شهادة حول الإبادة الجماعية المتواصلة في غزة

شهادة حول الإبادة الجماعية المتواصلة في غزة

شهادة حول الإبادة الجماعية المتواصلة في غزة

By : Osama Esber أسامة إسبر

ملخص

كانت مجلة "التواصل، الثقافة والنقد" منبراً مهماً للمقاربات النقدية في حقل دراسات التواصل والإعلام. ويجسّد هذا العدد أول إصدارٍ أشرفتْ عليه ووجّهتْهُ مجموعةٌ من المحررين تشكّلت حديثاً، من أجل هدف إعادة إحياء البحث الملتزم سياسياً كما جسّده مركز الدراسات الثقافية المعاصرة في جامعة برمنغهام في السبعينيات، وقاده ستيورات هول آنذاك. وفيما نتولّى مسؤوليتنا كي نوجّه هذه المجلة، ونؤثر في مياديننا، سيكون من الخطأ تجاهل محاولات النظام العالمي الحالي الجلية لإعادة إنتاج نفسه من طريق حملة دولة إسرائيل المتواصلة من الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وتوسّعها التدريجي إلى الضفة الغربية. إننا، وبوصفنا باحثين في مجال التواصل والإعلام والثقافة والتكنولوجيا، لا يمكننا البقاء صامتين، أو حياديين، في وجه عنف الإبادة الجماعية الذي يُبث على الهواء. وندعو الباحثين، الذين عندهم ضمير، إلى الانضمام إلينا في دعواتنا لوقف إطلاق النار، وسحب الاستثمارات من نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.


كانت مجلة "التواصل، الثقافة والنقد"، منذ تأسيسها في ٢٠٠٨، المنبر الأبرز للمقاربات النقدية ودراسات الإعلام. ويُعَدُّ هذا العدد أوّلَ عددٍ تقودهُ وتوجّههُ مجموعةٌ من المحررين تشكلتْ حديثاً، من أجل هدف إعادة إحياء البحث الملتزم سياسياً، كما تجسّد في مركز الدراسات الثقافية المعاصرة في جامعة برمنغهام في السبعينيات، تحت قيادة ستيورات هول آنذاك. كانت رؤية هول للدراسات الثقافية، والتحليل الظرفي للرأسمالية، استجابةً لأزمات في الشرعية السياسية عبّدت الطريق لعقودٍ من تجريم الشعوب الخاضعة للعنصرية، وهيمنة النيوليبرالية. وفي هذه المناسبة تذكّرنا أنجيلا ديفيس، في تأمّلها لتجربتها الخاصة في الممارسة النسوية الجماعية، في أبحاثها التي ربطتْ بين إلغاء السجون ومناهضة التسلط العسكري، أن النهج التعاوني الذي اتّبعه هول في الأبحاث النقدية اهتم "بالدوائر التي تؤدي من الحميم إلى المؤسسي".[١] وبهذه الروح من التنبه الجماعي لتوازن القوى في وضعنا الحالي، الذي يعصف به الآن العديد من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، شرعنا في تصوّر كيف يمكن أن تكون الأمور بخلاف ذلك. وفيما نتوّلى مسؤوليتنا لتوجيه هذه المجلة، والتأثير في مجالاتنا، سنرتكب خطأ لو تجاهلنا المحاولات الجلية للنظام العالمي الحالي لإعادة إنتاج نفسه، وخاصة حملة دولة إسرائيل المتواصلة من الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وتوسّعها التدريجي نحو الضفة الغربية.

شرّد الغزو العسكري الإسرائيلي، واحتلال غزة في كانون الأول\ديسمبر ٢٠٢٤، الملايين ما أدّى إلى مقتل ما يقارب خمسة وأربعين ألف فلسطيني أكثر من نصفهم نساء وأطفال. وقتلتْ المجاعة والإهمال والافتقار لرعاية صحية ملائمة[٢] عشرات الآلاف الآخرين. ورغم التصويت المتكرر لدعم وقف إطلاق النار من قبل غالبية الدول في الأمم المتحدة، اشتدّ العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل على شعب غزة في أعقاب الهجمات التي شُنت على المدنيين الإسرائيليين في السابع من تشرين الأول\أكتوبر ٢٠٢٣ بسبب الدعم السياسي المتزايد للولايات المتحدة، وكثير من الحلفاء الأوروبيين الغربيين، الذين قدموا التمويل الأساسي والأسلحة والدعم الدبلوماسي.

تُنكر هذه القوى بشدّة تهمة الإبادة الجماعية في غزة التي أعلنت محكمة العدل الدولية[٣] أنها تهمة معقولة. وكما قالت إيزابيلا هاموند على نحو مؤثر: "إنه رعبٌ جديد في التاريخ البشري أن نراقب حرب الإبادة وهي تحدث على شاشات هواتفنا".[٤] لقد مارستْ وسائل الإعلام الغربية التقليدية رقابةً محكمة على الإبادة الجماعية في غزة بينما قامت بتغطية أهوال الاحتلال الروسي والحرب في أوكرانيا.[٥] ورغم الرقابة غير المسبوقة، المفروضة على الصحافة، شهد العالم المظاهر الوحشية للإبادة الجماعية في غزة، والتي تمثلت في التهجير الجماعي للمدنيين وقتلهم، والتدمير الغاشم والمستهتر للبنى التحتية المدنية والثقافية، بما فيها المساجد والكنائس والمستشفيات. وحدث هذا بفضل جهود التوثيق البطولية للصحافيين والمدنيين الفلسطينيين، الذين لم يكونوا في معظم الأحيان مجهزين بأكثر من هواتف ذكية وحسابات إعلام اجتماعي عابرة. وكوننا معلّمين، نعرف على نحو خاص ما يجري من تدمير متواصل للمدارس في غزة، واستهداف واعتقال وقتل الطلاب وأساتذة المدارس والأساتذة الجامعيين علاوة على هدم المكتبات والمتاحف والمدارس والجامعات. لقد قام الجيش الإسرائيلي "بمحو ممنهج" للنظام التعليمي في غزة فالتاً من العقاب.[٦]

