(هاشيت أنطوان / دار نوفل، بيروت، 2025)
[مازن حيدر، كاتب لبناني ومهندس باحث في التراث المعماري (مواليد بيروت، 1979). له العديد من البحوث بالعربيّة والفرنسيّة عن عمارة بيروت السكنيّة في القرن العشرين. صدرت له روايتان «فور ستبس داون» (2017) و«الرجاء استبدال الأكاليل» (2023)، و«صيف أرملة صاروفيم» روايته الثالثة].
جدلية (ج): كيف ولدت فكرة النص، ما هي منابعه وروافده ومراحل تطوّره؟
مازن حيدر (م. ح.): تنطلق رواية "صيف أرملة صاروفيم" من صلب حياة اللبنانيين في المراحل الأخيرة من الحرب الأهلية، مرورًا بتفاصيل يومياتهم المتكيّفة مع ما سُمّي بحرب التحرير عام ۱۹۸۹، ومع ازدواجية العيش بين مناطق آمنة نسبيًا لجأ إليها سكّان الساحل، وبين القلق المستمر على من بقي في مناطق المواجهة. وهي بذلك محاولة لاستنهاض ذاكرة تلك الحقبة، مع مقاربة الحرب كخلفية لا كموضوع رئيس، وإعادة قراءة جوانب مختلفة من الاصطياف وتعاطي أبناء إحدى القرى معها، ولا سيّما أولئك الذين ربطتهم بالمدينة علاقات عمل أو إقامة شتوية. تتوسّع الرواية لتضيء على طقوس الانتظار والاستماع إلى أخبار المعارك، وكيفية التأقلم مع الأزمات، وصولًا إلى استعادة المنهج الدراسي للأطفال في ظلّ إقفال المدارس، بل وحتى أنشطة التسلية التي كانت تزوّد تلك الأيام البطيئة بقدر من الخفة. أمّا المحور الجوهري الذي تنتظم حوله الأحداث، فهو علاقة اللبنانيين بتاريخهم وبأمكنتهم وما تختزنه من دلالات... فالآثار المخبّأة في تلك الأمكنة تتحوّل إلى لغز، بل إلى سلسلة من الألغاز التي تشغلهم عن الحرب القاسية، ثمّ تعود فتشدّهم إليها بطرق غير متوقعة.
(ج): ما هي الثيمة/ات الرئيسية للعمل؟ ما هو العالم الذي يأخذنا إليه النص؟
(م. ح.): يحمل محور الرواية الرئيسي موضوع أساليب عيش اللبنانيين في زمن الحرب، مع إبراز تفاصيل يومياتهم وتأقلمهم معها، بما في ذلك محاولاتهم ترويض قلقهم اليومي. وتتفرّع عن هذا المحور موضوعات مختلفة كالذاكرة، والطفولة، والمكان، والعلاقة مع التاريخ، إضافة إلى التوتر بين فئتين: فئة تصبر على الحرب باعتبارها غيمة عابرة ستنقشع عاجلًا أم آجلًا، وأخرى تتكيّف مع اختلال الواقع العام وتتماهى مع إيقاع البلاد المضطرب حتى يصبح جزءًا من يومياتها. أمّا العالم الروائي، فهو ليس مجرد قرية بالمعنى الجغرافي ربّما بل فضاء رصد نتابع فيه أشخاصًا من النازحين والمقيمين يعيشون في جو بعيد عن أرض المعارك، متفاعلين بين بعضهم في علاقاتهم اليومية وأفكارهم المختلفة. بهذا تُظهر الرواية عالمًا يبدو هادئًا من الخارج، لكنه مرتبط بخيط خفيّ بتاريخ أكبر يطلّ من خلال التفاصيل ويذكّر بأن ما يجري ليس حدثًا عابرًا بل جزءًا من طبقات الذاكرة اللبنانية.
