التي تواجهها المرأة العربية بدرجات مختلفة، كل بحسب هويتها، ودعنا نتفق بأن العدو يختار ما يصدره للعالم وما يخفيه.
لكن هل يختلف وضع المرأة الإسرائيلية ويتطابق مع الصورة التي يصدرها الكيان؟
الرئيس المغتصب
عام 2011 حُبس الرئيس الإسرائيلي السابق موشي كاتساف لمدة سبع سنوات بتهم الاغتصاب والتحرش الجنسي لعدة سنوات وعدة نساء بدأت منذ أن كان وزيرًا للسياحة في التسعينيات، واستخدم سلطته لتسريحهن من العمل.
حين يغتصب رأس الكيان موظفاته وإحداهن قالت بأنه اغتصبها في المكتب الرئاسي في القدس، ليس هذا مجرد حدث، إنما نموذج يمثل كيف يرى الكيان النساء، فما زلن حتى وهن مدنيات (نمشيها مدنيات) لسن سوى ألعاب جنسية لرجال هذا الكيان.
حاله حال ما حدث في منتجع إيلات حين اصطف 30 رجلًا بالدور للاعتداء الجنسي على فتاة مراهقة.
في التاريخ البشري كله لم يوجد احتلال واستعمار لم يحتقر المرأة أو يستخدم جسدها كأداة جنسية، ورغم حدوث ذلك في الدول "المستقلة" إلا أنه في الكيانات المحتلة والأنظمة الاستعمارية عملية ممنهجة ومنظمة ومخططة وأي اجتهاد فردي خارج هذه الخطة ليحقق نفس الهدف فهو مرحب به.
فهل هذا يعني بأن القضية هنا أننا أمام رجال إسرائيليين ينتهكون أعراض نساء إسرائيليات مظلومات؟
الاحتلال لا جنس له
في أغسطس 2024 نشرت ميدل ايست آي تقريرًا حول اغتصاب سجناء فلسطينيين، كان الاغتصاب يتم من قبل جنود من الرجال وجنديات من الإناث غالبيتهن من المراهقات.
يقول السجين الفلسطيني سالم لمديل ايست آي: "يُثنى السجين على مكتب وتوضع يديه مكبلة أمامه، وكانت الجندية، التي تقف خلفه، تدخل أصابعها وأشياء أخرى في المستقيم، وحين يتراجع، كان الجندي الذي يقف أمامه يضربه على رأسه ويجبره على الانحناء مرة أخرى."
ويذكر سالم بأن العديد من السجناء تعرضوا لهذا ولكنهم يخجلون من البوح بذلك وأن بعضهم عانوا من آلام في البواسير نتيجة الاغتصاب.
يذكرك هذا المشهد بصور الجنديات الأمريكيات وهن يعتدين جنسيًا على سجناء عراقيين عراة في سجن أبوغريب.
هذا هو الاحتلال، الجندي فيه مثل الجندية، مغتصبين معتدين متطابقين في الرغبة في قهر أصحاب الأرض بأشد الطرق إذلالًا.
الجندية الإسرائيلية جزء من المنظومة الاستعمارية، والتي تعتبر بالمفاهيم النسوية منظومة ذات هرمية أبوية ومنهاج بطريركي، ولهذا فأي نسوية تنظر إلى المجندات الإسرائيليات باعتبارهن نساء يجب المحافظة على حقوقهن لمجرد كونهن نساء فهو دعم لمنظومة الاستعمار بأكملها، نعم؛ دعم النسوية للنساء يعني كل النساء، لكن لا يشمل هذا دعم من تهدم منظومة العدل والمساواة والحرية باغتصاب الأرض والعرض واستخدام جسدها وأجساد السكان الأصليين نصرة لكيان الاحتلال، يجب أن لا يُنظر لجنس المحتل ونوعه الاجتماعي بل لكونه محتلًا لا غير.
كانت واحدة من سبل مهاجمة النسويات اتهامهن بازدواجية المعايير حين يتعلق الأمر بالمرأة الإسرائيلية، مثل حملة "أنا أيضًا ما عدا إن كنتِ يهودية" (me too unless you’re a jew) وحملة "صدقوا النساء الإسرائيليات" (believe Israeli women)، وتتهم هاتين الحملتين الإسرائيليتين نسويات العالم بازدواجية معاييرهن لدعمهن حملة "أنا أيضًا" (me too) التي تفضح المتحرشين وبأنها حملة عنصرية لا تشمل اليهوديات والمجندات اللاتي ادعين اغتصابهن من قبل قوات حركة حماس.