وبعيداً عن ادعاءات إسرائيل المشكوك بصحتها على أنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" فقد نفّذ جيشها عمليات قتل استهدفت صحافيين وإعلاميين في فلسطين ولبنان.[٧] وأغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على غرف الأنباء في الضفة الغربية ودمّرتها.[٨] كما مارست الدولة الإسرائيلية الرقابة أيضاً، وهدّدت الصحافيين والأكاديميين والنشطاء والمخرجين السينمائيين وفنانين آخرين إسرائيليين عبّروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين، أو انتقدوا حملة الجيش الإسرائيلي الوحشية ضد المدنيين في غزة.[٩] ووثّق صحافيون وباحثون عمليات قطع متكررة للاتصالات والإنترنت في غزة. كما تعمل إسرائيل، التي يُشاد بها بوصفها "دولة ناشئة"، على صقل تقنيات المراقبة والاستهداف والسيطرة على المكان والحرب السيبرانية، التي وثقها الباحثون في مجال الاحتلال الرقمي الإسرائيلي والحصار على مدى عقدين من الزمن.[١٠] وفي الآونة الأخيرة، قامت تقنية ذكاء اصطناعي تدعى "لافندر" بمعالجة سريعة لمعطيات هائلة كي تولّد قوائم قتل، حسبت أيضاً القتل الجانبي بحسب الرغبة بقتل الشخص المستهدف.[١١] بهذا المعنى، إن الذكاء الاصطناعي هو أحدث تقنيات الحرب الاستعمارية التي تبرر خفض عتبة الخطر وضوابط قتل المدنيين. وتُصَدَّرُ هذه "الابتكارات" في الحرب والسيطرة الاستعمارية على وجه السرعة إلى أنحاء العالم كلها لخدمة استهداف السكان الخاضعين عنصرياً، وفرض أمن ومراقبة الحدود من الصين إلى الهند، ومن تركيا إلى الإمارات العربية المتحدة، وبالطبع في أنحاء أستراليا وكندا وأوروبا والولايات المتحدة.

إننا، بوصفنا باحثين نقديين في مجال الإعلام والتواصل والثقافة والتكنولوجيا، نرفض فكرة أن ميادين دراستنا يجب أن تكون منفصلة (أو قابلة للفصل) عن أوضاع العنف الاستعماري على الأرض في غزة. لقد وظّفتْ دولة إسرائيل وحلفاؤها وروّجوا لمفاهيم تتعلق بالحياد العلمي والموضوعية الصحافية والحياد التكنولوجي والتضليل لإبادة الشعب الفلسطيني، وتشويه الفهم الجماعي لواقعه المعيشي ونضالاته، ولتشويه سمعة أي شخص مستعد لتأكيد إنسانيته. إن الباحثين والصحافيين، المسلحين بمقاربات نظرية نقدية راسخة ومتأصلة في نقد نسوي ونقد مناهض للعنصرية للاستعمار وما بعد استعماري، وفي دراسات السود والدراسات القانونية النقدية، انتقدو دولة إسرائيل وحلفاءها والتنسيق الذي جرى بينهم لتجريد الشعب الفلسطيني من إنسانيته، إلا أنهم واجهوا درجات مختلفة من من الانتقام الشخصي والمهني وعدم الاستقرار.[١٢] ترفض مجلة "التواصل، الثقافة والنقد" استثناء إسرائيل واعتبارها فوق النقد في جو هذا الخوف المتواصل من مناصرة الفلسطينيين".[١٣]

كيف تسهّل التكنولوجيا المتطورة الإبادة الجماعية القائمة وأهمية هذا لدراسات التواصل