(ج): كتابُك الأخير عبارة عن رواية، هل لاختيارك جنسًا أدبيًا بذاته تأثير فيما تريد أن تقول، وما هي طبيعة هذا التأثير؟
(م. ح.): اختياري للرواية في مسيرتي وفي بحثي عن الذاكرة المجتمعية اللبنانية، وفي هذا العمل تحديدًا، أتاح لي مساحة أرحب وأقدر على احتضان ما يشغلني أكاديميًا. فالرواية تفتح مجالًا لقراءة الذاكرة والتاريخ عبر نبض الحياة اليومية، وهي زاوية كثيرًا ما يغفلها البحث الأكاديمي، أو لا يُصغي بما يكفي لما يتوهّج فيها من مشاعر وحكايات وتفاصيل. أشعر أنّ الرواية، منذ عملي الثاني "الرجاء استبدال الأكاليل"، باتت تساعدني على منح المرحلة التاريخية التي تعنيني، ومعها الأمكنة، صوتها الخاص بعيدًا عن صرامة المقالة أو الدراسة. بذلك لم تكن الرواية خيارًا شكليًا، بل ضرورة تعبيرية تسمح للتأمل الفكري بأن يتجاور مع التجربة الإنسانية الحية داخل نسيج سردي واحد.
(ج): ما هي التحديات والصعوبات التي جابهتك أثناء الكتابة؟
(م. ح.): لا أستطيع القول إنّني واجهتُ تحدّيات كبرى بالمعنى التقليدي، لكن ثمّة صعوبات دقيقة رافقت عملية الكتابة. لعلّ أبرزها تحقيق التوازن بين التاريخي واليومي، وبين كتابة الحرب من خارجها، من ظلّها وتسرّبها إلى أدقّ التفاصيل، من دون الانزلاق إلى التوثيق المباشر أو الاستناد إلى سردية جاهزة. كان عليّ أن أترك للحرب حضورها الجانبي المتخفّي كما عاشه اللبنانيون لا كما دوّنته التقارير. تحدٍ آخر تمثّل في الربط بين مسار البحث عن الألغاز وترقّبها، وبين توجيه الرواية نحو مسار لا يقوم على الإثارة بقدر ما يغوص في الثقافة اللبنانية وفي علاقتها الملتبسة مع التاريخ. كان هذا التوازن دقيقًا بعض الشيء، كيف للغز مثلاً أن يكون نافذة على الذاكرة والوعي الجمعي لا مجرّد عنصر تشويقي؟ … وربما تكون هذه الصعوبات الصغيرة قد أسهمت بدرجة ما في تشكيل نبرة النص ومساره.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الإبداعية؟
(م. ح.): أراه امتدادًا لبناءٍ سردي بدأ يتبلور مع روايتي الثانية "الرجاء استبدال الأكاليل" التي تطرّقتُ فيها إلى موضوع المفقودين وإلى ما سُكت عنه في مرحلة ما بعد الحرب من محاسبة وما طُمس عمدًا من ذاكرة اللبنانيّين. وفي "صيف أرملة صاروفيم" تأتي استعادة مُكمّلة لتفاصيل مرحلة من تاريخ لبنان قد لا تلبث أن تتلاشى، مع محاولة لربط الذاكرة بعلاقة الأفراد بإرثهم، وقد اتّخذ البناء شكلًا دائريًا تتقاطع فيه البداية بالنهاية. وربما تكون هذه الرواية خطوة إضافية ضمن مسار أحاول فيه قدر المستطاع فهم العلاقة بين السرد والمكان والوعي بالتفاصيل.
(ج): هل هناك نصوص كانت ذات تأثير خاص، أو قرأتها أثناء إنجاز النص؟
(م. ح.): يصعب تحديد نصوص بعينها كان لها تأثير مباشر أثناء الكتابة، لكنّ الرواية تتضمّن ذكرًا مباشرًا لقراءات أسامة، ابنة الثمانية عشر عامًا والشخصية الرئيسة، لأعمال مارون عبود وتوفيق يوسف عوّاد. كما تحضر، بصورة تلميح فقط، رواية رشيد الضعيف "تقنيات البؤس" الصادرة عام ۱۹۸۹، وهو العام نفسه الذي تدور فيه أحداث الرواية. هذه النصوص لا يمكن اعتبارها مصادر تأثير مباشرة، بل هي حضور طبيعي ضمن أفق القراءات الذي تعيشه الشخصيات في تلك المرحلة.
