(مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2025)
[روائي وناقد سينمائي فلسطيني، وباحث في السينما الفلسطينية. مقيم في باريس. مؤسس ومحرر “رمان الثقافية”. يكتب أسبوعياً في “القدس العربي”. له الروايات: «عين الديك» و«سيناريو» و«تذكرتان إلى صفورية»، و«سيرة لسينما الفلسطينيين: محدودية المساحات والشخصيات»، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ٢٠٢٥.].
جدلية (ج): كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟
سليم البيك (س. ب.): قبل الفكرة عن تأليف الكتاب كنت أكتب المقال النقدي السينمائي عن أفلام من العالم وبما فيها الفيلم الفلسطيني، وهذا مستمر حتى اليوم. هذه مهنتي أساساً. وكتابة المقال الثقافي تحتاج دائماً إلى تغذية قرائية، تنويع القراءات وتخصيصها في مجال المقال وهو هنا السينما الفلسطينية، وللحقيقة وجدت نقصاً في ما توفر من كتب أقرأها، تؤرّخ لهذه السينما، بحثية كانت أو نقدية، ولي ملاحظات على بعض التوفر منها. هذا الكلام عن الموجود بالعربية والإنكليزية والفرنسية، أما إن حصرنا الحديث على الكتب العربية فسيكون الحال أكثر إحباطاً. من هنا فكرت بتطوير علاقتي مع الممارسة النقدية للسينما الفلسطينية من المقال الصحافي النقدي إلى الكتاب البحثي النقدي. انطلقت في العمل على الكتاب من جانبين: أولاً، السينما العالمية التي سبقت الفلسطينية عندي كموضوع للمقالات، سبقتها وتزيد عنها بكثير، فمعظم المقالات التي أكتبها أسبوعياً تتسع لها السينما العالمية والعربية أكثر مما تفعل الفلسطينية، بحكم كم الإنتاج ونوعه، كما أن المتابعة للمهرجانات العالمية تتطلب ذلك. ثانياً، الثقافة الفلسطينية، فقد بدأت الكتابة الصحافية بالمواضيع الثقافية الفلسطينية من دون تخصص محدد، وواصلت ذلك بموازاة الكتابة النقدية السينمائية وعلى هامشها، كما أني محرر ثقافي لمجلة "رمان الثقافية". هذان الجانبان: السينما العالمية والثقافة الفلسطينية، تقاطعا في موضوع السينما الفلسطينية. من هذه الأفكار تبلورت فكرة الكتاب.
(ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
(س. ب.): يمكن للعنوانَين الرئيسي والفرعي توضيح ذلك، الرئيسي هو "سيرة لسينما الفلسطينيين"، أي أن الكتاب يقدم سيرة للسينما التي يصنعها الفلسطينيون، أي، عموماً، للسينما الفلسطينية. وأنا أذكر في المقدمة أن الكتاب كما هو سيرة للسينما الفلسطينية، هو كذلك سيرة لتاريخ الفلسطينيين من خلال سينماهم، ومجالي الحيوي هنا هو الشخصيات في هذه الأفلام. فالسيرة هي كذلك سيرة للشخصيات الفلسطينية، أي لكيف يرى الفلسطيني ذاته، لصورته، في أفلامه. أما العنوان الثانوي فهو "محدودية المساحات والشخصيات"، وهذا يحيل إلى الفكرة الموجِّه لعموم الكتاب، فإن كان في ظاهره سيرة، فهو في باطنه بحث في المحدودية التي تسببت بها سياسات المستعمر وإنشاءاته، وقد سميتها بالجيمات الخمسة (الجندي، الجيب، الحاجز، السجن، الجدار)، وهي التي جعلت من الشخصية الفلسطينية محدودة الحركة، مساحاتياً، ما يودي إلى محدودية في الحركة أو التطوّر السردي، درامياً، فالشخصيات الفلسطينية في معظمها، أي في نمطها، أي في صورتها العامة، أي في الانطباع الذي تشكّله، هي شخصيات مبتورة درامياً. تنقطع ولا تنجز في نهاية الفيلم ما أفهمت المُشاهد من بدايته أنها تسعى إليه.
