القدس: نحو جغرافية ثقافية مقاومة (٣ من ٣)

القدس: نحو جغرافية ثقافية مقاومة (٣ من ٣)

القدس: نحو جغرافية ثقافية مقاومة (٣ من ٣)

By : Hanadi Loubani هنادي لوباني

في العام ٢٠٢٠، شهدت مدينة القدس ٤٣٠ عملية فدائية، بحسب تقرير الشاباك، تنوعت ما بين عمليات الدهس والطعن، وإطلاق النار، والاشتباك المسلح مع الجنود، وتفجير العبوات الناسفة المصنعة محلياً، والاقتحام المسلح للمستوطنات، واستهداف الحافلات والمنشآت، كما في خط القطار السريع في شعفاط القريبة. شكلت هذه العمليات معضلة أمنية لمنظومة الكيان الأمنية، إذ أثبتت ضعف أجهزته الاستخباراتية، التقنية والبشرية، على رصد هذه العمليات أو كشفها بشكل مسبق، أو حتى توقع حدوثها؛ كما في عملية الشهيدين أبناء الجبارين، التي أثبتت قدرة المقاومين الاستراتيجية والذكية على اختراق منظومة الكيان الأمنية، وفجرت هبّة باب الأسباط. وعلى عكس عمليات المقاومة المنظمة، التي كانت تُحبط نتيجة الاختراق والتنسيق الأمني، فان هذه العمليات الفردية كانت في الغالب في فكر منفذها فقط، ووليدة اللحظة أو الحدث، وبالتالي، عجزت المنظومة الأمنية عن منع وقوعها؛ كما في عملية عمر العبد حين جاهر برغبته في الثأر للمسجد الأقصى عبر منشور على الفيسبوك، وتمكن بعد ساعتين من النشر من اقتحام مستوطنة "حلاميش"، ونفذ فيها عملية طعن، وانسحب بعدها بسلام، على الرغم من وجود مئات المختصين في مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطيني. زعزعت هذه العمليات من قناعة الكيان بإحكام قبضته الأمنية على القدس ونجاحه في ضبط المشهد، ما أدى إلى توالد حالات الرعب داخل المجتمع الإسرائيلي.

لنتخيل المشهد: أجساد في كل أرض فلسطين تضيق بها المساحات المزدحمة، والأقفاص الضيقة التي حددها لهم الكيان؛ تعيش في غور عزلة مأهولة بالرغبات والنزعات والأفكار والأخبار المتناقضة، وبالذكريات والعلاقات والحركات واللقاءات المعقدة والمحرمة؛ تجترح منسرباً من سياسات القمع والعزل والفصل والمحو والتغييب والتهميش والإقصاء، وآليات المراقبة والضبط والتحكم والاخضاع؛ تخط في صمت، وخفية عن النظر مسارات الترحال، وممرات التنقل، وخطوط الهروب؛ تتحدى خطوط التماس والحدود والتخوم الداخلية، التي تفترس أرض فلسطين، وتنهش مدنها، وتكرس عزلة شعبها، ومعهم كل الاتفاقيات والمفاوضات؛ تطور مهارات الاختراق والتسلل والتخفي؛ تتمدد وتنفلت من بين الحواجز ونقاط التفتيش والمعابر والجدار والأبواب والمستوطنات والطرق الالتفافية، ومن تحت عين الجنود وأبراج المراقبة وكاميرات المراقبة؛ تنبثق على أرض القدس بلا سابق انذار، في دقة عمليات منفردة، وتقريباً عفوية، وغير متجانسة ومتمايزة نوعياً في الشكل، والإيقاع، والسرعة. فكيف لا تكون إلا ظاهرياً منفصلة، ولكنها في أرض الواقع متجاورة ومترابطة ومتداخلة جذمورياً، بحسب تعبير دولوز وغوتاري.