(ج): هل تُفكّر بقارئ محدّد أثناء الكتابة، صفه لنا؟
(م. ح.): لا أكتب لقارئ محدّد بل لقارئ يحمل فضولًا للبحث بين السطور ولا يكتفي بالتفسير المباشر، بل يستمتع بالتقاط الإشارات الصغيرة وقراءة ما قد يلمع في الهوامش. قارئ يرى في الرواية أكثر من مجرد حكاية، ويقبل بأن تكون مساحة للتأمل في الذاكرة وفي طريقة النظر إلى الأشياء.
(ج): ما هو مشروعك القادم؟
(م. ح.): هناك عمل جديد ينضج على نار هادئة، يواصل البحث في علاقة الإنسان بمكانه وتاريخه، وفي الأسئلة التي لا تزال مفتوحة داخل تجربتنا الجماعية في لبنان.
مقتطف حصريّ من الرواية
«حين تنتهي من قراءة هذه المخطوطة، سيكون جميع سكّان قرية عين سْرار قد غادروا هذه الأرض. قد لا يبقى في خراجها سوى نواطير أراضي آل الدايخ ورعاة مواشيهم. وقد يلازم شحادة ناطور المياه داره العتيقة، متكمّشًا بمقبض مجرفه الغليظ، يحرس بنظراته الساهمة طريق النبع المُقفر وأشجار التفّاح الآخذة بالاصفرار. غير أنّ كلًّا من بيت الشبر وبيت داود وبيت الدايخ وبيت الحرقيص، وسائر شاغلي أراضي الشيخ عبّاس، وأصحاب متاجر الساحة، سيكونون في عداد النازحين ساحلًا، آملين أن تُسكِت رياح تشرين الباردة شراسة هذا الصيف الغاضب. ومتى رحلت غالبيّة الأهالي فلن يبقى ما يُنير تلّ اللزّاب الشامخ سوى نوافذ ثلاث. هُنالك، فوق، على مشارف جبّانة المتاولة المنسيّة ستُشعلُ أرملة صاروفيم موقدها في ردهةٍ أعدّتها للشتاء، تترقّب بصبرٍ وإيمانٍ حلول فصل الربيع، يؤانسها نعيق الغربان وخفخفة ضباع أودية عين سْرار».
تثاءبت أسامة وهي تتصفّح ما وقعت عليه من أوراقٍ مبعثرة على مكتب خالها هذا الصباح. تغيّب عن البيت على جري عادته قبل موعد استيقاظها، مُخلّفًا أعقاب سجائر تراكمت في المنفضة المُزخرفة، وفنجان قهوةٍ اكتفى بارتشاف نصف ما كان يحتويه. وعلى وقع موسيقى الأنباء العاجلة تُلعلع من مذياع الجيران أسفل حديقة البيت، رحلت بأفكارٍ مضطربة صوب بيروت البعيدة، حيث والداها الثابتان الصامدان في خضمّ معارك حرب التحرير المُستعرة.
لو كانت تلك القصّة التي يكتبها خالها ملحم في أوراقه من نسج خياله لتستّر على أسماء الأهلين الأصليّة، مُستبدلًا ألقابًا مستعارةً ببعضها. لا، لم يقُم بذلك. شحادة هو نفسه ناطور المياه الملقّب بشحادة بو لبن، الذي راح يشمتُ بالوافدين من المناطق الساحليّة المعرَّضة للقصف منذ شهر آذار المنصرم، مُشيدًا بسكينة عين سْرار وأمنها. سكّان أراضي الشيخ عبّاس ليسوا إلّا أسرة أمّها ومن بقي من أفراد أعمامها ممّن استملكوا أراضي أهل القرية المتاولة، بعد رحيل هؤلاء إلى ضواحي العاصمة أواسط القرن. أمّا الأرملة فهي أرملة صاروفيم! زوجة معلّم البناء الذي وافته المنيّة قبل عامٍ، بعدما تحسّنت أوضاعه الماليّة بنحوٍ مُذهل وبسحر ساحرٍ كما جاء على لسان أهل القرية المسنّين، ممّن جالستْهم أسامة بصحبة والدتها أيّام الصغر. قصّةٌ ازدحمت بتفاصيل غريبةٍ فاح الغموض من رموزها، مُتجلّيًا على ملامح مَن رواها من الساهرين، مُتسلّلًا إلى مجرى أحاديثهم الرتيبة المُتكرّرة.
