[نُشرت النسخة الأصلية من هذه المقالة عبر موقع Jacobin بتاريخ 8 أبريل 2021].
بينما تمضي إسرائيل مجددًا في قمعها العسكري الوحشي على غزة المحاصرة، يظهر الفلسطينيون وكأنهم في حالة استسلام تام. حيث تكشف التغريدات القادمة من هناك عن استعدادهم للأسوأ، وهم يسارعون إلى جمع عائلاتهم ليواجهوا الموت معًا. وتبدو تلك التغريدات أقرب إلى رسائل وداع منها إلى نداءات استغاثة.
قد يصعب إدراك ذلك من داخل الولايات المتحدة، لكن الاحتلال الإسرائيلي وسياسات الفصل العنصري مرفوضان على نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم. وهذا ليس أمرًا جديدًا، بل كان الحال كذلك منذ تأسيس إسرائيل عام 1948.
ومع ذلك، تتمتع إسرائيل اليوم بعلاقات دبلوماسية مع معظم دول العالم، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى دعم الولايات المتحدة. فقد عملت واشنطن بجد على حشد الدعم لإسرائيل ودمجها في الاقتصاد العالمي. وتربط الولايات المتحدة "علاقة خاصة" مع دولة إسرائيل، كما وصفتها وزارة الخارجية الأمريكية:
"إسرائيل شريك عظيم للولايات المتحدة، وليس لإسرائيل صديق أكبر من الولايات المتحدة. يتحد الأمريكيون والإسرائيليون من خلال التزامهم المشترك بالديمقراطية والازدهار الاقتصادي والأمن الإقليمي. ولم تكن الرابطة غير القابلة للكسر بين بلدينا أقوى في أي وقت مضى كما هي الآن".
يتذرع السياسيون باستمرار بالتزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، ويصفون أي انتقاد لها بشكل متكرر بأنه "معادٍ للسامية". وترسل واشنطن لإسرائيل سنويًا 3.8 مليار دولار كمساعدات، إضافة إلى 8 مليارات دولار أخرى على شكل ضمانات قروض.
وليس من الواضح لماذا تُعامل إسرائيل كحليف لا يمكن المساس به بالنسبة للولايات المتحدة.
على مر السنين، سمع الجمهور الأمريكي سلسلة من المبررات لدعم واشنطن لإسرائيل: بسبب الهولوكوست، لأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وغير ذلك. لكن الحجتين غير مقنعتين.
لكن كشف الأكاذيب وحده لا يكفي. علينا أن نفسر هذه العلاقة الرومانسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولماذا استمرت "علاقتهما الخاصة" لأكثر من نصف قرن.
يجادل البعض بأن واشنطن تفعل ما تريده إسرائيل. لكن الولايات المتحدة هي أقوى دولة رأسمالية في تاريخ العالم. لذا فتفسير سياساتها على أنها نتيجة تلاعب ماكر من قبل إسرائيل الصغيرة يضعنا في نطاق "نظرية المؤامرة القائلة بأن اليهود يسيطرون سرًا على العالم".
لكن القصة الحقيقية مختلفة، وإن كانت بسيطة. فقد تقاطعت المصالح الأمريكية والإسرائيلية بطرق مهمة، حيث كانت الولايات المتحدة الراعي الأساسي لإسرائيل ماليًا وسياسيًا، بينما لعبت إسرائيل دورًا لا يُقدر بثمن في مساعدة الولايات المتحدة على ترسيخ هيمنتها في الشرق الأوسط.
"حركة انفصالية يمينية تبحث عن راعٍ إمبراطوري"
لفهم السبب، دعونا نستعرض بعض التطورات المبكرة المهمة في قصة الحب الأمريكية الإسرائيلية.
في أواخر القرن التاسع عشر، انتشر اضطهاد اليهود الأوروبيين على نطاق واسع. في هذا الوقت، كان الشعب اليهودي ممثلاً تمثيلاً زائداً في الحركة الاشتراكية. وهؤلاء اليهود الاشتراكيون أنفسهم كجزء من الطبقة العاملة، رأوا الأممية كطريق لتحريرهم.
عندما ظهرت الصهيونية في الفترة نفسها تقريبًا، كانت فكرتها المُحفزة مختلفة: نظرًا لشدة معاداة السامية واستعصائها على الحل، لم يكن بإمكان اليهود وغير اليهود العيش معًا. لذلك كان من الضروري العثور على وطن لليهود.
