لورا جوتسدينرLaura Gottesdiener
وتكشف هذه الوثائق على نحو محدد أنه في آذار ونيسان 2003، أطلق الجيش الأمريكي حوالى أربعة آلاف قذيفة عيار 30 ملم أو 1،3 طن من ذخائر اليورانيوم المنضب في الفلوجة، وهو جزء صغير فحسب من 69 طناً أطلقتها الولايات المتحدة في أنحاء العراق في ذلك العام. وأطلقت معظم كمية ال 1،3 طن خارج المناطق السكنية في الفلوجة. تقر الوثائق أيضاً أنه بعد نيسان 2003، لم يستخدم الجيش الأمريكي أي يورانيوم منضب في العراق وأن اليورانيوم المنضب لم يُستخدم أثناء المعركة الأشرس في الفلوجة في 2004. وتقول الوثائق أيضاً إن الجيش الأميركي لم يستخدم أي يورانيوم منضب في الفلوجة أثناء حرب الخليج في 1991، حين أطلق 322 طناً من الذخائر التي تحتوي عليه في أنحاء العراق. بالنسبة لزويجنينبرغ، الناقد العلني لاستخدام ذخائر اليورانيوم المنضب، تقدم الوثائق قضية مشجعة ضد النظرية القائلة إن المعدن يجب أن يُلام على أزمة أطفال الفلوجة. قال إن ما يستحق الانتباه هو أن المناطق التي شهدت تعرضاً أكبر لم يكن فيها عدد كبير مبلغ عنه من التشوهات الخلقية. أضاف: "آخذين بعين الاعتبار الاستخدام المحدود، أجد صعوبة في ربط اليورانيوم المنضب بالتشوهات الخلقية في الفلوجة حالياً". وتوصل دوغلاس براج، رئيس قسم علوم الصحة العامة في جامعة كونيكتيكت وخبير الصحة البيئية، إلى نتائج مشابهة حتى حين حذر أن الوثائق لا تستطيع كشف الصورة كلها. (أعلن أنه من أجل هذا نحتاج إلى دراسة حالة). قال: "فيما يتعلق بالفلوجة على نحو خاص، إن كمية قذائف اليورانيوم المنضب التي أُطلقت وانفجرت فعلاً تبدو متواضعة بالنسبة لي". وأضاف، مشيراً إلى إشعاعية المعدن: "مهما كانت ضعيفة نركز فقط على اليورانيوم المنضب لأنه مرتبط بشيء ما مغر ومخيف جداً. لكنني سأفاجأ إذا كان التعرض الأكثر انتشاراً وسمية في حرب كهذه". أضاف زوينجنينبرغ أن هذه المعلومات الجديدة ليست نهاية القصة بل بداية لغز أكثر تعقيداً، وأن عدم استخدام كميات ضخمة من اليورانيوم المنضب لا يبرئ الولايات المتحدة أو أي فاعلين عسكريين من أدوارهم المحتملة في أزمة صحية في الفلوجة. أضاف: "بدلاً من ذلك، إن غياب الشفافية زاد من المخاوف من مادة محددة، مما أبعدنا عن الحاجة لتحقيق علمي أوسع يشمل عَقْداً. نحن بحاجة لتركيز أكبر على البقايا السامة للحرب وليس على الذخائر فحسب من أجل فهم المجازفة الصحية البيئية". وفي مقابلات مع مجلة "ذ نيشن" اتفق عدد كبير من العلماء والأطباء والناشطين المعارضين لاستخدام اليورانيوم المنضب مع زويجنينبرع قائلين إن قصر التركيز على المعدن أعاق تحليلا للصحة العامة ككل وللتأثيرات البيئية للمعارك في الفلوجة وكيف يمكن أن تُربط بالتشوهات الخلقية. وعبرت علواني، المتخصصة في الأجنة، والتي بدأت بتصوير وتسجيل الحالات مع العاني، عن هذا القلق قائلة: "أعرف جميع الصحفيين الذين يركزون على هذه النقطة والتي هي الأسلحة. الأسلحة ليست مسألتي. إن المشكلة أكبر من هذا".
