في التقاط ثالوث العلاقات بين المكان والزمان والنص في منظومة المعرفة/السلطة، يسعى إدوارد سعيد إلى تفكيك الخطاب الاستعماري القائم على منطق القوة والهيمنة، وآليات التمثيل التبايني والإقصائي على المستوى المادي، الذي يعني الأرض وتمزيقها، واقتطاعها، وإقصاء وتشويه تكويناتها، وطمس معالمها التي تعد شاهداً على هوية ثقافية غير مرغوبة، أو ينبغي تصفيتها وإنهاؤها، كما على المستوى السردي الذي تبنى بواسطته الذوات المستعمِرة والمستعمَرة في ثنائيات الغرب والشرق، الذات والآخر، المركز والهامش، واحتل المستعمِر فيها القطب الأول. في نظر سعيد إذاً، المشروع الاستعماري هو منظومة معرفية سلطوية تتجسد وتتحقق عن طريق المد والعنف الجغرافي، الذي يعمد إلى تأسيس نفسه في التاريخ وعلى الأرض والإنسان والهوية على السواء.
جغرافيا القدس التخيلية واحتلالها:
في عام النكبة، سيطر الكيان الصهيوني على الجزء الغربي من مدينة القدس، الذي كان يشكل نحو ٩٠٪من مساحتها آنذاك، فيما بقي شرقي المدينة تحت السيطرة الأردنية، وهو ما مساحته ٢،٣ كيلو متر مربع.[i] وما أن سقطت الأحياء الفلسطينية غربي القدس بيد العصابات الصهيونية حتى بدأت عمليات طرد كل سكانها الفلسطينيين، الذين يعيش العديد منهم الآن في شرقي القدس، كما عمليات السلب والنهب لمنازلهم وممتلكاتهم والاستيلاء عليها، واسكان المهاجرين اليهود الجدد فيها بهدف منع عودة أصحابها الأصليين. أغرقت غربي القدس في التاريخ والرموز التوراتية في سعي لتعرية أثر المكان القديم، واختلاق روح جديدة له، وإلباسه الحلة الصهيونية، وامتلاك محيطه المادي. تحولت أحياء البقعة الفوقا، والبقعة التحتا، والقطمون، والطالبية، والوعرية، والكولونية الألمانية، والكولونية اليونانية، وحي النمامرة، والشيخ بدر، والراتزبون، ومأمن الله، والمصرارة، والنبي داؤود من شواهد على عراقة الحياة الفلسطينية، وحداثة عمرانها الحضري، ومستواها المعيشي المترف إلى أحياء يهودية إسرائيلية بشوارع بأسماء عبرية، تكتظ الكنس على شوارعها، وعمم عليها بشاعة وفجاجة الزوائد المعمارية لحي "مئة شعاريم" (حي يهودي أقيم خارج الأسوار القدس في المصرارة في الفترة الواقعة بين ١٨٧٤ و١٨٨٢ لمجموعات من المتدينين المحافظين)، في استكتاب ينافي طابعها الشرقي المحلي. وتحول القطمون من حي فلسطيني إلى حي يهودي إسرائيلي خلع عنه اسمه العربي وتاريخه، وألبس اسماً عبرياً جديداً، "غونين"، وتحولت الكنيسة الكاثوليكية فيه إلى عيادة طبية وتهودت معالمه. وفي ١٩٥٠، أعلن بن غوريون القدس الغربية عاصمة الكيان، وبدأت حكومة الكيان بنقل مقارها ووزاراتها إلى القدس الغربية، منجزة العملية في ستينات القرن الماضي حيث تم تدمير قرية الشيخ بدر ليقام مكانها مكاتب وزارة الخارجية وفنادق ومباني الحكومة، الكنيست والبنك المركزي. وشهدت غربي القدس عملية تنشيط عمراني أدى إلى اتساع رقعة المدينة باتجاه فضائها الريفي الجنوبي والجنوب الغربي، حيث تم بناء أحياء جديدة ومستوطنات لاستيعاب المستوطنين اليهود ("كريات يوفيل"، و"كريات مناحم"، "عير غانم")، على أنقاض القرى الفلسطينية المصادرة إضافة إلى ضم قرى عين كارم وبيت صفافا ودير ياسين ولفتا والمالحة إلى مسطح المدينة.[ii]
أدت نكسة حزيران ١٩٦٧ إلى إحداث أهم التغييرات الدراماتيكية في ترسيم القدس التاريخية. بعد سبعة عشر يوماً من احتلال شرقي القدس، عملت حكومة الكيان على تنفيذ قرار الكنيست بإلغاء بلدية القدس العربية بعد أن اتخذ قراراً بضم المدينة إلى "دولة إسرائيل" بحدود البلدية الأردنية، والتي ضمت البلدة القديمة، وقطاعاً عرضياً على طول الجانب الشرقي لسور المدينة، بالإضافة إلى أحياء باب الساهرة، ووادي الجوز، والشيخ جراح من الناحية الشمالية، ولاحقاً تم ضم سلوان، ورأس العمود، والصوانة، وأرض السمار والجزء الجنوبي من قرية شعفاط، كما باقتطاع مساحات واسعة من ٢٨ قرية تم ضم بأكملها أو جزء منها إلى حدود "بلدية" القدس، وكانت جزءاً من الأراضي المضمومة مقتطعة من حدود بيت لحم وبيت جالا. وهكذا تم توسيع حدود "البلدية" بعد احتلال كامل مدينة القدس إلى أكثر من ٧٢ كيلومتراً مربعاً لتصبح المساحة الإجمالية تقريباً ١٢٦ كيلومتراً مربعاً منذ النصف الثاني من عام النكسة.[iii] ومنذ الساعات الأولى للاحتلال بدأت السياسة الصهيونية بتهويد القدس وفرض أمر واقع جديد. أقيم الطوق الأول من سلسلة المستوطنات ("رامات أشكول"، و"جفعات همغتار"، و"التلة الفرنسية"، و"الجامعة العبرية"، و"بسكات زئيف"، و"بسكات عومر"، و"النفي يعقوب"، و"راموت"، و"ريخس شعفاط"، و"تلبيوت الشرقية"، و"جيلو")، والتي تحيط القدس من أعالي الجبال والتلال وعلى أراضي خصبة فوق أو قرب الأحواض المائية الجوفية.[iv] تتلوى هذه المستوطنات كأفعى حول المدن الفلسطينية والقرى والمخيمات، وتطوقهم بأحكام، وتفرض قيوداً تمنعهم من التوسع والنمو والتطور، وتتوسع كخلايا سرطانية لتضييق الخناق عليهم، وتحشرهم في مساحات ضيقة ومحدودة. وبتشجيع مالي وخدماتي واقتصادي، تم اسكان مئات ألوف المستوطنين بهدف إحداث خلخلة في الواقع الجغرافي والديمغرافي في القدس.
في البلدة القديمة، يوجد ١٩ بؤرة استيطانية، عدا عن البؤر المبنية على أسطح المنازل الفلسطينية. بعد حرب حزيران مباشرة، شرع الكيان إلى استحداث الحي اليهودي على أنقاض خمس حارات مقدسية، منهم حي المغاربة وحارة الشرف والسلسة والميدان، وقد تم تدميرهم بمعظم منازلهم ومتاجرهم وآثارهم وبنايتهم، ومن بينهم جامع البراق وجامع المغاربة ومدرسة الأفضلية والزاوية الفخرية ومقام الشيخ، وبعد طرد ثلاثة آلاف من سكانهم الفلسطينيين. وتم توسيع الحي من الناحية الجنوبية على حساب حارة الأرمن والنصارى، لتكون مساحته ما يزيد عن ١٢٠ دونماً، أي ستة أضعاف ما استأجره وتملكه اليهود في فترة الانتداب البريطاني، وزرع فيه حوالي ٢٥٠٠ مستوطن يهودي.[v] واستولى الكيان على حائط البراق، وهو الحائط الغربي للمسجد الأقصى، بحجة ارتباطه بهيكلهم المزعوم، وعلى رباط الكرد، المعروف بإسم حوش شهابي والواقع على يسار الداخل من باب الحديد للمسجد الأقصى وأقرب نقطة إلى قبة الصخرة، لبناء "حائط المبكى الصغير" لصلاة النساء و"الإصلاحيين اليهود"، والذين يرفضون الصلاة في حائط البراق بسبب خلافاتهم مع الطوائف اليهودية الأخرى؛ وصادر الكيان جزء من سوق الباشورة، الذي تم تهويده لـ "سوق الكاردو" بعد اغلاقه ببوابة حديدية عن الباشورة.[vi] وقسمت البلدة القديمة إلى أربعة أحياء رئيسية على أسس دينية وإثنية بعكس تطورها العضوي المختلط عبر القرون؛ فالبلدة القديمة لم تكن على مر التاريخ مقسمة على هذا الشكل، حيث لم يكن هناك أماكن محددة للمسلمين أو المسيحيين أو الأرمن، وهذه التسميات لم يكن متعارف عليها بثقافة أهلها، وتهدف لتهديد كيانهم الملون وواقعهم في الاختلاط والتعايش بين الديانات والإثنيات المختلفة (صوفيين، فلاحين، لاجئين، خلايلة، مغاربة، أفارقة، سريان، أرمن، أكراد، يونان، أحباش، أقباط، لاتين، موارنة).
