هذه الذكريات لا تتضمن كمية التحرشات اللفظية التي شكلت جزءًا من حياتي اليومية منذ طفولتي حتى اليوم. وهذا ليس لأن هذه التحرشات اللفظية ليست بنفس قوة أنواع التحرش الأخرى ولكن لأنها بكل بساطة لا يمكن عدها أو إحصاؤها في حياتي. إنها جزء أصيل من قهر حياتي المتشابك فيه.
الذكرى الأولى:
كنت في الثالثة عشرة من العمر أحب دائمًا الذهاب في كل عام إلي المولد المقام لجد جدي الشيخ محمد أبو خليل أشهر شيوخ الشرقية. كنت دائمًا أتحدى حرص العائلة ألا أنزل متأخرة بدون رجل، لكنني في تلك المرة نزلت في وقت مناسب مع إحدى قريباتي. ابتعدت عني وسط الزحام قليلًا فشعرت بيد تحتك بعنف بمؤخرتي، وكلما ذهبت يمينًا أو يسارًا تلحق بي. شعرت أنني فريسة حبيسة شرك لا أستطيع الهرب منه. فكرت أن أضرب من خلفي لأنني كنت أتقن الرياضات القتالية لكنني خفت عليه لأنني لم أكن أعرف ما يفعله بالضبط. لم يكن يسرق شيئًا مني (أو هكذا ظننت) لكنني شعرت بالإهانة. لم أعرف من أين جاءني هذا الشعور فأنا لم أكن أعرف ما هو التحرش لكنني شعرت داخليًا بقدر عميق من الإهانة. في النهاية قررت أن ألتفت خلفي، فوجدته رجل كبير في السن، يقول بكل بجاحة: “ما تبقيش تمشي في شوارع زحمة!”
ولأن أمي كانت قد كسرتني بالخوف على غشاء البكارة، وكطفلة كنت مرتعبة على شيء لا أفهمه حسبت الأمر قد هتك عذريتي، وبقيت الليل كله لا أنام من الرعب. ورغم رعبي من والدتي، استجمعت شجاعتي، وحكيت لها. قالت لي بهدوء أن غشاء البكارة بعيد، ولن يتمزق من فعل كهذا لكنه مجرد رجل منحرف، وهناك رجال كثيرون مثله.
الذكرى الثانية:
وأنا في الرابعة عشرة كنت أجلس في السينما بجوار جدي، وجدتي، وأمي. ونحن داخلون للمقاعد وجدنا زوجين مسنين جالسين في أول الصف، وكان حظي أنني جلست بجوار الزوج المسن. أغلق النور، بدأ العرض، وفجأة شعرت بيد الرجل المسن توضع على رجلي اللتين كانتا مكشوفتين بثوب قصير. فكرت: “هل أصرخ؟” لكنني أشفقت على زوجته المسنة. شعرت أنني سأجرحها جرحًا لا يوصف إن وجدت زوجها الذي قضت عمرها معه يتحرش بفتاة بعمر حفيدته، وهو يجلس بجوارها غير محترم لها على الإطلاق. فقررت أن أتصرف أنا بكل هدوء ممكن، وبدون أن يلحظ أحد. وضعت الحقيبة بيني وبينه، فرفع يداه فوق الحقيبة، ووضعهما على رجلي. وضعت الحقيبة على مسافة أعلي. نظر إلى وجهي، فتعمدت أن أمثل أنني أشاهد الفيلم، ولا أهتم بينما أدفع يديه بالحقيبة بقوة. بعد محاولات عدة يئس مني، وتركني. لكن الذكري لم تترك بالي قط. وأكثر ما بقي داخلي بجوار الألم كان الدهشة. الدهشة من كوني تعرضت للتحرش في وجود جدي، وجدتي، وأمي، وزوجة المتحرش التي تجلس بجواره!
