يُعْرَف عن ميلياغروس Μελέαγρος أنَّه ازدهر (=بلغ الأربعين من عمره) في القرن الأوَّل قبل الميلاد، وكان قد وُلِدَ في مدينة غادارا Γάδαρα في سوريا الجوفاء، وعاش في شبابه في صُوْر، وقضى شيخوخته في جزيرة كوس مِيرُوبْس في اليونان؛ وبدأ أُولى محاولاته في الأدب بقراءة مؤلَّفات مواطنه الفيلسوف السوريّ مينيبوس من غادارا Μένιππος ὁ Γαδαρεύς الذي ازدهر في القرن الثالث قبل الميلاد. بقيت قصائد ميلياغروس المكتوبة باليونانية، وهنا نقدّم مجموعة من قصائده قمنا بترجمتها إلى العربية استنادًا إلى النشرة الإنكليزية لأشعاره الكاملة من كتاب: THE COMPLETE POEMS OF MELEAGER of GADARA TRANSLATED FROM THE GREEK BY F. A. WRIGHT, LONDON, 1924.) وكذلك استنادًا إلى مختارات من قصائده من كتاب: (FIFTY POEMS OF MELEAGER WITH A TRANSLATION BY WALTER HEADLAM, МАCMILLAN AND CO. AND NEW YORK 1890.)
يقول ف. أ. رايت. F. A. WRIGHT جامع أعمال ميلياغروس الشِّعرية الكاملة في مقدّمته: "(...) بينما ميلياغروس هو نهاية، فهو أيضًا بداية، فهو أوَّل الشعراء الحديثين كما هو آخر الشعراء القدماء. وُلد في سوريا نحو نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، وعاش حتى سن متقدمة، شهد الانهيار النهائي لنظام الدولة اليونانية القديمة وصعود وإرساء إمبراطورية عالمية. هو يوناني، لكنه لا ينظر إلى الحياة كما فعل إسخيلوس وسوفوكليس. بالنسبة له، الفرد وليس الدولة هو المهم، وأحزان قلبه أكثر أهمية من سقوط الأمم. هو أحد أوائل مؤسِّسي الرومانسية؛ النساء والأزهار هما الموضوع الرئيس. لشِعره (....) شعراء الرومان الغنائيون والإنكليز الليزيون، الإليزابيثيون والكارولينيون على حدّ سواء، جميعهم يكشفون عن تأثيره، وليس من المبالغة القول إنه، أكثر من أي رجل آخر، حوّل تيار الخيال الشِّعري إلى مساراته الحالية. علاوة على ذلك، نحن مدينون له في النهاية، كأول محرِّر للأنثولوجيا Anthology (=مجموعة مختارة من الأعمال الأدبية مثل القصائد، النصوص النثرية، أو المقاطع الشعريّة الغنائيّة الموزونة) لذلك هذه المجموعة العظيمة من الأشعار التي تقترب من المشاعر الحديثة أكثر من أي مجموعة أخرى في اليونانية. فقد كان ميلياغروس أول من تصور فكرة الأنثولوجيا بالمعنى الحديث، إذ جَمَعَ مجموعة من الأشعار مأخوذة من كتابات أسلافه، ومختارة بسبب جدارتها الأدبية. بمهارة حكيمة، اشترطَ على نفسه انتقاء مقاطع معيّنة، أي مقاطع شعرية قصيرة مكتوبة بالوزن الغنائي عن موضوع محدد، ولا يقتبس من أي شاعر كان معاصره بالفعل."
I
تاريخ الشَّاعِر
صُور، جَزِيرَتِي الحَاضِنَةُ؛
وَغَادَارَا أرض منحتني ميلادي،
حيث كانت شموس سوريا تبتسم على أرضٍ رُوْحُهَا مِنْ أَتِيكَا.