في المسجد الأقصى، تكثر اعتداءات واقتحامات جموع المستوطنين خلال الأعياد اليهودية والاجتياحات الشبه يومية لـ "المتدينين القوميين" بهدف الاستفزاز وليس العبادة، ناهيك عن مقتحمي الأقصى من المطبعين العرب.[vii] وفي محاولة لإيجاد دليل على الهيكلين الأول والثاني، بدأت الحفريات الصهيونية حول المسجد الأقصى من الجهات الشرقية والجنوبية والغربية، فوق الأرض وتحتها، ما أدى إلى تدمير ممنهج لطبقات أثرية من الفترات الأموية وحتى العثمانية، وتحويل الأنفاق إلى ملاجئ وأماكن للقيادة الصهيونية ومنشآت استيطانية تحتوي على كنس ومزارات، كما إلى إحداث تشققات وانهيارات في جدران وأرضيات ومباني المسجد الأقصى، ومباني القدس القديمة وآثارها وعقارات الوقف والأسواق، حيث انهارت أجزاء من الأرض قرب مدخل سوق باب الخان وسوق العطارين، الذي يواجه مخططًا لمسار سياحي يهدف إلى بناء متنزهات ومطاعم، فيما يعاني تجار سوق اللحامين من إغلاق لأكثر من نصف المحلات التجارية فيه لإقامة جدار الفصل العنصري.[viii] وبعدما توضح من الحفريات وعلوم الآثار أن لا إثبات في الأرض لما تسطره التوراة عن حكايات "الآباء" ومواقع وممالك بني إسرائيل في فلسطين، جاء شلومو ساند ليؤكد في كتابه اختراع الشعب اليهودي أن القومية اليهودية المخترعة على مصطلح وعد الرب بـ "إسرائيل" على أرض فلسطين ما هو إلا ميثولوجيا جرى اختلاقها قبل مئة عام، وحولتها الصهيونية إلى مصطلح جيوسياسي لمساحة معينة من الأرض تعترف بها الأمم المتحدة، ولكن لا يعرف إلى الآن ما هي حدودها.[ix]
بعد كل هذا أتت مرحلة ترسيم حدود "القدس الكبرى"، والتي تشمل إضافة أراض تبلغ مساحتها ما يعادل ١٠٪ من مساحة الضفة الغربية، وجري فيها البناء لشبكة من المستوطنات الواقعة في الضفة الغربية ("غوش عتصيون"، و"إفرات"، و"معاليه أدوميم"، و"جبعات زئيف"، و"فار عتصيون"، و"روش تسوريم"، و"ألون شيفوت"، و"نفي دانيال"، و"أليعازر"، و"بيت عين"، و"إفرات"، و"بيتار"، و"عيرغانم")، والحواجز وبرج المراقبة وجدار الفصل والطرق الالتفافية بهدف التواصل الجغرافي بين المستوطنات في القدس، ومع المستوطنات في الضفة الغربية، ومع الداخل الفلسطيني المحتل في الـ ٤٨.[x] يمتد جدار الفصل العنصري حول القدس ويحاصرها من جميع جوانبها بمسار طوله نحو ٢٠٢ كيلومتر. [xi] يضم الجدار ١٢٠ ألف مستوطن لمدينة القدس، ويهدف لاستيطان ١٠٠ ألف سنوياً. يقوم الجدار بتجزئة الأحياء الفلسطينية في القدس، ومحاصرتها، وتحويلها إلى تجمعات سكانية معزولة ومنفصلة عن بعضها البعض، وعن الضفة الغربية، بعد اغلاق معظم الطرق الفرعية معها، كما بالتهام أكثر الأراضي خصوبة في الضفة الغربية. والأهم ان الجدار يعزل ١٥٠ ألف فلسطيني مقدسي عن المدينة، ويسعى استراتيجياً إلى تحجيم الفلسطينيين من ٣٠٪ إلى ١٢٪ من مجموع سكان المدينة، يقيمون على ١١٪ فقط من مساحة أرضها. [xii] هذا يؤكد ان الكيان يستند في رؤيته للجدار على نظرية «السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض ضمن أقل عدد من السكان الفلسطينيين»، أي ان دافع التفوق الديمغرافي في القدس هي من أولويات بناء الجدار، الذي يعمل مساره على إخراج الأحياء الفلسطينية في الجهة الشرقية منه، في كفر عقب والزعيم ومخيم شعفاط وضاحية السلام والرام وضاحية البريد، ومستقبلاً العيساوية وصور باهر وشعفاط، إلى خارج "بلدية" القدس ونقلها إلى إطار بلدي وإداري إسرائيلي آخر، في «إزاحة سكانية لا جغرافية».[xiii]
تحولت الأحياء الفلسطينية إلى جيوب مبعثرة ومتناثرة داخل القدس، غيتوهات يتشرذم الحي فيها إلى حارات والحارة إلى انقسامات طائفية/ سياسية/اجتماعية، ومفصولة عن محيطها الفلسطيني في الضفة الغربية، في حين تنتشر الأحياء الفلسطينية العشوائية كالفطر عند أطراف القدس على أراض خاضعة رسمياً لنفوذ "البلدية"، ولكنها تفتقر لأي خدمات وأبسط مقومات التنظيم الحضري والطرق والبنى التحتية.[xiv] في كفر عقب والعيزرية وعناتا والسواحرة ومنطقة راس خميس، تنتشر آلاف الوحدات السكنية المبنية بصورة غير رسمية والغير مرخصة، والتي تعتمد تراكمية أساليب البناء تبعاً لافتقارها لاستراتيجية هيكلية في التخطيط والعمارة. تقف هذه الأحياء كحيز هجين ما بين العمارة الكولونيالية الصهيونية والعمارة الفلسطينية المحلية، إلا انها ليست حالة من الهجانة التي يستبشر بها هومي بابا كـ «فضاء ثالث»، ذاك الحيز الحدودي البيني والمبدع والفعال والذي يتحول إلى «جبهة الترجمة والتفاوض بين المستعمر والمستعر».[xv] تقف هذه الأحياء في الواقع كدليل دامغ على شوفينية القوانين والممارسات الصهيونية في القدس، فعلى الرغم من ان ساكنيها «يدفعون ضريبة المباني والمسقفات ("الأرنونا")، إلا أنهم تحت رحمة قرار إداري إسرائيلي قد يحرمهم من حق الإقامة في القدس، ومن الهوية الزرقاء في أي لحظة».[xvi]
ولعل الحقيقة التي تعنينا هنا هي أن "القدس الكبرى" باتت «قفصاً حديدياً»، كما يصطلح عليه ماكس فيبر، أو بتعبير أصح قفص من الإسمنت المسلح (الخرسانة) المطعم بحقائق العنف التأسيسي القائم على العسكرة الاستعمارية الإحلالية، التي هي ماهية الكيان الصهيوني هندسة وعمارة، تخطيطاً وتنفيذاً، ايدولوجياً وهيكلياً، أداتياً ووظيفياً، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، في ظل مركزية الحكم وفي سياق العولمة. وكل هذا بهدف تحقيق وثبيت الجغرافيا الصهيونية التخيلية على أرض الواقع وبسياسات الأمر الواقع، ومن خلال إخضاع المكان والزمان الفلسطيني وامتلاكه وتهويده، ومحاصرة الانسان الفلسطيني وأسره داخله، فرداً وجماعة، وتحوليهم إلى تابعين تحت رقابتها وسيطرتها.