ما الذي يعنيه أن "نرى" الإبادة الجماعية في غزة في إطار التاريخ الطويل للعنف الاستعماري، وفي سياق أشكال أقل توسطاً من العنف الإبادي تاريخياً وفي الحاضر؟ كما كتب إدوارد سعيد مرة: "إن الحقائق لا تتحدث عن نفسها على الإطلاق، بل تتطلب رواية مقبولة اجتماعياً لاستيعابها ودعمها وتداولها. وينبغي أن تكون لهذه الرواية بداية ونهاية: في الحالة الفلسطينية، لابد أن يكون لها وطن لإنهاء منفاها منذ عام ١٩٤٨".[١٤] لطالما تحدى النقاد المعارضون للاستعمار والنقاد النسويون للعنف المفرط الذي مورس باسم الإمبراطورية الإنسانيةَ المشوهة للصحافة المهنية المحايدة اسمياً على أساس حقائق تبدو حيادية ظاهرياً ودليل بصري مشروع. إن ما يُسمى بوسائل الإعلام "الحرّة" تعمل على إخفاء العنف الجماعي وتغطية آثاره، في الوقت الذي تعزز فيه الديمقراطيات الليبرالية وتعيد إنتاجها من خلال تبرير فكرة أن بعض الأرواح تستحق الأسى بينما الأرواح الأخرى لا تعتبر إنسانية بما يكفي لكي تستحق هذه المشاعر، ما يجعلها قابلة للاستغناء عنها.[١٥] غير أن هذا ليس فريداً في سياق الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. ذلك أن وسائل الإعلام في أنحاء المعمورة، والتي تعمل في الدول الليبرالية والاستبدادية، بما فيها تلك الملتزمة بالأفكار المهنية عن الموضوعية كمثل صحيفة "نيويورك تايمز" و"هيئة الإذاعة البريطانية "(البي بي سي)، تتبنى سياسات متحيزة كهذه في تصويرها لكلٍّ من الاستعمار الاستيطاني والعنف الإمبريالي.[١٦] وشاركت وسائل الإعلام التجارية ذات التوجه الدولي بقوة في صقل خطاب "الحرب على الإرهاب" على مدار جزء كبير من القرن الواحد والعشرين وروجت لرهاب الإسلام لتبرير العنف ضد الأفغان والعراقيين والسوريين والصوماليين والباكستانيين واليمنيين.[١٧] وعملت هذه الوسائل، إلى حد كبير، على ترويج قبول القتل الجماعي للمدنيين المحددين عرقياً كفلسطينيين. وقتلت إسرائيل على الأقل مائة وثمانية وثمانين صحافياً وإعلامياً العام الماضي معظمهم من الفلسطينيين.[١٨] وتعمدت القوات الإسرائيلية استهداف خمسة منهم على الأقل وهم: عصام عبد الله وحمزة الدحدوح ومصطفى ثريا وإسماعيل الغول ورامي الريفي.[١٩] ويمكن النظر إلى جرائم القتل هذه بوصفها نوعاً من سياسات الموت (النكرووية) الإبستمية التي تشبه قتل الطلاب في المدارس ويتعين فيها إسكات أولئك الذين ينتجون حقائق عامة. بالتوازي مع هذا وظّفت شركات الاستخبارات السبرانية الإسرائيلية مثل بيجاسوس، وشركات تكنولوجيا عملاقة عالمية مثل ألفابيت وأمازون وميتا وميكروسوفت، نفسها كعمال بنية تحتية محوريين في عملية الإبادة من طريق توفير التكنولوجيا والرقابة على الإعلام. وكما استقال كتاب بارزون وفنانون وصحافيون عندهم ضمير احتجاجاً على تغطية مشغّليهم لغزة، سُرِّحَ عشرات العمال من ميكروسوفت وغوغل لأنهم احتجّوا على دعم أرباب عملهم القوي للدعم اللوجستي الرقمي للحرب بما فيه الاستهداف عن طريق الذكاء الاصطناعي.[٢٠] يكشف هذا القمع، داخل صناعة التكنولوجيا، كيف أن المثل العليا للابتكار في المؤسسات، التي من المفترض أن تكون ليبرالية، وغير هرمية، ومحايدة عنصرياً، قد فسحت المجال للعقود العسكرية الاستعمارية كجزء من عملية زيادة الأرباح.

إن القتل المتعمد للإعلاميين والكوادر التعليمية في غزة ورفض خبراء التكنولوجيا والإعلاميين في أنحاء العالم أن يكونوا متواطئين في الإبادة العنصرية يجسدان الحاجة إلى أن يتحدى الباحثون في مجال التواصل والإعلام والتكنولوجيا الأساطير التأسيسية لما يدعى "المجال العام" الأوروبي وثقافات الابتكار المؤسسي لوادي السيليكون من طريق استراتيجيات تحليلية مناهضة للاستعمار.[٢١]

وباعتبارنا مجلة، سنعمل كمنبر مخصص للبحث والتحليل في مجال التواصل النقدي والدراسات الثقافية التي تتحدى الأنظمة العالمية للإمبراطورية. وبناء على هذا ندعو الباحثين لنشر أبحاث تسهم في فهمنا الجماعي للوضع الحالي، وبالدرجة الأولى، عنف الدولة الإسرائيلية الذي يتلقى الدعم من أمريكا وأوروبا ضد الفلسطينيين. نشجّع أيضاً على كتابة أبحاث نقدية تدرس العنف المؤسسي المدعوم أمريكياً، والمقاومة، سواء في الكونغو وهاييتي، أو أي مكان آخر، وتدرس أيضاً العنف الكولونيالي الاستخراجي والعنصري داخل حدودها القومية واستهداف الصين للأقلية الأويغورية؛ واحتلال الهند لكشمير واستمرار تشويه صورة المسلمين والمجتمعات الدينية والطبقية المضطهدة وتجريدها من الصفة الإنسانية؛ وقمع تركيا للأكراد؛ والتطهير العرقي الإثيوبي في تيغراي وأوضاع أخرى مشابهة. وكما قالت الأنثروبولوجية نسرين الأمين إن حملات التضامن التي يقودها الطلاب كشفت عن الخيوط المشتركة بين العنف الجماعي الإسرائيلي في غزة وتمويل الإمارات العربية المتحدة ودعمها للعنف الجماعي في السودان: "لقد نصب المستعمرون البريطانيون أنفسهم خشبة المسرح لعنف الدولة المضاد للثورة هذا في كلّ من السودان وفلسطين من طريق اتفاقيات استعمارية وخيانات الأمر الذي هيّأ أرضاً خصبة لظهور الدول القومية العرقية العنيفة والاستغلالية، الدول التي قام فيها تفوق البعض على تجريد الآخرين من الصفة الإنسانية ومن أملاكهم".[٢٢]

نضع نصب أعيننا هدف تجاوز الخلافات القديمة التي خلّفتْها الحرب الباردة، وأن نتعرف على حاضر الاستعمار الاستيطاني سواء في الأمريكيتين أو إسرائيل. ذلك أن غزة تشكل عدسة تسمح لنا بإعادة تقويم العلاقة بين أضخم حركة عالمية معادية للحرب في فترة حياتنا ودول الجنوب العالمية ويشمل هذا غالبية العالم العربي والكثير من إفريقيا وآسيا حيث بقيت الدول إلى حد كبير صامتة في وجه الإبادة الجماعية. وحتى حين تتحدث بلدان كمثل مصر وإيران والصين وباكستان وروسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من أجل فلسطين فإنها تتبنى استراتيجيات العنف ذاتها داخل حدودها الإقليمية. إن هذه الانقسامات والتحديات التي تواجه "تضامن العالم الثالث"، والإرث المشوه للتغطية الإعلامية للإبادة الجماعية الناجمة عن استخدام الأسلحة المتطورة تكنولوجياً في غزة، تدفعنا إلى تحدي نظرياتنا المعيارية التأسيسية سواء تلك التي تتعلق بالإعلام والديمقراطية، أو الابتكار التكنولوجي، و"الحرية"، في فلسطين وخارجها.