أَنَا ابْنُ يُوكْرَاتِيسَ،
الَّذِي بِإِلْهَامِ ربَّاتِ الفنّ وَبِرِعَايَةِ إلهات حُسن مِينِيبُّوسَ خَطَوْتُ أُولى خُطُوَاتِي.
إِنْ كُنْتُ سُورِيًّا، فَأَيُّ عَجَبٍ؟
يَا غَرِيبُ، كُلُّنَا أَبْنَاءُ وَطَنٍ وَاحِدٍ، العَالَمُ،
وَكُلُّنَا مِنْ كَوْنٍ وَاحِدٍ وُلِدْنَا.
إِذْ أَحْمِلُ أَعْوَامِيَ الثِّقَالَ، أَخُطُّ هَذَا
عَلَى لَوْحِ قَبْرِي، حُرُوفًا مَنْقُوشَةْ:
فَمَنْ كَانَ جَارَ الشَّيْخُوخَةِ،
فَقَدْ وَقَفَ الْمَوْتُ عَلَى عَتَبَتِهِ مُنْتَظِرًا.
فَحَيِّ الْحَكِيمَ الْقَدِيمَ، الْغَزِيرَ بِحَدِيثِهِ،
بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، تُدْنِي الْقُلُوبَ وَتَجْمَعُ،
ولتمنحك الْأَيَّامُ عُمْرًا مَدِيدًا،
تَبْلُغُ فِيهِ مَا بَلَغْتُ مِنْ حِكْمَةِ الْهَرَمِ الْجَلِيلِ.
امْشِ بِرِفْقٍ، يَا غَرِيبُ: هُنَا بَيْنَ الأَرْوَاحِ الطَّاهِرَةِ
يَرْقُدُ رَجُلٌ عَجُوزٌ، ميلياغروس، فِي سُبَاتٍ سيدخلُ فيه كُلُّ البَشَرِ:
ابْنُ يُوكْرَاتِيسَ، الَّذِي بِحِكْمَتِهِ
جَمَعَ بَيْنَ ربّات الفن وعذوبةِ الْحُبِّ الدَّامِعِ،
مُزَيِّنًا المَشْهدَ بِبَسْمَةِ إلهات الحُسن الْمَرِحَات.
صُوْر الإِلَهِيَّةُ رَبَّتْهُ حَتَّى الرُّجُولَةِ،
وَكُوسُ مِيرُوبْسَ احْتَضَنَتْ شَيْخُوخَتَهُ،
وَأَرْضُ غَادَارَا المُقَدَّسَةُ:
عَلَى شَاطِئِهَا الجَمِيلِ
إِنْ كُنْتَ سُورِيًّا، فَالسَّلَامُ عَلَيْكَ Salaam! وَإِنْ كُنْتَ فِينِيقِيًّا، فَـ"نَايْدِيُوس Naidios!"
أَرْجُوكَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ بِمِثْلِهَا؛ أَوْ خَايْرِي Chaere! إِنْ كُنْتَ يُونَانِيًّا.
III
لعنةُ الحُبّ
لَعْنَةٌ هَذَا الْحُبُّ، لَعْنَةٌ!
لَكِنْ مَا جَدْوَى أَنْ أَعِيدَ وَأُكَرِّرَ:
"لَعْنَةٌ هَذَا الْحُبُّ"؟
إِنَّهُ يَضْحَكُ مِلْءَ فِيهِ عِنْدَمَا يَسْمَعُ شَكْوَايَ،
يَسْتَلِذُّ بِتَوْبِيخِي وَلَوْمِي،
وَحَتَّى تَقْرِيعي له يَزِيدُهُ عِنَادًا وَقُوَّةً.
يَا أَفْرُودِيتُ، يَا مَنْ خَرَجْتِ مِنَ الْمَوْجِ الْأَخْضَرِ،
أَتَعَجَّبُ كَيْفَ أَشْعَلْتِ نَارًا مُتَّقِدَةً
مِنْ عُنْصُرٍ رَطْبٍ كَالْمَاءِ!