والجذمور هو نبتة تتكاثر عبر شبكة سيقان وامتدادات جذيرية أفقية في باطن الأرض، تنتشر في ترحال دائم باتجاه المساحات المتاحة ونحو مسافات جديدة عبر الحواشي والشقوق والثغرات. تتوفر فقط على امتدادات تتشعب وتتواصل داخل نسيجها القابل دوماً للتواصل والتقاطع على مستوى كل أبعادها، وبالتالي ليس لها محور واحد، بل تعدديات مستوية تتضمن أبعاداً وتركيبات وتحديدات وأحجام متنامية نسبة لتعدد الترابطات القائمة، والتي بمقتضاها تتبدل طبيعتها عند ارتباطها بتعدديات أخرى. التعدديات تكون دائمة قابلة للوصل والتكيف مع ترابطاتها الجديدة، وحتى حين تتكسر أو تتمزق أو تنقطع أو تتصدع في محل معين، إلا انها لا بد أن تستمر متتبعة الامتدادات التي لا تنتهي وتتشكل معها من جديد. لا يمكننا تحديد مستوى تماسك التعدديات إلا بواسطة الحدث، خطوط الهروب والترحال والاختراق، التي تجعلها تنبثق على سطح الأرض الخارجي، تماماً كنبتة الصبار التي تعاود الظهور على أراضي القرى الفلسطينية التي تم تهجيرها أو إبادتها لتكون الشاهدة في الزمان والمكان على زمكان آخر.[1] والجذمور هو مفهوم فلسفي محوري عند دولوز وغوتاري في رفض منطق الثنائيات الذي يغذي الواحدية والهرمية، مقابل التعددية التي تغدي الاختلاف، الذي لا أهمية فيه للتصنيفات والتراتب الهيراركي، بل للروابط والعلاقات والتشابكات والتركيبات، وللممكنات اللانهائية للانتشارات، وخط خطوط الهروب والانفلات، واقتدار ممارسات وأفعال وتحرير طاقات في كل الاتجاهات. انطلاقًا من هذا المفهوم الفلسفي، يرسم دولوز وغوتاري صورة المقاومة كممارسات جذمورية، متعددة ومختلفة، متقاطعة ومتشابكة أحياناً، ومتعارضة وغير متشابهة أحياناً أخر، متحركة ومتغيرة كل الوقت وليست ثابتة، تجمع ولا تجزئ إلى طبقات متفرقة، وتنتج فعاليتها في تشعباتها وترابطاتها وتركيباتها الخلاقة، كل تشعب ينتج ويتلاقى مع تشعبات جديدة لينتج ظواهر جديدة وانفتاحات مختلفة.

المقاومة عند دولوز وغوتاري، كما عند فوكو وكرستيڤا، تنبع من السياسات الصغرى، الجسد والسياسات المحلية واليومية، ولكنه الجسد الذي يمارس النقد والابداع، والفردية التي تخترق الطبقات والمكونات المجتمعية والدينية والسياسية وكل مناطق الجسم الاجتماعي، والمحلية التي تنفذ إلى الجيو ـ سياسية/اجتماعية /اقتصادية؛ فالحرية، لنخلط بين فوكو ودولوز وغوتاري، توجد فقط حين تُمارس جذمورياً. نحن هنا بصدد مقاومة تفرض حضورها حين لا تنتج نموذج السلطة التي تكافح ضده، كما في خطاب أوسلو للسلطة الفلسطينية الذي يستطبن في ذاته ديناميات الجغرافيا التخيلية الصهيونية ومنظومتها السلطوية، الذي يدعي مواجهتها في حين يعتمد عليها عضوياً في بناء خطابه، وبالتالي لا يمكنه أن يقاوم الصهيونية وسلطتها ومنظومتها ونظامها، بل وللأسف يضمن لها الاستمرارية في حبس الأجساد الفلسطينية داخل طوطم منظومتها السلطوية. نحن هنا في صدد مقاومة تنتج أجساد تتمرد مكانياً، وتثور، وترفض، وتفكك، وتقوض الجغرافيا التخيلية الصهيونية ومنظومتها السلطوية، وتكشف هشاشتها ونقاط الضعف فيها، ومع كل خط هروب، ومع كل عملية فدائية، ترسم بدمها من جديد حدود القدس التاريخية وفلسطين التاريخية، وتعيد انتاجهم في المخيلة الفلسطينية الجماعية في عود أبدي للذاكرة الفلسطينية الجمعية وسرديتها الثقافية التحررية؛ فلا غرب القدس "يهودياً"، ولا "قدس كبرى" مرتبطة "إسرائيليا" بالداخل الفلسطيني، ومعزولة زمكانياً عن الضفة الغربية المعزولة عن غزة، ولا قدس غربية ولا شرقية، بل فلسطين من نهرها إلى بحرها، وحتى آخر شبر فيها.

 

الثقافة: ميدان صراع وأداة مقاومة:

تشتد هجمة الكيان الصهيوني على الثقافة الفلسطينية ضمن عملية استراتيجية للاستيلاء على فلسطين، على تاريخها وتراثها وهويتها ومعتقداتها وقيمها ومفاهيمها ومعارفها وروايتها، كما تفريغ الانسان الفلسطيني من هذه المكونات، وإخضاع وعيه وإرادته ونمط تفكيره وسلوكه وحقائقه وحواضنه. في القدس، تتعدد وتتنوع الاستراتيجيات والهدف واحد: اجتثاث الفلسطيني من مقومات البقاء والصمود والحضور والتأثير، واستلابه للهيمنة الثقافية الصهيونية. وتحت عنوان الـ "مشروع فني"، نفذت "بلدية" القدس في ٢٠٠٧ مع «صندوق أورشليم القدس»، إحدى أكبر مؤسسات التمويل الإسرائيلية في القدس، تعليق لافتات لمقتطفات من قصائد شعراء إسرائيليين مترجمة إلى العربية في شوارع شرقي القدس الأساسية، كشارع صلاح الدين والسلطان سليمان، ومقتطفات من قصائد كلها بالعبرية وزعتها على محطات الباص، والمقاهي، وأعمدة الكهرباء في غربي القدس. وفي وقت لاحق، أضاف المشروع مقتطفات من بعض القصائد لشعراء فلسطينيين، منهم سميح القاسم وطه محمد علي وميشيل حداد، ممزوجة مع قصائد لشعراء إسرائيليين، وعلقتها في شوارع شرقي القدس فقط، في إسقاط لاعتبارها من "الشعر العربي الإسرائيلي". وتحت مسوغ «تذليل العوائق الثقافية» والفن كـ «وسيلة للتعايش الإسرائيلي ـ الفلسطيني» في القدس،[2] يحيل هذا الـمشروع في الواقع إلى توظيف الفن في استراتيجية ومشروع "القدس الكبرى"؛ فكما يهدف مشروع "القدس الكبرى" إلى ضم أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية مع أقل عدد من الفلسطينيين، يضم الـ "مشروع فني" الشعر الفلسطيني إلى كتاب الشعر الإسرائيلي ضمن مشروع تطبيع ثقافي يهدف إلى تطويع الرواية الفلسطينية للرواية الصهيونية وأيديولوجيتها عن الصراع. يتكثف هذا التوظيف في بجاحة المعرض الإسرائيلي في صالة 1:1 في "تل أبيب" لأعمال فنية مصورة عبر الڤيديو لعدة فنانين عرب وفلسطينيين، منهم وائل شوقي وأكرم زعتري ووليد رعد، دون نسبها إليهم ودون موافقتهم. وتحت عنوان "فن عربي مسروق"، أكد بيان القائمين على المعرض على أنهم «مدركين تمامًا لهذا التصرف كـنوع من أداء فني بحد ذاته، يطرح أسئلة عميقة عن علاقة الفني بالسياسي... وكرد على المناخات السياسية والقوانين وحملات المقاطعة، التي لا تسمح بهامش واسع للحركة في هذا الشأن... وان الفن بحاجة إلى طريقة لكسر هذه الحواجز».[3] هذه السرقة العلنية للأعمال الفنية داخل الكيان ليست ظاهرة معزولة، بقدر ما هي جزء من سياق ثقافي قائم على مبدأ سرقة الحق والحقوق لمصلحة مشروع احلالي ديدنه إلغاء الفلسطيني الآخر وتطبيعه.

يحضر مشروع «ع السطوح» للفنان المقدسي محمد جولاني الذي يوظف الفن التشكيلي في ترميم أسطح ٢٥ منزل في البلدة القديمة وتجميلهم.[4] بضربات فرشاة أنيقة، وألوان متناغمة، يحول الجولاني فضاءات الأسطح إلى جداريات فنية، تتخللها جداريات أغصان الزيتون. يخرج المشروع من ضيق صالات العرض وشوارع البلدة القديمة، التي يحاصر فيها سكانها وتتكاثر فيها البؤر الاستيطانية وجور قوانين الضرائب والترميم والبناء، في تجربة استثنائية من القفز من الشارع إلى سماء القدس. يخط الجولاني أغصان الزيتون وأوراقها في مسارات وامتدادات أفقية شبكية عشوائية تعكس رفض "بلدية" القدس أن ترخص له عملية الترميم والتجميل، فخاض الجولاني حربه السرية الخاصة في مراوغة "البلدية" بأخذ الأذن من أصحاب بيوت لم تكن متجاورة.

يحول الجولاني بعثرة المواقع إلى أبرز ملامح الجداريات: حركة جذمورية من الاتصالات والترابطات والانفصالات والانقطاعات الغير متوقعة، لا بداية ولا نهاية لها. في لغة فنية تبحث على الدوام عن الحركة والمراوغة بين المساحات والحدود، وتخط خطوط الخروج والانفلات والاختراق والهروب، كما خطوط الدخول والتقوقع والتواري، وإعادة تأليف الحركة من جديد، تتشعب غصون الزيتون كأعضاء بلا جسد، بلا جذع عامودي ولا جذر ضارب في الأعماق، وكأن بالجولاني يتحدى بهذا تطبيع الطبيعة، التي لم تسلم من الهمجية الصهيونية في اقتلاع أشجار الزيتون، وكأن به يحول حتى الجذر الشجري إلى جذير من خلال تجسده في المادة، وإعادة تشكيله من خلال فعل الحركة المتصورة، فيتحول الفن في يد الجولاني إلى وسيط بديل في مسائلة الممارسات المكانية الاستعمارية الصهيونية، وممارسة نقدية لها عبر الانفتاح على أولويات مغايرة في معالجة المكان.