في عشية غزو 2003، كان العراق يعاني من أزمة صحة عامة. واجتمعت الصراعات العسكرية للعقدين السابقين مع العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الأمن الدولي لإحداث الخراب في بيئة البلاد وبنيتها التحتية. وأثناء الحرب الإيرانية- العراقية في الثمانينيات، صنعت الحكومة العراقية ونشرت الأسلحة الكيماوية، وعرّضت العمال في المصانع العسكرية وبعض مدنييها لغازات سامة. ودمرت الهجمات الجوية في 1991 التي شنها التحالف بقيادة الولايات المتحدة أنظمة الطاقة وأنظمة الصرف الصحي. وعرقلت العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، المفروضة في 1990، إعادة بناء مصانع كهربائية جوهرية ومنشآت لمعالجة الصرف الصحي. وجعل الحظر على استيراد الكلورين تنقية المياه مستحيلة.
دمرت العقوبات أيضاً نظام الرعاية الصحية في البلاد، الذي اعتبر بين الأفضل في المنطقة. وانخفضت ميزانية النظام 90٪ في التسعينيات حين شلَّ الحصار الاقتصاد. ورغم أن الدواء كان معفى ظاهرياً من الحظر، غمرت الأدوية منتهية الصلاحية أو غير المختبرة السوق السوداء. وبعد أن أصبح الطعام نادراً انخفض ما يتناوله الفرد العراقي من السعرات الحرارية إلى 1،093، بحسب تقرير لليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، مما قاد منظمة الصحة للقول في تقرير سنة 1996:"إن غالبية سكان البلاد كانوا خاضعين لنظام غذائي يقارب الجوع لسنوات".
[شريحة من سينتكوم ترصد موقع وعدد قذائف اليورانيوم المنضب التي أطلقت على الفلوجة أثناء الحرب في العراق.]
وصرحت منظمة الصحة العالمية: "عادت الرعاية الصحية في العراق إلى الوراء خمسين سنة، بسبب حرب 1991 التي استمرت ستة أسابيع والعقوبات اللاحقة المفروضة على البلاد". وشهد الطبيب والأنثروبولوجي العراقي عمر ديوچي الذي كان يوثق التأثيرات الصحية للصراع في البلاد لعقود، تأثيرات العقوبات حين كان يعمل في مستشفى عام في بغداد سنة 1997. قال ديوچي: "كانت لدينا حالات أعلى من سوء التغذية، والذي استؤصل في الستينيات"، ورصد كتابه “حياة غير قابلة للحكم” تاريخ نظام الرعاية الصحية في العراق. ومنع نظام ترشيد الطعام الذي اعتمدته الحكومة، وفرضته كرد على العقوبات، مجاعة محتملة لكنه سبب بين الناس نقصاً في فيتامينات ومعادن عديدة، وبينها العناصر الغذائية الأساسية لتطور الأجنة. وقال تقرير لمنظمة الصحة العالمية يعود إلى 1996 إن توفر حمض الفوليك، والذي يساعد على منع تشوهات خلقية خطيرة تُعرف باسم "عيوب الأنبوب العصبي"(10)، تناقص بنسبة أكثر من 77٪. وخفض الترشيد الغذائي إلى أكثر من النصف توفر الزنك وفيتامين الريبوفلافين، واللذين يسبب نقصهما تشوهات خلقية، وكذلك الثيامين الذي يمكن أن يزيد نقصه خطر وفاة المواليد. وفي 2003 قالت اليونيسيف إن 60٪ من سكان العراق تقريباً كانوا يعتمدون بصورة رئيسية على الحصص الغذائية مما يعني أن النقص الغذائي أثر على أكثر من نصف السكان. وسجلت وزارة الصحة ارتفاعاً في أمراض القلب الخلقية في البلاد، وهي أحد أنواع التشوهات الخلقية الأكثر انتشاراً، بين 1991 و1998. وأضاف ديوچي: "من المعروف أن العوامل الغذائية تسبب شذوذات وتشوهات خلقية، وهذا موضوع لم يخضع للدراسة لمعرفة أسباب التشوهات الخلقية في العراق".
