(موزاييك للدراسات والنشر، اسطنبول، 2025)
[حسام عتال طبيب وكاتب سوري يقيم ويعمل في ولاية متشغان منذ ثلاثين عاماً ونيف. يمارس الرسم والتصوير ويكتب القصة القصيرة].
جدلية (ج): كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
حسام عتال (ح. ع.): منذ الصغر وأنا لدي شغف بقراءة الروايات العربية منها والمترجمة من لغات أجنبية. بعد هجرتي للولايات المتحدة، وتحسن لغتي الإنكليزية، صرت أستمتع بقراءة الروايات الإنكليزية بلغتها الأصلية. ثم أهداني صديق كتاب ري برادبيري "الزن في فن الكتابة" فأنار لي الكتاب زوايا فن الكتابة، وفن القراءة أيضاً، فأعقبته بقراءة مجموعة من الكتب متابعاً تعلّمي لقواعد القصة الغربية من لغة ونحو وطرائق ونظم في الكتابة والتحرير. ثم أكملت دراستي بعدة دورات تعليمية منهجية مختصة بفن الكتابة قدّمتها الجامعة الأهلية القريبة من بيتي، للذين يريدون الدراسة المسائية بعد ساعات العمل. وكنت في طريقي الطويل لعملي في المشفى أستمع لسلسلة من المحاضرات التي حضّرها كتاب أو نقاد أو أكاديميون مختصون، لأولئك الذين يريدون التوسّع في مجال الفن القصصي.
بعدها بحثت في المكتبة العربية لأقرأ عمّا كُتب في هذا الموضوع، فوجدت نقصاً في الكتب المختصة بطرائق وأساليب كتابة الرواية، ففكرت بسدّ جزء من هذه الثغرة بوضع ما تعلمته في هذا العمل المتواضع، بشكل مبسط ومنظم يسر بين يديّ الدارس، كي يساعد أولئك الذي يريدون أن يبدؤوا بكتابة الرواية لكنهم يرون المهمة عسيرة. أو أولئك الذين يقرأون الرواية ولكنهم يرغبون التعمّق فيها، والاستمتاع بها أكثر.
(ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسة التي يتضمنها الكتاب؟
(ح. ع.): يبدأ الكتاب بتعريف القارئ إلى القصة الحديثة وعناصرها الأساسية، وينتقل ليشرح بشكل مفصل عن كيفية ولادة فكرة الكتاب، وكيف يضع الكاتب هيكلاً لها، وما الذي يجب عليه مراعاته في صفات وأعمال شخصيات كتابه. ثم يعطي الكاتب طريقاً واضحاً في اختيار منظور الراوي، وبناء البيئة، وتحديد الإيقاع، وتشذيب الأسلوب. كما أنه يمنح الكاتب خبرة عملية في تكوين المشاهد، وكتابة الحوار، واختيار جسور النقل السردي. بعد ذلك يطرح الكتاب خطة عملية للتحرير بأقسام ثلاثة هرمية منهجية مستخدماً أدوات طوّرها محررون مختصون، كي تسهل على الكاتب مهمة التحرير الصعبة، وتعفيه من أخطاء قد تضيع وقته وجهده وتضطره للعودة والعمل من البداية، أو أن تصل به لطريق مسدود. أخيراً يعطي الكتاب نصائح عامة تتعلق باللغة وعلامات الترقيم، وكيفية تجنب الأخطاء الشائعة في الكتابة.
(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
(ح. ع.): كان تجميع المعلومات التي كنت قد كتبتها خلال سنوات، بشكل عشوائي، على قصاصات من الورق أو في دفاتر مختلفة، عملاً شاقاً. كما أن تنسيقها بشكل منطقي ومفيد عملياً احتاج لكثير من الترتيب وإعادة الترتيب مرات. ولأن معظم المعلومات كانت قد أتت من مصادر أجنبية، كان عليّ أن أراعي أن يكون لها مقابل ملائم، له صلة واقعية فيما يتعلق بالقصة المكتوبة بالعربية.
(ج): كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
(ح. ع.): السبب الذي دفعني لكتابة هذا الكتاب هو فشلي في إيجاد كتاب مماثل يغطّي، بشكل شامل ومنهجي ومبسط، موضوع كتابة القصة، لذلك أعتقد أنه كتاب فريد في هذا المجال. ما أتمناه هو أن يصبح مرجعاً مبدئياً في مضمار كتابة القصة العربية، وأن تستخدمه مدارس وكليات الأدب كأحد المصادر التي يستفيد منها الطلبة. كما ألتمس أن يتفاعل معه الوسط الأدبي بالنقد الإيجابي، كي يتيح لي تجديد الكتاب في طبعة تالية تأخذ بعين الاعتبار رأي المختصين به، ما وجدوه جيداً فيه، وما رأوا أنه بحاجة لإصلاح أو تعديل.