دور الجامعة في قمع حركات التضامن العالمية

بوصفنا باحثين نقديين في مجال الإعلام والثقافة والتكنولوجيا يجب أن نموضع مواضيع بحثنا في سياقاتها التاريخية والمعاصرة. إن مصطلح "الفصل العنصري"، على الرغم من كونه مثيرًا للجدل، مناسب لتشبيه النضالات المعاصرة للفلسطينيين بالنضالات المماثلة تاريخيًا، كمثل تلك التي خاضها شعب جنوب إفريقيا في القرن العشرين.[٢٣] إن شعب جنوب إفريقيا نفسه يرى بيسر هذه التماثلات. فحين يهتف المحتجون هناك "الحرية من نهر سولت إلى البحر"، يرسمون خطوط التشابه الواضحة بين الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي في فلسطين والإرث الاستعماري في أحياء الطبقة العاملة السوداء في كيب تاون (مثل سولت ريفر) بالمقارنة مع المناطق الساحلية الغنية.

قال طارق باكوني: إن "الفصل العنصري" يغني فهمنا لمشروع الاستيطان العالمي من طريق ربط الاحتجاجات من أجل الحقوق السياسية "من شاربفيل إلى سيلما".[٢٤] إن هذه الروابط مهمة أيضاً للتحليل الثقافي النقدي. فحيث يرى المتظاهرون أنفسهم في صراع مشترك، نستطيع، ويجب أن نحدد ظروفهم الثقافية والاجتماعية المشتركة. وبينما كانت الحركات المناهضة للاستعمار تناضل وتحصل على السيادة السياسية الوطنية في معظم أنحاء إفريقيا وآسيا في ظل نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت جنوب إفريقيا تنطلق في مسار معكوس، وتطبق الفصل العنصري كمشروع استيطاني استعماري وعنصري للفصل والهيمنة السياسية في ١٩٤٨. في العام نفسه، وفي سنوات تالية، قدم البريطانيون والولايات المتحدة الدعم الجيوسياسي لتأسيس دولة إسرائيل العرقية المستندة إلى الأيديولوجيا السياسية القومية للصهيونية، التي دفعت حقوق غالبية السكان الفلسطينيين العرب الذين يعيشون فيما يدعى الآن إسرائيل إلى مرتبة ثانوية بوصفهم "ليسوا يهوداً". وكما يقول ساري مقدسي (٢٠٢٤): "إن الصهيونية، كما تُمارس، ليست مجرد فكرة مجردة. لقد حدثت في أرض فلسطين. حدثت على حساب - وما زالت تحدث على حساب - الشعب الفلسطيني".[٢٥]

إن ما يُسمى بوسائل الإعلام "الحرّة" تعمل على إخفاء العنف الجماعي وتغطية آثاره، في الوقت الذي تعزز فيه الديمقراطيات الليبرالية وتعيد إنتاجها من خلال تبرير فكرة أن بعض الأرواح تستحق الأسى بينما الأرواح الأخرى لا تعتبر إنسانية بما يكفي لكي تستحق هذه المشاعر، ما يجعلها قابلة للاستغناء عنها

أثارت الأوضاع في جنوب إفريقيا في القرن العشرين في النهاية شجباً استمر عقوداً على المستوى العالمي. وعليه، يجب أن نشجب الفصل العنصري في إسرائيل في القرن الواحد والعشرين، ليس فقط في ضوء الحقوق السياسية المتقلصة للمواطنين "غير اليهود" في إسرائيل الذين يعيشون داخل حدود ١٩٤٨ بل أيضاً في ضوء سيطرتها وهمينتها على الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة.[٢٦]

في أواخر الثمانينيات، وأثناء الاحتجاجات ضد الفصل العنصري في الشمال العالمي، وُصم مديرو الجامعات بالعار علناً لوقوفهم مع دولة الفصل العنصري البيضاء في جنوب إفريقيا في مواجهة الدعوات إلى سحب الاستثمارات من الحرم الجامعي.[٢٧] اليوم يواجه مديرو الجامعات في الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وألمانيا وفي أمكنة أخرى دعوات مشابهة لمقاطعة برامج الدراسة في الخارج في إسرائيل، وسحب الاستثمارات من الشركات التي تربح من الفصل العنصري الإسرائيلي. ويحاول المسؤولون في هذه المرة أن يشنّوا حملة تشويه وفرض العقوبات على الطلاب والأساتذة والموظفين الذين يطالبون بفرض وقف دائم لإطلاق النار في غزة راسمين المحتجين بفرشاة معاداة السامية. هناك ضرورة محلة للتمييز بين آفة معاداة السامية ونقد ومعارضة الصهيونية كما تطبقها دولة إسرائيل كحقيقة سياسية عنصرية. إن نقد المشروع السياسي للصهيونية، كما تطبقه دولة إسرائيل، يجب ألا يُخلط مع العنصرية ضد الشعب اليهودي.[٢٨] يختفي هذا التمييز على نحو متزايد في المؤسسات الأكاديمية في الشمال العالمي، التي على الرغم من ادعائها تقدير الحرية الأكاديمية وحرية التعبير، أصبحت ساحات يتم فيها قمع ومعاقبة الأساتذة والموظفين والطلاب، وبينهم أعداد متزايدة من الطلاب والمدرسين اليهود الشبان المناهضين للصهيونية، لإدانتهم أعمال الإبادة الجماعية لدولة إسرائيل. نشبت احتجاجات التضامن العالمية المناهضة للحرب من أجل تحرير فلسطين في جميع أنحاء الأحرام الجامعية في ربيع عام ٢٠٢٤، وترافقت مع حوالي ١٧٥ عملية تخييم في أكثر من ٣٥ دولة تدعو إلى وقف إطلاق النار وسحب الاستثمارات.[٢٩] وأقام الناشطون روابط مع جهود أخرى مناهضة للعبودية والاستعمار من طريق رسائل مثل "التضامن من فيرجسون إلى فلسطين"، و"من فلسطين إلى المكسيك، يجب إزالة جميع الجدران!" وسارعت الجامعات إلى إدانة واعتقال وإيقاف وطرد وحظر الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين الذين شاركوا في هذه الأنشطة التضامنية. كما استدعت الإدارة الشرطة ضد طلابها وموظفيها، الذين كان العديد منهم من ذوي البشرة الملونة، في تناقض صارخ مع الالتزامات المؤسسية بمكافحة العنصرية، و"الشرطة خارج الحرم الجامعي"، التي أعقبت انتفاضات جورج فلويد في عام ٢٠٢٠.[٣٠]