(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟
(س. ب.): التحديات أساساً كانت في المراجع والمصادر. وهذا أصلاً سبب أولي في الخروج بفكرة الكتاب كما قلت. فمعظم المراجع كانت بالإنكليزية وبعضها بالفرنسية، أما العربي فهي قليلة جداً، تكثر المقالات وتوجد بحوث بالعربية، لكن الكتب والفصول من كتب والبحوث فهي أكثرها بالإنكليزية، فكانت فكرة الكتاب أولاً من ضرورة وجود مرجع شامل للسينما الروائية الفلسطينية حاولت أن أشتغل عليه متمنياً أن يكونه الكتاب من بعد صدوره. قراءاتي كانت باللغتين الأجنبيتين أولاً، وبما توفر بالعربية ثانياً، بتفاوت حجم المقروء. لذلك مع أسباب أخرى أردت الشغل على الكتاب، وذلك أيضاً ما واجهته خلالها، فالكتابات بالأجنبية تكون غالباً لكتّاب أجانب، وتكون النظرة تجاه هذه السينما إما موضوعية وصفية تحليلية من دون إدراك لدواخل الشخصية الفلسطينية أو لتفاصيل القصص الفلسطينية، بمحليتها، وهي بحوث لمن شاهد الأفلام بترجمة، ولمن قرأ عنها بلغة غير العربية. هذا كله يعطي انطباعات قاصرة عن الفيلم الفلسطيني وعن الشخصيات الفلسطينية وعن سياقاتها. عدا عن أني، سياسياً وفكرياً، ضد حصر الاعتماد على مراجع إنكليزية مثلاً، في وقت يشاهد الفلسطيني والعربي الفيلمَ بالعربية. لمَ لا تحضر، كذلك بل وأولاً، دراسات عن فيلم ناطق بالعربية وبشخصيات وقصص عربية، أن تكون أولاً بالعربية. التحدي إذن كان في الحياد والبرود والوصف والبعد الذي قرأته في معظم المراجع وكانت بالإنكليزية.
(ج): كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟
(س. ب.): هو كتاب مزدوج من حيث هويته، هو بحثي ونقدي. بحثي بمعنى أني أضع فرضية وأتقدّم بها، دارساً الأفلام في إطارها. استعنت قليلاً بالفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، استعنت بالسياق السياسي وقد قدمتُ كل قسم من الكتاب بفصل خاص بالسياق التاريخي الذي خرجت فيه الأفلام، بمعنى أني بنيت على ما سبق مما توفر من مراجع، متحرياً الدقة قدر الإمكان في المعلومة والتحليل. لكنه كذلك كتاب في النقد السينمائي، أمنح إذن تقييماً مع تبريراته لهذا الفيلم وذاك، واضعاً كلاً منها في مكانه ومكانته ضمن عموم هذه السيرة، لست أوصّف هنا أو أشخّص وحسب، بل أدخل أعمق في العلاقة مع الفيلم كي لا تكون النظرة البحثية من الخارج وحسب، بل مترافقة مع نظرة نقدية من داخل الفيلم بوصفه عملاً فنياً يُقرأ تقنياً كما يُقرأ سياسياً واجتماعياً.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟
(س. ب.): هو الكتاب الثاني في السينما، الأول صدر عام ٢٠٢٣ وكان بعنوان "تأملات في الفيلم الفلسطيني"، وكانت فصوله تشي بطبيعته: نقاشات، قراءات، مقابلة. أي أني أطرح أفكاراً في فصول قصيرة، متنوعة، أضيف إليها تطبيقات لهذه النقاشات من خلال قراءات لأفلام. لكن "سيرة لسينما الفلسطينيين" هو الكتاب البحثي الأول لي، متكامل ومنسجم، كما حاولت أن يكون، ومتمحور حول فكرة بعينها، فرضية، من أوله إلى آخره. قبل الكتابين كنت حررت وراجعت كتاباً كان صدر عام ١٩٧٨ بعنوان "فلسطين في السينما" لوليد شميط وغي هينبل. أما في الأدب، وهذا مجالي الأول والأولى، فلي ٦ كتب آخرها ثلاث روايات، وقد اخترت الرواية مجالاً كتابياً أوّل لي.
(ج): من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
(س. ب.): هو القارئ العام المهتم والمختص بالسينما العربية، والفلسطينية تحديداً. هو القارئ الذي يسعى إلى معرفة التاريخ المعاصر للفلسطينيين من خلال سينماهم، هو القارئ الذي يحاول التعرف على الإنتاج الفني الفلسطيني من بعد الثورة، أي بدءاً من الانتفاضة، كما صورتها السينما. هو القارئ للتاريخ السياسي المعاصر للفلسطينيين. يصلح الكتاب، كما أرى أو آمل، للباحثين والنقاد والطلاب كما يصلح لقارئ روايات أراد أن ينوع في قراءاته واختار السينما.
(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(س. ب.): حالياً أشتغل على كتابين بشكل متواز، يمكن ذلك لانفصال العالمين شكلاً ومضموناً، كتاب عن سينما الثورة الفلسطينية، ورواية أواصل فيها الروح ذاتها التي كانت في رواياتي الثلاث السابقة.