(ج): من هو الجمهور المفترض للكتاب ومن القراء الذين تأمل أن يصل إليهم؟
(ح. ع.): الكتاب موجّه أولاً للكاتب الجديد الذي يمتلك موهبة، لكنه يخشى عملية الكتابة ويجدها معقدة وعسيرة المنال. هذا الكتاب سينير الطريق لهذا الكاتب كي تكون حصيلة كتابته الأولى أفضل ما يمكن أن تكون، وبأقل ما يمكن من الأخطاء، ويعفيه من الإحباط الذي يصيب الكتاب الذين لا يعرفون كيف، أو من أين، يبدأون. وهو موجّه ثانياً للكاتب الخبير الذي يرغب في تحسين طرق وأساليب كتابته، ويرفعها لمستوى أعلى وأكثر حرفية. وهو موجه ثالثاً لقارئ القصة الذي يريد أن يستمتع بقراءة القصة أكثر، والمشاركة بنشاط فعال في أحداثها، والنظر بشكل أعمق في أسلوب كتابتها، فتصبح قراءة القصة لديه تجربة أكثر غنى وأقوى انطباعاً.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟
(ح. ع.): مسيرتي بدأت منذ زمن طويل بقراءة عديد من القصص العربية منها والأجنبية. واستمرت بفترة دراسية جادة، تكونت من خلالها لدي خبرة جيدة في مفاصل عمل القصة، كيف تتحرك، ولماذا، ِلمَ تنجح يوماً، وتخفق في يوم آخر. وكنت قد نشرت عدة خواطر ومقالات وقصصاً قصيرة في دوريات، لكن هذا الكتاب هو باكورة الكتب المطبوعة بالنسبة لي. استغرق عملي فيه سنتين بشكل شبه يومي، وقد عرضته على عدد من الأصدقاء الأدباء، الذين أشكرهم على نصائحهم القيمة بشأنه، وعلى تشجيعهم لي، لولاهم لما امتلكت الشجاعة على الخوض في هذا المضمار.
(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(ح. ع.): سأجمع بعض القصص القصيرة التي نشرتها في كتابين مطبوعين، وأنا أعمل جاهداً على رواية طويلة ستأخذ بعض الوقت، ربما سنة أو أكثر قليلاً قبل أن تكتمل.
مقتطفات من الكتاب
"من الأوهام الشائعة أنّ كتابة القصة تكون على شكل نفحة ربانية تهبط فجأة على الكاتب فيمسك قلمه ويخط على الورق من قريحته عملاً فنياً رائعاً. الحقيقة أن كتابة القصة عمل شاق يتّسم بالجدية والمثابرة، فالرغبة المشتعلة هي فقط البداية. عند كتابة القصة يحتاج الكاتب لدراسة مطولة وبحث وتحقيق فيما سيكتب عنه، وعليه التحلّي بانضباط صارم كما يفعل العسكر، وصبر كما يملك أصحاب الصناعات الدقيقة، وأن يلتزم بمعايير دقيقة في عمله تتعدى معرفته باللغة وخبرته في الكتابة. كما يجب أن يكون صادقاً مع نفسه، وأن يتقبّل النقد بصدر رحب، وأن يمتلك روحاً مرحة تساعده على تخطي العوائق، وأخيراً يجب أن يكون لديه قطرة من الموهبة القصصية والكتابية."
"ما يجب تجنبه عند تحديد الفكرة هو النمطية والاعتيادية، يجب تجنب بناء القصة على فكرة هدفها خدمة قيماً مهمة ونبيلة. القصة ليست خطبة وعظية، أو قداس أحد أخلاقي، أو محاضرة وطنية حماسية، أو تعليقاً سياسياً أو فلسفة تحليلية. مهمة الكاتب أن يحكي قصة مثيرة فقط، القيم التي يتعطّش لإبرازها ستظهر دون حاجة لإقحام واضح منه، سيستنتج القارئ رأيه بنفسه في النهاية إن أعطي قصة تشد انتباهه حتى النهاية. يجب ترك هذه المهمة له. على الكاتب أن يحذر من ذاك الشعور في أعماق نفسه الذي يدفعه إلى شرح أهواءه الداخلية وأن يسكب أعماق وجدانه. القارئ لايهمه معاناة الكاتب الخاصة فلديه ما يكفيه؛ هو ليس بصدد الاستماع لمونولوجات طويلة وسرد مفصل يصف فيه الكاتب أحاسيسه وانفعالاته، هذه ستقود القارئ للضجر ولن يبقى مع الكاتب طويلاً صفحة بعد التالية."