في هذه السنوات الأولى لم تكن الصهيونية مهيمنة بأي حال من الأحوال بشكل طبيعي على اليهود بل ظلت هامشية لعقود. وفضل معظم اليهود العمل من أجل المساواة والديمقراطية في مجتمع تعددي، وسعوا للاندماج في البلدان التي اعتبرتها عائلاتهم وطنًا لعدة أجيال، بدلاً من التخلي عنها.
أما الحركة الصهيونية في بداياتها فكان لديها رؤية كبرى تتمثل في استعمار أراضي لإقامة دولة يهودية انفصالية. ووضع الأعضاء البارزون خططًا مختلفة للاقتصاد السياسي لوطنهم المنشود، شملت كيفية العثور على أراضٍ يمكنهم الاستيلاء عليها والدفاع عنها ضد السكان الأصليين الذين أدركوا أنهم سيكونون معادين، بالإضافة إلى كيفية بناء اقتصاد ودمجه في السوق العالمية.
قال تيودور هرتزل، أحد أبرز الصهاينة في ذلك الوقت، بأن الهدف الرئيسي للصهيونية يجب أن يكون كسب رعاية القوى العظمى لإقامة دولة يهودية جديدة. فناشد الصهاينة الأوائل في البداية عددًا من القوى الاستعمارية، بما في ذلك الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تسيطر على الشرق الأوسط. لكن الصهاينة لم يكن لديهم ما يقدمونه ولا موارد مالية تمكنهم من دعم أنفسهم، فرُفض طلبهم.
عندما احتلت بريطانيا فلسطين في الحرب العالمية الأولى، قرر الصهاينة أن أفضل رهان لهم هو مناشدة لندن. قاد حاييم وايزمان، أحد زعماء الحركة الصهيونية والذي كان يعمل لدى الحكومة البريطانية، جهود إقناع لندن بإعلان وصايتها على فلسطين وتشجيع استيطان اليهود الأوروبيين، ليكونوا قوة تدافع عن المصالح البريطانية في المنطقة. قال وايزمان أمام أحد وزراء الحكومة البريطانية بأن "فلسطين يهودية ستكون ضمانة لإنجلترا".
حظي طرح وايزمان باستحسان كبير من القادة البريطانيين. وكانت الحرب العالمية الأولى قد كشفت الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط الذي يحيط بالممرات البحرية المؤدية إلى أهم مستعمرات بريطانيا الإمبراطورية: الهند وجنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا، ويجاور حقول النفط الجديدة في فارس ومصر، حيث كانت الحركات الوطنية تناهض الحكم البريطاني بشدة. ولا يقل عن هذا أهمية أن فرنسا، أكبر منافسي بريطانيا، كانت قد بسطت سيطرتها على سوريا. في فرنسا، نجح الصهاينة في كسب الدعم من خلال مواءمة مطالبهم مع الأهداف الاستعمارية الفرنسية في صراعها الإمبريالي.
مع وعد بلفور عام 1917، بدأت بريطانيا في دعم الحركة الصهيونية، وإضفاء الشرعية على استعمار فلسطين. وقد شهدت الهجرة اليهودية إلى فلسطين ارتفاعًا حادًا خلال العقود التالية. وكما هو متوقع، مع تصاعد الاستعمار والعنف، ازدادت أيضًا المناوشات بين الفلسطينيين واليهود.
في نوفمبر 1947، أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بتقسيم الأرض إلى دولتين. رأت بريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة قيمة في الوجود الصهيوني في المنطقة، وضغطت لتمرير قرار الأمم المتحدة 33-13.
بحلول مايو 1948، أدت الاستفزازات الصهيونية والاستيلاء على الأراضي إلى تصاعد المناوشات بين العرب واليهود، لتتحول إلى معركة شاملة. كانت المعركة غير متكافئة آنذاك كما هي اليوم، إذ يصف فيل مارشال في كتابه انتفاضة: الصهيونية والإمبريالية والمقاومة الفلسطينية المشهد قائلاً: "واجه بضعة آلاف من المتطوعين العرب غير المنظمين ميليشيات صهيونية مسلحة جيدًا ومعدة بتدريب لسنوات".