كان فانون يؤمن كما غسان كنفاني أن الوطن ليس «هو الماضي فقط...]انما[ هو المستقبل»، وأن السردية الوطنية التحررية لا تنبغي أن تكون بعيدة عن واقع الناس اليومي، وعن التصدي لقضاياهم وحمولتهم الوجودية، ولا لصالح خطاب آخروي خلاصي؛ فالتحرير والتحرر لا يأتي كهبة، ولكن تنتزعه الجماهير انتزاعاً. ما يؤكد عليه فانون هو ضرورة إطلاق العنان لثقافة ثورية نظيرة للعنف الثوري في مقاومة الهيمنة والتغلغل الاستعماري. هذا ما نراه اليوم في هبات أبواب وأحياء القدس

يشكل مشروع «ع السطوح» أرضية لممارسات مغايرة تحمل قيماً نقدية، ومادة سردية وشاعرية بامتياز. يوظف الجولاني السؤال الجمالي في ممارسات أشبه ما تكون بالنضال الاجتماعي السياسي، وفي ميل ملحوظ إلى فهم القدس كبناء مادي وهيكل معرفي وثقافي وإنساني، قادر على أن يوظف التعبير الفني الفلسطيني، وأثره كمولد لشبكة من الأفكار والقيم والعلاقات والممارسات المكانية الخلاقة، وسلسلة من المتغيرات والمتحركات دائمة التشكل في مسارات متداخلة لحكاية واحدة متصلة، يصح أن نتعامل معها كجغرافيا ثقافية ندية، وكعنصر محدد في إثراء وإنتاج تمثيل ذاتي وموضوعي لمواطن الأصالة العربية الفلسطينية في القدس واستعادتها على مستوى الوعي، والهوية، والذاكرة، والاستخدام البشري للمكان، والتجربة الفردية والجمعية. مع الجولاني، يتحول الفن إلى ثقافة صادحة، لا تقتصر على الأسلوب والموضوع والمواد والتقنية، بل ما يألف في جماليات الفن علاقات جدلية وحوار مفتوح في سجال سردي وتمارسي لا يخشى فيه الفنان اشهار سيف ديموقليس فوق رأس الكيان واستراتيجيته في شطب الذاكرة وتزوير الحقائق والتاريخ.

نحو جغرافية ثقافية مقاومة:

بعد استظهاره منظومة السلطة/المعرفة في الجغرافيا التخيلية وتفكيك الابتناء الاستعماري لفضاء الآخر المكاني، ينصب جهد إدوارد سعيد على تبيان الثقافة كـ «أداة للمقاومة» وما تتيحه من إمكانات لمقاومة السلطة وتحديها، ونزع سلاحها، وحل أفكارها ومفاهيمها وتصانيفها وتراكيبها المبنية على العنف: فـ «عندما يتعلق الأمر بالهوية السياسية عندما تكون عرضة للتهديد، فان الثقافة تمثل أداة للمقاومة في مواجهة محاولات الطمس والإزالة والإقصاء. إن المقاومة شكل من أشكال الذاكرة في مقابل النسيان».[5] يتتبع سعيد إحالات فرانز فانون لثقافة ثورية مستقلة وحرة، تزكيها الصراعات اليومية للناس، وتتخذ شكلها الجوهري حول نضالاتهم، وتساهم في تقدم مقاومتهم، وتعزز المعارضة والنقد في مظاهر نضالهم. في كتابه معذبو الأرض، يذكرنا فانون أن الثقافة الثورية «ليست مجرد فولكلور، أو شعبوية مجردة تعتقد أن بإمكانها اكتشاف الطبيعة الحقيقية للناس. هي لا تتكون من رواسب جامدة ناتجة عن تصرفات غير مبررة، أي الإجراءات التي تكون أقل ارتباطاً بالواقع الحالي للشعب... إن الثقافة... تتخذ شكلها الجوهري حول نضالات الشعوب».[6]

كان فانون يؤمن كما غسان كنفاني أن الوطن ليس «هو الماضي فقط...]انما[ هو المستقبل»،[7] وأن السردية الوطنية التحررية لا تنبغي أن تكون بعيدة عن واقع الناس اليومي، وعن التصدي لقضاياهم وحمولتهم الوجودية، ولا لصالح خطاب آخروي خلاصي؛ فالتحرير والتحرر لا يأتي كهبة، ولكن تنتزعه الجماهير انتزاعاً. ما يؤكد عليه فانون هو ضرورة إطلاق العنان لثقافة ثورية نظيرة للعنف الثوري في مقاومة الهيمنة والتغلغل الاستعماري. هذا ما نراه اليوم في هبات أبواب وأحياء القدس والعمليات الفدائية فيها،  وهذا بالذات ما يتطلب منا دعم توليده وتكثيفه بإنتاج جغرافية ثقافية مقاومة تعكس صمود الناس، وتبني مقومات الحفاظ على وجودهم وتواجدهم، وتواجه الاستلاب من خلال المساءلة النقدية والقدرة على التحليل، وتعمق وتصوب الوعي الذاتي والجماهيري في ممارسات كفاحية لا تقتصر على مجال بعينه، وتتطلب اكتشاف الذات في حرية الابتكار والخلق، وتعثر على وسائل إعادة تنظيمهم، في خضم أسوأ الكوارث، من خلال متعة المغامرة، والالتزام الحر المقاوم للغباء، والفقر الفكري والروحي، وعقلية القطيع، وكل ما يمكن أن تنجزه السلطة في المراقبة والسيطرة، وتتحول فيها ومن خلالها الأجساد إلى نصوص حية تتثاقف فيما بينها، وتعيد انتاج الروابط والقيم الوطنية الجامعة؛ وتحاول البحث عن البديل في عصف ذهني، وذكاء، وتكتيك استراتيجي للانتقال من الوعي الوطني إلى الوعي السياسي والاجتماعي في سبيل خلق «أرواح جديدة»، بتوصيف إيمي سيزير.