"تكتب القصة من وجهة نظر الراوي التي تحدد وجهة السرد، ومن خلالها يتم تقديم أحداث القصة للقارئ. فالراوي هنا هو ليس الكاتب ولكنه الشخصية الافتراضية التي تسرد القصة. وجهة النظر هي من أهم خيارات الكاتب لأنها لا تحدد فقط مستوى معرفة وإدراك الراوي للأحداث والشخصيات، لكن قوة وجهة النظر تكمن في أنها تتحكم بدرجة الإلفة والحميمية بين الراوي والقارئ خلال رحلة الرواية، حسب نمط وجهة النظر وقرب أو بعد الراوي عنه. يجب أن تكون وجهة النظر الجديدة واضحة في الجملة الأولى أو الثانية من المشهد أو المقطع أو الفصل. يجب عدم دفع القارئ للتكهن بهوية صاحب وجهة النظر (هذا من أسوأ ما يمكن للكاتب أن يفعله). إذا كانت القصة تحتوي على عدة شخصيات تروي القصة، من المهم أن تكون هناك وجهة نظر واحدة فقط في كل مشهد، والأفضل في كل فصل. كلما كانت تحولات وجهة النظر أوضح في هيكل النص، كلما كان أسهل على القراء فهمه. يمكن استخدام فواصل المشهد للإشارة إلى التحول في وجهة النظر، وهكذا يتمّ تجنب إرباك القارئ."
"هناك جدل دائم حول المحرك الأساس للروايات، هل تتحرك القصة بواسطة الشخصيات أم بواسطة الحبكة؟ رغم أن أغلبية الكتّاب يصّرون أن الروايات تتحرك أساساً بواسطة الشخصيات، في المحصلة هذه التصنيفات غير مجدية، فالروايات الناجحة تتحرك بمزيج من الشخصيات والحبكة. بدون تحديات الحبكة، لن تتغير الشخصية ولن تفعل شيئاً مثيراً لفترة طويلة، وليس هناك من قصة. من ناحية أخرى، يمكن أن تكون للقصة حبكة متشعبة فيها الكثير من الأحداث ولكن مع شخصيات نمطية باهتة. بالإضافة إلى أنّ خلو القصة من شخصية تظهر قوة الإرادة ضد المخاطر والمصاعب غير مرضٍ أيضاً ومحبط للقارئ. وعندما يضع الكاتب مسودته كاملة دون معرفة ما يرغب به البطل ويريد تحقيقه، يفقد العنصر الأكثر أهمية في القصة. حاجة البطل لا تقود فقط أفعاله، ولكنها مركزية أيضاً في رحلة القصة العاطفية برمتها. بالنهاية لا يهم في القصة مقدار التفصيل وتطور الحبكة والأحداث مالم يتم معرفة ما يرغب به البطل، وهذا يعود بمجمله لكيفية تطور شخصيته."
"يمكن اعتبار الحوار استمراراً للعمل القصصي بطريقة أخرى، فهو تكملة للعمل المستمر في القصة ويجب أن يتحلى بالطاقة الفعالة وليس الخور والوهن. هكذا هو وسيلة للشخصية لتحقيق ما تريد، وحتى سلاحاً لها، ويخضع لنفس شروط المشهد من الحافز والعائق والنتيجة. إن استخدام الحوار بهذا الشكل يصبح من أقوى الأدوات التي يمتلكها الكاتب في القصة. فالحوار قد يكشف عن حالة الشخصية العاطفية أو الذهنية. ويمكن أن يعطي دلائل على خلفيتها الثقافية أو الاجتماعية أو ميولها السياسية، ويحدد مواقفها الأخلاقية. كما يمكن أن يكشف عن محيطها، أو ينبر عالمها الداخلي، أو عن ميزاتها أو عيوبها. ولا يتم ذلك عبر كلمات الحوار فقط، بل من خلال طريقة كلام الشخصية، سرعة إيقاعها، مفرداتها، نبرتها ولهجتها وتعابيرها واعترافاتها وزلاتها، وكيفية بنائها بالعموم. بالنتيجة يصبح الحوار عملاً وليس مجرد محادثة: يجب أن يدفع القصة للأمام أو يكشف شيئاً عن الشخصية. ومن الهام أن يتناسب الحوار في فحواه ودلالاته مع صوت الشخصية وإلا أصبح عبئاً عليها، وبالتالي على فائدتها للكاتب في عمله القصصي."