مُلحقٌ إخباريٌ جديد تبيّنتْ من كلام المذيعة فيه عدد القذائف الأربعين المنهمرة منذ السابعة على شاطئ مدينة جبيل من مصدرٍ عسكريٍّ للجيش السوري، لا يبعد عن بيت ذويها في بيروت الغربيّة سوى كيلومترين أو ثلاثة. وبينما شردت نظراتها صوب غابات الصنوبر في الجبل المُقابل، راحت تُكمل تزرير قميصها، مُصمّمةً هذه المرّة على النزول صوب الطريق العام إلى دكّان نايف الحرقيص، حيثُ هاتف القرية الوحيد. مُكالمةٌ واحدة فقط كلّ أربعة أيّامٍ أو ثلاثةٍ على الأكثر قالت أمّها حاسمةً من ملجأ المستشفى، مكان عملها غرب بيروت. مكالمةٌ واحدة يا أسامة، ولا داعي لأن تتّصلي بمكاتب الصحيفة، فوالدك أيضًا في مكانٍ آمنٍ تحت سابع أرض! هكذا حتّى اقتنعت بأنّ ما اختاره القدرُ السيّئ لأسرتها من تشرذمٍ وانسلاخٍ بين أفرادها في هذا الصيف، لم يكُن ليكتمل إلّا بانقطاع الاتّصالات بين بعض المناطق، حتّى باتت موسيقى إعلانات ملاحق مكتب التحرير الإخباريّة، المنبعثة من مذياع الجيران، لا تثير قلقها فحسب، بل تذكّرها بوجوب الهرب بعيدًا عن هذا الضغط الكبير.
تهربُ صوب هضاب القرية ونبع مياهها مع بعض الفتيات والفتيان. تهربُ في روايات توفيق يوسف عوّاد ومارون عبّود، التي زوّدها بها خالها ملحم؛ تلوذُ بشخصيّاتها مُحلّقةً فوق الأرض، مُتقمّصةً السعيد منها. تهرب إلى عالم الأطفال، مُتمسّكةً برغبتها القديمة في خوض مجال التدريس ونشر المعرفة، بعيدًا عن عالم التمريض وأنين جرحى المعارك الدائرة، أو عن مهنة الصحافة وناقلي أخبار البلاد العابسة. مُدرِّسةٌ مثل خالها ملحم، لا في الصفوف الثانويّة مع مراهقين وشبّانٍ أشقياء من أولاد جيلها، بل مع الأطفال الحالمين، أصحاب الخيال المتدفّق والضحكات البريئة.
وهذا ما كان!