"القدس الكبرى" وتكنولوجيا المراقبة والتطبيع:
يكشف فوكو من خلال نهجه الأركيولوجي والجينيالوجي ان منظومة السلطة/المعرفة تأسست على علاقات التحكم والإخضاع والهيمنة، التي فرضت صنوفاً من الإلزامات والممارسات والحقوق، وكرست قواعد قانونية وقضائية وإجرائية دقيقة، وابتكرت المؤسسات والخطابات والمعارف والعلوم وتكنولوجيا متعددة الأشكال، بهدف «إرواء شهوة العنف» والرغبة في تحقيق هيمنة شاملة ومطلقة على الجسد والسكان، الأفراد والجماعة.[xvii] تسعى العقلية السياسية لهذه المنظومة إلى توسيع مجال السلطة بشكل استراتيجي وحيوي، لذا يطلق عليها فوكو مصطلح «السلطة الحيوية biopolitique»، بحيث تتفرع في كل أنسجة المجتمع: تؤسس قواعدها الإجرائية الدقيقة، وتدشن ممارساتها الإدماجية الخاصة وحواجزها الإقصائية المميزة، وتطوق بها الجسم الاجتماعي بأكمله بواسطة آليات التذويت الانضباطية المركزة على الجسد، والآليات التنظيمية المهتمة بالسكان.[xviii] وإذ بلورت هذه العقلانية السياسية النظام الرأسمالي الاستعماري، فان آلياتها عممت عملياته وسيرورته الاقتصادية في كافة جوانب المجتمع من خلال تكنولوجيا «المراقبة والضبط» التي تشكلت على مستويين: (١) السياسة التشريحية، أو ما يطلق عليه فوكو مصطلح الـ Anatomo-politique، الذي يؤمن إدخال الجسد إلى الآلة الإنتاجية الرأسمالية بالتركيز على تهذيبه، وترويضه، وانتزاع قواه، والنمو المتوازي لطواعيته، ودمجه في أنظمة المراقبة الفعالة وقواعد الانضباط؛ و(٢) السياسة البيولوجية، أو ما يطلق عليه فوكو مصطلح الـ Bio-politique، التي تركز على السكان كقضية سياسية، أي «كمشكلة هي في الوقت ذاته علمية وسياسية، كمشكلة بيولوجية ومشكلة قوة»، وبالتالي إلى ابتداع ضبط تقنيات واستراتيجيات وآليات وتكنولوجيا إدارة وتنظيم حياتهم. [xix]
يخلص فوكو إلى نتيجة مفادها أن يميز النظم السلطوية الحداثية ليست فقط ممارسات وشرائع تغرق الجسد والجسم الاجتماعي في طقوس القتل والعنف الجسدي والخضوع السادي، بل أيضاً منظومة هيمنة وتكنولوجيا ميكروسكوبية تطورية غير متوقفة، تعتمد آليات المراقبة والانضباط، وتستثمر في الأجساد والسكان بهدف تنظيمهم وتوجيههم بما يضمن تحقيق التحكم فيهم والسيطرة عليهم وتطبيعهم، بحسب مصطلح فوكو المفضل. تعمل هذه العلاقات السلطوية على الأجساد عملاً مباشراً، على تفكيرهم ورغباتهم وتصرفاتهم، توظفهم وتأدبهم وتروضهم وتقومهم وتطالبهم بدلالات، ودائماً باتجاه تحييدهم، كأفراد وجماعات عن المشهد السياسي والاجتماعي، وانتاجهم وصناعتهم كرعايا بوعي نضالي مشوه، وذوات وقوى خاضعة وتبعية، مشلولة الإرادة والقدرة والفاعلية على تفكيك النظم السلطوية وآلياتها الترويضية والتدجينية. في كتابه المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن، يكشف فوكو عن تطور المراقبة وتقنياتها وأساليبها بحيث أصبحت عنصرا ملازماً للإنتاج والسيطرة، من السجون والمدارس إلى بناء المشاريع المدينية الكبرى، التي تستحدث تقنيات العمارة وأشكال التخطيط والتصميم لزيادة المرئية والفحص المتواصل والدقيق للمكان والأجساد في أدق تفاصيل الحياة اليومية، حتى «ذرات الأحداث والأعمال، والسلوكيات والآراء ـ أي "كل ما يجري"... إلى الحبة الصغرى، وإلى الظاهرة العابرة جداً... اللامتناهي في الصغر».[xx] يصبح كل شيء قابل للمراقبة المستمرة والمعاقبة بالقوة في خدمة السلطة، التي تركبهم الواحدة فوق الأخرى في رهان على قدرتها على السيطرة على تشكيل وإدارة المجتمعات، والاستمرار في الزمان والانتشار في المكان، ومن خلال الاستفادة من الابتكارات الحديثة والجديدة لتقنيات التحكم والهيمنة.
يأخذنا هذا الحديث عن التقنيات والابتكارات المرئية في المشاريع المدينية الكبرى إلى توضيح واحدة من أهم ركائز المنظومة السلطوية الصهيونية في "القدس الكبرى": المراقبة. تعمل المراقبة كركيزة أساسية في المنظومة الأمنية الصهيونية، والتي تشكل بدورها العقيدة السياسية العليا لوجود الكيان وتمكينه واستقراره، وتكنولوجيا محورية في استراتيجيته العسكرية في عمل أجهزة الشرطة والمخابرات والاستخبارات العسكرية وحرس الحدود، وداعمة لاقتصاده في صناعة «الأمن الوطني والمراقبة»، والتي تختص بإنتاج التقنية العالية لأجهزة وبرمجيات وتقنيات المعلومات والاتصالات.[xxi] وان الكيان ما زال يوظف شتى آليات المراقبة التقليدية، مثل تسجيل السكان والإحصاءات السكانية والطبوغرافية ومسح الأراضي، فانه، ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى، قد طور وأدخل حيز التنفيذ عدة مشاريع مراقبة، تتقاطع بشكل وظيفي، وتشكل جزءاً لا يتجزأ من منظومته القمعية، وتحقيقاً للأمن والعقاب والسيطرة، ومضاعفة جهوده في معاقبة الأفراد بالاعتقالات التعسفية والأسر، والتعذيب، والتصفيات الجسدية خارج نطاق القانون. يستخدم الكيان مختلف أدوات المراقبة كالقرصنة، والتنصت على المكالمات، واختراق الرسائل النصية والبريد الإلكتروني، والطائرات بدون طيار، والبطاقات البيومترية، والروبوتات، والكاميرات التلفزيونية المغلقة المرتبطة بتحليل البيانات عبر الفيديو واللاسلكي، ومراقبة البث الإذاعي والتلفزيوني والصحف والمقالات الأكاديمية، فضلاً عن شبكة العملاء الميدانيين ومساهمة دائرة التنسيق الأمني التابعة للسلطة الفلسطينية. وظيفة هذه الأدوات مجتمعة هي خدمة مخطط الكيان الاستعماري في مكافحة أعمال المقاومة، وإخضاع المجتمع الفلسطيني والتحكم به واحتوائه. وتتولى وحدة الاستخبارات 8200 في القاعدة العسكرية في صحراء النقب مسؤولية المراقبة الشاملة في التجسس الإلكتروني وقيادة الحرب الإلكترونية، من رصد ومتابعة الاتصالات والمراسلات الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والبث الإذاعي والتلفزيوني، والصحف والمقالات الأكاديمية، إلى معالجتهم من خلال خوارزميات التعامل مع البيانات الضخمة Big Data، وتقديمها على شكل تقارير ومعلومات وتقديرات معلوماتية وعملياتية واستراتيجية في عملية صنع القرار وتوجيه سياسات الأجهزة الاستخباراتية، سواء وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الخارجية، الموساد، أو جهاز الأمن العام الداخلي، الشاباك، أو جهاز الاستخبارات العسكرية، أمان.[xxii]
