في الوقت الذي ما تزال فيه آلة القتل الإسرائيلية تتمدّد بهمجيتها فوق أرض غزّة، وفوق أجساد الأطفال والنساء والشيوخ والشباب من أبناء القطاع المحاصر المنكوب، رغم دخول اتّفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 19 الجاري، في هذا الوقت، تواصل مؤسّسات ودُور النشر الفلسطينية والعربية والأجنبية إصدار الكتب عن حرب الإبادة الجماعية، التي راح ضحيتها جراء العدوان الإسرائيلي، نحو 47200 شهيد و111300 إصابة، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وذلك انطلاقاً من قناعة تلك المؤسّسات والدُور أن للكلمة دوراً هامّاً في تسليط الأضواء على ما جرى ويجري في غزّة منذ أكثر من470 يوماً، وكذلك لتحليل أسباب وتداعيات عمليّة "طوفان الأقصى"، وما تلاها من حرب انتقاميّة وحشيّة هي الأطول عمراً فوق جزء من أرض فلسطين التاريخية المحتلّة منذ سنة 1948.
كتاب "غزّة: حجر الزاوية" للمؤرّخ والباحث الأكاديمي الفلسطيني الدكتور جوني منصور، الصادر عن "المؤسّسة العربية للدراسات والنشر" في عمّان وبيروت، 2024، والذي قدّم له المؤرّخ والأكاديمي الإسرائيلي إيلان بابيه، هو واحد من تلك الكتب التي يرى أصحابها أنّ "الكتابة مقاومة".
وعلى ضوء هذا الكتاب، الذي يرى فيه مؤلّفه أنّ "طوفان الأقصى" حدث مفصلي وفارق نتج عنه سلسلة من التحوّلات سواء في المنطقة أو على صعيد العالم برمّته، أجرينا مع الدكتور جوني منصور هذا الحوار.
جوني منصور مؤرّخ وباحث ومحاضر أكاديمي ولد في مدينة حيفا في فلسطين المحتلّة عام 1960. يعمل في حقل التربية والتعليم منذ 35 عاماً، وهو ناشط اجتماعي وسياسي في أطر وطنية مختلفة دخال الخط الأخضر. له إصدارات وأبحاث عديدة تركّز على دراسة تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وتاريخ فلسطين والقضية الفلسطينية.
من مؤلّفاته: "شوارع حيفا العربية" 1999، "مسافة بين دولتين2004، "الاستيطان الإسرائيليّ" 2005، "الأعياد والمواسم في الحضارة العربيّة" 2006، "الخطّ الحديديّ الحجازيّ" 2008، "إسرائيل الأخرى" و"معجم الأعلام والمصطلحات الصهيونية والإسرائيلية"، و"المؤسّسة العسكرية في إسرائيل" (مشترك) 2009، "المدينة الفلسطينيّة في فترة الانتداب البريطانيّ" 2010، "خارطة حيفا العربيّة" 2014، "حيفا، الكلمة التي صارت مدينة" 2015، و"مئويّة تصريح بلفور (1917 – 2017): تأسيس لدولة، وتأشيرة لاقتلاع شعب" 2015. وله قيد الطبع كتاب بعنوان "القدس في المحفوظات الملكية المصرية".