الذكري الثالثة:
في مظاهرات الاحتجاج على الإعلان الدستوري، في عصر مرسي تحرش بي شاب وسط الازدحام. صدمت، وتسمرت، وحدث لي ظاهرة تسمي الانفصال حيث يزول الوعي عن الشخص نتيجة الصدمة. وتسلل إلي شعور باللذة وسط هذا الانفصال، ولم أستطع أن أتحرك نهائيًا أي خطوة. ووسط الانفصال وجدت يداً تمسك بي، وتسحبني. كانت يد أختي الكبيرة. أنقذتني أختي حينها. وبعدها بدأت أفيق تدريجيًا من الانفصال. وبمجرد أن أفقت، وأدركت ما حدث شعرت بذنب عميق على إحساسي باللذة التي لم أردها، ولم اخترها لكنني لم أستطع التصرف لإيقاف التحرش، وإيقاف شعوري بها. وعلمت بعدها بسنوات أن بعض المغتصبات قد يشعرن برعشة جنسية رغمًا عنهن، ورغم قوة مقاومتهن للاغتصاب. وبدل أن أغضب من التحرش، تركت مع شعور عميق بالذنب لسنوات طويلة.
الذكرى الرابعة:
في الجامعة كان لدي كثير من الزملاء، والأصدقاء. كان هناك طالب والدته تعمل بالجامعة، ولديه الكثير من الصديقات. لم يكن يتصرف أو يتحدث أي حديث يظهر عليه أي شكل من أشكال التحرش أو حتى المغازلة. وكلامه كله كان عاديًا جدًا، وأقل من عادي، فلا يتحدث إلا في أخبار الدراسة. اقترح عليّ مرة أن نجلس في المكتبة. فأخذني لغرفة مذاكرة، وأخذ يتحدث عن أحوال الدراسة الجامعية بينما يهرش في قضيبه من فوق بنطاله. صدمت، ولم أشعر بالارتياح، ولم أفهم ما يحدث، وغادرت غرفة المذاكرة بسرعة، وابتعدت عنه. بعدها بسنتين اتصلت بي زميلة لتحكي لي أنها تشتكيه كمتحرش، وتطلب شهادة بنات كثيرات منهن أنا. قلت لها إنني لا أعرف هل نيته سيئة أم أنه يعاني من مشكلة جلدية مثلًا لأنه لا يتحدث أي حديث جنسي، ولا يفعل أي أفعال خارجة على اللياقة بوجه عام سوى هذا. لا أعرف كيف كنت بهذه السذاجة؟ كيف كنت بهذا القدر من السفه؟ كيف لم أدرك ماهية تحرشه الواضحة؟ كيف لم أقف مع صديقتي في شكواها؟ وكيف احتجت سنوات لأعرف الحقيقة الواضحة كالشمس أنه متحرش؟ هل أنا خرقاء إلى هذه الدرجة؟
الذكرى الخامسة:
اعترف لي شخص كان صديقي ذات يوم أنه استخدم صوري العادية جدًا التي ارتدى فيها ملابس رسمية في مؤتمرات على حسابات التواصل ليمارس العادة السرية. وقال لصديقتي إنه طبيعي أن يفعل ذلك ما دمت أضع صوري على حسابات التواصل! طبعًا أنهيت علاقتي بهذا المتحرش المجنون لكنني بقيت لا أفهم أبدًا كيف يمكن لشخص أن يمارس العادة السرية على صورة امرأة ترتدي تايير في مؤتمر؟! المتحرشون في مصر حقًا مجانين!
الذكرى السادسة:
طلب مني أحد معارفي الذين تعرفت عليهم خلال عملي الأكاديمي في الفلسفة بعد أكثر من خمس سنوات من معرفتنا أن أرسل له كتابًا فيه إثارة الجنسية! طبعًا حظرته من كل وسائل التواصل لكنه حاول أن يطاردني من حساب جديد، فحظرته مرة أخرى. ندمت بشدة أنني حظرته لأنني لم أواجهه بينما كان يجب أن أمسح بكرامته الأرض قبل أن أحظره.
الذكرى السابعة:
في الصف الثالث الإعدادي، وأنا أسير إلى المنزل بعد المدرسة طاردني أطفال الصفوف الابتدائية في المدارس المجاورة، وصاروا يتحرشون بي بصوت عال، ويقولون إن تنورتي عليها دم. كان قد تسرب دون ملاحظتي دماء حيضي إلى التنورة. وظلوا يتبعونني ويقولون نفس الكلام بصوت عال متعمدين. وأنا أشعر بالخزي من دماء حيضي، ولا أعرف كيف أخفيها، وكيف أرد عليهم. الحيض كان مزروعاً في أنه عار يستر. وأنني الآن مفضوحة، ولا أستطيع الرد. ظل داخلي الشعور بالخزي من الفضيحة لا يزول لسنوات طويلة جدًا. ولم يزل هذا الخزي إلا بعد أن أعلنت فخري بحيضي، وأنه ليس نجسًا، وأنني أصلي، وأصوم، وأعتمر فيه، وحتى صرت أخرج الفوطة الصحية بلا خجل من حقيبتي في الأماكن العامة، ولا أخفيها في أكياس سوداء. لكن رغم كل ذلك ربما بقي داخلي شيء من ذلك الخزي العالق من تلك الحادثة التي هتكتني.