والسؤال الذي يستوقفنا هنا هو كيف تنتج هذه الجغرافية تحقيق تأثيراتها في السياسة الفلسطينية وتنشيطها باتجاه القدس التاريخية، واستجابتها لتحدي ومطالب الحاضر في حسم المعركة على القدس، جغرافياً وتاريخياً وديموغرافياً؟ أعود مرة أخيرة إلى جوليا كريستيڤا التي تجد في الأدب والفن إمكانات تفكيكية وممارسات اختلافية وخلاقة تفتح منفذاً لانبجاس أو محايثة السيميائي في الرمزي، وعلى الانزلاق واختراق الحدود من أجل انكشافها في السياسة، وبما يثري تجربة السياسة ويسحبها بعيداً عن الخطابة والبلاغات المفرغة المضمون نحو ممارسات توسع آفاقها، وحيويتها، وديناميكيتها. هذا التصور لا يستعيد القطيعة الأنطولوجية التقليدية في ثنائية الثقافة والسياسة، حيث تنحصر الثقافة في المحسوس، وملكية المخيلة، والعاطفة والميول والرؤية الفردية والرغبات والانفعالات، وتحقيق المتعة الجمالية في الشكل والمضمون والغاية والوسيلة، وفي تضاد مع السياسة كبراديغم عقلي وأداة ووسيلة لتحقيق الأهداف الجماعية؛ بل تتجاوزها في مواجهة «تنظر للجمال بوصفه إعادة لفتح الأفق، وتوسيعاً لمجالات الرؤية، وهذه الإمكانات الأخرى للأفق والتاريخ هي في صلبها جمالية»، بتوصيف خالد عودة الله.[8] يتعلق الأمر إذاً بمقاربة تقدم رؤية مغايرة للثقافة والسياسة، وما يقوم بينهما من علاقات مركبة ومربكة، متناغمة تارة ومتنافرة طوراً، والتي تشهد على التوتر وبسط دورة تولدها المعاودة من الثقافة كسياسة إلى السياسة بما هي ثقافة: الإثراء المتبادل بين الثقافة والسياسة في قراءة تؤسس لأوليات مغايرة تمكن الثقافة من حقها في استشكال الأسئلة الاجتماعية السياسية والقضايا التاريخية، كما استكشاف البعد الأخلاقي والجمالي للثقافة على مستويات الفكر والموقف والفعل السياسي، والديموقراطية التي تكفل الاختلاف والتعددية والديناميكية والصيرورة وحرية التعبير والحق في الحرية بإطلاق، وحتى لا تكون السياسة مجرد «احتجاج يستغني بلعن الظلام عن إضاءة الشموع».[9]

[لقراءة الجزئين الأول والثاني. اضغط/ي هنا]

هوامش

[1] المصدر السابق.
[2] نجوان درويش، «إسرائيل تهيمن (شعرياً) على القدس». جريدة الأخبار (٢٠٠٧)، في الرابط الالكتروني التالي.
[3] سعيد محمد. «غاليري إسرائيلية «تحتل» الفن العربي». جريدة الأخبار (٢٠١٨)، في الرابط الالكتروني التالي.
[4] درس الجولاني الفنون الجميلة في جامعة القدس وتخرج منها عام ٢٠٠٩. تابع دراساته العليا في الفن المعاص في أكاديمية بيالسل، وأصبح بعدها محاضراً في جامعة القدس، ومعلماً للفنون في بعض المدارس، كما مدرباً في ورش مختلفة نظمتها مؤسسات ثقافية في فلسطين. أقام فترة في باريس في عام ٢٠١٥ مشاركاً في أحد البرامج الفنية، وكذلك في الصين عام ٢٠١٨، ومثل فلسطين في بينالي الفنانين الشباب في ألبانيا في ٢٠١٧. في العام ٢٠١٦، جاء في المركز الثاني في جائزة إسماعيل شموط. بعد صراع مع مرض السرطان استمر لسنوات، توفي الجولاتي في القدس في ٣ تشرين الأول، ٢٠٢٠.
[5] إدوارد سعيد. الثقافة والمقاومة. إدوارد سعيد. الثقافة والمقاومة. حوار ديفيد بارساميان. ترجمة علاء الدين أبو زينة. (بيروت: دار الآداب، ٢٠٠٣)، صـ ١٤٣.
[6]  New York: Penguin, 1976), pp. 188-9.) Franz Fanon. The Wretched of the Earth.
[7] غسان كنفاني. عائد إلى حيفا. (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ٢٠٠٤)، صـ ٧١.
[8] طارق خميس. «قصص خالد عودة الله ونقد خطاب الأمر الواقع في الأدب الفلسطيني». صحيفة العرب (٢٠١٤)، في الرابط الالكتروني التالي.
[9] سامي غابري. تفكيك الميتافيزيقا وبناء الإتيقيا في فلسفة جاك دريدا. (عمان: داو الخليج، ٢.١٧)، صـ ١٧١.