تمثلت استراتيجية "الهاجاناه" [تنظيم عسكري صهيوني] في السيطرة على الأراضي المخصصة لليهود وفق خطة الأمم المتحدة، والتقدم على طول الطرق المؤدية إلى المستوطنات اليهودية المعزولة داخل المناطق العربية. وسرعان ما استولوا على العديد من البلدات ووسائل الاتصال. وفي هذه المناطق، أُرسِيَت دعائم جهاز الدولة الصهيونية، وفي 14 مايو، أعلن [ديفيد] بن غوريون قيام دولة إسرائيل في الأراضي الخاضعة للسيطرة الصهيونية.
بعد إحدى عشرة دقيقة من إعلان بن غوريون، اعترف الرئيس الأمريكي هاري ترومان بالدولة الجديدة.
"قوة عظمى ناشئة تبحث عن دولة عميلة محلية"
مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت المنافسة الرأسمالية تتجه بسرعة نحو العولمة. وبرزت الولايات المتحدة كقوة عظمى ناشئة، تنظر بجشع إلى احتياطيات النفط الضخمة التي اكتشفت حديثًا في الشرق الأوسط. وقد وصفت مذكرة لوزارة الخارجية الأمريكية عام 1945 هذه الاحتياطيات بأنها "مصدر هائل للقوة الاستراتيجية وواحدة من أعظم الجوائز المادية في تاريخ العالم."
بقدر ما رغبت الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة في الاستحواذ على ذلك النفط، لم يكن الغزو والاستعمار المباشر خيارًا مطروحًا. فقد كان ذلك سيتطلب حكمًا مباشرًا دائمًا، وهو أمر بالغ الصعوبة والتكلفة، خاصة عند إدارته من على بُعد آلاف الأميال.
بالإضافة إلى ذلك، كان المد القومي العربي يجتاح الشرق الأوسط في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات. ففي مصر، سعى الرئيس جمال عبد الناصر إلى التخلص من الهيمنة البريطانية وتوحيد الدول العربية. في الوقت نفسه، اندلعت حركات مناهضة للإمبريالية في مختلف أنحاء المنطقة، مهددةً بطرد القوى الغربية. وقد أدت هذه الانتفاضات إلى خلق منطقة شديدة الاضطراب، الأمر الذي تسبب في مناخ استثماري سيء للغاية. لكن ما كان أسوأ من ذلك من منظور الولايات المتحدة، هو أن العديد من هذه الدول كانت تتقارب بشكل متزايد مع الاتحاد السوفياتي.
واضطرت الولايات المتحدة إلى البحث عن حلفاء في المنطقة. ولجذب الدول العربية إلى مدارها، زعمت أن الديمقراطية الرأسمالية هي الخيار الأفضل لتنمية هذه الدول مقارنةً بـالشيوعية السوفيتية.
في يونيو 1967، أوضحت حرب الأيام الستة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل أن الشراكة بينهما هي فكرة جيدة. فقد كان الدافع المركزي للقومية العربية هو مناهضة التدخل الإسرائيلي في المنطقة. فتصاعدت التوترات العسكرية على جميع حدود إسرائيل، حتى غزت إسرائيل الضفة الغربية التي يسيطر عليها الأردن، وشنت غارات جوية على سوريا، وهاجمت مصر. وفي غضون ستة أيام، حققت إسرائيل انتصارًا حاسمًا في الحرب البرية وسيطرت على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، والضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) من الأردن، ومرتفعات الجولان من سوريا.
أثبتت إسرائيل بذلك قدرتها على التغلب عسكريًا على جيرانها. فأدرك صناع القرار الأمريكيون أنه في حال التحالف مع إسرائيل، يمكن للولايات المتحدة استخدام الأخيرة لبسط النفوذ الأمريكي بشكل غير مباشر.
سرعان ما حلت الولايات المتحدة محل بريطانيا وفرنسا كراعٍ إمبريالي جديد، أكثر التزامًا ناحية إسرائيل. ففي العام السابق لحرب الأيام الستة، بلغ إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل 23.7 مليون دولار. بينما في أعقاب الحرب، قفز الدعم الأمريكي بسرعة الصاروخ إلى 106 ملايين دولار سنويًا.