IV
نَفْسٌ معذّبة
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُعَذَّبَةُ بِالدُّمُوعِ،
لِمَ تُعِيدِينَ فَتْحَ جُرْحِ الْحُبِّ الْقَدِيمِ،
ذَلِكَ الْجُرْحَ الَّذِي لَمْ يَلْتَئِمْ بَعْدُ؟
كَفَى، بِاسْمِ السَّمَاءِ، لَا تَكُونِي مُتَهَوِّرَةً،
لَا تُؤَجِّجِي النَّارَ الْخَامِدَةَ
الَّتِي تَخْتَبِئُ تَحْتَ رَمَادِ الذِّكْرَيَاتِ.
فَإِنْ عَادَ الْحُبُّ غَدًا،
نَاسِيًا كُلَّ مَا مَضَى مِنْ أَلَمٍ،
سَيُعَاقِبُكِ بِقَسْوَةٍ لَا تُرْحَمُ،
كَمَا يُعَاقِبُ الْهَارِبُ الَّذِي يَعُودُ
إِلَى قُيُودِهِ بَعْدَ فِرَارٍ.
V
باخوس
بَاخُوسُ، بِكَأْسِكَ الْمُتَأَجِّجَةِ أُقْسِمُ،
سَأَحْمِلُ غَضَبَكَ بِصَدْرٍ رَحْبٍ.
تَقَدَّمْ، يَا سَيِّدَ الْحَفَلَاتِ الْمَجِيدَةِ،
وَارْكَبْ مَرْكَبَةَ الْجُنُونِ،
لتُرشِد رُوحِي الْفَانِيَةَ بِقُوَّةِ إِلَهٍ.
وُلِدْتَ مِنْ لَهِيبِ النَّارِ، وَتُبَارِكُ
شُعْلَةَ الْحُبِّ الْمُتَأَجِّجَةَ،
وَهَا أَنْتَ تُعِيدُنِي إِلَى حِضْنِكَ،
مُقَيَّدًا بِسِلْسِلَةٍ مِنْ نَارٍ،
خَاضِعًا لِسُلْطَانِكَ الْجَبَّارِ.
يَا لَخِيَانَةِ قَلْبِكَ الْمُتَلَوِّنِ!
يَا لَغَدْرِكَ الْمُتَأَصِّلِ!
تَأْمُرُنِي بِإِخْفَاءِ أَسْرَارِكَ الْمُقَدَّسَةِ،
وَالْآنَ تُرِيدُ كَشْفَ أَسْرَارِي،
كَأَنَّكَ تَسْتَمْتِعُ بِتَعْرِيَةِ نَفْسِي
أَمَامَ عَالَمِكَ الْمَجْنُونِ.
VI
إكليل
سَأَنْسُجُ إِكْلِيلًا مِنَ الْبَنَفْسَجِ الْأَبْيَضِ النَّقِيِّ،
وَأُضَفِّرُهُ بِخُيُوطِ الْيَاسَمِينِ النَّاعِمِ،
وَأُدْخِلُ بَيْنَ طَيَّاتِهِ زَهْرَ النَّرْجِسِ الْعَذْبِ،
الَّذِي يَحْمِلُ بَسْمَةَ الرَّبِيعِ.
سَأُضِيفُ الزَّنْبَقَ الْبَاسِمَ، الَّذِي يُشِعُّ فَرَحًا،
وَالزَّعْفَرَانَ الْحُلْوَ، الَّذِي يَنْشُرُ عَبِيرَهُ فِي الْأَرْجَاءِ،
وَأُزَيِّنُهُ بنباتِ الْخُزَامَى الْأَزْرَقِ، الَّذِي يُضِيفُ لَمْسَةً مِنَ السِّحْرِ،
وَوَرْدِ الْعَاشِقِينَ الْأَحْمَرِ، الَّذِي يَنْبِضُ بِالْحُبِّ.