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (3 - 3)

      من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (3 - 3)

      على مشارف حيفا، يقول سعيد (س) لزوجته صفية، التي كانت منصرمة إلى التحديق نحو الطريق غير مصدقة بأنها ستراها مرة أخرى: «أنت لا ترينها، إنهم يرونها لك.. لقد فتحوا الحدود فور أن أنهوا الاحتلال فجأة وفورًا، لم يحدث ذلك في أي حرب في التاريخ.. لسواد عينيك وعيني؟ لا.

    • من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (2 - 3)

      من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (2 - 3)

      وقف منصور عباس، زعيم القائمة العربية الموحدة، مبتسمًا بجوار نفتالي بينيت بعد لحظات من تولي الأخير رئاسة الوزراء وتحقيقه أغلبية بسيطة للأحزاب الساعية للإطاحة ببنيامين نتنياهو.

    • من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (1 - 3)

      من «عائد إلى حيفا» إلى عائدون إلى حيفا (1 - 3)

      بعد عشرين عامًا يصل سعيد (س) وزوجته صفية إلى بيت كان يومًا لهما في حيفا(1). يصعدان الدرج المؤدي إلى بيتهما في الطابق الثاني. يجاهد سعيد (س) ألا ينظر إلى الأشياء الصغيرة

بدرخان علي: "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد

‫يأخذنا الباحث الكردي السوري بدرخان علي في هذه المقابلة في جولة نقدية حول الثورة السورية ودروبها المتشعبة، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع تحت سيطرة أحزاب كردية متعددة، تتضارب في المصالح والأهداف. ويتطرق إلى طبيعة العلاقة التي تربط حزب الإتحاد الديمقراطي PYD بالنظام السوري وبحزب العمال الكردستاني PKK في تركيا، وكذلك عن علاقة بقية الأحزاب الكردية بالسيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق. وهو إذ يصف نفسه هنا بـ "أكثر المتشائمين"، لا يرسم بطبيعة الحال، صورة وردية عن مستقبل سورية ما بعد الأسد، إلا أن مكاشفته القارئ تلامس حيزاً كبيراً من هواجس كل سوري ومخاوفه المستقبلية.

م.د: ثمة لغط كثير حول مطالب الأكراد، هل لك أن تضعنا بصورة تفصيلية وواضحة حول المطالب الكردية الحقيقية؟‬

ب.ع: قبل اندلاع الثورة السورية كانت مطالب الحركة السياسية الكردية ترد إجمالاً في صيغ "الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد". وكان ثمة تشديد دائم على نفي تهمة الانفصال عن سوريا التي تلصق عادة بالحركة الكردية، وإبراز الدور الوطني للكرد في سوريا منذ الاستقلال حتى اليوم. وبالطبع التركيز على المظالم التي مورست بحق الكرد، مثل حرمان حوالي ربع مليون منهم من الجنسية السورية بموجب الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الخاص بمحافظة الحسكة، وحظر اللغة والثقافة الكرديتين إلى التمييز في سلك الديبلوماسية والجيش، وإقامة "الحزام العربي" في محافظة الحسكة.
بعد اندلاع الثورة وتشكيل المجلس الوطني الكردي (إئتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية والتنسيقيات الشبابية الكردية) طرحت صيغة حق تقرير المصير في إطار وحدة البلاد، واللامركزية السياسية، ومن ثم الفيدرالية والدولة الاتحادية. يلاحظ أن هناك تصوّراً كردياً غالب أنّ الفرصة مواتية لانتزاع أكبر قدر من المطالب القوميّة بعد سقوط النظام الحاكم. وفي ظنّي هذا رهان كبير، ولا يخلو من قدر غير محسوب من المغامرة، ويحصر المسألة الكردية في السلطة الحاكمة أو شخص الرئيس. ويغفل معطيات وعوامل عديدة في المسألة القومية الكردية في بعدها السوريّ.

