[اضغط هنا لقراءة الجزء الثاني].
غطّت هجمة الصواريخ البالستية الإيرانية وغزو إسرائيل البري الفاشل للبنان على تقارير غير مؤكدة أفادت بأن "الصواريخ الإيرانية دمرت منصة غاز إسرائيلية على شاطئ عسقلان". ورغم عدم تحديد عن أي منصة يتحدّثون، فقد قيل إنها مورد أساسي للغاز في إسرائيل. تفتح هذه الواقعة الباب أمام التساؤل حول مستقبل أمن الطاقة لإسرائيل مع توسعها في حملتها الإبادية في الأراضي الفلسطينية. رغم إعلان شركة شيفرون (جهة تشغيل المنصة) أن الإنتاج قد "استؤنف" في اليوم التالي، فمن الصعب تجاهل القفزة في أسعار النفط التي تلت تلك الواقعة والقلق الأوسع حول إمدادات النفط والغاز من المنطقة. ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها التعامل مع البنية التحتية الإسرائيلية للغاز كهدف عسكري. ففي يوليو 2024 أطلق حزب الله مُسيّرة استهدفت منصة "كاريش" لإنتاج الغاز (المملوكة لشركة Energean)، وهي تغطي 34% من استهلاك الطاقة المحلي في إسرائيل وتعتبر "من الأصول الاقتصادية الاستراتيجية" (على حد تعبير وزيرة الطاقة السابقة كارين الهرار) التي تُمكّن إسرائيل من الوفاء بالتزاماتها "بموجب اتفاق يونيو 2022 لتصدير الطاقة مع الاتحاد الأوروبي ومصر". عموماً، يكشف هذا النمط كيف أصبحت البنية التحتية للطاقة ساحة معركة مهمة في سياق توسيع رقعة الحملة الإسرائيلية العسكرية، وأمنها في مجال الطاقة، وأمن الطاقة لمستوردي الغاز منها: مصر والأردن وأوروبا مؤخراً. دفعت هذه الصلات المذكورة منظمي الحملات والنشطاء من "حصار الطاقة العالمي من أجل فلسطين" إلى نشر دعوة للحراك تشمل المطالبة بـ: "وقف استيراد الغاز الإسرائيلي". هذا المقال في جزئيه هو إجابة على تلك الدعوة وعلى المنادين بإنتاج المعرفة حول تدفقات الغاز الإسرائيلي، واستعراض السياق التاريخي والسياسي وراء هذه القضية.
تشارلوت روز كاتبة المقالة هي مُنظِمة لبرامج إلغاء عقوبات الحبس، وكاتبة، وباحثة. نظمت تجمعات مناهضة للإمبريالية مثل "نشم الغاز" و"ديسرابت باور" و"حصار الطاقة العالمي من أجل فلسطين". تشمل اهتماماتها البحثية سياسة البنية التحتية للغاز في شرق المتوسط والتعطيل الاستراتيجي لهذه البنية.
إيليا الخازن مترجم المقالة إلى العربية، منظم للحملات وباحث في "ديسرابت باور".
تأتي هذه الصلة بين قطاع الطاقة الإسرائيلي وأمنها الوطني وأجندتها التوسعية نتيجة لعدّة صفقات دفع بها دبلوماسيون أمريكيون وأوروبيون، هدفها تسريع عجلة الاندماج الاقتصادي الإسرائيلي باقتصاد المنطقة. تدفع هذه الصفقات بشكل قصدي إلى التبعية، حيث تعتمد بموجبها بلاد مثل مصر والأردن أكثر على وجود الكيان الصهيوني، ومن ثم تستثمر في بقائه وفي حماية بنيته التحتية للطاقة. وقد تمأسست هذه التبعية عبر سيرورة سياسية واقتصادية للتطبيع الذي اتخذ شكلاً في اتفاقات "السلام" بين إسرائيل ودول عربية. ولقد بدأت هذه المأسسة مع الفلسطينيين أنفسهم بموجب اتفاقات أوسلو، لكنها انتشرت بعد ذلك إلى كل من المغرب والإمارات والسودان وبلاد أخرى. فما هو التطبيع؟ ولماذا هو مهم؟