تمثل البلدة القديمة صورة مصغرة ومكثفة لهذه السياسات في القدس. ففي العام ٢٠١٦، دخل مشروع "مابات القدس" حيز التنفيذ، وهو مشروع مراقبة مرئية بمركز مراقبة رئيسي في مستوطنة "جيلو" جنوب القدس، ويديره طاقم من شرطة ورجال أمن "البلدية". يربط مشروع "مابات القدس" بين مشروعين في البلدة القديمة: مشروع "مابات 2000"، والذي على إثره تم توزيع ٤٠٠ كاميرا مراقبة في دائرة مغلقة في البلدة القديمة، قادرة على رصد ٣٦٠ درجة في محيطها لتعقب وتتبع الحركة، ومتصلة بـ ٣٦ شاشة، يديرها ١٢ ضابطاً على اتصال مباشر بـ ٨٠٠ عنصر من الشرطة وحرس الحدود؛ ومشروع "مابات كيدم 2014"، والذي خصص له ما يقارب ٥٠ مليون "شيكل" لزيادة التركيز الأمني على القدس الشرقية وشراء وتركيب المزيد من كاميرات المراقبة.[xxiii] وبعد تظاهر الفلسطينيين ضد تركيب أجهزة الكشف عن المعادن، وكاميرات المراقبة داخل باحات المسجد الأقصى، واجبار حكومة الكيان على إزالتها، تم ضخ ما يقارب ١٠٠ مليون "شيكل" لتعزيز أعمال الشرطة الأمنية والرقابية، وتحديث وتعزيز نظام المراقبة البصرية.[xxiv] وشمل هذا التحديث، تثبيت برمجية متطورة يُمكنها أن تزود الشرطة بقدرات إضافية في مجال التعرف على الوجوه، والقدرة على رصد ما إذا كان الشخص يحمل سلاحاً، بما في ذلك الأسلحة المخفية، وتقديم ملفات شخصيّة كاملة عن الأفراد الذين يجوبون شوارع القدس القديمة، بما يشمل "المشتبه" بهم من الضفة الغربية، بالإضافة إلى تركيب شبكة من كاميرات المراقبة المتقدمة المغلقة (LPR)، التي يمكنها قراءة لوحات ترخيص المركبات الثابتة والمتحركة في شوارع البلدة القديمة. [xxv] تم تنفيذ المرحلة الأولى والثانية من مشروع "مابات القدس"، والذي ربط مركز المراقبة الرئيسي في "جيلو" بـ ١٣٠ كاميرا تابعة لوزارة الإسكان، و٢٠ كاميرا تابعة للجامعة العبرية، و٢٥٠ كاميرا تابعة لـ "البلدية"، و٧٥ كاميرا تابعة لدائرة المواصلات في القدس، و٢٠ كاميرا تابعة لشركة "خطوط إسرائيل"، وبانتظار نشر ٢٤٠ كاميرا على خطوط القطار الخفيف، و٢٠ كاميرا في سلوان، و١٠ كاميرات في مستوطنة "شمعون هتصديق" في الشيخ جراح.[xxvi]
وان تمثل البلدة القديمة صورة مصغرة ومكثفة لآخر ما توصل له الكيان في علم وتكنولوجيا المراقبة في القدس، فان باب العامود بات يمثل بؤرة أمنية مكثفة، بعد أن تحول في السنوات الأخيرة إلى مركز حيوي واجتماعي وسياسي للمقدسيين لوجود ساحة أمامه شهدت على مدار العقد الأخير العديد من المظاهرات والفعاليات الشعبية. بعد هبة باب الأسباط، أدرك الكيان ضرورة تطويق نقاط التجمعات الشعبية في القدس، وإعادة هندستها، وبالذات في البلدة القديمة، وبدءاً بباب العامود. وعليه بات باب العامود اليوم أقرب إلى ثكنة عسكرية نصبت غرفة مراقبة أمنية على جانب مدخله، وثلاثة أبراج مراقبة عسكرية في الساحة المقابلة للباب، وأضافت برج مراقبة رابع لاحقاً، وغرفة مراقبة موجودة على سطح الباب، ونظام كاميرات مراقبة متكامل يرصد أدق التحركات في المنطقة ومحيطها، بالإضافة إلى وجود الشرطة والجنود الدائم.[xxvii]
لم يشهد التاريخ الحديث مشروعاً استعمارياً أكثر استبدادية ووحشية من المشروع الصهيوني على أرض فلسطين. ولم تعان مدينة من بين مدن العالم ما تعانيه مدينة القدس من السفك والعدوان؛ التهويد، والفصل العنصري السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والهندسة الديموغرافية والجيوسياسية والأمنية؛ مخططات المحو والتهجير، الطمس والإقصاء، التهميش والإهمال؛ وأدوات الضبط والتحكم، والمراقبة والقمع المباشر والاعتقالات اليومية؛ سحب الهويات وفرض الضرائب، هدم المنازل والحيلولة دون منح تراخيص بناء، مصادرة الأراضي والموارد الطبيعية، واستنزاف الطاقات البشرية الفلسطينية؛ أنماط عمرانية قائمة على التنكر وتشويه هوية ومعالم المكان، والتهويد المتأصل في المخيال الصهيوني الرسمي والمدني؛ وخرائط البتر والتدمير، التهجير وبناء الحدود والتخوم الداخلية.
يذكرنا خالد العنبتاوي أنه عندما ندقق في المرادفات لكلمة «حدود» بالعبرية، نجد «أن «خط التماس» أحدها، وهي ترجمة مجازية لكلمة «كاف هتيفِر»، بيد أن «تيفِر» بالعبرية تعني حرفياً «خياطة»؛ فالحدود في المنظور الصهيوني تحمل معنى القطع والقص، كما الوصل والنسج.[xxviii] تتضح عملية القص والوصل هذه في ما يرويه هاني العيساوي، الخبير في شؤون القدس، عن خط الهدنة، الذي تم ترسيمه في ١٩٤٩ أو ما يعرف بـ "الخط الأخضر" الفاصل بين شطري المدينة الشرقي والغربي.[xxix] شكل هذا الخط ٤.٤٪ من مساحة القدس آنذاك، وأطلق على مساحته اسم منطقة الأمم المتحدة، حيث تواجدت قوات تابعة للأمم المتحدة لا زال مقرها قائماً حتى الآن، و"المنطقة الحرام"، نسبة للحواجز التي كانت تفصل وتحظر التنقل بين شطري المدينة، ما عدا بوابة مندلباوم، وهي المعبر الرسمي ونقطة المراقبة والتفتيش والجمارك التي كانت تمر منها قوافل المؤن الصهيونية إلى جبل سكوبوس، وسمح للفلسطينيين في المناطق المحتلة وبالتحديد المسيحيين بالعبور منها لزيارة الأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم خلال فترة أعياد الميلاد ورأس السنة. [xxx] بعد نكسة الـ ١٩٦٧، قام الكيان مباشرة بإزالة حواجز "المنطقة الحرام" وبتدمير بوابة مندلباوم، وأقام في منطقتها متحف عسكري ومستوطنة "رامات راحيل" و"تلبيوت الشرقية"، كما حياً سكنياً وثلاثة فنادق، بهدف إيجاد تواصل جغرافي بين شطري القدس.[xxxi] وهكذا هي "القدس الكبرى"، توصل غربي القدس بشرقها، ومستوطنات القدس بمستوطنات الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتل في الـ ٤٨، وبروابط العولمة، في السياحة والاستثمارات، والتجارة الحرة لاقتصاد مستوطناتها إقليمياً وعالمياً، ولكن بعد قص المكان والزمان والانسان المقدسي عن الزمان والتاريخ والأرض الفلسطينية، وبعد ترسيم خطوط التماس الداخلية لمنع تكون جيوب سكانية متداخلة مع الفلسطينيين.