ظهرت مبالغ طائلة بشكل مُنتظم في السجلات الإسرائيلية مع بداية كل سنة مالية، ما دعم قطاعيها التكنولوجي والدفاعي. وهو الأساس لما يُدعى بـ "الاقتصاد المعجزة" الإسرائيلي، الذي يصفه الصهاينة بأنه "جعل الصحراء تزهر" واليوم، يصنف مؤشر القوة العالمية الجيش الإسرائيلي في المرتبة العاشرة ضمن أقوى دول العالم.
في المقابل، حصلت واشنطن على ما كان في الواقع بمثابة قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة التي حددها الاستراتيجيون العسكريون الأميركيون على أنها المنطقة الأكثر أهمية في العالم. فلم يكن أي ثمن ليُعتبر باهظًا بالمقارنة بما حصلت عليه الولايات المتحدة من هذه الصفقة: جهاز استخبارات محلي، وقوات مدربة وعلى دراية بالمنطقة وملتزمة أيديولوجيًا، وجميع الأسلحة التي قد تحتاجها، وكل ذلك في قلب الشرق الأوسط. وبدون الحاجة لإقناع الجمهور الأمريكي بتوغل عسكري أو نشر الجيش الأمريكي على بعد آلاف الأميال. وتُقدَّر تكلفة تولي الولايات المتحدة كل ذلك بنفسها، وفقًا لتقديرات متحفظة، بما لا يقل عن 125 مليار دولار. فكان الحصول على كل ذلك مقابل إنفاق أولي قدره 106 ملايين دولار سنويًا، بالنسبة لواشنطن، صفقة رابحة.
ومَثل ذلك أيضا غنيمة كبرى غير متوقعة لشركات الدفاع الأمريكية. فالمليارات التي ترسلها الولايات المتحدة إلى إسرائيل تنتهي بالعودة إلى صناعتها العسكرية. على سبيل المثال، يتيح اتفاق عام 2010 بين الولايات المتحدة وإسرائيل للأخيرة استخدام 15.2 مليار دولار من المنح العسكرية الأمريكية لشراء مقاتلات F-35 من شركة لوكهيد مارتن.
وهكذا بدأت "العلاقة الخاصة" بين الولايات المتحدة وإسرائيل. في نصف القرن الذي أعقب ذلك، ارتكزت هذه "العلاقة الخاصة" إلى حد كبير على التموضع الجيوستراتيجي والتداخل المتزايد بين الاقتصادين.
ترسيخ "العلاقة الخاصة"
في عام 1973، لم تكن إسرائيل قد تخلت بعد عن الأراضي التي انتزعتها عام 1967 من مصر وسوريا والأردن. وفاقمت إسرائيل التوتر برفضها سحب قواتها العسكرية، ما هدد بمزيد من عدم الاستقرار الإقليمي الذي كانت واشنطن تمقته.
لكن نفوذ الولايات المتحدة كان أكثر تقييدًا من أي وقت مضى منذ صعودها كقوة عظمى. ولم تكن العديد من الأمور تسير على ما يرام بالنسبة لواشنطن. فكان الجيش الأمريكي يعلن أخيرًا هزيمته أمام الشيوعيين في فيتنام، وسط غضب شعبي واسع من إرسال أبناء الطبقة العاملة في مغامرات إمبريالية حول العالم. وقد أجبر الشيوعيون الولايات المتحدة على التراجع في الهند الصينية، كما اندلعت معارك مناهضة للاستعمار في أنحاء إفريقيا، من كينيا والجزائر إلى زيمبابوي وموزمبيق وغيرها.
في هذه الأثناء، اكتشفت الاستخبارات الإسرائيلية أن مصر وسوريا تخططان لشن هجوم على أمل استعادة سيناء. وكانت إسرائيل قد اعتادت على شن ضربات استباقية، لكن رئيسة الوزراء جولدا مائير خشيت أن تُصوَّر مجددًا كطرف معتدٍ. فتقويض صورتها كضحية دائمة كان سيحرم إسرائيل من مبررها المعتاد لشن الهجمات العسكرية. كما أعرب مستشاروها عن قلقهم من أن ذلك من شأنه أن يُغضب الولايات المتحدة، وهو تقييم أكده لاحقًا وزير الخارجية هنري كيسنجر، بقوله إنه لو بادرت إسرائيل بالهجوم أولًا، لما أرسلت الولايات المتحدة "ولو مسمارًا".