فاقم الغزو الأمريكي للفلوجة وما أعقبه هذه المشاكل الصحية والبيئية. وفي 2004 صارت المدينة ساحة للمعارك الأشد عنفاً ودموية في الحرب العراقية. وفي تشرين الثاني وكانون الأول، قامت عشر كتائب من الجيش والبحرية الأميركية بالهجوم على الفلوجة، ودمرت أو خربت عشرات آلاف المنازل، ومنشآت عديدة لمعالجة المياه والمحطات الكهربائية، ونظام الصرف الصحي للمدينة. وقتلت المعركة آلاف العراقيين و82 أميركياً. وفاضت مياه الصرف الصحي في الشوارع. وكانت الكلاب تنهش الجثث المتناثرة على الطرقات. واستخدمت القوات الأميركية الفوسفور الأبيض، وهو سلاح كيماوي قادر على حرق الجلد والعضلات حتى العظم. وخاضت القوات الأميركية المعركة بروح انتقامية لأن الفلوجة، كما قال وزير الدفاع دونالد رمسفيلد وقادة كبار آخرون، "أصبحت رمزاً للمقاومة" ضد الاحتلال الأميركي للعراق. وتحدثت لقاء وردي، النائب السابق من الفلوجة، عن زوجها المهندس، الذي طار إلى المدينة في مروحية عسكرية، في مهمة لمسح الدمار في أعقاب الحصار: "أخبرني أن المياه تطوف في المدينة، والجثث متناثرة في جميع الأمكنة، وثمة الكثير من العوائق والتحديات أمام إعادة البناء". وفي الأشهر اللاحقة، عادت العائلات المشردة (وبينها العاني وعائلتها) إلى الفلوجة وشرعت بإعادة بناء مدينتها لكن الوضع الأمني المتقلقل في ذلك الوقت جعل من المستحيل على أعضاء وزارة البيئة أو برنامج الأمم المتحدة البيئي دراسة الأضرار مباشرة. ذلك أن عدداً كبيراً من المصانع والمستودعات الكيماوية وأبنية الصناعة العسكرية داخل وحول الفلوجة شكلوا خطراً على المقيمين القريبين. وألقى برنامج الأمم المتحدة للبيئة الضوء على هذه المواقع في ثلاثة تقارير نُشرت بين 2003 و2005. ويقع أحد أكبر مستودعات المواد الكيماوية في خان ضاري، على بعد عشرين ميلاً من الفلوجة قرب أبو غريب وقد نُهب في أعقاب الغزو. (لا يحدد التقرير أية أطراف نهبت وأحرقت أجزاء من المجمع). وأهدرت مئات الأطنان من المواد الخطيرة في هذه المستودعات وأحرقت، أو سُرقت وبينها مواد كيماوية عالية السمية مثل رباعي إيثيل الرصاص والفورفورال والكيتون الإيثيلي المثيلي وهيدروكسيد الصوديوم. ثمة مواقع أخرى لم تُدمر لكنها تهدد بأخطار التلوث. وهناك موقع صناعي عسكري قرب الفلوجة يحتوي على السيانيد والمعادن الثقيلة، ومعمل إسمنت يقذفان التلوث، الذي من المحتمل أنه يحتوي الزرنيخ والديوكسين (مادة كيميائية في العامل البرتقالي)، وكلاهما رُبط بالتشوهات الخلقية. (لم تجب وزارة الدفاع على أسئلة حول هذه التقارير عن التلوث البيئي واسع النطاق). ومن المحتمل أن جميع هذه المواد الكيماوية اختلطت مع ملوثات بقيت من صراعات سابقة. وفي 1991 و1998، مثلاً، قصفت الولايات المتحدة مجمعاً لمصانع إنتاج الأسلحة الكيماوية والمبيدات الزراعية في المنطقة، تُعرف جماعياً باسم فلوجة 1 و2 و3، ولوثت التربة في الموقع. وفي الثمانينيات، من المحتمل أن سكان الفلوجة تعرضوا لمواد سامة خطيرة من خلال الخدمة في الجيش العراقي أو العمل في المصانع العسكرية حيث كانت إجراءات الصحة والأمان هزيلة. ولم يكن تلوثاً كهذا مقتصراً على الفلوجة. ففي 2005 قدرت الأمم المتحدة أن العراق يحتوي على آلاف المواقع الملوثة. وبعد خمس سنوات، كشف تحقيق أجرته "تايمز أوف لندن" أن الجيش الأميركي خلّف وراءه أكثر من 10 ملايين رطل من النفايات السامة وترك مواد خطيرة في مكبات على طول الطرق الرئيسية. وفي العام نفسه، اكتشفت دراسة