الذكرى الثامنة:
ذهبت مع أمي في سن الخامسة عشرة للإسكندرية شتاءً. ركبنا سيارة أجرة، وطلبنا أن توصلنا لشاطئ عام لكن سائق الأجرة كان ينظر بشكل مخيف لركبتي، وجزء من فخذي كانت تظهره تنورتي. أنزلنا في مكان لا نعرفه، فحاولنا إيقاف سيارة أجرة أخرى. وقفت لنا سيارة أجرة، وعندما ركبناها وجدته ذات الشخص. لم تلحظ أمي الأمر لكنني عرفته من شبشبه. ارتعبت، وشعرت أنني مقيدة، وصدمت حتى بدأت أشعر بالانفصال، خفت أن نختطف لكنني استجمعت شجاعتي، وقلت لأمي في أذنها أنه نفس الشخص. فقالت له بقوة: “نزلنا، ده فيه حد نصب علينا، ونزلنا في حتة غلط.” ففهم أننا اكتشفنا حقيقته فأنزلنا. الغريب أنني بقيت أشعر بالخوف الذي شعرته داخل سيارة الأجرة بعدها لسنوات، وأخشى زيارة الإسكندرية.
الذكرى التاسعة:
ركبت مع أختي الكبرى المصعد، ومعنا رجل. عندما هممنا بالخروج من المصعد، قالت أختي له: "يا ريت تبقي تحترم نفسك في نظراتك بعد كده". لم أكن قد شعرت بشكل مباشر بنظراته لكنني كنت أشعر بجو غريب في المصعد. المؤثر أكثر كان كلمات أختي التي وجهتها لي بعدما غادرنا المصعد. قالت لي: "ده اللي كنت أقولك عليه". كانت قبلها تحاول إقناعي بضرورة الخضوع للمجتمع في بعض الأشياء مثل طريقة الملابس.
الذكرى العاشرة:
كنت أسير مع صديقتي في شارع شبرا الرئيسي، وهو من أكثر شوارع العالم ازدحامًا (وهذه ليس مبالغة على الإطلاق). فإذا بنا نفاجأ برجل يقف أمامنا ويخرج قضيبه من بنطاله، ويبدأ في ممارسة العادة السرية في وجهنا. تركناه، ومضينا فتبعنا، وأخرج لنا قضيبه مرة ثانية، وبقي يتكرر الأمر، ونحن نجري لمدة تقارب النصف ساعة أو أكثر. سلبية الجماهير العريضة في الشارع التي لم يتفوه أحد فيها بكلمة مع المتحرش حتى من باب أنه "يخدش الحياء" العام بعرض قضيبه على الملأ بينما يتشاجرون كثيرًا معي، ومع نساء أخريات بسبب ركبتهن التي تظهر فتسبب أزمة قلبية لحياء المجتمع بأكمله جعلتني أشمئز من المجتمع، وأشعر أنني أود أن أتقيء عليه مثلما أود التقيؤ علي المتحرش نفسه.