استُخدم الخلط الصارخ والخاطئ لمناهضة الصهيونية مع معاداة السامية لتبرير التشهير والتهديد والتجريم وإسكات الخطاب والمعارضة التي تنتقد أفعال دولة إسرائيل الموثقة جيداً في غزة والضفة الغربية.[٣١] واعتمد الناشطون المؤيدون لإسرائيل، والصحافيون الموضوعيون اسمياً، بشكل متنوع على هذا الخلط لشيطنة وتشويه الطلاب والمدرّسين. وكان لهذه التطورات تأثير قوي داخل الأجواء الأكاديمية والتعليمية.[٣٢] وكما توجّه مؤسساتٌ تربوية، ومنظمات إعلامية، وشركات تكنولوجية، اتهامات "المعاداة للسامية" كجزء من حملة تلاعب وتضليل تهدف إلى إسكات النقد الموجه لعنف الدولة الإسرائيلية يتم تبني هذه الاستراتيجية السياسية الملائمة بسرعة من قبل الأجندات السياسية القومية العرقية.[٣٣]

وباعتبارنا باحثين نقديين، تقع على عاتقنا مسؤولية توفير مساحة للمعارضة، والمناقشات غير المريحة، ودعم الحركات التي يتم إسكات دعواتها إلى تطبيق العدالة.

الضرورة الملحة للتدخلات البحثية النقدية

يتشابك التراثُ الطويل من المقاومة السياسية الفلسطينية بعمق مع النظرية النقدية الملتزمة سياسياً. ولعب المفكرون الفلسطينيون دوراً محورياً في النقد المناهض للاستعمار والنقد النسوي عالمياً، وكذلك في فهمنا النقدي لمجالنا، الذي هو مجال الإعلام والثقافة والتكنولوجيا.[٣٤] لهذا السبب، يجب أن يغني تاريخ وحاضر الصراع الفلسطيني الوسيط بحثنا ومناهجنا التعليمية على نحو أكثر بروزاً.

لقد صدرت خارج إطار البحث والتعليم دعوات لوقف إطلاق النار، وسحب الاستثمارات، ومقاطعة المؤسسات الأكاديمية والثقافية المتواطئة مع الفصل العنصري الإسرائيلي أطلقتْها عدة جمعيات أبحاث ومنظمات.[٣٥] وفي تشرين الأول\أكتوبر ٢٠٢٤ وقّع ما يقارب ألف كاتب تعهداً بمقاطعة المؤسسات الثقافية الإسرائيلية المتواطئة مع الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري والإبادة الجماعية.[٣٦]

لقد استجابت الجمعيات المهنية التي تنظم مجال دراستنا بصمت مخزٍ، بما فيها الرابطة الدولية لبحوث التواصل الجماهيري، التي كانت تقدمية طوال تاريخها، والتي تم تأسيسها لتعزيز "المثل الإنسانية للسلم العالمي".[٣٧] وفي مكان آخر، نشر أحد عشر محرراً لمجلات التواصل والبلاغة بياناً مشتركاً في الصفحات الأولى من أحد أعداد مجلاتهم، أدانوا فيه منع "الرابطة القومية للتواصل"، ومقرها الولايات المتحدة، للباحثة الفلسطينية أحلام محتسب من التحدث خلال الجلسة الرئاسية، التي نظمها أول رئيس فلسطيني للجمعية، وليد عفيفي. كما نشروا تصريحات الدكتورة محتسب كاملة في مجلاتهم. وعلاوة على مطالبة القراء "بالانضمام إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار الدائم، وإنهاء الاحتلال في الأراضي الفلسطينية"، فإنهم يذكروننا بأن: "التحدث بصراحة أمر مهم، والاتصال أمر مهم، وكيفية بث وسائل الإعلام للأخبار أمر مهم، والكلمات مهمة، والأخبار مهمة، والصور مهمة".[٣٨]

ندعو المجلات، من خلال جمعياتنا المهنية المتعددة، إلى أن تنتقل من الكلام إلى الفعل ضد الرقابة المفروضة على التعبير الأكاديمي، وإلى أن تتخلى عن لغتها الحيادية في الدعوة إلى الحرية الأكاديمية. وندعو جمعياتنا، بما فيها الجمعية الدولية لبحوث التواصل الجماهيري، ورابطة التواصل الدولية، التي تنشر هذه المجلة، مع آخرين مرتبطين بالتواصل والأفلام ودراسات الإعلام ودراسات العلم والتكنولوجيا، كي ينضموا إلى الباحثين النقديين في المناهج كافة، الذين استجابوا للدعوة التي استمرت قرناً من الزمن "للتثقيف والتنظيم والتحريض". هذا يعني المطالبة بأن تتخذ جمعياتنا المهنية، في الحد الأدنى، موقفاً للدعوة إلى وقف إطلاق فوري للنار في غزة. ندعو أيضاً كليات الصحافة لدينا، وأقسام دراسات التواصل والإعلام والفيلم ودراسات المعلومات والجمعيات المهنية ذات الصلة كلها، إلى أن تدعم بصوت مرتفع حماية الصحافيين الفلسطينيين وصانعي الأفلام والإعلاميين والفنانين والباحثين، وأن تحمي، في الوقت نفسه، الحرية الأكاديمية لأولئك الذين يرفعون صوتهم ضد الإبادة الجماعية، واحتلال فلسطين، داخل جامعاتنا.