كيف تبلورت فكرة كتابك الأخير "غزّة: حجر الزاوية "؟ ما الهدف الأساسي الذي فكرت به حين شرعت في إنجازه؟
منذ اليوم الأوّل لمعركة "طوفان الأقصى" وأنا أتابع الأحداث كغيري من المهتمين أو ذوي الاختصاص من خلال وسائل الإعلام والصحافة وشبكات التواصل. فقرّرت مباشرة أن أجمع موادَّ متنوّعة ومن وجهات نظر مختلفة حول ما يجري ويتدحرج. وتوفرت لدي مواد بلغات عدّة وتشكيلة كبيرة ومختلفة من الآراء والأفكار، فقلت في نفسي كيف يمكن تجنيدها لخدمة الدفاع عن غزّة. فأنا أمتلك فكراً وقلماً وانتماءً وهذه يجب تجنيدها بالكامل لهذا الغرض. أضف إلى ذلك التصدّي للهجمات المتوحّشة للرواية الصهيونية والغربية الناكرة للحقّ الفلسطيني أوّلاً، والداعية إلى منح "إسرائيل" حقّ الدفاع عن النفس دون الأخذ بقيمة حياة الفلسطينيين في غزّة، والذين نعتهم ووصفهم وزير الحرب الإسرائيلي "يوآب غالانت" بأنهم "حيوانات بشرية". كيف يمكن لآدمي أن يقف مكتوف اليدين أمام عبارة شيطانية وفوقية ومتغطرسة كهذه. لقد تركت هذه العبارة أثرها في نفسي بشكلٍ كبير، ولا زلت إلى يومنا هذا أراها أمام ناظري وأتساءل: إلى هذا المستوى بلغ الاحتلال انحطاطاً مدعوماً من أنظمة الغرب البيضاء؟
أعتقد أنّ هدفي الرئيس كان ولا يزال الدفاع عن حقّ الفلسطيني في الحياة أوّلاً وآخراً. وحقّ الحياة مقدّس ورئيس لأي إنسان في العالم. وليس من حقّ أي إنسان أو شعب أو سلطة سلب هذا الحقّ.
ماذا يتضمّن الكتاب من أفكار وطروحات؟
أبرز أفكار الكتاب توفير لمحة تاريخية موجزة للغاية حول خلفيات اندلاع عملية "طوفان الأقصى"، حتى يتسنى للقارئ معرفة الأساسيات وليس التوسع في الموضوع لأنّ يقتضي جهداً آخر مستقبلاً. إلى جانب ذلك إنّ لمشاعر وأحاسيس أهالي غزّة مكانة جد خاصّة. لا يعني ذلك التوقّف للبكاء وذرف الدموع وهذا حقّ إنساني أيضاً، إنّما لفهم الجوانب الإنسانيّة ممن تعرّض ويتعرّض لحرب إبادة على المكشوف وببث مباشر وسط خذلان العرب وصمت دول بأكملها. في حين أنّ الفكرة الرئيسية توفير إطلالة على النقاش والحوار العميق الذي رافق الحرب في نصف سنتها الأوّل. إذ كانت هناك نقاشات وجدالات كثيرة جداً تناولتها وسائل الإعلام والتواصل حول الحرب وكيفية ربط ما يجري مع أحداث من الماضي تكشفت فور اندلاع الحرب على غزّة. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى تراجع حضور غزّة في الجوّ العامّ العالمي ابتداءً من صيف 2023. ولكن هذا لم يمنعني من مواصلة معالجة الموضوع.
هل يمكننا أن نعتبر الكتاب تأريخاً لحرب الإبادة الجماعية أم هو توثيق لها؟
الكتاب هو ليس تأريخاً لموضوع الإبادة الجماعية. يوثّق الكتاب تطوّر الحرب الإسرائيلية على غزّة وصولاً إلى مرحلة ما أصبح حقيقة واقعية بكونها حرب إبادية. ولكن موضوع "الإبادة الجماعية" في غزّة بحاجة ماسة إلى توثيق مهني وموسّع كوثيقة إدانة وليس فقط وثيقة تاريخية، وقد نقوم به في المستقبل أو قد يقوم به آخرون من المعنيين بالأمر.
