توماس هيغهامر، ترجمة عبيدة عامر
(الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2021)
جدلية (ج): كيف اخترت الكتاب وما الذي قادك نحوه؟
عبيدة عامر (ع. ع.): في الحقيقة، هناك ثلاثة عوامل عرضية تضافرت معًا لاختيار الكتاب. الأول، عملي السابق كمترجم مع الشبكة العربية للأبحاث والنشر، والثاني، اهتمامي الشخصي والبحثي بالإسلام السياسي عمومًا والجهادي خصوصًا، إذ كتبت عدة تقارير عن هذا الموضوع ضمن عملي مع شبكة الجزيرة، وثالثًا، سعي المؤلف الدكتور توماس هيغهامر وحرصه لترجمة الكتاب، "القافلة"، ووصوله للجمهور العربي، فتواصل مع مدير الشبكة الأستاذ نواف القديمي الذي نشر له سابقًا ترجمة كتابه "الجهاد في السعودية"، والذي تواصل بدوره معي، في ثقة غالية وعزيزة مشكورة لا أنساها له، لمعرفته باهتمامي بهذا النوع من الكتب.
ولكن بكل حال، لو لم أكن أنا مترجم الكتاب، لتمنيت أن أكون أنا مترجمه، لكونه من أهم الكتب في حقل "الجهادية" الذي أعمل عليه وأهتم به ضمن مساري البحثي والصحفي الموازي، ومؤلفه من أشد المؤلفين رصانة أكاديمية واجتهادًا بحثيًّا، وقد كان الكتاب بحق نقطة فارقة في هذا الحقل.
(ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟
(ع. ع.): يدور الكتاب حول سؤال هو: لماذا أصبحت الجهادية، التي يصفها هيغهامر بـ"القافلة"، عالمية؟ تكمن أهمية الإجابة على هذا السؤال لأن ما جرى في الثمانينيات وثيق الصلة بما يجري اليوم، لأن الحرب السوفييتية-الأفغانية هي مهد الحركة الجهادية الفاعلة اليوم. إضافة لذلك، فالحشد لأفغانستان أمر يستحق النظر لأنه أشبه بـ"اللغز"، فلم يحصل شيء يشابهه من قبل، لا كميًّا (عند مقارنته مع صراعات أخرى في العالم الإسلامي)، ولا نوعيًّا، بمقارنته بالحركات المتمردة الأخرى العابرة للحدود؛ فلا يوجد حركة أيديولوجية استطاعت احتضان مجموعات مسلحة كبيرة ومتنقلة ولينة كالحركة الجهادية. يدرس هيغهامر هذا السؤال من خلال دراسته لعبد الله عزام عن قرب، لعدة أسباب. أولًا، لعب عبد الله عزام دورًا كبيرًا في هذه الحركة، وظل أحد أكثر الشخصيات المبجلة في عالم الإسلامية الراديكالية وأحد أكثر المنظّرين الجهاديين تأثيرًا على الإطلاق (كما يوضح الفصل السادس عشر في الكتاب). وثانيًا، لأن حياة عبد الله عزام نموذج مثالي لتاريخ الإسلامية في نهاية القرن العشرين، "بوجوده بالعديد من الأماكن التي كان التاريخ يُكتب بها في تلك الفترة".
الجواب الرئيسي لهذا السؤال هو أن النزعة الجهادية أصبحت عالمية بسبب القمع المحلي، فعجز الدول العربية عن دمج الإسلاميين في السياسات المحلية أنتج طبقة من الناشطين بدؤوا في السبعينيات يتطلعون إلى المسرح الدولي كمجال للعمل، وفي الثمانينيات، قدم بعض هؤلاء الوحدويين الإسلاميين (Pan-Islamists) لفكرة التضامن الإسلامي تفسيرًا عسكريًّا، فبدؤوا يدعون المسلمين للقتال في حروب بعضهم، وساعدهم على ذلك مجموعة من العوامل، منها النفط والتكنولوجيا والجيوسياسة.