يمكن أن تأخذ مقاومتنا وتدخلاتها أشكالاً كثيرة، من التحريض الصريح إلى أفعال تخريبية ملائمة للأمكنة التي نتواجد فيها: قد تأخذ شكل حملات مقاومة في أمكنة عملنا ومؤسساتنا المهنية ضد الرقابة والقمع، والعمل على ضمان سحب جامعاتنا وجمعياتنا المهنية استثماراتها من الأسلحة، أو صناديق الأبحاث، أو المبادرات التي تساهم في المشروع المستمر للفصل العنصري الإسرائيلي؛ وتوفير الموارد للعلماء والصحافيين والإعلاميين ونشطاء التكنولوجيا والفنانين الفلسطينيين؛ وتعزيز أهدافنا الجماعية لإنهاء الاستعمار في ممارساتنا التربوية والبحثية. نستطيع أن ندعم الباحثين والطلاب الهاربين من العنف، وأن نصر على أن مؤسساتنا الأكاديمية ترفض أن تتواطأ مع الشركات، أو وكالات الدولة، التي تستفيد من الفصل العنصري والإبادة الجماعية. يجب أن نشجع الباحثين النقديين في مجال التواصل والثقافة والتكنولوجيا كلهم كي ينخرطوا في تدخلات كهذه أينما وكيفما استطاعوا. 

تعلن مجموعة محرري"التواصل، الثقافة والنقد" تضامنها مع الشعوب التي تم إخضاعها وتتواصل معاناتها في ظل عنف الأنظمة الرأسمالية الفاشية العنصرية والاستعمارية بما فيها شعب فلسطين. إننا، بوصفنا باحثين في مجال التواصل والإعلام والثقافة والتكنولوجيا، لا نستطيع البقاء صامتين أو حياديين في وجه عنف إبادي يُنقل على الهواء. وندعو جميع الباحثين في مجال دراستنا، الذين عندهم ضمير، كي ينضموا إلينا في جهودنا الجماعية الساعية إلى وقف إطلاق النار، وسحب الاستثمارات والمقاطعة ومناهضة الفصل العنصري الإسرائيلي ودعم العدالة في فلسطين.

نختتم بالتشديد على سؤال طرحته الباحثتان الفلسطينيتان عالية صبري وأماني خليفة: ما الذي تستطيع الكلمات فعله أثناء الإبادة الجماعية؟ وأجابتا عليه: نحن نكتب لأن هذه هي الطريقة التي نحمل بها موتانا في داخلنا، حتى عندما لا نعرف أسماءهم، حتى عندما يكونون محطمين للغاية بحيث لا نستطيع احتضانهم، حتى عندما يكونون مدفونين تحت الأنقاض بحيث لا نستطيع إخراجهم. نكتب كي يواصل موتانا الحياة في كلماتنا".[٣٩]


[ترجمة أسامة إسبر].


الهوامش:

1.Goldsmiths, University of London. (2014, November 29). Professor Angela Davis: Policing the crisis today [video]. Vimeo. https://vimeo. com/113119921

2.United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. (December 31st, 2024) "Reported Casualties." https://www.ochaopt. org/content/reported-impact-snapshot-gaza-strip-31-december-2024

3.International Court of Justice (ICJ). (2024). Application of the Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide in the Gaza Strip (South Africa v. Israel). https://www. icj-cij.org/case/192

4.Hammad, I. (2024). Recognizing the stranger: On Palestine and narrative (First Grove Atlantic paperback edition). Black Cat: 70.

5.Johnson, A. & Ali, O. (2024, October 14). A Study Reveals CNN and MSNBC’s Glaring Gaza Double Standard. The Nation. https://www. thenation.com/article/society/cnn-msnbc-gaza-media-bias-study

6.UN Special Procedures. (2024, April 18). Gaza: UN experts decry ‘systemic obliteration’ of education system. UN News. https://news. un.org/en/story/2024/04/1148716

7.160 journalists and media workers have been recorded as killed in Gaza by the Committee to Protect Journalists (CPJ)’s preliminary invitations as of January 8th, 2025. Committee to Protect Journalists (CPJ). (2025, January 8) Journalist casualties in the Israel-Gaza war. https://cpj.org/2025/01/journalist-casualties-in-the-israel-gaza-con flict/; According to CPJ, this has been the "deadliest period for journalists" since CPJ began data collection in 1992. Committee to Protect Journalists (CPJ). (2024, November 5) Israel and the Occupied Palestinian Territory. https://cpj.org/mideast/israel-and-the- occupied-palestinian-territory/

8.Al Jazeera Staff. (2024, September 22). Israel closes Al Jazeera bureau in Ramallah: All you need to know. Al Jazeera. https://www.aljazeera. com/news/2024/9/22/israel-closes-al-jazeera-bureau-in-ramallah-all-you- need-to-know

9.Reporters Without Borders (RSF). (2024, October 4). Pressure, intimidation, and censorship: Israeli journalists have faced growing repression in the past year. https://rsf.org/en/pressure-intimidation-and-censorship-is raeli-journalists-have-faced-growing-repression-past-year

10.Aouragh, M. (2018). Palestine Online: Occupation and Liberation in the Digital Age. In Meikle, G. (Eds.), The Routledge Companion to Media and Activism. (pp. 223–232). Routledge; Aouragh, M. (2016). Hasbara 2.0: Israel’s public diplomacy in the digital age. Middle East Critique, 25(3), 271–297; Helga Tawil-Souri. (2012). Digital occupation: Gaza’s high-tech enclosure. Journal of Palestine Studies, 41(2), 27–43; Kuntsman, A., & Stein, R. L. (2015). Digital militarism: Israel’s occupation in the social media age. Stanford University Press.