تناولت في الكتاب بالنقاش والتحليل الكثير من المصطلحات التي تنتجها الحروب، منها "الإبادة الجماعية"، و"المناطق الآمنة"، و"التطهير العرقي"... ما الذي استوقفك في قراءة ورؤية الغرب لهذه المصطلحات ببعدها الحاضر والتاريخي؟
هناك نقاش واسع في الغرب بوجه خاصّ حول تعريف مثل هذه المفاهيم والمصطلحات. ورأينا بوضوح تامّ التلكؤ والتواطؤ في كيفية تعريفها من جديد أو تغيير تفسيراتها. كل ذلك يتماشى مع الأجواء السياسية التي تتعلّق بجوهر العلاقة بين حكومات الغرب وبين "إسرائيل". تريد هذه الحكومات الابتعاد كلياً عن استخدام مثل هذه المصطلحات حتى تُبقي "إسرائيل" مصانة منها لأنّ "إسرائيل" تشير دائماً بأنّ شعبها تعرّض لحرب إبادة وتطهير عرقي في الحرب العالمية الثانية، ولا يمكن تشبيه ما جرى في غزّة بمثل ما جرى لليهود وكأن ذلك امتياز لهم فقط. من جانب آخر أردت الكشف عن زيف استعمال مصطلحات مثل "مناطق آمنة" لكونها خدعة متّفق عليها بين "إسرائيل" وأمريكا الداعم بل الشريك الأكبر للمقتلة في غزّة. هذه مصطلحات إيهامية فقط لإسكات من يستيقظ بضميره ليقنع نفسه أنّ "إسرائيل" دولة تتسلّح بالأخلاق. هذا وهم وتلفيق كشفته أيام الحرب وتطوّر مجرياتها. بل حوّلت "إسرائيل" المناطق الآمنة إلى مناطق مجازر لآلاف الفلسطينيين لحثهم وتشجيعهم على النزوح والهجرة من غزّة.
لماذا أردت أن يكتب المؤرّخ والأكاديمي الإسرائيلي "إيلان بابيه" مقدّمة الكتاب؟ وما الذي أضافته، من منظورك؟
المؤرّخ "إيلان بابيه" هو صديق عريق. أعرفه منذ 30 عاماً تقريباً. وتعاونا في ميادين بحثية، إذ صدر لنا "قاموس تاريخ فلسطين" باللغة الإنجليزية، وأيضاً دراسة حول "التضامن في أوقات الأزمات" وغيرها، وكذلك تشاركنا في مواقف نضالية عديدة من أجل الحقّ الفلسطيني والعدالة من أجل الإنسان. "بابيه" معروف عالمياً بمواقفه المناصرة للقضية الفلسطينية، وهو من مناهضي الصهيونية والاحتلال، ومن الداعين إلى الدولة الواحدة، لأنّه يرى أنّ مسارات حلّ الدولتين أو استمرار الاحتلال غير ممكنة بالمرّة. من جهة ثانية، لقد أوضح "بابيه" في تقديمه للكتاب أهمّية الكتابة في ظلّ الحرب من طرف مؤرّخ (يقصدني) عارف بحيثيات الأمور ومجيد للغتين المنطوقتين من طرفي الصراع، إلى جانب أنّ موقفه واضح من مسألة أهمّية بل ضرورة التصدّي للبروباغندا (الهاسبارا) الإسرائيلية من طرف الفلسطينيين لتثبيت الرأي العالمي المؤيد والمناصر للقضية الفلسطينية والداعي لوقف حرب الإبادة المتوحّشة في غزّة. من جهة أخرى أعتقد بكل ثقة أنّ تقديمه ليس للشهرة، فهذا غير وارد في معجمي إنّما لكونه شريكاً في المصير ومؤمن بصدق وعدالة حقّ الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، وهذا الحقّ مكفول بالشرعية الدولية (إن أرادت أن تعترف به).
هل من تحدّيات وصعوبات جابهتك أثناء الكتابة؟
لأنّ الكتاب من أساسه ليس بحثاً تاريخياً بالمطلق وإنّما أقرب إلى الحوار السياسي والفكري والثقافي فإنّ التحديات الرئيسية التي اعترضت طريقي كانت في تفسيرات وتأويلات المحلّلين وكُتّاب المقالات والسياسيين لعدد من الأحداث والمفاهيم المرتبطة بالحرب على غزّة. واجهت أيضاً مسألة كيفية تجنيد مفاهيم لصالح المشروع الصهيوني وتلميعه. كما أنّني واجهت مناهج تحليلية تستند إلى شرعنة الحقّ الإسرائيلي في القتل والتدمير. والأهم بل فوق ذلك مناقشة مسألة (حقّ "إسرائيل" في الدفاع عن النفس) دون أي ذكر للـ "احتلال". وكأن هناك نسياناً أو تخلّياً عن الاحتلال واعتباره شرعياً. وواجهت كغيري تلك المواقف التي ترفض قرارات المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. علينا مواجهة قوى عملت منذ قرن ولا تزال من أجل تثبيت بقاء المشروع الكولونيالي الغربي "إسرائيل" في المنطقة لتبقى المنطقة ممزّقة ومفكّكة. هذه القوى الغربية ومعها قوى عربية متخاذلة لن تتنازل عن مشروعها في المنطقة، بل ستسعى إلى تثبيته وفرضه بالقوة وعلى حساب شعوب المنطقة، وأوّلها إلى الآن الشعب العربي الفلسطيني.