لِيَكُونَ إِكْلِيلًا يُتَوِّجُ رَأْسَ حَبِيبَتِي،
فَتَنْسَابُ خُصَلُهَا الْعَطِرَةُ بَيْنَ زُهُورِهِ،
كَشَلَّالٍ مِنَ الْجَمَالِ وَالرِّقَّةِ،
يُخْفِي تَحْتَهُ سِرَّ جَمَالِهَا الْأَبَدِيِّ.
VII
رثاء
هَدِيَّةٌ مُؤْلِمَةٌ تُلَفُّ فِي طَيَّاتِ كَفَنِكِ،
إِلَى الْقَبْرِ تُحْمَلِينَ،
أَنْتِ، يَا شاريكسينوس Charixenus ، يَا زَهْرَةَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ رَبِيعًا،
وَهَبَتْكِ أُمُّكِ لِلْمَوْتِ.
حَتَّى الْحَجَرُ كَانَ سَيَذْرِفُ الدُّمُوعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْحَزِينِ،
عِنْدَمَا حَمَلَ رُفَقَاؤُكِ مِنْ عَتَبَةِ بَابِكِ
جُثْمَانَكِ الْغَضَّ بِأَنِينٍ وَأَسًى.
وَصَرَخَ وَالِدَاكِ بِأَلَمٍ يُمَزِّقُ الْقُلُوبَ،
لَيْسَ فَرَحًا بِزَوَاجٍ مُبَارَكٍ،
بَلْ حُزْنًا عَلَى حُلْمٍ تَحَطَّمَ،
حُلْمِ أُمٍّ تَمَنَّتْ أَنْ تَرَى ابْنَتَهَا عَرُوسًا،
لَكِنَّ الْقَدَرَ خَذَلَهَا.
آهٍ، الْمَخَاضُ الْعَبَثِيُّ!
آهٍ، يَا عَذَارَاءَ الْقَدَرِ الْقَاسِيَةَ،
كَيْفَ تَرْكُلِينَ حُبَّ الْوَالِدَيْنِ لِلرِّيَاحِ،
يَا قَدَرًا عَقِيمًا لَا يَعْرِفُ الرَّحْمَةَ!
أَتُحَوِّلِينَ حُلْمَهُمَا إِلَى كَابُوسٍ،
وَتَجْعَلِينَ حَنَانَهُمَا يَذْهَبُ سُدًى؟
VIII
الرَّبِيعُ
مَا إِنْ أَدْبَرَ الشِّتَاءُ العَاصِفُ عَنِ السَّمَاءِ،
حَتَّى أَطَلَّ الرَّبِيعُ بِابْتِسَامَةٍ شَمْسِيَّةٍ، حَامِلًا الأَزْهَارَ:
اِرْتَدَتِ الأَرْضُ السَّوْدَاءُ إِكْلِيلًا مِنْ عُشْبٍ أَخْضَرَ،
وَتَفَتَّحَتِ الأَغْصَانُ اليَافِعَةُ بِبَتَلَاتٍ جَدِيدَةٍ تَتَلَأْلَأُ.
وَالآنَ، تَرْشُفُ المُرُوجُ نَدَى الفَجْرِ الرَّقِيقَ،
وَتَبْتَسِمُ مَعَ تَفَتُّحِ الوَرْدِ.
فِي الجِبَالِ، يُغَنِّي الرَّاعِي بِمِزْمَارِهِ بِمَرَحٍ،
وَيَبْتَهِجُ رَاعِي المَعْز بجديانها البِيضِ.
عَلَى أَمْوَاجِ البَحْرِ، يُبْحِرُ المَلَّاحُونَ مِنْ جَدِيدٍ،
يَنْشُرُونَ أَشْرِعَتَهُمْ للِنَسِيمِ اللَّطِيفِ.