هاجم الجيشان المصري والسوري إسرائيل، وضربا على جبهات مختلفة وأحرز كل منهما انتصارات مبكرة. لكن إسرائيل نجحت في صد الهجوم، محققة انتصارات جوية وبحرية، وأجبرت الجيشين المصري والسوري على التراجع.
لإجبار الولايات المتحدة على تقديم الدعم، أمرت مائير بوضع الطائرات المسلحة بالصواريخ النووية في حالة تأهب. ونجحت الخطة؛ إذ أمر نيكسون بنقل الأسلحة والإمدادات جوًا إلى إسرائيل. وصلت الإمدادات في اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل ترجّح كفتها، محاصرةً جزءًا من الجيش المصري وقاطعة عنه الغذاء والماء. وقد تحمس الإسرائيليون لسحق القوات المصرية المحاصرة، لكن كيسنجر أوقفهم. مُبلغًا السفير الإسرائيلي بأن "هذا الخيار غير مطروح على الإطلاق."
وامتثل الإسرائيليون. بعد الحرب، واصل كيسنجر الضغط على الإسرائيليين للانسحاب من بعض الأراضي العربية.
نظر كيسنجر إلى الوضع باعتباره فرصة استراتيجية. فقد أثبتت إسرائيل مجددًا، وبشكل قاطع، قدرتها على الهيمنة عسكريًا على دول المنطقة ولجم أعدائها. لكن في المقابل، كانت إسرائيل تعتمد على واشنطن في التمويل والتسليح والغطاء الدبلوماسي. ونجحت الولايات المتحدة في موضعة نفسها باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على كبح جماح إسرائيل.
لم يكن كيسنجر وحده من أدرك هذه الأهمية. ففي عام 1973، بلغ إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل 492.8 مليون دولار. بينما في العام التالي، قفزت المساعدات إلى 2.6 مليار دولار، بزيادة قدرها 530%.
ومن خلال لعبة "الشرطي الجيد والشرطي السيئ"، استقرت العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية في شكلها الحالي. فعندما تنتهج إسرائيل سلوكًا عدوانيًا، يتهاوى ادعاؤها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. ويعزز ذلك الفكرة القائلة بأن إسرائيل تستطيع فعل ما تشاء، فيما تبقى الولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على كبحها.
وهذا ترتيب مثالي لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل. حيث تتمكن الولايات المتحدة من بسط نفوذها دون التورط المباشر. وتستمر إسرائيل في نهجها: التوسع الاستيطاني، والقصف العسكري، والتهجير، وقتل الفلسطينيين. إذ يُعد التهجير والتطهير العرقي في فلسطين أحد أعظم جرائم القرن الماضي، وهي الجريمة التي أتاحتها أهمية إسرائيل للمشروع الإمبريالي الأمريكي.
لماذا يجب أن نناضل من أجل فلسطين
لحسن الحظ، هناك مساحة متزايدة في هذا البلد لوصف وإدانة الظلم الذي تلحقه إسرائيل بالفلسطينيين.
باتت العدوانية الإسرائيلية متوقعة للغاية في هذه المرحلة، لكن حدث هذا الأسبوع في واشنطن العاصمة، أمر غير مسبوق تمامًا. فعادةً ما تكون الهجمات الإسرائيلية فرصة ليتوحد الديمقراطيون والجمهوريون في دعم إسرائيل، مع غض الطرف جماعيًا عن الفلسطينيين الجرحى والقتلى والمهجّرين. لكن ما لا يقل عن ستة أعضاء في الكونغرس كسروا الإجماع الحزبي، موجّهين إدانات قوية لإسرائيل ومعلنين دعمهم للفلسطينيين.
وقد قادهم اشتراكيون ديمقراطيون مثل النائبة رشيدة طليب، وهي فلسطينية الأصل. التي قالت: "من واجبنا إنهاء نظام الفصل العنصري الذي أخضع الفلسطينيين لعقود من المعاملة اللاإنسانية والعنصرية."
يجب على الاشتراكيين أن ينضموا إلى طليب في النضال من أجل تحرير فلسطين، تمامًا كما لو كان نضالهم الخاص لأنه بالفعل كذلك. فإذا كانت للولايات المتحدة وإسرائيل مصالح مشتركة، فكذلك الحال بالنسبة للشعوب التي تتعرض للاضطهاد منهما.
[أنجز الترجمة عن اللغة الإنجليزية أحمد نبوي].