الكتابة عن فلسطين جزء من المقاومة. بتقديرك، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الكتابة في خدمة القضية الفلسطينية؟ وهل بوسعه أن يغير ما نكتبه من الوقائع الميدانية القاتمة؟
الكتابة عن فلسطين والقضية الفلسطينية هي جزء من المقاومة، بل مقاومة من نوع آخر. ليست مسلّحة بالسلاح العادي، بل بالسلاح الفكري والتاريخي والثقافي والإنساني. ومنذ بداية الصراع الصهيوني/العربي ترافقت معه عملية فرض السردية (الرواية) الصهيونية وإنكار الرواية الفلسطينية.
لقد استطاعت الرواية الفلسطينية بفضل مؤرّخين فلسطينيين وعرب وأجانب من جعلها رواية ثابتة وراسخة ومنتشرة في العالم بلغات مختلفة. صحيح أنّ القضية الفلسطينية بحاجة إلى مزيد من الأبحاث والدراسات لتبقى صامدة أمام تيّار جارف من البحوث الصهيونية والداعمة لها، إلّا أنّ وضعنا اليوم أفضل من قبل في هذا المجال. القضية الفلسطينية مستندة على حقائق تاريخية ولا يمكن إخفاؤها أو تحييدها، وهي ضرورية لنصرة ودعم الحقّ الفلسطيني بين المثقّفين والسياسيين أينما كانوا في العالم. وهناك الكثير مما يجب القيام به وعمله.
وأنا أعتقد أنّ الكتابة سواء في مجال الأدب والروايات والشعر والمسرح والدراسات التاريخية والجغرافية والعلوم السياسية تؤكّد حضور القضية ووجودها، وتوعية الأجيال على أهمّية المعرفة ونقل هذه المعرفة إلى ميادين مؤثرّة عالمياً. فمن يكتب نصوصاً تاريخية يبغي التأثير، لكنّه لا يتوقّع أنّ يحدث التغيير الآني، فالتغيير هو عبارة عن تراكم للأحداث يتأثّر فكرياً وعملياً بما يتمّ طرحه والتعاطي معه.
هل تابعت ما صدر من كتب (فلسطينية وعربية وأجنبية) عن عملية "طوفان الأقصى"، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023، وما تلاه من عدوان إسرائيلي على غزّة، ربما هو الأكثر وحشيّة وتدميراً في التاريخ الحديث؟ وما تقييمك لهذه الإصدارات؟
طبعاً أتابع بشكل يومي بل ساعة بساعة كل ما يكتب عن معركة "طوفان الأقصى". سواء من مقالات أو تقارير أو كتب أو برامج تلفزيونية. وإن قلت لك ٌنّني سخّرت ما بين 16-20 ساعة يومياً في النصف الأوّل من الحرب لما توقّعت ذلك. وهذا أمر فيه إنهاك للفكر والجسد، ولكن غزّة بحاجة إلى من يتابع شؤونها وأمورها يومياً نصرة ودعماً لها. ما صدر حتى الآن، بما فيه كتابي، وهو من أوائل الكتب عن هذه المعركة، لا يمكنني تصنيفه في باب الكتابة التاريخية، إنّما في باب التحليل السياسي ومقالات الرأي والتعليق. ولكن هذه أيضاً مساهمة قوية وفعالة لوضع اللبنات الأولى للكتابة من الدرجة الثانية في قادم الأيام، وأعني بها الكتابة التاريخية التي تحتاج إلى التأني والحيطة لكونها عميقة التحليل ومستفيدة مما سيتكشف من وثائق ودلائل حول مجريات الأحداث.