لم يتسبب عبد الله عزام بإضفاء النزعة عبر الحدودية على الجهاد، لكنّ أفرادًا قلّة كانوا أكثر أهمية منه. أعطاه تعليمه الشرعي وخلفيته الإخوانية سلطة دينية وشبكات تواصل لم يكن أي عربي في مدينة بيشاور الباكستانية يملكها في الثمانينيات. ظاهرة العرب الأفغان كانت ستظهر من دونه، لكنه جعلها أكبر نوعيًّا مما كانت لتكون عليه. عزام أيضًا مسؤول جزئيًّا عن الصعود التالي للإرهاب الجهادي الانتقالي، ليس لأنه دافع عن تكتيكات كهذه، بل لأنه ساعد على تقويض السلطات التقليدية بما يتعلق بقضايا الجهاد. كانت رسالة عزام الرئيسية في الثمانينيات هي أن المسلمين عليهم الذهاب للقتال في أفغانستان حتى إن كانت حكوماتهم أو أهلهم يرفضون ذلك. هذا ساعد في إنتاج حركة لا يمكن التحكم بها وستنحدر أكثر فأكثر نحو التطرف. ومن ثم، فقصة عولمة الجهاد هي درس حول العواقب غير المقصودة لكل من الحكومات والإسلاميين.
(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والترجمة؟
(ع. ع.): كان التحدي الرئيسي في ترجمة الكتاب هو الوصول لمواضع الاقتباسات التي أخذها الكاتب هيغهامر، إذ إن كتب الشيخ عبد الله عزام لم تكن ذات طبعات موحدة، وكثير منها كان بطبعات غير رسمية، كما أن الكثير من الاقتباسات كان من محاضرات صوتية تم تفريغها، مما كان يستدعي مقارنة الصوتي بالمكتوب في كثير من الأحيان. ما سهّل هذه المهمة هو التواصل المباشر مع الكاتب، الذي كان قد جمع هذه المواضع، وقد نشرها لاحقًا بالمناسبة في موقع خاص للكتاب يمكن الوصول له من قبل الجميع.
التحدي الآخر هو أن بداية العمل كانت على النسخة المسودة، مما كان يستدعي تعديل النسخة الإنجليزية مرارًا، ثم تعديل العربية بناء عليها، وهذه العملية من الأخذ والرد كانت تتطلب تركيزًا كبيرًا ومراجعات متكررة، لكنها كانت في النهاية مفيدة لكل من النسختين الإنجليزية - التي صُحّحت في عدة مواضع مرتبطة بترجمة النصوص الأصلية من العربية إلى الإنجليزية - والعربية، التي تمت مراجعتها أكثر من مرة عبر هذه العملية.
(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك في مجال الترجمة والإبداع؟
(ع. ع.): هذا الكتاب هو رابع كتبي المترجمة المنشورة، بعد كل من نفط الدم (جسور للترجمة والنشر، 2017)، ما وراء الغرب العلماني، دين الليبرالية، المنشورين من قِبل الشبكة العربية للأبحاث والنشر، في أعوام 2018 و2019 على التوالي.
إضافة لذلك، فأنا بانتظار صدور ترجمة كل من: منطق العنف في الحروب الأهلية، عن "دار جامعة حمد بن خليفة"، وحيازة السلطة: المنطق الاستراتيجي للانقلابات العسكرية، عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، والفتنة: الحرب الأهلية بوصفها نسقًا سياسيًّا، عن "مدارات للأبحاث والنشر".
(ج): من هو الجمهور المتوقع للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟
(ع. ع.): رغم أن الكتاب ينتمي لحقل الإسلام السياسي والجهادية، الذي يعني جمهورًا محددًا، سواء أكان من الباحثين أو المنظّرين أو الأكاديميين، إلا أن لغة الكتاب ومضمونه، بأحداثه وشخصياته وموضوعاته، تمسّ القارئ العربي العادي وتعنيه مباشرةً. إننا نعيش حتى اليوم تبعات ما جرى في أفغانستان الثمانينيات، وإن كان جيل الألفية بعكس جيلنا لم يسمع بعبد الله عزام - إن لم يكن قد سمع له محاضرة أو خطبة أو قرأ له اقتباسًا أو كتابًا أو منشورًا -، فإنه بلا شك قد سمع بأسامة بن لادن والقاعدة وأخيرًا بداعش، المرتبطان سببيًّا وتاريخيًّا بـ"قافلة" عبد الله عزام ومسيرته الشخصية.