في دراستها «المقدسيون وانشطار الهوية: من وحي فرانز فانون»، تكشف اليز اغازريان ديالكتيك الاستعمار في نظام الغيتو، الذي يمثل الشكل الحديث للمساحة العرقية العنصرية وترسيم خطوط التماس والحدود والتخوم الداخلية في القدس، وتحقيق كل ما يمكن أن تنجزه السلطة في المراقبة والسيطرة، أمنياً وديموغرافياً. في بحثها عن العلاقة بين تخطيط الحيز المكاني وبين أداء الجسد، ممارساته وتصرفاته فيه، بالإضافة لتأثيراته على الوعي، والهوية والذاكرة، تتبع اغازريان أجساد الشبان والنساء والعمال المقدسيين التي تمتد خارج الحدود المفروضة في نظام الفصل العنصري، وتتجول وتخترق وتتسلل وتتخفى وتستمتع بالمناطق المنفصلة المكرسة لليهود فقط، وللجانب "اليهودي" غربي المدينة، ولكنها سرعان ما تتعرض لتجليات الرقابة الجسدية والقمع العنصري، وتجد موقعها في سلم علاقات السلطة، وتصطدم بواقع علاقاتها الكولونيالية: «يأخذ المقدسي بالتجول في أسواق القدس الغربية البيضاء، وهناك يعيش نشوة افتراضية. يحسد مستعمره على المساحة الرحبة التي يتحلى بها والشوارع "النظيفة" المؤمنة والمقاهي الحرة. وينظر إلى الإسرائيلي نظرة النقيض. فالإسرائيلي الغربي يتحلى بالمكان والزمان والتعليم والرفاهية ويجول بثقة في الشوارع، بينما يضطر المقدسي لأن يتخفى... [حتى لا] يتعرض جسده لجهنم الرقابة والفحص العنصري... [ولا] يثير الأعصاب العنصرية، من خلال قيامه، من حيث لا يدري، على تلويث نظام الفصل من خلال "مواجهة فضيحة الفصل العنصري بفضيحة الاختلاط"».[xxxii]
تشتد اليوم قبضة الكيان الصهيوني على شرقي القدس وأهلها بشتى آليات التخطيط والهندسة والعمارة، القوانين العسكرية والسياسية والاقتصادية، وآليات القمع والمراقبة والضبط والتحكم بهدف إخضاع المجتمع الفلسطيني، والتحكم فيه واحتوائه، وتشويه وعيه النضالي السياسي، ونزع فاعليته وقدرته على تقويض منظومة الكيان القمعية. يسعى الكيان في جل منظومته الأمنية إلى تشكيل وهم المراقبة المركزية الشاملة والدائمة، مفهوم البانوبتيكون في الرقابة الذاتية، الذي يكتسح أعماق الوعي، ويحكم قبضته على مستوى الجسد، والإشارات، والرغبات، والعادات، والعلاقات، والممارسات للإنسان الفلسطيني، فرداً وجماعة، ويزرع الاحساس بالحصار والخوف والعجز، وهكذا يتم انتاج أفراد يرتبطون بخضوعهم الخاص لسلطة الكيان، ومن ثم يكونون هم أنفسهم وكلاؤه الجاهلون. بعبارة أخرى، تصنع السلطة الرقابية أفراداً يخضعون أنفسهم طوعاً للمراقبة والتطبيع الذاتيين، وتحولهم إلى كيانات طيعة خاضعة لسلطة أعلى، وبالتالي إلى «تجريدهم من كل حرية، باستثناء حرية قبول خضوعهم»، بحسب توصيف لويس ألتوسير.[xxxiii] يرصد لنا الأسير وليد دقة، التحول من مرحلة الاحتلال المباشر، الذي يمثل "الحداثة الصلبة"، إلى المرحلة "السائلة" والاحتلال "الشمولي مابعد الحداثي"، الذي يموضع الشخصية الفلسطينية خارج النص، يتنكر لحقوقها ويطمس تاريخها ويشغلها في انقسامات تفصلها عن قيمها التحررية، ويتلاعب بوعيها ويفكك مكوناتها الجامعة بهدف ترويضها وانتاجها كأفراد عارية تماماً وسهلة الاحتلال: تتغير الحدود وتتآكل المساحة الفاصلة بين العام والخاص، المنزل والشارع، لتصبح أكثر الأمور اعتيادية، مثل الذهاب إلى الأقارب أو الدراسة أو العمل أو المستشفى أو التسوق أو الصلاة، مشحونة وشاقة ومهينة. وفي ظل غياب المشروع الوطني التحرري، وسلطة تمارس سيادتها الديكتاتورية على الشعب مقابل كاريكاتوريتها مع الاحتلال، يعيش الشعب الفلسطيني داخل منظومة البوصلة الفردية، الـGPS الخاص، كل يبحث عن يقينه ويواجه مصيره بقواه الفردية.[xxxiv]
"القدس الكبرى" سجينة نفسها:
صورة فعلاً مرعبة لكل ما يحاول رصد الهندسة الصهيونية لـ "القدس الكبرى". إلا ان من يدقق جيداً في الصورة سيجد أن سردية مغايرة تقبع في وجه كل هذا، قوامها المقاومة في صراع تاريخي مع المشروع والكيان الصهيوني وكفاح شاق وعادل يخوضه الفلسطينيون في مواجهة سياسة التهويد المنهجية المتمثلة بإبادة هوية القدس الفلسطينية العربية. وفي يوم ثلاثاء أطلقت عليه وسائل إعلام الكيان بـ «الثلاثاء الأسود» وأطلق عليه الإعلام الفلسطيني الشعبي عبر وسائل التواصل بـ «ثلاثاء الرد»، جاءت ثلاثة عمليات فدائية رداً على جريمة إعدام الشهيدة فدوى أبو طير على أبواب المسجد الأقصى في وضح نهار ٨ آذار، ٢٠١٦ بإطلاق الرصاص المباشر على جسدها بزعم محاولتها طعن جنود الاحتلال: عملية في القدس نفذها الشهيد فؤاد أبو رجب التميمي عبر الاشتباك الناري، وإصابة جنود وشرطة للاحتلال بشكل مباشر؛ وعملية قام بها الشهيد بشار صالحة بأسلوب الطعن المتنقل في يافا، ومن ثم اجتاح شوارع "تل أبيب" بسكينه. وكرد على تصاعد عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار من قبل الفلسطينيين، نظم معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني في ١٣ كانون الأول، ٢٠١٦ ندوة في تل أبيب عن "سؤال القدس" وكيف «تحول تحقق حلم "توحيد القدس" إلى كابوس ديموغرافي أمني» غير قادر على السيطرة التامة على القدس، خاصة بعد خروج ثلاثة من منفذي العمليات من جبل المكبر.[xxxv]
وفي يوم الاثنين من ٢١ كانون الأول، ٢٠٢، وبينما كان المسؤولون الصهاينة في حالة انتشاء بعد اختراقاتهم المتتالية للأنظمة العربية عبر بوابة التطبيع واتفاق "أبراهام"، الذي يعترف للكيان بسيادة شرعية وولاية دينية على الأقصى، ويعيد تعريف الأقصى باعتباره المسجد القبلي ذا القبة الرصاصية فقط، ويعتبر ساحاته مفتوحة لصلاة اليهود، ويضفي المشروعية على اعتقال المرابطين وإبعادهم ، اجتاز الشهيد محمود عمر كميل، من جنين قباطية، حواجز التنسيق الأمني ومنظومة الأمن الصهيونية ليصل بسلاح الكارلو، اليدوي الصنع، إلى إحدى أكثر المربعات الخاضعة للرقابة في القدس؛ قلب المسجد الأقصى، منفذا عملية باب حطة، التي أسفرت عن إصابة جندي إسرائيلي. شكلت عملية الشهيد صفعة قاسية للكيان ومنظومته الأمنية، وأثبتت قدرته الاستراتيجية والذكية في اختراقها، وفي تأكيد ان ترسانة القوة لم ولن تجلب الأمن. إذاً، لم يحقق مشروع "القدس الكبرى" فضاء عمراني ثابت، يفرض فيه الكيان هيمنته الشاملة والمطلقة، ولا اكتمال مشروع تهويد المدينة، ولا فرض السيادة الصهيونية الكاملة عليها. اليوم، "القدس الكبرى" هي أقرب ما تكون لرقعة مسجونة بالهوس الصهيوني في الأمن والديموغرافيا والفصل والعزل والتهويد والمراقبة. تقف "القدس الكبرى"، وبحسب يوسف جبارين، كنموذج صارخ لـ «مدينة كولونيالية»،[xxxvi] وكشاهدة على ديستوبيا السياسات الصهيونية، واستراتيجياتها الجيوسياسية العنصرية (الإثنوجيوغرافية)، والعنف التأسيسي في جغرافيتها التخيلية.