توأمان في العاشرة؛ جهاد وميلاد، تلميذاها هذا الصيف. تعطّل برنامج تعليمهما منذ أشهر كسائر طلّاب السواحل، ونضبت أمّهما من هموم الحياة بعد رحيل زوجها قسرًا إلى الخليج العربي بحثًا عن لقمة العيش. حاولت الأمّ مساعدتهما جاهدة، وخسرت التحدّي نظرًا إلى نقص مستوى تعليمها وتردّي أوضاعها النفسيّة كما قيل. «هذه أسامة حفيدة بشارة القدّوم رحمه الله! بيتهم بيت علم ومعرفة. خالها الأستاذ ملحم من خيرة المتعلّمين في قريتنا وأمّها الست أنيسة طبيبة في بيروت». استرسل شحادة بو لبن مرارًا في مدحه بيت القدّوم أمام والدة التوأمين، النازحة لتوّها من ضواحي بيروت المنهكة من معركة التحرير. تعمّد رفع شأن ابنة بشارة القدّوم ناسبًا إليها مهنة الطبّ بدلًا من التمريض، لتعودَ أسامة وتصوّب كلامه مُتحفّظةً على هذه المبالغة. وبحركةٍ مُرتبكةٍ حائرة، رفعت خصل شعرها الأسود الطويل قاذفةً بها إلى الخلف، راسمةً ابتسامةً خفيفةً ما لبثت أن تلاشت خجلًا. تحوّلت عيناها صوب الطفلين، فاشتمّت رائحة أنسٍ تدخُل عالمها المضطرب هذا الصيف، تُعيدها إلى أجواء دراستها المُعلّقة. وعندما أخذت برَكة خالها في التزامها المهني اليومي الجديد عاجلها بنصائح ثلاث:
«لا تكتفي ببرنامج تعليمهما المقرّر، بل اسعي إلى ابتكار المواضيع في دروس اللغتين العربيّة والفرنسيّة.
دَوِّني يوميًّا مواضيع الدروس ونقاط ضعف طالبَيك. تذكّري جيّدًا ما طرحاه عليكِ من أسئلة وما استحضراه من تعليقات.
دوروا في الحقول والبراري...».
استنشق سيجارته شاخصًا إلى غابات الجبل تحت سماء شهر تمّوز الصافية قبالته، متجنّبًا إشاحة رأسه صوبها قاطعًا أمامها مجال الاستفسار عن نصائحه، الثالثة منها خاصّة. لن تحصر الدروس بمكان إقامة عائلة النازحين الجدد عند بيت من آواهم من آل الدايخ. سوف تتواعد مع الطفلين على اللقاء تحت عريشة بيت جدَّيْها أحيانًا، وأمام البركة أحيانًا أخرى. درس اللغة والقواعد العربيّة عند العريشة، الفرنسيّة والرياضيّات أمام البركة. درسٌ هنا ودرس هناك، هذا كلّ ما فهمته من النصيحة الغريبة التي أسداها الخال. أطلق ما أطلقه من أفكار، وتحوّل عنها مُنكبًّا على أوراقه التي لم يعُد يفارقها إلّا لرياضته الصباحيّة، أو لإعداد طبق الغداء اليومي. بات ينتظرها رابطًا مئزره حول خصره بعيد الساعة الثانية، يجول في مطبخه الصغير مُبتسمًا راضيًا عن نشاطه الصباحي من كتابةٍ وإعادة ترتيب أغراض البيت، ومهامّ أُخرى عجزتْ عن تحديد طبيعتها. انتظم برنامجها اليومي: تصحو في تمام السابعة والنصف، وبُعَيد الثامنة تمضي إلى بستان التفّاح القريب تدرسُ مادّة العلوم عند العرب، أو ما قد يترتّب عليها إعداده لانتسابها الجامعي في السنة المقبلة، إن استتبّ الأمن في البلاد. وقبل العاشرة بربع ساعة ترجع إلى البيت، تصبّح على خالها العائد من مشاويره، قبل أن تنصرف إلى حصّة الدروس الخصوصيّة. وعندما يحين وقت الغداء قرابة الثانية ظهرًا، تجتمع بخالها في المطبخ من جديد. تراقبه بعينيها الذابلتين الخجولتين، تستمع إليه مُسترسلًا في مديح مُنتَج السنة من خضار كاللوبياء البادريّة أو البندورة الجبليّة الحمراء، قبل أن تدهمه أفكارٌ سوداء يتذكّر فيها ما خلّفه في شقّته الصغيرة في ساحل المتن الشمالي من أشوال من البطاطا البقاعيّة غير المتوفّرة جبلًا، مع استمرار حصار الجيش السوري للمنطقة الشرقيّة.