تُعرّف اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BNC) التطبيع بأنه "المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، يجمع بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفراد أو مؤسسات)". وتعد منظمة "إيكو-بيس الشرق الأوسط" – عُرفت سابقاً بـ "أصدقاء الأرض – الشرق الأوسط" – خير مثال على هذا، حيث اجتمع فلسطينيون وإسرائيليون وأردنيون على مبادرة لبناء السلام وتهيئة حلول المياه في المنطقة التي تعاني من ندرة المياه. لكن هذا "التجمع" و"التقارب" يجسّد التطبيع، إذ يتجاهل ويعمّق مشروع الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي ودوره في ندرة المياه بالمنطقة. على أنه من المهم فهم كيف يؤدي التطبيع أدواره بما يتجاوز الأفراد والمؤسسات، وكيف يتحقق عبر المشروعات الدولية الكبرى العابرة للحدود التي تدمج إسرائيل اقتصادياً بالسوق في المنطقة، مثل اتفاق "الماء مقابل الطاقة" بين الأردن وإسرائيل: الرفاه الأزرق-الأخضر (شقير 2023). على هذا النطاق العالمي، يُعد التطبيع آلية دمج تحافظ على البنى الاستعمارية (الاستيطانية) وتدمجها بالاقتصادات السياسية الأخرى (Dunlap 2017). من ثم، تستخدم إسرائيل وحلفاؤها صفقات التطبيع لتطبيع الاستعمار الاستيطاني لفلسطين التاريخية ولتطبيع الإبادة البطيئة التي يجري شنّها على الفلسطينيين منذ 76 عاماً (شقير 2023). فضلاً عن ذلك، تصوّر هذه الصفقات التعاون الاقتصادي والسياسي مع إسرائيل وكأنه أمر طبيعي ومشروع، بل وحتى بادرة سلام، ومن ثم تقوم بتغيير صورة إسرائيل الجيو-سياسية من كونها قوة احتلال عنيف ومدمر إلى صورة الشريك الاستراتيجي. وكانت صفقات الطاقة وسياسة المناخ أدوات أساسية في هذه العملية، سواء تمثلت في اتفاقات طاقة متجددة – وتسميها الباحثة والناشطة الفلسطينية منال شقير (2023) "تطبيع بيئي" – أو في صورة "دبلوماسية الغاز"، فالمنطق واحد: تهيئة اعتمادية اقتصادية جديدة من خلال دمج إسرائيل بأسواق الطاقة الإقليمية والعالمية، ومن ثم توسيع رقعة جهاز سيطرتها الاستعماري الاستيطاني على نطاق أوسع من حدوده الأولى التي وضعها بالاستعانة بالإمبريالية.
في السابق، كان نقاش التطبيع يتعلق بالدول العربية. لكن التطبيع الذي يركز على الطاقة لا تحدّه حدود المنطقة العربية، كما يخفف التفكير فيه من هذه الزاوية من آثاره في أعين الناس في ظل الاستخفاف بالأجندة التوسعية لهذا الكيان الذي دأب الغرب على الدفع به ودعمه كوكيل إمبريالي له بالمنطقة. على سبيل المثال، في يونيو 2022، وقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقاً مع المسؤولين المصريين والإسرائيليين لشراء واردات "بكميات كبيرة" من الغاز الإسرائيلي المُصدّر عبر منصات تسييل الغاز الطبيعي المصري. ومنذ ذلك، استقبلت أوروبا إمدادات غير منتظمة من الغاز الإسرائيلي الوارد إليها في سفن الغاز المُسال عبر البحر المتوسط، التي تنقله إلى مختلف الموانئ الأوروبية.
إننا نحاجج هنا بأنه من المستحيل فهم الواردات الأوروبية من الغاز الإسرائيلي دون وضعها في سياق تاريخي أوسع من التطبيع المرتبط بالطاقة، وهو التاريخ الذي بدأ بكل من مصر والأردن. ومن ثم، نرى أنه من الضروري فهم التكامل المتنامي بين أسواق الطاقة الإسرائيلية والأوروبية بصفته توسّعاً في أجندة التطبيع وأداة إمبريالية تدعم وترعى الاحتلال الاستيطاني لفلسطين. يقدم المقال خريطة وتحليلاً لفهم ثلاث مراحل مهمة في عملية التطبيع بالتركيز على الطاقة، وفي الوقت نفسه يستعرض الوضع على الأرض بالنسبة للسكان المحليين. أولاً، نفحص دور مصر كمُسيّل للغاز الإسرائيلي، ثم ننتقل في الجزء الثاني إلى الأردن بصفته طرفاً ميسّراً لتسويق الغاز الإسرائيلي، وأخيراً، نستعرض التطبيع الاقتصادي باتجاه قبرص والاتحاد الأوروبي. ونختتم المقالة بدعوة للحراك نوجهها إلى منظمي أعمال التضامن مع فلسطين عبر الموانئ الأوروبية، لتوعية المجتمعات وعمال الموانئ حول هذه الواردات الإسرائيلية من الغاز، ووضع استراتيجية مشتركة للتدخل التكتيكي حول تجارة الغاز لدعم حظر عالمي في مجال الطاقة من أجل فلسطين.