«لطالما سأبنيك، فتبنين يا عذراء إسرائيل»، آية في سفر إرميا حول وعد الرب ببناء الهيكل الثالث، وهذا هو شعار الصهيونية عن فلسطين كأرض بلا شعب أو كعذراء لم يمسس جسدها أحد، وكأن اختراقها ووطئها صهيونياً هو جزء من هذا الوعد. وإذ تقف "تل أبيب" فاتحة صدرها للبحر زاهية ببياض جسدها الاستعماري بعد ان وارت عروس البحر يافا سواد الأرض، فان "القدس الكبرى" تقف على جبال القدس وتلالها راعدة بوهم فائض قوتها، تذرع وديانها مدججة بالحديد والنار، تهرول بائسة مذعورة، تحفر باطن الأرض وفوقها، وتصادر وتمحي، وتخطط وتصمم، وتجند الهندسة والعمارة، وتبني وتشيد علها تبعث الماضي في الحاضر وتسقط مفهوم حاضرها على الماضي، دائماً مرهقة، يضغط على أعصابها ويثقل كاهلها عبء القدس وأهلها وتاريخها الفلسطيني، وفي كل لحظة تعي في ذاتها أنها فقدت سيطرتها وقدرتها عن نزع لبوسها الاستعماري، لا أمان فيها ولا اطمئنان ولا راحة، تحدق من أبراجها وثكناتها وكاميراتها متوترة بمتلازمة القلق الوجودي والخطر المقبل، وبانتظار ساعة التهلكة. تقف القدس صامدة في وجه "القدس الكبرى"، والشاهدة الحية أبداً لفشل المشروع الصهيوني في فلسطين في التحول إلى حالة "ما بعد الاستعمار"، أي إعادة تشكيله وفق تخطيط صهيوني جديد يدعي التجديد الحضري النيوليبرالي ومجد العالمية والسياحة والعولمة. تشهد هبات القدس الشعبية، (من هبة العام ٢٠١٤ إثر استشهاد الطفل محمد أبو خضير، وانتفاضة القدس ٢٠١٥، والتي يسميها الكيان بانتفاضة السكاكين، وهبة باب الأسباط في ٢٠١٧، إلى هبة باب العامود وصمود الشيخ جراح)، وما تخللها من عمليات فدائية بطولية، على فشل كل محاولات الأسرلة والتهويد، وبعث المدينة صهيونياً كـ "عاصمة أبدية" للكيان، كـ"يوتوبيا" جديدة ـ قديمة، بحاضر صهيوني نيوليبرالي وماضي توراتي يهودي، منعتق كلياً وكليانياً من جغرافيا العنف الصهيوني، وجغرافية الوجود والتواجد الفلسطيني وهويته الوطنية.
حيث يوجد احتلال، توجد مقاومة:
يرفض فوكو تعريف السلطة تعريفاً شمولياً لأنه بهذا سيفرغ الحرية من معناها، ويسد أي امكانية للمقاومة. ولهذا يؤكد على أنه «حيث توجد قوة، توجد مقاومة».[xxxvii] يفتح فوكو إمكانية المقاومة، ولكنها مقاومة لا تسبق السلطة التي تعارضها، ولا تصدر من موقع خارج عنها، وإنما المقاومة بوصفها داخلية بالنسبة للسلطة. بنظر فوكو، تستلزم المقاومة نشاطاً واعياً للتعرف على النظم وآليات التذويت، وتفكيك شيفرتها وتقويض علاقاتها، وجهداً مبذولًاً للتحول الذاتي، انطلاقاً من الجسد، الذي يتوفر على علاقات السلطة الميكرو ـ فاشية، بتوصيف جيل دولوز وفيليكس غوتاري، لإعادة أشكلة الذات نحو النقد والجمال والابداع، ما يسميه فوكو أخلاقيات ethics، التي يجمع فيها ما بين جسد الأفراد والجسم الاجتماعي، النقد والثقافة، الأفكار والوعي والسلوك وممارسات الحرية الخلاقة في صراعات محلية دائمة مع المنظومة السلطوية. نال فوكو من ناله من النقد، الذي اتخذ من تركيزه على الجسد، والممارسات المحلية، وسياسات الحياة اليومية ادعاء بأنه يحصر المقاومة في حيز ضيق ومن النوع الجمالي/الفردي، وأقل جماعية/ سياسية. وبنظري هذه قراءة خاطئة لفوكو الذي اعتمد النهجية الأركيولوجية والجينيالوجية لتفنيد أدق آليات السلطة وفهم آثارها المادية، الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، على الجسد، الذي هو موضوع وهدف للسلطة، تحركه بوصفه مجالاً للقوة، تلعبه، وتدربه، وتضبط حركاته، وتكيفه، وتطوعه في تداخل بين التشريحي بالبيولوجي، والتاريخي بالسياسي، فكيف إذاً للمقاومة أن تنبع من خارج الجسد؟
تأتي مجموعة «القدس» للفنان التشكيلي زيد عيسة، وهو ابن جنين، كمنجز فني يعتمد على الدمج ببرامج الجرافيك بين التصوير الفوتوغرافي للجسد والموتيفات الزخرفية والخطية، في تجربة تتقاطع مع فن الجسد، Body Art، من ناحية توظيف الجسد في العملية الإبداعية، وفي نفس الوقت مغايره له من ناحية عدم انتهاج المشهدية والأدائية.[xxxviii] ومن المفارقات التاريخية أن فترات تحريم تناول الجسد تشكيلياً كانت تؤدى إلى ازدهار فنون الزخرفة والخط، إلا أن هذه المجموعة تطل علينا بلوحات تحتفي بالجسد وفن الزخرفة والخط في آن واحد، وبأسلوب يوظف الموتيفات الزخرفية والخطية، والمعالم المعمارية للمسجد الأقصى في الرسم على الجسد. تتنوع طرائق الدمج بحيث يكون الجسد الحاوي للوحدات الزخرفية والخطية أحياناً هو الكتلة الرئيسية في فراغ اللوحة، وأحيانا أخرى يكون الجسد المزخرف هو واحد من المفردات الفنية المتناثرة فيها، وهذا يولد تأثيرات تهدف إلى تأصيل الهوية الفلسطينية، والتأكيد على جمالية موروثها المعماري والفني، وقوة حضور رموزها وايقوناتها الوطنية.
يتعامل زيد عيسة مع الجسد كبنية وفضاء معماري خاضع للجغرافيا التخيلية الصهيونية، التي مأسست منظومتها السلطوية على جسد أرض القدس/فلسطين، التي استلبتها ونهشتها وقطعتها وأعادت تشكيلها بما يدعم روايتها الإحلالية، وعلى أرض الجسد الفلسطيني، التي شتته عن بيئته الزمكانية في منافي الداخل الفلسطيني والشتات، وحاصرته في كانتونات غزة وأريحا وبيت لحم والخليل ورام الله وجنين ونابلس ـ كانتونات كلها مغلقة ومنفصلة عن بعضها البعض وعن باقي الأراضي الفلسطينية، وفي تخطيط لتقسيمها إلى مجموعة من الكانتونات الصغيرة تصل إلى أكثر من ١٠٠، يفصلها قرابة ٧٠٠ حاجز عسكري أو إغلاق إسمنتي، أو سدة ترابية، أو بوابة حديدة.[xxxix] في بعض اللوحات، يظهر الجسد المزخرف ساكناً وحاملاً لهوية صاحبه المنهك والمقهور والمغلوب على أمره، يبرز التعب وضنك العيش على ملامحه، ويسوده اليأس والخوف والقلق والضياع في تلخيص تشكيلي لمعاناة الإنسان/المدينة/الأرض الفلسطينية، وتجسيد للصراع اليومي والوجودي مع الفضاء المصهين والزمن المهود. لا تحيل العلاقة بين الجسد (كجسد خاص)، وبين القدس (كجسد عام ومقدس) إلى التوحد، ولا تبلغ القرابة بينهما حد التماهي، بل يلتقيان في تداخل وتقاطع وتوتر يشحن الجسد بالدلالات والمعاني المقدسية والمقدسة من ناحية جمالية ومركزية حيز المكان في الوجدان والذاكرة الفلسطينية الجمعية، وأيضاً من ناحية توظيفهم لإحراج المتلقي، واستفزاز فضوله لخلق حوار بينه وبين اللوحة/الجسد/القدس بعيداً عن عدم الاكتراث، وفي سعي لإيقاظ ضميره الإنساني، وتحسيسه بوجود أجساد مضطهدة في الجغرافيا التخيلية الصهيونية، ومغيبة من الجغرافيا المقدسة للمدينة، ونحو إمكانية فعل تغيير واقعها المرير؛ فالقدسية تنبذ اللامبالاة الأخلاقية والعبثية السياسية.