وَلِدِيُونِيسُوسَ، إِلَهِ الكَرْمِ، يُرَتِّلُ النَّاسُ أَنَاشِيدَهُمْ،
يُكَلِّلُونَ شُعُورَهُمْ بِأَزْهَارِ الأَسَلِ المُثْمِرِ.
وَفِي الخَلِيَّةِ، تَعْمَلُ النَّحْلَاتُ المَاهِرَات بِهِمَّةٍ،
تَسْتَخْرِجُ مِنَ الشَّمْعِ المَثْقُوبِ مِرَارًا
كُنُوزًا سَائِلَةً بَيْضَاءَ، عَسَلًا صَافِيًا.
وَتَشْدُو الطُّيُورُ بِأَصْوَاتٍ صَافِيَةٍ فِي كُلِّ مَكَانٍ:
الهَازِجَةُ عِنْدَ المَوْجِ، وَالسُّنُونُو حَوْلَ السُّقُوفِ،
البَطُّ عَلَى ضِفَافِ الأَنْهَارِ، وَالعُنْدُلِيبُ فِي الغَابَةِ.
فَإِذَا كَانَتِ الأَوْرَاقُ الخَضْرَاءُ تَرْقُصُ فَرَحًا،
وَالأَرْضُ تَزْدَهِرُ بِأَلْوَانِهَا،
وَإِذَا كَانَ الرَّاعِي يُغَنِّي، وَالقُطْعَانُ تَبْتَهِجُ،
وَدِيُونِيسُوسُ يَرْقُصُ، وَالمَلَّاحُونَ يُبْحِرُونَ،
وَالطُّيُورُ تُغَرِّدُ، وَالنَّحْلُ تَعْمَلُ بِجِدٍّ،
كيف للشُّعراءِ ألا يُنشدوا معزوفةَ الحياة؟
IX
دِيُونِيسْيُوس
يَا مُتَيَّمِي الْهَوَى، يَا مَنْ تُدْرِكُونَ
لَظَى كُيُوبِيدَ الْمُسْتَعِرْ Cupid's fire،
قُلُوبُكُمْ تَفِيضُ بِحَلَاوَةِ الشَّوْقِ،
لَكِنَّهَا نَارٌ تَسْتَعِرْ:
كَيْفَ يَصِيرُ الْعَسَلُ سُمًّا زُعَافًا،
إِذْ تَلْتَهِمُ النِّيرَانُ الرُّوحَ وَتَسْتَطِيرْ؟
أَدْرِكُونِي، أَسْعِفُونِي، أَتَوَسَّلُ إِلَيْكُمْ،
قَلْبِي جَمْرَةٌ تَتَوَهَّجْ،
مُنْذُ حَلَّ دِيُونِيسْيُوسُ
وَالنَّارُ تَأْكُلُنِي وَتُحَرِّقْ.
أَسْرِعُوا بِالْمَاءِ، مَاءٍ بَارِدٍ،
مِنْ ثَلْجٍ ذَابَ تَوًّا وَتَرَقرَقْ.
تَجَرَّأْتُ وَنَظَرْتُ
فِي عَيْنَيْ دِيُونِيسْيُوس،
فَانْدَلَعَتْ مِنْهُمَا شُعْلَةٌ
أَسَرَتْنِي وَأَحْرَقَتْنِي بِلَا رِفْقٍ.
يَا رِفَاقَ الْعِشْقِ، أَخْمِدُوا الْحَرِيقَ،
وَإِلَّا ذُبْتُ فِي لَهِيبِ الْعَشِيقِ.
X
دِيُودُورُوس
حُبِّي تُلَاعِبُهُ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ المتلاطِمة،
وَتَعْصِفُ بِهِ رِيَاحُ نَيْسَانَ الْعَاتِيَةْ؛
تَارَةً أَجْمُدُ مِنْ نَسِيمِ الشِّتَاءِ الْقَارِسْ،
وَتَارَةً أَعُودُ دَافِئًا بِضِيَاءِ الصَّيْفِ الْوَضَّاءْ.