مصر: تسييل الغاز "الإسرائيلي" للتصدير في ظل قطع الكهرباء في الشبكة الوطنية
تلعب مصر دورًا محوريًا في عملية التطبيع، وهي مركز مهم للغاية لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، حيث يمر طريق التصدير الإسرائيلي الوحيد بخط أنابيب يعبر تحت سطح البحر على الشاطئ الفلسطيني، ويمتد من عسقلان حتى العريش في شبه جزيرة سيناء. بُني هذا الخط أولاً لإرسال الغاز المصري إلى إسرائيل، لكنْ، منذ العام 2019، انعكس اتجاه التدفق لدعم الطلب المصري من صادرات الغاز الإسرائيلية. ويمر جزء من هذا الغاز بالخط العربي للغاز إلى مرفقين لتسييل الغاز في مصر، في إدكو ودمياط، وفيهما يجري تسييل الغاز الإسرائيلي وشحنه في ناقلات إلى أوروبا. أما إسرائيل، فليس لديها بنية تحتية لتصدير الغاز، ما يجعل الطريق المار بمصر هو الوسيلة الوحيدة لتصدير فائض الغاز إلى الأسواق الأوروبية. ومع تراجع احتياطات الغاز، أصبحت عملية التصدير هذه مكلفة للمصريين أيضاً، الذين يعدون – نتيجة لصفقات التطبيع في مجال الطاقة – العميل الأول للغاز الإسرائيلي.
بانت اعتمادية مصر هذه في أكتوبر 2023، عندما أغلقت منصة تمار الإسرائيلي لإنتاج الغاز بسبب الاعتبارات الأمنية. وقد صاحب ذلك تعديل في مسار احتياطي غاز ليفياثان – المُخصص عادة للتصدير – إلى الاستهلاك المحلي في إسرائيل، ما قلل كثيراً من صادرات الغاز الذاهبة إلى مصر. وكان لهذا آثار كارثية على مصر، التي يتراجع إنتاج حقلها الأساسي من الغاز (ظهر) منذ 2017 بشكل ثابت. فقد أدى إلى إغلاق عدد كبير من المنشآت الصناعية وقطع الكهرباء بشكل مخطط لتخفيف الاستهلاك. وتصاعد هذا الموقف في صيف 2024، حين كان استهلاك مزيد من الكهرباء ضروريًا للتعامل مع درجات الحرارة العالية، التي وصلت إلى 49.6 درجة مئوية في الظل ببعض المناطق خلال موجة حر صيفية، مع استمرار انقطاع الكهرباء عن البيوت نتيجة للنقص في إمدادات الغاز. ومع تجاهل النظام المصري التعامل مع الأزمة وتخفيفها، تصاعد الوضع بشكل مميت للطبقة العاملة، فتوفي 40 شخصاً في أسوان يوم 9 يونيو 2024. أعطى هذا الوضع لإسرائيل سطوة كبيرة على الطبقة الحاكمة المصرية، مع حيازة إسرائيل القدرة على وقف إمدادات الغاز والدفع بتصاعد موجة احتجاج في البلاد. لكنْ، كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ ما هي القصة وراء اعتماد مصر لهذه الدرجة على الغاز الإسرائيلي ووراء دورها كموصّل للغاز الإسرائيلي – عبر بنيتها التحتية لتسييل الغاز – إلى أوروبا؟
في تقرير من ثلاثة أجزاء حول صفقات تطبيع الغاز بين مصر وإسرائيل، استعرض أحمد السيد بشكل تفصيلي هذه العملية، مسلطاً الضوء على جلبها لخسائر هائلة للمصريين. أظهر كيف أن اتفاق 2001 الأول لتعاقد مصر على بيع الغاز لإسرائيل – 7 مليارات متر مكعب على مدار 15 سنة مقابل 3 مليارات دولار – أدى إلى بيع الغاز دون الأسعار العالمية وبسعر أقل من تكلفة الإنتاج. إذ اشترت إسرائيل الغاز بسعر تراوح بين 1.5 و1.7 دولاراً (للمليون وحدة حرارية) رغم أن تكلفة الإنتاج لهذه الوحدة من الغاز بلغت 2.65 دولاراً. ومنذ البداية، أدت صفقة التطبيع هذه إلى خسائر مالية غير مسبوقة للدولة المصرية، مع تحمل الشعب المصري الثمن في نهاية المطاف. استمر هذا في اتفاق جديد وُقع في 2005 لتقديم 107 مليار متراً مكعباً إضافية من الغاز لإسرائيل، على مدار 20 عاماً. قدّم ذلك الاتفاق الثاني 40% من احتياجات إسرائيل من الغاز، وكان كسابقه بسعر بخس مع