للحكومة العراقية قامت بها وزارات البيئة والصحة والعلوم أكثر من 40 موقعاً في أنحاء العراق، وبينها موقع واحد على الأقل في الفلوجة، ملوثة بالإشعاعات أو الديوكسين. وكان حسن برتو مدير برنامج فرع إدارة الأزمات في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، مشاركاً في فريق التقييم البيئي في أعقاب الغزو. قال لمجلة "ذ نيشن": "إن التلوث البيئي في العراق هو إحدى حالات تلوث الصراع الأكثر خطراً التي حقق فيها البرنامج". وأشار إلى "أسباب للتلوث واسعة الانتشار ومتعددة ومزمنة". لكن حتى وسط أزمة بيئية شاملة للوطن، برز إرث السموم في الفلوجة. فقد صرح عبد الكريم السامرائي، وزير التكنولوجيا والعلوم في العراق من 2010 إلى 2014: لمجلة "ذ نيشن": "إن مدينة الفلوجة في العراق هي الأعلى في التلوث. مصاباً بالذعر من تقارير ارتفاع نسب التشوهات الخلقية والسرطانات في الفلوجة، قال إنه سعى إلى إنشاء مراكز محلية لدراسة الأمراض والتلوث أثناء الفترة التي عمل فيها وزيراً، لكن المبادرات لم تنجز أبداً. وأضاف أن التمويل المرتبط بالصحة كان دوماً يختفي بسبب الفساد أو يُحول إلى الميزانية العسكرية. ولم تجب الحكومة العراقية على سؤال لماذا لم تُنجز مراكز البحوث التي تهدف إلى دراسة التشوهات الخلقية والسرطانات في الفلوجة أبداً. على أي حال، جاسم عبد العزيز الحماد الفلاحي، وكيل وزارة الصحة والبيئة العراقي قال في مقابلة إن سنوات الصراع بعامة، بما فيه حرب 2014- 2017 ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أجبرت الحكومة على تحويل الموارد وإبعادها عن البرامج الاجتماعية. وأضاف الفلاحي أن الزيادة المزعومة في التشوهات الخلقية في الفلوجة يمكن أن تربط بهذه الأزمة البيئية الأوسع، رغم أنه كان حذراً وابتعد عن ذكر أسباب محددة. كرر مثل المسؤولين الآخرين أن التحسينات في نظام التسجيل والتشخيص للشذوذات الخلقية يفسر جزءاً من الارتفاع المبلغ عنه. "لكن أحياناً يمكن (ونلح على يمكن) أن نربطه بتلوث الهواء والماء والتربة والمعادن الثقيلة والإشعاع، لأننا، كما قلت، نواجه عقوداً من الحرب".
أضاف الديوچي أن التحدي الذي يواجه دراسة التشوهات الخلقية في الفلوجة وفي أنحاء العراق يصل إلى هذه الحقيقة: لا يمكن إرجاع التشوهات بسهولة إلى سبب واحد. عقّب: "أنت تتعامل مع نظام بيئي معقد من السموم والتفاعلات. وأعتقد أن هناك نوعاً من الهوس للعثور على طلقة سحرية لشرح التشوهات الخلقية في العراق. كان الناس يحاولون إرجاعها إلى سلاح معين كاليورانيوم المنضب (الجميع يريدون أن يكون اليورانيوم المنضب هو المذنب) وأشعر أن البحث عن المذنب هو الذي خلط الأمور. نحن نفتقد إلى الصورة الكاملة حول كيف، على مدى عقود، حدث إنتاج منهجي للسموم في الحياة اليومية للعراقيين".
لا تقصي هذه الصورة الكبيرة مسألة المسؤولية بالنسبة لديواشي وآخرين، لكنها تفعل ذلك على الأقل في حالة الفلوجة، مما يجبر المرء على أن يفكر بالبحث عن مادة سامة واحدة ويفهم بدلاً من ذلك أن الحرب الحضرية في القرن الواحد والعشرين، في حد ذاتها، يمكن أن تطلق ضرراً عابراً للأجيال بدأنا نفهمه الآن فحسب. أضاف:"هذا جزء من اللغز غير المحلول لهذه التشوهات الخلقية. ويجعلنا نتساءل: كيف ننطلق إلى الأمام؟ كيف يمكن في الحقيقة أن نفكر بالمسؤولية حيال هذه المسائل؟"
[غذاء رئيسي: فتاة في الثانية من عمرها تنتظر مع أعضاء أسرتها كي تتلقى الحصص في مركز لتوزيع الطعام في بغداد في 2003.]
