أعلنت مارجوري تايلور غرين عن استقالتها من مجلس النواب بعد خمس سنوات من الدفاع الأعمى والولاء الشديد للرئيس دونالد ترامب. الخلافات داخل أنصار حركة ماغا (Make America Great Again) ليست جديدة، فالحركة ليست كتلة واحدة موحّدة، بل تضم تيارات مختلفة ومتباينة في شعاراتها وأهدافها. وهذا التنوّع هو ما يفسّر سبب التفكك الحاصل اليوم، بين الترامبيين المتعنصرين له الذين يعتبرونه الشخصية المحورية للحركة، وبين من يرى بأن ترامب قد خان الأمانة وانحرف عن أهدافها.
ورغم أن الحركة تعتبر ترامب هو القائد، وأن المؤسسة السياسية في واشنطن هي العدو، إلا أنها تضم تيارات ذات أهداف مختلفة، مثل التيار القومي الاقتصادي الذي يتزعمه أو يتركز حول ستيف بانون وهو الجناح الأكثر تأثيراً، وكذلك التيار المسيحي القومي الذي يركز على فكرة أن الهوية الأمريكية يجب أن تكون جذورها مسيحية، وتيار الدولة العميقة الذي يشكك بالانتخابات ويعتبر واشنطن وكراً للشياطين. وهناك جهات أصغر تركز على قضية العرق وبناء الجدار وطرد المهاجرين غير الشرعيين.
نقطة انفجار الخلافات وظهورها إلى السطح كانت ملفات جيفري إبستين والتدخل الخارجي على حساب الاقتصاد الأمريكي، وهو ما ظهر مؤخراً بشكل واضح في معاداة الدعم غير المحدود لإسرائيل. ومع مقارنة بسيطة بالحزب الديمقراطي الذي يمتلك وجوهاً نسوية كثيرة مثل هيلاري كلينتون ونانسي بيلوسي وكامالا هاريس، نجد أن الحزب الجمهوري يفتقر لوجود قيادات نسائية مؤثرة، حيث يشكل الرجال أكثر من 80% من أعضاء الكونغرس الجمهوري حتى عام 2025. غرين كانت واحدة من الوجوه النسائية القليلة النافذة في جناح ترامب المتطرف، وخروجها يفرغ الجناح الشعبوي من آخر امرأة بارزة فيه، مما يعمّق أزمة التمثيل الجندري داخل الحزب.
ولأن الخلاف وصل إلى كسر عظم بين جناح غرين وترامب، فالعودة أصبحت شبه مستحيلة بعد تبادل الاتهامات بالخيانة بين الطرفين. والسؤال الآن: ما الذي حول غرين من صديق وداعم رئيسي لحملة ترامب إلى عدو يتهمه بأنه يعمل لدولة أخرى؟
برأيي، تتحضّر غرين لانفجار قد يعصف بالحزب الجمهوري إذا تم الكشف عن ملفات جيفري إبستين، والقفز المبكر سيبعد عنها شبح الاتهام. لذلك كان إعلان الاستقالة سابقاً للاستقالة الرسمية التي ستكون مطلع العام القادم. وتحاول حركة ماغا، خصوصاً التيار المعارض لسياسة ترامب، لملمة نفسها والاستعداد لمرحلة ما بعد ترامب، وربما هذا السبب المعلن وراء الاستقالة. فهو هروب إلى الأمام: إن انفجرت قنبلة إبستين ستكون قد خرجت نظيفة، وإن انهار ترامب ستكون هي الوحيدة التي حذرت وتمردت عليه باكراً.
استقالة غرين ليست نهاية، بل بداية لترشح محتمل للانتخابات الرئاسية أو لقيادة الحركة، وتضييق على ترامب الذي خذلهم في السياسة الخارجية بدعمه إسرائيل في غزة والضربات على إيران، وفي الاقتصاد والتعريفات الجمركية على الأسر العاملة، وكذلك ملف جيفري إبستين الذي تخلى عن وعوده بكشفه في بداية حملته الانتخابية. فإن خروج غرين يُعتبر قفزاً من السفينة الغارقة لتيار ترامب، واستقالتها عملية استباقية تحميها من التورط مع الحفاظ على صورتها كمدافعة عن الشفافية وحقوق الأبيض المسيحي.
هذا التمرد والخروج عن الولاء يعتبر تحولاً كبيراً في قاعدة ترامب. والاتهام بالخيانة أصبح بادرة جديدة داخل الحركة نفسها، وإن لم يكن جديداً على أساليبها في وصف الآخرين. يبدو أن شعبية ترامب بدأت تتراجع، فقد وجدت الحركة بدائل له، وهذه أشد خطراً عليه من ملاحقة الديمقراطيين له. وكما يقولون: طباخ السم يذوقه.