وهنا بالذات يبدأ عيسة بتكثيف اللوحات التي تعتمد تكرار الموتيفات الزخرفية والمعالم المعمارية للمسجد الأقصى على الأجساد، وفي نفس الوقت يجردها من هوية أصحابها، ويركز على تنويع حركاتها الجسمانية، وتشاكل سياقها بين ضخامة الجسد مع سكون المشهد، حركية الجسد مع هشاشة المنظومة الأمنية، جدية الظروف مع سخرية الموقف، والذي يكشف من خلالهم إمكانات استثنائية تمكن الأجساد من التفرس بصمت في ذاتها وفي محيطها الذي يتهدد وجودها، أو التعبير عن سرديات وجودها المشحون بالريبة والتوجس، أو رفضها للأسر داخل الظروف الموضوعية والسجون الذاتية، أو سخريتها من ثقافة الأمر الواقع والانكسار والهزيمة، أو ترقبها لإشارات وعلامات الاحتدام، أو قدرتها على التمرد، أو رغبتها في الارتجال والاعتباط والعشوائية، أو المجازفة بالعبور والمغامرة بالعودة. بفعل الحركة، يتحول الجسد، الذي يتعامل معه الفنان كبنية وفضاء معماري، من هيكل ثابت إلى سلسلة من العلاقات والممارسات المكانية الخلّاقة والدائمة التشكل، والقادرة في ديناميكيتها الفاعلة وحركيتها المستمرة أن تعبر عن هوية أصحابها وبّما يمكن ان يسهم في رسم جغرافية جديدة على مستوى الوعي والهوية والذاكرة والتجربة الفردية والجمعية. أكثر ما يثير الانتباه في هذه المجموعة هو العلاقات المركبة بين الخاص والعام، السكون والحركية، الصمت والضجيج، الضخامة والهشاشة، الجمالي والسياسي في تشاكل يتفاعل فيهما الحدان بمنطق الفرق، لا التناقض، والاختلاف الذي يحيل إلى الصيرورة، والتي لا يمكن الوعي بها إلا في لحظة التماس جسدياً مع الجغرافيا التخيلية الصهيونية ومنظومتها السلطوية، ومن ثم إلى انبجاس كل ما هو مستبعد ومغيب من منظومتها الرمزية التمثيلية في تناص يصوغ تصورات وتّجسيدات تتهيكل عبرها الذات بشكل مختلف لمعماريتها السلطوية، ومن خلال ممارسات مفتوحة على الفعل المقاوم. وهذا بالذات ما تحرض عليه جوليا كريستيڤا: البحث عن ممارسات كفاحية تحرر وتفجر المكبوت السيميائي للجسد وكتابته في الرمزي، ما تسميه محايثة السيميائي في الرمزي، في نمط من التثوير البراديغمي وانتهاك المحارم داخل لغة وقانون وقواعد المنظومة السلطوية.[xl]
تتقاطع كريستيڤا مع فوكو في فلسفة الجسد، وتطورها من ناحية تعالق أعراضه وآثاره الما قبل اللغوية/الأوديبية، أي مجاله اللارمزي السيميائي السابق على المعنى والدلالة وآليات التذويت الملقية عليه، والذي يشير إلى البياضات والعلامات والأحلام والغرائز والرغبات والأصوات والذكريات والاشارات واللاوعي والموسيقي والشعر والإيقاعات المخلخلة للعلاقة دال/مدلول، والمزعجة لبنية المعنى في النظام الرمزي، الذي يحيل إلى قواعد النحو والتركيب والصرف والمعنى والفكرة في عالم اللغة والمرتبط بالقانون، والبنية، وسلطة اللوغوس والفالوس وديكتاتورية رموزهم وآلياتهم المهندسة للجسد والذات تحت تأثير اشتغال أنماط السلطة الثقافية، والسياسية، والدينية، والتاريخية. ان انبجاس أو محايثة السيميائي في الرمزي هو ما يمكن الذات من التجسد كإمكان خارق، دائم الامتلاء بالغرائز والهواجس والنكبات والرغبات والأحلام واللقاءات، وكغيرية باهرة، وكحبل سري بين سبيل الحياة اليومية، بمعاركها ودموعها ودمائها، وبين إرادة الحياة الكريمة وإن بالموت سبيلاً، وفي سعي ثوري لإنتاج وإعادة إنتاج ذات أكثر تمرداً، وأكثر عصياناً للنظم السلطوية، وقادرة أن تتكيف مع التوليفات من كل نوع، ويعاد عملها من قبل الفرد والجماعة والتشكيلة الاجتماعية كعمل سياسي أو فني أو كتأمل قادر على تقويض مجالهم الرمزي وبناهم الاجتماعية والثقافية والسياسية، وعلى تفجير مركزية وهياكل تمثيلاتهم وهيمنتهم وفحولتهم، التي تفرض على الآخر التموضع في موقع التابع والهامش والمغيب، وبالتالي على تمكين الذات من أن تخلق هويتها وتكتب تاريخها بجسدها.
لا مجال هنا للإسهاب في فلسفة الجسد عند فوكو وكريستيڤا إلا للتأكيد على أهميتها فلسطينياً مع كيان يتعامل حتى مع جسد الشهداء كخطر أمني ويقوم باحتجاز رفاتهم وهدم منازلهم واعتقال ذويهم، وكركيزة في منظومته السلطوية لإدارة شؤون الحياة والموت الفلسطيني، كماً وكيفاً، جسدياً ووظيفياً. يفتح هذا الحديث عن الجسد والمقاومة مدخلاً لتحليل سلسة العمليات الفدائية الفردية وغير المنظمة في القدس، والتي نعتز بها كبطولات، كممارسات حرية خلاقة في صراعات محلية تسعى لكسر إدارة الكيان لشؤون الحياة والموت الفلسطيني. ينظر دولياً، وللأسف فلسطينياً عبر التنسيق الأمني للسلطة الفلسطينية، والذي ساهم في منع العديد من العمليات الفدائية، وملاحقة المقاومين، ومصادرة السلاح بحجج فرض الأمن، وسيادة القانون، وبنود السلام، إلى هذه العمليات على انها "تطرف" وإرهاب" و"راديكالية" و"ثقافة موت"، في تناسي أن الخطاب المعتمد لهذه التعريفات هو ما اختلقته ودولته الثقافة السياسية الصهيونية، ولذلك فإن أهم ما تفعله الثقافة السياسية الفلسطينية هو الإصرار على خلق مبادئها وصورها الخاصة عن الكفاح والبطولة والتضحية والفداء والشهادة، فليست المقاومة أمرًا سهلًاً أو مريحاً أو بلا أثمان، إذ لا ثورة بلا دم ولا تحرير بلا شهداء.
[لقراءة الجزء الأول. اضغط/ي هنا]
هوامش
[i] «الجدار العنصري حول القدس واقعه ودوافعه». مركز رؤية للتنمية السياسية. (٢٠١٨)، في الرابط الالكتروني التالي.
[ii] ريم العيسى. «تشويه ومصادرة الفضاء العمراني في القدس». نشرة حبر (٢٠١٨)، في الرابط الالكتروني التالي.
[iii] «الجدار العنصري حول القدس واقعه ودوافعه». مركز رؤية للتنمية السياسية، مصدر سبق ذكره.
[iv] خليل التفكجي. «القدس الكبرى كما تراها إسرائيل»، مصدر سبق ذكره.
[v] أحمد سعید دحلان. «البلدة القديمة للقدس: دراسة في الملامح الجغرافية والديموغرافية تحت الاحتلال الإسرائيلي». ورقة بحث مقدمة لمؤتمر القدس العالمي الثامن: «التهويد السكاني في القدس: التداعيات والمواجهة»، (٢٠١٤)، في الرابط الالكتروني التالي.
[vi] المصدر السابق.
[vii] في بيان صحفي في ٢٦ تشرين الثاني ٢٠٢٠، حذرت مؤسسة القدس الدولية من أنباء تناقلتها صحيفة "يسرائيل هيوم" عن اتفاق رباعي أبرمه ممثلون عن السلطة الفلسطينية والأردن والإمارات والبحرين، يقضي بتوفير الحماية للمطبعين العرب الذين يرغبون بـ "زيارة" الأقصى وأن يتم دخولهم عبر البوابات السبعة التي يدخل منها المسلمون للحرم، والتي تشرف عليهم دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف في الأردن، وليس من باب المغاربة الذي يستخدم لدخول السياح واليهود. من جهتها، نفت السلطة الفلسطينية على لسان قاضي قضاة فلسطين ومستشار الرئيس للشؤون الدينية، محمود الهباش، ما جاء في الصحيفة الإسرائيلية «جملة وتفصيلاً».