بعد سبع عشرة سنة من غزو الولايات المتحدة لبلادهم، ما تزال العاني وزملاؤها يجهلون كيف أو حتى إذا كان الصراع له علاقة بالتشوهات الخلقية التي تقول إنها تشهدها في المستشفى يومياً. في صباح يوم آخر حار من أيام أيلول العام الماضي، جلست في مكتبها الصغير ذي الإضاءة الباهتة قبل جولاتها في جناح التوليد. كانت غاضبة من مواصلات الصباح، وبدت متعبة. على مر الأعوام، ألّفت أو شاركت في تأليف أكثر من 12 دراسة، وتحدت منظمة الصحة العالمية وسافرت إلى الولايات المتحدة كي تناشد الرئيس السابق جيمي كارتر من أجل معلومات عن المعارك التي تقودها الولايات المتحدة في مدينتها. نجت من الغارات الجوية واحتلالين عسكريين خارجيين. وفقد أفراد من عائلتها أطفالاً أصيبوا بالتشوهات الخلقية التي تسعى إلى علاجها. أخرجت نسخة من رسالة قالت إن المستشفى يرسلها إلى وزارة الصحة في بغداد كل شهر لطلب أجهزة جديدة، بما فيه جهاز لتشعيع الدم يعمل بأشعة غاما، وجهاز كوباست إي 41 للهرمونات، ومحلل لاختبارات التشخيص المخبري، ونظام لفحص حديثي الولادة لتحديد اضطرابات جينية وأخرى تتعلق بالتمثيل الغذائي. قالت: حتى الآن لم تصل الأجهزة، ولكنها تنوي طلبها من جديد. عقّبتْ: "نحن نتطلع للعثور على حلول لهذه العائلات". وحين استعدت العاني لعيادة مرضاها دخلت علواني إلى المكتب. تذكرتا المرضى حين بدأتا تسجلان الحالات منذ عقد تقريباً، وكانت العلواني تلتقط الصور بالكاميرا لأنه لم يكن لديهما هواتف ذكية بعد. قالت العلواني إنها لم ترد أبداً أن تُستخدم الصور كرموز سياسية. أضافت: "لا أحب أن أبث مآسي الناس، كنت أفكر بحل المشكلة، لا أن أسبّب مشكلة". مع مرور الوقت، تحولت صور الأطفال الموتى والمشوهين خلقياً في الفلوجة إلى رموز لنتائج الحرب الشنيعة طويلة الأمد. ألصقت الصور على ألواح الإعلانات ونُشرت على المواقع المضادة للحرب، وصارت رموزاً لتأثيرات الحرب غير القابلة للعكس والعابرة للأجيال التي يدعوها جميع الأميركيين الآن خطأ. لكن أطفال المدينة، كما قالت العاني وعلواني، ما يزالون يعانون بعيداً عن الأضواء. وبعد بضعة أسابيع، نشرت العاني دراسة حالة أخرى في المجلة الآسيوية لتقارير الحالة في الطب والصحة. وفي هذا البحث الذي راجعه زملاؤها في المهنة، حللت توأمين ولدا في مشفى الفلوجة بمرضين حادين مختلفين. كتبت أن الطفل الثاني، والذي كان ذكراً، وُلد ميتاً وشرايينه الزرقاء تنتأ من بطنه. دخل الطفل الأول العالم حياً. لكنه لم يعش طويلاً، كما عرفتْ العاني، فقد كانت ساقاه الصغيرتين مندمجتين معاً. ذكرها الطفلان بتشوهات أخرى رأتها وشاهدتها وسجلتها في المستشفى، لكنها لم تشاهد أبداً من قبل المتلازمتين النادرتين في الحمل نفسه. اختتمت العاني دراسة حالتها بملاحظة جافة: "إن الانتشار المرتفع للتشوهات الخلقية في الفلوجة يعيق صحة السكان وقدرتهم على العناية بالأطفال الناجين"... أضافت أن المشكلات تفاقمت بسبب العناية المحدودة قبل الولادة والافتقار لدعم العائلات التي لديها تشوهات خلقية، "وغياب خطط مستقبلية جدية واضحة لتحسين النظام الصحي أو القيام بإجراءات جدية لتنظيف البيئة الملوثة في فترة ما بعد الحرب".
ما لم تكتب عنه هو كيف أُصيب والد التوأمين بالهستيريا بعد الإنجاب ورفض أن يسمح لها بالقيام بتصويرهما بأشعة إكس أو بالموجات فوق الصوتية. أخرج الطفل الأول من المستشفى كي يموت في البيت، تاركاً العاني كي تدون المعلومات القليلة التي تمكنت من جمعها، آملة أن السجل، سيفيد يوماً ما، مريضها حتى لو كان ناقصاً.
[ترجمة: أسامة إسبر. المصدر The Nation يمكن قراءة الجزء الأول هنا والثاني هنا]
لورا جوتسدينر مراسلة لرويترز مقيمة في المكسيك.