الذكرى الحادية عشرة:
كنت أسير مع زميلتي في الجامعة على جسر، وكانت هناك مجموعة كبيرة من الأطفال الذكور يسيرون خلفنا. ظلوا يتحرشون بنا ويطاردوننا، والناس علي الجسر يتفرجون. كانت صديقتي ترتدي خمارًا فقال لها أحد الأطفال إنها تستحق التحرش مثلي لأنها تسير معي! في نهاية الجسر أخذت سيارة أجرة، وعدت للمنزل، وقالت صديقتي إنها ستعود للبيت مشيًا. ظننت الأطفال تركوها لكنها كلمتني بعد عودتها لتخبرني أنهم ظلوا يطاردونها حتى المنزل. شعرت حينها بالذنب، ورأيت نفسي السبب في تعرضها للتحرش بسبب ملابسي. شعرت بالذنب ناحيتها حتى حكيت القصة لزميلاتي في الجامعة، واللاتي قلن لي: “مش هنكون بنقول للناس المتحرش هو الغلطان، ونيجي نلوم نفسنا إحنا لما نتعرض للتحرش.” هدأني كلامهن، وخفف عني شعوري بألم تأنيب الضمير لكنه لم يخفف أبدًا من شعوري بجرح التجربة المخيفة، ونظرات المتفرجين الذين لم يتدخلوا لمساعدتنا بل كانوا ينظرون إلينا باحتقار، وكأننا نحن المدانون، وليس هم الجبناء.
الذكرى الثانية عشرة:
كنت أقف في انتظار الطبيبة البيطرية لكلابي أمام عيادتها المغلقة. بجوار عيادتها كان هناك محل يبيع المكملات الغذائية للجيم. كنت أحمل كلبي الصغير الحجم على ذراعي. فسأل صاحب المحل عن الكلب ثم اقترب مني بحجة وضع يده على الكلب كما يفعل الكثيرون عندما يرون كلبي لأن شكله مميز. لكنه لم يضع يده على الكلب، بل وضعها على ثديي. دفعته بسرعة بعيدًا فاعتذر كأنه لم يقصد. شعرت بألم نفسي كبير، وجرح لكنني لم أنطق. وشعرت كذلك بخزي وإهانة.
الذكرى الثالثة عشرة:
كنت أعاني بعد إصابتي بكوفيد من مشاكل صحية جمة في حالة متقدمة جدًا ونادرة الحدوث من اضطراب ما بعد كوفيد. عجز الأطباء بمختلف تخصصاتهم كلها عن فهم ما يحدث أو علاجي بعد محاولات معقدة من عشرات التحاليل والأشعة المتنوعة داخل وخارج مصر وصلت حتى تحاليل الحمض النووي في تركيا. حينها قررت أن أجرب الطب البديل فذهبت لمجموعة أطباء، ومعالجين مختلفين يمارسون أساليب مختلفة من العلاجات البديلة. في إحدى المرات ذهبت لمعالج بالطب الصيني في أحد أكبر وأشهر مراكز الطب البديل المصرية في حي من أرقي أحياء القاهرة. هذا المعالج طلب مني الاستلقاء ومرر يديه على جسدي. منذ اللمسة الأولي على أجزاء عادية من جسدي بدأت أشعر أن الأمر غير طبيعي. اللمسة لم تكن طبيعية حتى وإن بدت كذلك. لم أدر وقتها ماذا ضايقني ،وأقلقني إلى هذه الدرجة. لكنني بعد سنوات أدركت أن اللمسة كانت محاولة إثارة احترافية ذكية يصعب إثباتها. أدركت ذلك عندما قرأت عن حوادث مشابهة من أطباء. شعرت أثناء تمريره ليديه علي جسدي أن جسدي مقيد، وأنني لا أعرف كيف أطلب منه التوقف لكن عندما اقترب من أسفل بطني طلبت منه بذوق: “ممكن بلاش الجزء ده؟” ونظر لي بهدوء واستغراب وقال: “أكيد.” لم يبد عليه أية نية خارجة حتى شكل لمساته لمشاهد خارجي كانت لتبدو عادية لكن الحقيقة أن لمسته كانت خاطئة، ومقصودة، واحترافية. أنا أدرك ذلك تمامًا الآن.
عندما انتهت الجلسة هربت بسرعة، ولم أعد ثانية أبدًا، ولكني بقيت أشعر باضطراب، وثقل، وتقييد. سبب مشاعري تلك أنني عجزت أن أثبت حتى لنفسي حقيقة نيته. داخلي كنت متخبطة. هل أظلمه؟ هل يهيأ إلي؟ هل شعوري خاطئ؟ وإن كان شعوري الداخلي صادق فهل أنا المذنبة لأنني سمحت لرجل لا أعرفه، وليس بيني وبينه أية علاقة حقيقية أن يمس جسدي بهذه الطريقة؟
الذكرى الرابعة عشرة:
كنت أقف في الحادية عشرة مساءً في انتظار إيجاد سيارة أجرة قرب جسر قصر النيل بعد نزولي من فرح بأحد أرقى الفنادق بالقاهرة، وأرتدي ملابس سهرة. في خلال خمس دقائق من نزولي من الفندق كان هناك خمسة شباب يحيطون بي، ويجرون خلفي في محاولة واضحة للانقضاض علي في حفلة تحرش جماعي. لم يبد الأمر أنه سيقتصر على تحرشات لفظية بل بدا واضحًا أنهم بمجرد إمساكهم بي فسيهتكون جسدي. هذه الأمور تشعر بها أحيانًا الضحية. تشعر أحيانًا بسقف المتحرشين في الانتهاك، وما الذي يهدفون لبلوغه.