م. د: ما هي العوائق التي تقف في طريق المطالب الفيدرالية الكردية؟

ب.ع: الحقيقة أن هناك جملة عوامل جغرافية، سكانية، محلية، سياسية، إقليمية تطرّقت إليها في كتابات سابقة سوف تعترض صيغة الفيدرالية المطروحة بمجرد سقوط النظام، لا بل من الآن. وستضطر النخبة الكردية نفسها إلى مواجهة الواقع كما هو، لا كما تشتهي. حتى الآن رغم كل الاجتماعات واللقاءات والنقاشات، ورغم إلحاح الجانب الكردي، ورغم رغبة قوى المعارضة في ضمّ الأحزاب الكردية إلى صفوفها، لم تبد أية جهة سياسية سورية موافقتها على هذه المطالب الفيدرالية، أي أنه لم يمكن حتى الآن انتزاع "اعتراف وطني-عربي سوري" بالحقوق الكردية وفق ما تطرحها القوى الكردية. وهو الأمر الذي تسبّب به الطرف الكردي برفع سقف مطالبه خلال الثورة، وكذلك بعض الأطراف في المعارضة التي لا ترى في المطالب الكردية سوى مشكلة عابرة لا تحتاج سوى إلى كلمات عامة، ناهيك عن وجود تيار قوميّ- شوفينيّ بكل معنى الكلمة داخل صفوف المعارضة اليوم.

وهناك لا شك عوامل عديدة سوف تحدّ من بقاء سورية دولة مركزية متشددة، بالمعنى الإدراي الإقتصادي-الأمني، أي بصورة تتيح للأطراف والمحافظات ممارسة سلطات أوسع في نطاقها المحليّ. لكني أرى أن تصبح سورية دولة لامركزيّة سياسياً ودستورياً، أمراً بعيد الاحتمال.

خلال فترة قصيرة من الإضطراب والفوضى قد تمارس سلطات الأمر الواقع من جماعات مسلّحة وقوى سياسية قدراً من سلطة سياسية محليّة. لكن ليس على المدى البعيد وعلى نحو مستقرّ. من جهة أخرى يبقى الأمر مرهوناً بمآلات الحرب القائمة في البلاد، وكيف ستنتهي، والارتدادات الإقليمية للصراع السوري.

م.د: هل يخشى الأكراد من أن تدير المعارضة السورية العربية لهم الظهر حال سقط النظام، وما الضمانات التي تطالبون بها لمنع ذلك؟

ب.ع: بلى، هناك تخوّف من هذا القبيل، ويستند هذا الخوف إلى ميراث الاضطهاد والتهميش الذي مورس بحق الكرد بعد مشاركتهم الفاعلة في نيل استقلال سورية عن الانتداب الفرنسي، كما يجري استحضار تجارب كردية خارج سورية وبشكل خاص المشاركة الكردية في معارك الاستقلال التركي ووعود كمال أتاتورك لهم بالحكم الذاتي والمشاركة في الدولة الجديدة، والتي أخلفها على الفور بعد نيل الاستقلال ومارس أشد السياسات عنفاً وشوفينية ضد الكرد في الجمهورية التركية التي سارت على نهجه في اضطهاد الكرد. كما مشاركة الكرد في "الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979. وتهميشهم واضطهادهم بعد استقرار الحكم للملالي ورجال الدين. يعبّر أحياناً بعض الساسة الكرد عن ذلك، في لحظات الصراحة والوضوح، بالقول "لن نكون بندقية على كتف أحد" أو " ثوّاراً تحت الطلب". الثورة السورية أنعشت آمال الأكراد في سوريا في نيل حقوقهم، ودفعت النخب، باستثناءات قليلة، إلى رفع سقف مطالبها على شكل حكم قوميّ ذاتيّ موسّع (بصرف النظر عن التعبيرات)، من غير أن يطالب أحد بالانفصال عن سوريا. الضمانات المطلوبة المطروحة هي انتزاع اعتراف مسبق من الآن بتضمين الحقوق القومية الكردية، بالصيغة المطروحة، في الدستور القادم.

م.د: تحوّلت مناطق الأكراد إلى مناطق آمنة للاجئين السوريين من المناطق التي تعرضت لعنف النظام بعد احتضانها المعارضة المسلحة، فهل تضعنا في صورة الوضع الاقتصادي في تلك المناطق؟ وما صحة أن حزب العمال الكردستاني يدير الوضع الاقتصادي/ المعاشي بغض نظر من النظام؟