الكيان المحتل يعرف جيدًا بأن المسألة ليست عنصرية لكنه كذب وكذب ولم يصدقه الناس، تعرف النسويات من المدارس النسوية المختلفة (عدا النسوية البيضاء الاستعمارية) بأنه من الصعب تصديق هذا الكيان، وأن الادعاءات مسيسة خاصة بعد خروج أول دفعة من الأسيرات الإسرائيليات وتحدثهن مع الإعلام حول التعامل معهن باحترام من قبل قوات حماس وفي الدفعة الثانية مُنعت الأسيرات المطلق سراحهن من التحدث مع الإعلام إلا بعد التصريح لهن من قبل الحكومة الإسرائيلية بشكل يتبين معه أن هناك صياغة يجب تحديدها لهن في تصريحاتهن.
أما النسويات العربيات فاتهمن من قبل صهاينة العرب بالازدواجية بسبب ازدواجيتهن في الدفاع عن كل امرأة تتعرض للتحرش عدا المجندات الإسرائيليات اللاتي صفقن لأسرهن.
المجندة الإسرائيلية لم تؤسر لكونها امرأة بل أسرت لكونها جزء من الجيش المحتل، الجهل في المسألة النسوية يؤدي لهذه الاتهامات المهترئة، النسوية تدافع عن المرأة حين يكون الفعل القائم عليها بسبب جنسها لا بسبب فعلها، الجندية الإسرائيلية أسرت مثل أي جندي إسرائيلي رجل للتفاوض من أجل تحرير الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وشهدن بأنفسهن عدم تعرضهن للاعتداء الجنسي والتعامل معهن كان بوجود نساء من حركة حماس منهن ممرضات للعناية بصحتهن، أما فيما يتعلق بالاغتصاب فالقاعدة التي لا جدال فيها أن أي اغتصاب يحدث في الحرب مرفوض وجريمة، وأي انتهاك جنسي على امرأة أو حتى رجل ليس مقبولًا مهما كان فاعله مقاومًا أو محتلًا، لكن اتهام المقاومة بالاغتصاب جاء من قبل كيان لا يمكن تصديقه، بينما الأسيرات أنكرت بعضهن ممن تحدثن للإعلام التعرض للاغتصاب حتى أن إحداهن قالت بوضوح إنها كانت تتوقع ذلك ولم يحصل.
إنه من الطبيعي جدًا أن يسوق الكيان المحتل للإعلام الغربي فكرة اغتصاب "الإرهابيين العرب المسلمين" للنساء بسبب الصورة النمطية المكرسة لدى الغرب ولكون الاعتداء الجنسي مسألة حساسة ومخيفة بإمكانها استدرار العطف بشكل كبير وهو ما يكرره الإعلام الغربي طوال الوقت لكن الصدمة الكبرى كانت بأنه رغم ذلك فعدد لا بأس به من الغربيين لم يصدقوا ذلك وظلوا مطالبين بإيقاف الإبادة الجماعية رافعين علم فلسطين في مظاهراتهم وهي المفاجأة غير المتوقعة التي أنتجت الخطة ب: "أنا أيضًا ما عدا إن كنتِ يهودية" واللعب على وتر مظلومية اليهود.
آخر من يمكنه التحدث عن النسوية هي المنظومة الصهيونية والتي ليست فقط منظومة استعمارية تستخدم أجساد النساء كأسلحة وتقتلهن معتبرة أرحامهن حقل ألغام ينتج مقاومين غاضبين، بل وفي داخل تكوين هذه المنظومة تتعنصر نسوية أشكنازية (إسرائيلية من أصول غربية) على نسوية مزراحية (إسرائيلية من أصول شرقية) وتنظر لها ككائن أقل مطبقة القول "إذا كان سيد البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت الرقص".
ختامًا كل ما كتبته هنا محاربة لبروبجندا صهيونية تدعي أن دولة الاحتلال جنة النساء في الشرق الأوسط وبدأ بعض العرب تبني سرديتها، ولأقول إن المرأة الإسرائيلية محتلة وإن لم تحمل السلاح، جزء من منظومة تقهر غيرها من النساء وتحرق قلوبهن على أطفالهن وأزواجهن وعائلاتهن، محتلة وإن ادعت المدنية، محتلة ومجرمة وإن نشرت صورها بشعر منسدل وخصر نحيل، محتلة وتساهم عبر استغلال جسدها بتحقير المرأة والتقليل من مكانتها وتسويقها كأداة جنسية، محتلة ومجندة وجزء من الجيش الاحتياطي، الإسرائيلية تبقى محتلة طالما كانت جزءاً من هذا الكيان والفلسطينية مقاومة وإن لم تحمل سلاحًا وإن هربت ونزحت بأطفالها خشية الموت، مقاومة ولا يمكن مقارنتها لا هنا ولا في أي مناسبة أخرى بمجرمة لا يرف لها جفن لطفل يدهس تحت الدبابة.
"وتذكَّر..
إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد
ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة
أن بنتَ أخيك اليمامة
زهرةٌ تتسربل في سنوات الصبا بثياب الحداد"
"لا تصالح ما ذنب تلك اليمامة لترى العش محترقًا فجأة وتجلس فوق الرماد"
-
أمل دنقل.