لعل أكثر ما آمل أن يصل إليه القراء هو هزّ المسلّمات التاريخية السائدة والتخلّص من نظريات المؤامرة التبسيطية والنظر إلى التاريخ كتفاعل لأشخاص وحركات وكيانات ودول تملك القرار، لا مجرد وكلاء وأدوات تنفذ ما طُلب منها. إن هذا الكتاب يظهر أن أميركا أو السعودية أو باكستان لم تكن هي من صنع العرب الأفغان أو القاعدة، ولم يكن العرب الأفغان بالحجم أو التأثير المتصور في الحرب السوفييتية-الأفغانية، ولم تكن خطوط التحالف والعداء ثابتة أو مستقرة طيلة عقد كامل من الحرب.
(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟
(ع. ع.): خلال الوقت الذي يسمح لي به ابني عبد الرحمن دون أن يشاركني الترجمة؛ أعمل على ترجمة كتاب "لا مستوطن ولا مواطن" (الذي سعدت جدا لرؤية المقابلة مع مؤلفه محمود ممداني على جدلية) بجانب استكمال رسالة الماجستير في تخصص العلوم السياسية حول الثورة السورية ودينامياتها، على أمل استكمال الدكتوراه أكاديميًّا، مما قد يتيح الانتقال من الترجمة إلى الكتابة، يومًا ما.
مقتطف من الكتاب: ما الذي شكّل عزام؟
كانت مسيرة عزام مثل أي شخص آخر، خليطًا من الصفات الشخصية، والقوى الاجتماعية، والمصادفات. الصورة الشخصية التي تظهر في هذا الكتاب هي لفرد مثالي وجادّ، يملك نقاط قوة وأخطاء مثل أي إنسان آخر. لكونه متدينًا ومحافظًا بعمق؛ تبع عزام قناعاته بثمن باهظ على نفسه وعائلته. لقد كان رومانتيكيًّا في الحرب، نظر لحياته بشكلها الكامل بالجهاد، لكنه كان متعلقًا جدًّا بالكتب ليصبح جنديًا ملتزمًا، وخجلًا جدًّا من الصراعات ليكون قائدًا جيدًا. لقد كان مليئًا بالطاقة ومنضبطًا وشديد العزم؛ مرتقيًا بدرجة كبيرة لمعنى اسمه: عزام. هذه الصفات الشخصية جعلته عالي الإنتاج، وصارمًا وحادًّا في بعض الأحيان. كان متواضعًا في التعاملات اليومية، وشوفينيًّا بما يتعلق بالثقافة الإسلامية، ويمكن أن يصبح باهيًا نسبيًّا إذا اعتلى منصة. المتحدث الآسر، عزام، كان يمكن أن يبالغ في مقارناته ليوصل فكرته، وأن يعطي كذبة بيضاء ليجمّل قصته. تغيرت أفكاره مع الوقت، ويمكن أن يعطي أفكارًا متناقضة جزئيًّا اعتمادًا على سياق حديثه. باختصار؛ كان عزام شخصية أكثر تعقيدًا من كونه مجرد "المسلم الخارق" كما في السير التبجيلية المكتوبة له.