مِنْ عَيْنَيْ دِيُودُورُوسَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ،
وَتَلْمَعُ الْبُرُوقُ فِي لَحْظَةٍ.
أَعْطِنِي عَلَامَةً لِأَعْرِفَ
هَلْ سَيَقُودُنِي الْحُبُّ أَمِ الْكَرَاهِيَةْ؟
هَلْ سَأَسِيرُ عَلَى بِحَارٍ هَادِئَةْ،
أَمْ سَأَتِيهُ فِي عَاصِفَةٍ عَمْيَاءْ؟
أَعْطِنِي عَلَامَةً، لِكَيْ يَعْرِفَ قَلْبِي
هَلْ سَيَلْقَى حُطَامًا أَمْ مَلْجَأً آمِنًا.
XI
زينوفيلي
زِينُوفِيلِي، يَا وَرْدَتِي النَّاعِمَةَ،
تَغْفِينَ الْآنَ فِي سُبَاتٍ عَذْبٍ.
يَا لَسِحْرِ النَّوْمِ حِينَ يَتَسَلَّلُ
بِخُطًى وَادِعَةٍ إِلَى جَفْنَيْكِ،
وَيُغَلِّفُهُمَا بِحُلَّةٍ مِنَ الْهُدُوءِ!
لَيْتَ هَذَا النَّوْمَ يَحْرُسُكِ
حَتَّى مِنْ لَمْسَةِ الْإِلَهِ الَّذِي
يُغْمِضُ جَفْنَيْ زَيوْسَ نَفْسِهِ،
فَلَا يَصِلُ إِلَيْكِ سِوَى قَلْبِي،
وَأَكُونُ أَنَا وَحْدِي مَنْ يَمْلِكُ
سِرَّ جَمَالِكِ الْخَالِدِ.
يَبْتَهِجُ الْكَأْسُ فِي نَشْوَةٍ،
مُفْتَخِرًا بِأَنَّهُ يَلْمِسُ
شَفَتَيْ زِينُوفِيلِي الجميلتين.
ما أَجْملَ حَظَّكَ أَيُّهَا الْكَأْسُ السَّعِيدُ!
لَيْتَهَا تُقَرِّبُ شَفَتَيْهَا الْآنَ
مِنْ شَفَتَيَّ،
وَتَرْشُفُ رُوحِي فِي جَرْعَةٍ وَاحِدَةٍ،
فَأَذُوبُ فِي لَذَّةِ لِقَائِهَا!
XII
هيليودورا
اِرْفَعُوا الْكَأْسَ عَالِيًا لِلسِّحْرِ وَالْحُبِّ،
وَلِلنِّعْمَةِ الَّتِي تَنْسَابُ كَالْحَرِيرِ عَلَى الْأَسْمَاعِ،
بِاسْمِ هيليودورا، مَلِكَةِ الْقُلُوبِ وَمُلْهِمَةِ الْأَرْوَاحِ!
اِمْلَأُوهَا مَرَّةً أُخْرَى، وَمَرَّةً أُخْرَى بِالْمِثْلِ،
فَلَا يَرْوِي ظَمَأَ النَّفْسِ سِوَى ذِكْرَاهَا.
فَهِيَ إِلَهَتِي الْوَحِيدَةُ، الَّتِي
عِنْدَمَا يَخْطُرُ اسْمُهَا بِبَالِي،
يَتَوَهَّجُ قَلْبِي بِنُورِ حُبِّهَا،
وَأُقَدِّمُ قُرْبَانِي النَّقِيَّ،
مَخْلُوطًا بِكَأْسِي قَبْلَ أَنْ أَرْشُفَ،
كَأَنَّنِي أَشْرَبُ مِنْ يَنْبُوعِ جَمَالِهَا الْأَبَدِيِّ،
وَأَتَنَسَّمُ عَبِيرَ رُوحِهَا الْخَالِدِ.