كيف يستشرف المؤرّخ جوني منصور مستقبل غزّة بعد نحو 470 يوماً من حرب الإبادة الجماعية الوحشيّة التي شنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد القطاع المحاصر منذ سنة 2007 والذي تعرّض إلى سلسلة من الحروب المحتدمة المتلاحقة؟
الوضع الذي تكشف عن غزّة بعد وقف إطلاق النار قاس ومؤلم ومعقد. ولكن أمام إصرار أهالي القطاع على العودة وإعادة بناء ما دمّرته آلة القتل والإبادة الإسرائيلية الوحشيّة، ذلك يطمئن بأنّ هذا الشعب قوي وباق على أرضه في مواجهة آلات القتل والإبادة والتهجير كلها.
ستكشف هذه الحرب مدى الخذلان العربي عموماً، وأيضاً الفلسطيني والدولي وكيف أنّ الشرعية الدولية والقانون الدولي لم يتمكّن من وقف حرب إبادة بالبث المباشر. تهاوت منظومات أخلاقية عربية وعالمية، ولن يكون هناك أي مساحة للتمسّك بها. عند بوابات غزّة تهاوت منظومات كهذه وغيرها. وعند بوابات غزّة ارتفعت أصوات البقاء والتمسّك به وبالأرض. أهالي غزة بحاجة إلى أمل، والأمل الذي يملكونه خاصّ ومميّز، وسيواجهون الصعاب بصبر وثبات. وهذا ما علمنا إياه تاريخ الشعوب المناضلة. وستكون غزّة أكبر درس في مواجهة شعب أعزل لجيش عات مسنود من الدول العظمى الكولونيالية.
هل من مشروع كتاب جديد تعمل عليه، وما موضوعه؟
أعمل الآن على توسيع مواد كتاب كنت قد بدأت به قبل قرابة 15 عاماً، بعد وقوع الانقسام بين القيادات الفلسطينية وتحديداً بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية. توجعت وتألمت كثيراً من الذي حصل. والشعب الفلسطيني يعمل طيلة عقود على تحقيق مشروعه الوطني بإقامة دولة. وها هو الانقسام يصبح مشهداً عادياً! ألا يكفي هذا الشعب أنّه موزع في الجغرافية الفلسطينية وخارجها؟ ألا يكفي أنّ في فلسطين التاريخية تقسيماً بفعل النكبة في سنة 1948 بين فلسطينيي الداخل والفلسطينيين في أراضي الـ 1967؟ رأيت من المناسب تأليف كتاب تحت عنوان: "فلسطين: أرض واحدة لشعب واحد". وكنت أردّد دائماً ولا أزال أنّ الفلسطينيين بحاجة إلى تبنّي سردية واحدة موحّدة لتاريخهم مهما تشتتوا في جغرافيات مختلفة. فالتاريخ واحد لشعب واحد وقع تحت احتلال واستعمار بشع وعليه السعي من أجل وحدته.
الكتاب سيصدر في هذا العام ليكون تاريخاً واحداً وشاملاً لكل الفلسطينيين، وأساسه التعريف بالشعب الفلسطيني في المائة سنة الأخيرة ونضاله من أجل حرّيته وحقّه في الحياة. ولي أمل قوي، وسأعمل على تحقيق ذلك، في أن يكون هذا الكتاب في متناول كل فلسطيني لأنّه وثيقة توحّد تاريخ الفلسطينيين مهما كانت الظروف التاريخية التي حلّت عليهم.
أخيراً، ما الذي تودّ أن تضيفه في نهاية حوارنا؟
ما أودّ إضافته أنّ من يملك القدرة أو من لديه أي فرصة للمساندة من أجل إبقاء القضية الفلسطينية محور القضايا العادلة في العالم، ألّا يتوانى في توفير إمكانيات سواء في الكتابة أو المسرح أو السينما أو الثقافة وغيرها. وأنّ عليه أن يكون في خضمّ الأحداث وألّا يقف على الحياد. فالقضية الفلسطينية ترفض الحياد وتؤكّد الانخراط والاشتباك الفكري والسياسي وخوض المعارك بأشكالها المختلفة من أجل الوصول إلى الهدف المنشود.