11.Loewenstein, A. (2023) The Palestine laboratory: How Israel exports the technology of occupation around the world. New York: Verso; Abraham, Y. (2024, April 3) ‘Lavender’: The AI machine directing Israel’s Bombing Spree in Gaza. þ972Magazine. https://www. 972mag.com/lavender-ai-israeli-army-gaza/

12.Faculty of Education, University of Cambridge, Centre for Lebanese Studies & UNRWA (2024). Palestinian education under attack in Gaza: Restoration, recovery, rights and responsibilities in and through education. Faculty of Education, University of Cambridge.

13.Bauer, A.J. (2024, January 25) The myth of the liberal dupe: What the second red scare can teach us about the ongoing Palestine scare. The Abusable Past. https://abusablepast.org/the-myth-of-the-liberal-dupe- what-the-second-red-scare-can-teach-us-about-the-ongoing-palestine- scare/

14.Said, E. (1984, February 16). Permission to narrate. London Review of Books, Vol 6, No. 3. https://www.lrb.co.uk/the-paper/v06/n03/ed ward-said/permission-to-narrate

15.Butler, J., & Salih, S. (2004). The Judith Butler reader. Blackwell Pub.; C˝ˇesaire, A., & Pinkham, J. (2000). Discourse on colonialism. NYU Press; Fanon, F. (1963). The wretched of the earth. Grove Press; Ferreira da Silva, D. (2009). No-bodies: Law, raciality and violence. Griffith Law Review, 18(2), 212–236; Shohat, E., & Stam, R. (2014). Unthinking Eurocentrism multiculturalism and the media (Second edition). Routledge; Wynter, S. (2003). Unsettling the coloniality of being/power/truth/freedom: Towards the human, after man, its overrepresentation—An argument. CR (East Lansing, Mich.), 3(3), 257–337;

16.Johnson, A. & Ali, O. (2024, January 9). Coverage of Gaza War in the New York Times and other major newspapers heavily favored Israel, analysis shows. The Intercept. https://theintercept.com/2024/ 01/09/newspapers-israel-palestine-bias-new-york-times/; MEE Staff. (2024, Nov 3) Over 100 BBC staff accuse network of pro-Israel bias in Gaza coverage. Middle East Eye. https://www.middleeasteye.net/news/ uk-more-100-staff-accuse-bbc-giving-israel-favourable-coverage-over-gaza-war

17.Kumar, D. (2021). Islamophobia and the politics of empire: Twenty years after 9/11. Verso Books; Puar, J. K. (2018). Terrorist assemblages: Homonationalism in queer times. Duke University Press.

18.This is the figure given by the Gaza Media Office as November 11th, 2024: https://www.aa.com.tr/en/middle-east/number-of-journalists- killed-in-israeli-attacks-on-gaza-rises-to-188/3389506

19.https://cpj.org/2024/11/journalist-casualties-in-the-israel-gaza-conflict/

20.Kerr, D. (2024, April 19). Google worker says the company is ‘silencing our voices’ after dozens are fired. National Public Radio (NPR). https://www.npr.org/2024/04/19/1245757317/google-worker- fired-israel-project-nimbus-cloud-protestor; Sainato, M. (2024, November 2). Microsoft workers fired over Gaza vigil say company ‘crumbled under pressure’. The Guardian. https://www.theguardian. com/us-news/2024/nov/02/microsoft-workers-fired-gaza-vigil; Haskins, C. (2024, July 15) The hidden ties between Google and Amazon’s Project Nimbus and Israel’s military. Wired. https://www.wired.com/ story/amazon-google-project-nimbus-israel-idf/

21.See A. Bayat’s response to Habermas: https://newlinesmag.com/argu ment/juergen-habermas-contradicts-his-own-ideas-when-it-comes-to- gaza/

22.Elamin, N. (2024). From Palestine to Sudan: Solidarity with our students. American Anthropologist. https://www.americananthropolo gist.org/online-content/from-palestine-to-sudan

23.Baconi, T. (2021, November 5) What apartheid means for Israel. The New York Review. https://www-nybooks-com.proxy.library.nyu.edu/on line/2021/11/05/what-apartheid-means-for-israel/?srsltid=AfmBOorObg c6mk0bkzdFUNRGsTjMDTxhxryUmKUogL7QR2nLl81lsYQQ; Soske, J., & Jacobs, S. (Eds.). (2015). Apartheid Israel: The politics of an analogy. Haymarket Books.

24.Baconi, T. (2018, May 15) What the Gaza protests portend. The New York Review. https://www-nybooks-com.proxy.library.nyu.edu/online/ 2018/05/15/what-the-gaza-protests-portend/?srsltid=AfmBOopym3AxQ wrKIw03E5eSkm0-oBmJTgWXTwWm8yGKXMO2OZoBYlNr

25.Guyer, J. (2024, May 12). How ‘Zionist’ became a slur on the US left. The Guardian. https://www.theguardian.com/world/article/2024/may/ 12/how-zionist-became-a-slur-on-the-us-left; Erakat, N. (2019). Justice for some: law and the question of Palestine. Stanford University Press.