تقديم كميات أكبر من الغاز المصري، ولفترة أطول. أدى هذا إلى تعميق العبء المالي للصفقة وكذلك آثارها الاقتصادية طويلة الأجل. مع اعتبار هذه الاتفاقات نابعة من سوء الإدارة المزمن وضعف الاستثمارات في قطاع الطاقة، أصبحت مصر غير قادرة على تلبية احتياجاتها المحلية من الغاز وعانت نوبات متكررة من انقطاع الكهرباء في عهد مبارك. بخلاف الخسائر المالية، مثلت هذه الصفقات التطبيعية خيانة سياسية هائلة للشعب المصري وتضامنه مع المقاومة الفلسطينية، إذ أصبحت الدولة تغذّي بشكل مباشر الاستعمار الاستيطاني بموارد يحتاجها ليستمر في احتلاله. من ثم، ربطت هذه الصفقات مصر – مالياً وسياسياً – بإسرائيل، بشكل يخدم بالأساس الأجندة الصهيونية على حساب الطبقة العاملة المصرية ونضالها المشترك من أجل فلسطين.
تغير اتجاه علاقات التطبيع هذه في 2019، عندما أصبحت مصر جهة استيراد للغاز الإسرائيلي، وأصبحت إسرائيل هي المُصدّر. كان لهذا تبعات كبيرة على طبيعة العلاقات بين البلدين، مفادها اعتماد مصر الأضعف مالياً على إسرائيل في أمن طاقتها. بدأ هذا التحول بمعارضة شعبية موسعة لصفقة الغاز عام 2005. وفي 2008، أُطلقت حملة لوقف صادرات الغاز إلى إسرائيل، مع رفع شعار "لا لنكسة الغاز"، لمقاومة بيع الموارد المصرية بسعر بخس لإسرائيل. سرعان ما سحق مبارك هذه المعارضة بكل ما أوتي عنف، لكن المقاومة استمرت. تعرض خط أنابيب عسقلان-العريش لهجمات من نشطاء من البدو في سيناء، الذين قاموا بإحراق وإتلاف نقاط من الخط العابر لسيناء، مع وضع حواجز لمنع قوات الأمن المصرية من معاودة فتح الخط وجرى إيقاف الإمدادات لمدة 45 يوماً (El-Khazen and Rose 2024). وعلى مدار السنوات الأربع التالية، أدت حركات مماثلة إلى عرقلة خط الغاز التابع للشركة المصرية للغاز الطبيعي (جاسكو) المار من شمال سيناء إلى الأردن وإسرائيل. من ثم، أعلنت شركة إيجاس في أبريل 2012 إلغاء اتفاق تصدير الغاز إلى إسرائيل، وهي عملية استلزمت تدخل لجنة تحكيم دولية أمرت الشركة المصرية للغاز الطبيعي بدفع تعويض عن الأضرار لشركة الكهرباء الإسرائيلية بمبلغ 1.76 مليار دولار. ومع تراجع احتياطي الغاز، تحمّل الشعب المصري عبئاً مالياً إضافياً. في الوقت نفسه، اكتشفت إسرائيل احتياطات غاز كبيرة في المياه الإقليمية الفلسطينية وعلى طول الحدود مع لبنان، فتحولت الدولة الصهيونية إلى لاعب دولي في سوق الغاز عن طريق سرقة الاحتياطات. انتهز الدبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون الفرصة لـ"تحفيز التعاون الاقتصادي الإقليمي الأوسع"، فتدخلوا في صفقات تجارة الغاز الطبيعي بين إسرائيل ودول الجوار. وفي 2019، جرى توقيع صفقة بـ15 مليار دولار بموجبها انعكس اتجاه تدفق الغاز عبر خط العريش-عسقلان، لينتقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر. وفي ذلك الوقت، أوفت اكتشافات الغاز الجديدة (حقل ظهر المكتشف في 2015) احتياجات مصر المحلية من الغاز الطبيعي، ما يعني أن الواردات الإسرائيلية من الغاز أصبحت آنذاك مخصصة بالأساس للتصدير للأسواق الخارجية. أدى هذا التطور إلى إعادة تشكيل مسارات ديناميات القوة الإقليمية، إذ أصبح بإمكان إسرائيل وقف الغاز عن مصر، بينما لدى مصر البنية التحتية اللازمة لتحقيق إسرائيل الأرباح من غازها المُصدر، عبر تسييله في الموانئ المصرية. إذنْ، ثمة صراع على القوة وراء الكواليس بين النظامين – ويدور حول الغاز الطبيعي – فهما يتبادلان دعم احتياجات و/أو مطامح