[viii] أحمد سعید دحلان. «البلدة القديمة للقدس: دراسة في الملامح الجغرافية والديموغرافية تحت الاحتلال الإسرائيلي». مصدر سبق ذكره.
[ix] شلومو ساند. اختراع الشعب اليهودي. ترجمة: سعيد عياش. (عمان، منشورات المكتبة الأهلية، ٢٠١٠).
[x] خليل التفكجي. «القدس الكبرى كما تراها إسرائيل»، مصدر سبق ذكره.
[xi] تبلور مشروع جدار الفصل العنصري عبر رئيس حكومة الكيان الأسبق إسحاق رابين، الذي فاز في الانتخابات على أساسه عام ١٩٩٢، مستنداً إلى شعار "نحن هنا وهم هناك". وقد وتبنت حكومة رابين المشروع في ٢٥ كانون الثاني، ١٩٩٥، وأقر بناء الجدار عام ٢٠٠٢ في عهد حكومة أرييل شارون في نيسان ٢٠٠٢، وبدأت العمل على بنائه في السادس عشر من نفس الشهر. أنظر: رشا حسني. «جدار الفصل العنصري في القدس: آثاره وانعكاساته». صامد، (بلا تاريخ)، صـ ٨٨.
[xii] خليل التفكجي. «القدس الكبرى كما تراها إسرائيل»، مصدر سبق ذكره.
[xiii] المصدر السابق.
[xiv] «الجدار العنصري حول القدس واقعه ودوافعه». مركز رؤية للتنمية السياسية، مصدر سبق ذكره.
[xv]Bhabha, Homi K. The Location of Culture. (London: Routledge, 2004), p. 38.
[xvi] خليل التفكجي. «القدس الكبرى كما تراها إسرائيل»، مصدر سبق ذكره.
[xvii] Foucault, Michel. The History of Sexuality: Volume I: An Introduction. Translated by Robert Hurley. (New York: Vintage Books, 1990), p. 74
[xviii] المصدر السابق.
[xix] . Foucault, Michel. Society Must Be Defended: Lectures at the College de France. (Paris: Picador Press, 2003)
[xx] ميشيل فوكو. المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن. ترجمة علي مقلد. (بيروت: منشورات مركز الإنماء القومي، ١٩٩٠)، صـ ٢٢٠.
[xxi] يشير الباحثان فضل النقيب ومفيد قسوم إلى الدور البارز لاتفاقية أوسلو في القفزة النوعية التكنولوجية لدى الكيان، حيث اعترفت أكثر من ٢٠ دولة بالكيان خلال عام بعد توقيع أوسلو، ما أدى لفتح الشركات الإسرائيلية على أسواق هذه الدول، كالصين والهند التي أصبحتا من كبار مستوردي السلاح والتقنية من الكيان، كما بقيام الشركات الكبرى بافتتاح فروعٍ لها في "إسرائيل". ما أدى إلى ارتفاع قيمة الاستثمارات الأجنبية من ٤٠٠ مليون دولار قبل أوسلو إلى ٣،٧ مليار دولار في عام ١٩٩٧. كما طرحت الشركات الإسرائيلية نفسها في الأسواق، عقب أحداث سبتمبر ٢٠٠١، على أنها تمتلك التجربة الأهم في مكافحة الإرهاب بما أسهم في إقبال كثير من الدول والمؤسسات العامة والخاصة على التعاقد مع تلك الشركات، ما أدى إلى نقلة نوعية في تطوير هذا القطاع، وهو ما جعل الصحف الأمريكية تطلق على الكيان «"عاصمة" صناعة الأمن الوطني والمراقبة في العالم». وفي عام ٢٠٠٦، قامت شركة إسرائيلية ببناء جدار مجهز بمعدات إلكترونية على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، شبيه بجدار الفصل العنصري العنصري في القدس والضفة الغربية. وفي عام ٢٠٠٨، قامت شركات إسرائيلية بعملية المراقبة والسيطرة الأمنية في الألعاب الأوليمبية في الصين. أنظر: الاقتصاد السياسي لصناعة التقنية العالية في إسرائيل (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ٢٠٠٥).
[xxii] ياسين صبيح. «القدس: منظومة الرقابة الاستعمارية ونقاطها الميتة». مصدر سبق ذكره.
[xxiii] المصدر السابق.
[xxiv] المصدر السابق.
[xxv] المصدر السابق.
[xxvi] المصدر السابق.
[xxvii] المصدر السابق.
[xxviii] خالد العنبتاوي. «يافا ضحية جمالها». مصدر سبق ذكره.
[xxix] داوود عبد الرؤوف. «إنفوجراف.. القدس.. قصة انشطارها لشرقية وغربية». موقع العين الإخبارية (٢٠١٨)، في الرابط الإلكتروني التالي.
[xxx] شكلت بوابة مندلباوم مصدر إلهام للشعراء والأدباء الفلسطينيين لما حملته من معاني درامية واقعية تحاكي المأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني، فأضحت رمزاً للحصار والتشتت والتشظي والانكسار والذاكرة والعزلة المزدوجة في وجه الرغبة في التواصل عبر الحدود المفروضة عليهم. منها دخل سعيد وزوجته صفية إلى حيفا في رواية غسان كنفاني عائد إلى حيفا، وفيها تم اللقاء بين علي وخالته العجوز في روايته الأفق وراء البوابة. واستلهم إميل حبيبي اسمها لعنوان روايته بوابة مندلبوم، حيث يصف عزلة بطلة الرواية وهي أم عجوز من الناصرة تقرر زيارة غربي القدس، فتبقى أسيرة فيها وبعيدة عن أولادها داخل الخط الأخضر.
[xxxi] داوود عبد الرؤوف. «إنفوجراف.. القدس.. قصة انشطارها لشرقية وغربية». مصدر سبق ذكره.
[xxxii] اليز اغازريا. «المقدسيون وانشطار الهوية: من وحي فرانز فانون». مجلة الدراسات الفلسطينية، ٨٢ (ربيع، ٢٠١٠)، صـ ٨١.
[xxxiii] Althusser, Louis. On the Reproduction of Capitalism: Ideology and Ideological State Apparatus. Translated by G. M. Goshgarin. (London: Verso, 2014), p. 269.
[xxxiv] وليد دقة. «حرِّر نفسك بنفسك». صحيفة الحدث (٢٠٢٠)، في الرابط الإلكتروني التالي.
[xxxv] فريق التحرير. «حول الانسحاب من أحياء "القدس الشرقية"». صفحة باب الواد (٢٠١٦)، في الرابط الإلكتروني التالي.
[xxxvi] Jabareen, Yosef. “The Politics of State Planning in Achieving Geopolitical Ends: The Case of the Recent Masterplan for Jerusalem”. IDPR, 32:1 (2010): 27-43.
[xxxvii]Foucault, Michel. The History of Sexuality: Volume I: An Introduction, 95.
[xxxviii] درس زيد عيسة الفنون الجميلة في جامعة النجاح في نابلس وتخرج منها عام ٢٠٠٨. باشر تجربته التشكيلية بالرسم بالألوان الزيتية والتصوير الفوتوغرافي، وطورها من خلال دمجها بفن الجرافيك، حيث يعمل حالياً كمصمم للعلامات التجارية. شارك في عدة معارض في رام الله وأبو ظبي. أقام في ايطاليا مشاركاً في البرامج الفنية والمهرجان الدولي لـ Teatro di Nascosto في ٢٠١٨ و٢٠١٩.
[xxxix] جهاد بركات. « 15بؤرة استيطانية جديدة خلال 2019 وخطة للاحتلال الإسرائيلي لتقسيم الأراضي الفلسطينية». العربي الجديد (٢٠٢٠)، في الرابط الإلكتروني التالي.
[xl] جوليا كريستيڤا. «نساء بصيغة المفرد: حوار مع إليان بوكي». ترجمة فؤاد أعراب. مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث (٢٠١٨)، في الرابط الإلكتروني التالي.