أنقذني الله وقتها بأن توقفت لي سيارة أجرة، وقال لي سائقها: “خشي بسرعة” بدون أن يتناقش في الأجرة أو المكان الذي أريد الذهاب إليه بل نهر الشباب بينما كانوا يسبونني مبررين فعلتهم بفستان السهرة.
الذكرى الخامسة عشرة:
كانت تُرسل لي في مرحلة ما صور، وفيديوهات جنسية من أشخاص لا أعرفهم علي بريد الفيسبوك فكنت أحظرهم علي الفور لكنني كنت أجرح، وأشعر بشعور لا يتوقع الكثيرون أنني قد أشعر به. شعور يسمي “خدش الحياء” لأنني أجبر على رؤية مشاهد لا أريد رؤيتها. وكانت تعلق هذه المشاهد بذهني ليس باستمتاع إنما باشمئزاز، وجرح عميق. وكانت هناك كذلك بعض النساء اللاتي لا أعرفهن واللاتي يرسلن لي محاولة الخوض في كلام جنسي متخيلات أنني سأدخل علاقة مع أي امرأة لا أعرفها. كان ذلك الأمر مهينًا جدًا.
الذكرى السادسة عشرة:
نزلت منشورًا على فيسبوك عن البردية المحرمة أو بردية تورين والتي تتحدث عن صور مختلف الأوضاع الجنسية التي تمت ممارستها في مصر القديمة، وتحدثت في المنشور عن كون مصر القديمة لا تمثل صورة الاحترام، والحشمة، واعتبار الجنس قبحًا، وفحشًا. فوجدت شخصًا غريبًا يرسل رسالة يقول فيها: “عايز أدخله كده زي بردية تورين.” ولكنني قررت ألا أحظره ليرى فضيحته بنفسه. فأخذت صورة من الرسالة، ووضعتها على صفحتي، فصار مفضوحًا، ودخل بنفسه يزود فضيحته أمام جميع المتابعين بمحاولة تبرير الموقف. مشاعري بعد هذا الموقف كانت مختلطة. فمن ناحية شعرت أنها المرة الأولي التي أخذ فيها حقي من متحرش، ومن ناحية أخرى كان هناك صوت غير منطقي يقول داخلي إنني يتم فهمي كامرأة تقبل ممارسة الجنس مع أي رجل كان لأنني أقف مواقف قوية في دفاعي عن الحرية الجنسية، وفي هجومي علي كل المنظومات الاجتماعية، والدينية التي تصم الجنس. داخلي كان هناك صوت أمي القمعي الذكوري الشرقي الذي يقول لي إنني أستحق ما يحدث لي.
الإهانة في مواقف كثيرة من المواقف المذكورة كانت تأتي أحيانًا بسبب شعوري غير المنطقي، ولا العادل أنني مسؤولة عما تعرضت له بالصورة التي أعطيتها للمتحرش عني، وعن استعدادي لقبول أفعاله أو تشجيعها بسبب ملابسي أو بسبب أفكاري، ومناقشتي لها، أو بسبب تعاملي معه بتلقائية. إن الإهانة تأتي من الصورة التي رآني المتحرش بها أثناء ممارسته للتحرش.
وليست هذه الذكريات هي كل ذكرياتي مع التحرش، وليست حتى أبشعها. فهناك ما هو أبشع لكنني لا أستطيع أن أرويه. أردت أن أكتب جانبًا مع ذكرياتي مع هذا الألم، والانتهاك لجسدي. أردت أن أكتب عن ألمي العميق المغروس داخلي، والذي يتذكره جسدي، وليس فقط عقلي.