أحدهما الآخر حول الطاقة، بينما يتنافسان على مكانة المركز الإقليمي للغاز الطبيعي. كما أوضح بيت مور (Moore 2005) في دراسته للمناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) في الأردن ومصر، فإن التطبيع يعمق ويدمج الاقتصادات بالمنطقة مع الأسواق الإسرائيلية والأمريكية، وفي الوقت نفسه، يكثف من الانتهازية الرأسمالية والتنافس الرأسمالي بين الرأسماليين المتنافسين – لكنهم يكملون بعضهم – عبر المنطقة. تؤدي هذه الدينامية إلى آثار متناقضة، إذ نرى مثلاً كيف أن التطبيع في مجال الطاقة لم يقتصر أثره على التكامل بين رأس المال المصري والإسرائيلي فحسب، إنما أدى أيضاً إلى علاقة تكاملية بين الطبقتين الحاكمتين، مع اعتماد كل منهما على الأخرى في الحفاظ على قيمتها و/أو تنميتها.
إننا إذن بصدد موقف يتجاوز فيه التطبيع في مجال الطاقة حدود فلسطين التاريخية إلى إعادة تشكيل الاقتصاد السياسي للطاقة في مصر بشكل جذري. ومع عقد النظام المصري لصفقة أخرى مع إسرائيل لزيادة واردات الغاز بنسبة 20 بالمئة بدءاً من أكتوبر 2024، نرى كيف دفعت هذه الصفقات في مجملها بوضع الغاز المصري و/أو بنيته التحتية في خدمة المشروع الصهيوني الاستيطاني التوسعي. فقد أدى الغاز المُسعّر بثمن قليل عندما تدفق إلى إسرائيل من مصر إلى خسائر اقتصادية غير مسبوقة تحمّلت أعباءها الطبقة العاملة المصرية. ثم جرى شلّ الحراك والضغوط الشعبية الرامية إلى وقف الصفقة، وأدت إلى سداد مصر مليارات الدولارات للتعويض عن الأضرار، وإلى إعادة تشكيل قطاع الطاقة المصري من جهة تصدير الغاز (بالخسارة) إلى جهة تسييله لتصديره إلى أوروبا بالأساس.
[تُنشر هذه الترجمة بموجب إذن].
المراجع:
Bustani, H. (2019) ‘Exposing Jordan’s Gas Deal with Israel’, Middle East Research and Information Project (MERIP), 291 (Summer), [online] (Accessed: 26 November 2024).
Dunlap, A. (2017) ‘The ‘Solution’ is Now the ‘Problem’: Wind Energy, Colonisation and the ‘Genocide-Ecocide Nexus’ in the Isthmus of Tehuantepec, Oaxaca’, Middle Eastern Studies, 53(5), pp. 550–573.
El-Khazen, E. and Rose, C. (2024) ‘Routes to Disruption—Supply Chain Sabotage and Israel’s War on Gaza’, Middle East Research and Information Project (MERIP), 311 (Summer), [online] (Accessed: 26 November 2024).
Hammouri, S. (2020) ‘Claiming ‘Private’ to Evade Democracy? The Leviathan Gas Deal and the Jordanian Constitutional Court’, Kent Academic Repository, 12 February, [online] (Accessed: 26 November 2024).
Moore, P. (2005) ‘QIZs, FTAs, USAID, and the MEFTA: A Political Economy of Acronyms’, Middle East Research and Information Project (MERIP), 234 (Spring), [online] (Accessed: 26 November 2024).
Salamanca, O. J. (2011) ‘Unplug and Play: Manufacturing Collapse in Gaza’, Human Geography, 4(1), pp. 22–37, [online] (Accessed: 26 November 2024).
Shqair, M. (2023) ‘Arab-Israeli Eco-Normalisation: Greenwashing the Occupation’, Transnational Institute, 29 September, [online] (Accessed: 26 November 2024).
Ziadah, R. and Fox-Hodess, K. (2023) ‘Dockworkers and Labor Activists Can Block the Transport of Arms to Israel: An Interview with Rafeef Ziadah’, Jacobin, [online] (Accessed: 26 November 2024).