مسار عزام كان مرسومًا جزئيًّا بالأحداث السياسية، التي كان أهمها تأسيس وتوسع إسرائيل، والتي كلفته أرض عائلته عام 1948، ودفعته شخصيًا للمنفى عام 1967، وظلت بالنسبة له تذكيرًا مهينًا بالضعف الجيوسياسي للمسلمين. وحتى في كتاباته المبكرة، نرى حنينًا للنظام الإقليمي العثماني، وغيابًا للثقة في الدول الوطنية الجديدة في المنطقة. "حرب الأيام الستة" جعلت عزام بلا جنسية؛ ولو لم تحصل الحرب، فقد كان عزام، على الأرجح، سيعيش حياة هادئة كأستاذ ديني أو قاضٍ في منطقة جنين. خلفيته الفلسطينية كانت أساسية في تكوين هويته، وسعيه لتحرير وطنه دفعه بشكل كبير طيلة حياته. كان للصراع تأثير الدرجة الثانية بدفعه إلى الصراعات العربية-العربية المريرة حول مواجهة إسرائيل. خلافاته مع اليساريين الفلسطينيين واستياؤه من قمع الأردن للفدائيين جعله مستاءً وخائبًا. أخيرًا وليس آخرًا؛ أخذ مسار عزام انعطافة مصيرية عام 1980 عندما طردته الحكومة الأردنية، عمليًا، بسبب آرائه السياسية، ووضعته على مساره نحو أفغانستان. بذلك، أصبح عزام جزءًا من قائمة طويلة من الفلسطينيين الذين شاركوا بشكل بارز في الجهادية الانتقالية، والذي دفع البعض، بشكل محق، للحديث عن "تأثير فلسطين" على الحركة الجهادية.
ولكن، عزام لم يكن، ببساطة، منتَجًا من الاحتلال والسلطوية. خياراته كذلك كانت متأثرة بالأيديولوجية الدينية لـ "الإخوان المسلمين". لقد استُدخل في الحركة منذ وقت مبكر جدًّا من حياته، ورؤيته الجوهرية للعالم شكّلتها أفكار الإخوان، خصوصًا أفكار سيد قطب. عزام لم يكن ديمقراطيًّا ليبراليًّا، فقد أراد المسلمين أن يصبحوا أكثر محافظة، وأن تُحكم مجتمعاتهم بالشريعة حصرًا. لقد اعتبر الدول الوطنية في العالم الإسلامي كيانات فاسدة وصناعية يجب أسلمتها بداية، ودمجها بعد ذلك ضمن خلافة إسلامية. لقد اعتبر الثقافة الغربية فاسدة أخلاقيًّا، وحاكم الأفراد بناء على دينهم، وارتاب نوعيًّا باليهود والمسيحيين والملحدين. لقد اعتبر التاريخ الإسلامي صراعًا ثابتًا بين الإسلام والمجموعات الدينية الأخرى، وخصوصًا اليهود. عزام، المعادي للسامية بعمق، لام اليهود لا على احتلال فلسطين وحسب؛ وإنما على العديد من الأمور الأخرى، مثل سقوط الإمبراطورية العثمانية، وانتشار الاشتراكية والعلمانية. العديد من قراراته في الحياة كانت متأثرة بالأيديولجيا، مثل اختياره لوم الحكومة الأردنية لأنه اعتبر سياساتها غير إسلامية، واختياره القتال في أفغانستان لشعوره بالتضامن الديني مع المسلمين الأفغان، ولأنه كان يعتقد أن سيأثم من الله إن لم يفعل.
مسار عزام شكّله كذلك شبكة انتقالية من الصلات التي جمعها مع "الإخوان المسلمين". فمن خلال الإخوان شارك مع الفدائيين نهاية الستينيات، ومن خلالهم حصل على منحة الدكتوراه للقاهرة ثم على وظيفة في الجامعة الأردنية. العديد من سفره الدولي نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات كان لفعاليات مرتبطة بالإخوان، ومن خلالهم وجد وظيفة في السعودية بعد أن طُرد من الجامعة الأردنية. لقاء عزام مع كمال السنانيري في ربيع عام 1981 –الذي وضعه على مسار باكستان– كان سمة بارزة لصلاته المصرية القديمة. بذلك، "الإخوان المسلمون" ألهموا وسهلوا التفافة عزام نحو الانتقالية.
الحكومات كذلك مُلامة عن تأميم الجهاد، ولكن ليس للمدى الذي يُقال غالبًا، وليس للأسباب نفسها. هذا الكتاب أظهر، بشكل عام، أن الحركة الجهادية أخذت مسارها الخاص بناء على قناعاتها الأيديولوجية أكثر من كونه بناء على تلاعب الحكومات بها. ومع ذلك، فسياسات كل من البلدان المسلمة والغربية ساهمت بعولمة الجهاد بعدة طرق.