26.Erakat, N., Li, D., & Reynolds, J. (2023). Race, Palestine, and international law. AJIL Unbound, 117, 77–81. Hochberg, G. (2017, Dec 20). This city that isn’t one: Fragments on a fragmented city. Contending Modernities. https://contendingmodernities.nd.edu/global- currents/fragmented-city/; Hochberg, G. Z. (2015). Visual occupations: Violence and visibility in a conflict zone. Duke University Press; Zreik, R., & Dakwar, A. (2020). What’s in the apartheid analogy? Palestine/ Israel refracted. Theory & Event, 23(3), 664–705; Yiftachel, O. (2023). Deepening apartheid: The political geography of colonizing Israel/Palestine. Frontiers in Political Science, 4.

27.Barghouti, O., Jones, T., & Ransby B. (2024, May 3). Let us remember the last time students occupied Columbia University. The Guardian. https://www.theguardian.com/commentisfree/article/2024/ may/03/columbia-pro-palestinian-protest-south-africa-divestment; Hall A.J. (2024, May 23). Calls for divestment from apartheid South Africa gave today’s pro-Palestinian student activists a blueprint to follow. The Conversation. https://theconversation.com/calls-for-divestment-from-apart heid-south-africa-gave-todays-pro-palestinian-student-activists-a-blueprint- to-follow-229591 

Communication, Culture and Critique (2024), Vol. 00, No. 0

28.Jewish Voices for Peace (JVP). (2024). Our Approach to Zionism. https://www.jewishvoiceforpeace.org/resource/zionism/

29.Romero, G. (2024, October 2). Recommendations for universities worldwide for the second semester of 2024: Safeguarding the right to freedom of peaceful assembly and association on campuses in the context of international solidarity with the Palestinian people and victims. United Nations Human Rights Special Procedures. https://www.ohchr. org/en/statements/2024/10/universities-must-respect-peaceful-activism- and-revise-repressive-policies

30.New York Times (NYT). (2024, July 22). Where protesters on U.S. campuses have been arrested or detained. New York Times. https:// www.nytimes.com/interactive/2024/us/pro-palestinian-college-protests- encampments.html; Davis, A. (2024) Angela Davis: Standing with Palestinians. Hammer & Hope. https://hammerandhope.org/article/ angela-davis-palestinians-gaza

31.Palestine Legal & Center for Constitutional Rights (2015). The Palestine exception to free speech: A movement under attack in the US. https://palestinelegal.org/the-palestine-exception; American Civil Liberties Union (ACLU). (2023, November 1). Open letter to colleges and university leaders: Reject efforts to restrict constitutionally protected speech on campuses. https://www.aclu.org/documents/open-let ter-to-colleges-and-university-leaders-reject-efforts-to-restrict-constitu tionally-protected-speech-on-campuses; American Civil Liberties Union (ACLU). (2018, June 4) Anti-Semitism Awareness Act of 2018. https://www.aclu.org/documents/anti-semitism-awareness-act-2018; IJV Canada. (2020, Sept 4). IHRA definition at work. https://www.ijv canada.org/ihra-definition-at-work/; Stern-Weiner, J. (2021, April) The politics of a definition: How the IHRA working definition of antisemitism is being misrepresented. Free Speech on Israel. https://free speechonisrael.org.uk/wp-content/uploads/2021/04/The-Politics-of-a- Definition.pdf

32.Farida Shaheed, (2024, April 25). Academic freedom: Report of the special rapporteur on the right to education. Human Rights Council, United Nations. https://www.un.org/unispal/document/academic-free dom-report-250424/

33.For example, in the US and UK, Hindu nationalist organizations will deploy claims of "Hinduphobia" to challenge activism against dominant caste or religious supremacy or critical discussions about Kashmir. Essa, A. (2023). Hostile homelands: The new alliance between India and Israel. Pluto Press; Grover, R., & Kuo, R. (2023). Destabilizing race in political communication: Social movements as sites of political imagination. Political Communication, 40(4), 484–503.

34.See for example: Palestinian Feminist Reading List Collective. (2024). Palestinian feminist reading list. https://palestinianfeministreading. org/list/

35.American Sociological Association (ASA). (2024). Resolution for justice in Palestine. https://www.asanet.org/about/governance-and-leader ship/election/resolution-for-justice-in-palestine/; American Studies Association. (2024). Statement on campus protests and movement for Palestinian freedom. https://www.theasa.net/about/campus-protest statement; Association for Asian American Studies (AAAS). (2023, Nov 3). AAAS endorsement of solidarity with Palestine statement. https://aaastudies.org/endorsements/endorsement-of-solidarity-with- palestine-statement/; American Anthropological Association (AAA). (2024, June 14). AAA Sections statement on Gaza, Palestine. https:// mes.americananthro.org/category/uncategorized; American Historical Association (AHA). (2025, January 6) Resolution to Oppose Scholasticide in Gaza, https://www.historians.org/perspectives-article/ resolution-for-consideration-at-the-january-2025-business-meeting/

36.Palestine Festival of Literature. (2024, October 28). 1000þAuthors refuse collaboration with complicit Israeli publishers in mass declaration [Press Release]. https://www.palfest.org/press-release-refusing-complicity

37.Hamelink, C. & Nordenstreng, K. (2022, September). Basics of IAMCR History. International Association for Mass Communication Research (IAMCR), p. 37. https://iamcr.org/sites/default/files/basics_ of_iamcr_1.pdf.

38.Editor’s Collective. (2023, December 12). On the censoring of Dr Ahlam Muhtaseb. Journal of Applied Communication Research, 52(2), 151–152. https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/00909882.2024.2333090

39.Al-Sabi, A., & Khalifa, A. (2024). Passage: Rehearsals in linguistic returns. Journal for the Anthropology of North America.

40.The statement was written by the newly formed Editorial Collective (which includes the Editor of the Journal). This statement does not reflect the perspective of the journal’s larger editorial board; nor does it reflect the perspective of Oxford University Press, which publishes the journal; nor does it reflect the perspective of the International Communication Association, which sponsors the journal.

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