أولًا، بضعة دول عربية استخدمت العنف المفرط ضد المعارضين الإسلاميين منذ الخمسينيات حتى الستينيات. هذا دفع القادة باتجاه المسرح الدولي، وخلق مظالم حشدت ناشطين جدد. للتأكيد، لم يكن دومًا من السهل دمج الإسلاميين في العملية السياسية، لأن المتشددين من بينهم رفضوا عادة سمات جوهرية في النظام القائم. إضافة لذلك، السياسات السلطوية لهذه الأنظمة عكست اختلالات وظيفية متأصلة بها منذ الفترة الاستعمارية. ومع ذلك، بلدان مثل مصر وسوريا اختارت عادة المواجهة أو القمع، بينما كان هناك استراتيجيات بديلة متاحة.
ثانيًا، دول الخليج والسعودية سارت بعيدًا بترويجها للوحدوية الإسلامية الشعبوية في السبعينيات والثمانينيات. لقد دفعت، عمليًّا، صعود حركة الوحدة الإسلامية بتمويل المنظمات الإسلامية الدولية. لو أن السعودية لم تمول منظمات مثل "رابطة العالم الإسلامي" وأعطتهم حرية كهذه؛ فسردية الوحدة الإسلامية لم تكن مؤثرة كما هي عليه، ولا الشبكات الانتقالية لم تكن كبيرة كما هي عليه. هذا، بدوره، كان سيقلل على الأرجح صدى دعوات تجنيد المقاتلين الأجانب، ويحد قدرة منظمين مثل عزام لاستغلال الجمعيات الخيرية والبرامج التعليمية لأهداف عسكرية. هذا الكتاب قدّم كثيرًا من الأدلة على أن المنظمات والجمعيات الخيرية المدعومة من الحكومة ساهمت بالعمل العسكري في أفغانستان. أكثر ما عرض هذه الفكرة بشكل صارخ هو أن عزام نفسه اعتاش على المال السعودي أثناء فترة وجوده في باكستان، أولًا من جامعة الملك عبد العزيز، ثم من "رابطة العالم الإسلامي".
المتهم الثالث بالطبع هو الاتحاد السوفييتي. بالتدخل العسكري في أفغانستان، ودعم الديكتاتورية الشيوعية، وممارسة حملات مكافحة تمرد وحشية؛ موسكو خلقت رمزًا كبيرًا للمعاناة الإسلامية. بدون احتلال سوفييتي، أفغانستان كانت على الأرجح ستشهد مزيدًا من الصراع وعدم الاستقرار، لكنها كانت ستكون حربًا بين الأفغان، وليس من السهولة النظر لها على أنها احتلال من غير المسلمين لأراضي المسلمين، أي حالة مباشرة جدًّا للجهاد. الصراع داخل أفغانستان بين الإسلاميين والشيوعيين كان ربما سيجذب المقاتلين الأجانب، لكن أعدادهم كانت أقل كثيرًا.
رابعًا، الداعمون الرئيسيون للجهاد الأفغاني -الولايات المتحدة والسعودية وباكستان- يتحملون الملامة بالسماح، عمليًّا، للمقاتلين الأجانب بالعمل بحرية في باكستان وأفغانستان، وفي مجتمعاتهم كذلك. لقد رأينا أن الأجهزة الاستخباراتية العربية لم تدعم المتطوعين العرب بشكل فعّال، لكنها كذلك لم تفعل الكثير لتوقفهم. هذا مفهوم بشكل ما، لأن العرب كانوا لاعبين هامشيين في الحرب، ولم يكن هناك سابقة لمقاتلين أجانب يتحولون لإرهابيين دوليين. ومع ذلك، هناك قدر من العلامات التحذيرية لأولئك الذين كانوا ينظرون، مثلًا، بعداء الغرب الشرس للمتطوعين العرب والتكتيكات الإرهابية التي استخدمها الجهاديون في مصر وسوريا في السنوات السابقة. لقد كان من الساذج الاعتقاد أن تدفق المقاتلين الأجانب لن يكون له أصداء دولية.