ب.ع: كان الوضع المعاشي في محافظة الحسكة ممكناً و مقبولاً، بشكل نسبي، حتى قبل بضعة أشهر وكان النازحون من المناطق السورية الأخرى يتمتعون بأمان. لكن مع اشتداد المعارك في المنطقة الشرقية والاشتباكات بين الجماعات المسلحة العربية والكردية في رأس العين (سري كانيه) والخراب في البنية الخدمية عموماً وحالة الفوضى وبروز العصابات التي تسطو على الشاحنات القادمة من حلب وغيرها، تدهورت الشروط المعيشية خاصة خلال الشتاء حيث البرد الشديد وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و أيام متواصلة أحياناً. وبسبب إغلاق المنافذ بين المحافظة والجوار، التركي والعراقي، حيث المعبر بين قامشلي ونصيبين التركية مغلق، والمعبر بين اليعربية (تل كوجر) السورية وربيعة العراقية مغلق أيضاً، ورأس العين تشهد معارك، والسلطات التركية كانت تسمح فقط للمسلّحين والأسلحة بالدخول لمجموعات مسلّحة مدعومة منها على الأغلب، قامت حكومة إقليم كردستان العراق بإرسال معونات إنسانيّة مقدّمة باسم رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني، تتضمن محروقات ومواد أساسية لأهل المحافظة عبر معبر غير نظامي بين حدود إقليم كردستان العراق ومدينة ديرك (المالكية) الكردية السورية، ودون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. وكذلك السماح بإدخال معونات مقدمة من المواطنين وجمعيات وقوى سياسية عبر الإقليم. وقد شكّل هذا المعبر شريان حياة صغير للمنطقة ومازالت بعض المواد الأساسية ترد عبره. أما في المناطق الكردية الأخرى شمال حلب والرقة فالوضع هناك أسوأ، حيث منطقة عفرين مثلا (شمال حلب) محرومة من أية مساعدات إنسانية من الجهة التركية.

م.د: في مؤتمر القاهرة الذي أعد لوحدة المعارضة، حصل في نهايته خلاف عربي- كردي أرخى ظلالاً سيئة على العلاقة العربية الكردية عموماً وعلى وحدة المعارضة السياسية. هل ترى أن الخلاف بين العرب والكرد هو خلاف عميق الجذور من الصعب تجاوزه على المستوى السياسي فحسب، أي أنه عمودي، أم أنه خلاف مرهون بوجود الاستبداد ويزول بزواله؟

ب.ع: لا أودّ الحديث غير الواقعي بالتهويل عن متانة الوحدة الوطنية وإطلاق الشعارات الجميلة. وكما بيّنت في سؤال سابق، مشكلة الكرد وحقوقهم ليست مرهونة فقط بالنظام الحالي، ولا بالطبقة الحاكمة وحسب، حتى يكون إسقاطهما حلاً ناجزاً للمسألة الكردية. بالتأكيد، الاستبداد المديد، وثقافة حزب البعث القومية، وتغييب الحياة السياسية والحريات العامة أسهم في تعقيد القضية الكردية. كما أن تطورات المسألة الكردية في الجوار الإقليمي تلعب دوراً مؤثراً على الحركة الكردية في سوريا.

لكن الفرق الأساسي هو بين رؤيتين أساسيتين (مع استثناءات وتدرّجات في الجهتين): الكرد باتوا ينظرون إلى سوريا من منظورهم الكرديّ الخاص (ولذلك أسباب ومعطيات) أكثر من أي وقت مضى، أي كشعب ضمن شعب وإقليم ضمن دولة، وتحضر هنا تجربة كردستان العراق في المخيلة السياسية، في المقابل ينظر عموم السوريّون إلى الكرد من منظور عام، "الوحدة الوطنية" و"الشعب الواحد" و"أسنان المشط".

في تقديري: الواقع الذي سيفرز بعد سقوط النظام ونتائج الحرب المستعرة حالياً، والمخاض الإقليمي جراء الوضع السوري المتفجّر، والجدل القائم حول البدء بحل ما للقضية الكردية في تركيا وما سيتمخض عن ذلك، سيكون له دوراً كبيراً في تقرير حدود الحلّ السوري للمسألة الكردية. أي موازين القوى ومعادلات القوة الناتجة. الشعارات من الطرفين (سلباً أو إيجاباً) لن تفيد كثيراً، ولا "التطمينات" المتبادلة. رغم أهمية التواصل الأهلي وضرورة التنسيق بين المكونات الاجتماعية في المناطق المتداخلة من أجل تجنب الصراعات الأهليّة.

م.د: ثمة كثير من الأساطير تحاك حول حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني) بين من يرى أنه يعمل لحساباته الخاصة مستغلاّ التحولات الحاصلة في سوريا والمنطقة، وبين من يرى أنه أداة بيد النظام السوري، وبين من يرى أنه يتحاور مع أنقرة من تحت السطح. كيف تقرأ واقع هذا الحزب الإشكالي في الانتفاضة السورية؟

ب.ع: القسط الأكبر من "الأساطير" التي تقال عن حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd) تعود إلى سياسته وسلوكياته بالطبع، لا إلى اتهامات من الآخرين. فالواقع أن سياسة الحزب في سوريا خاضعة تماماً للأجواء التي تسود العلاقة بين قيادة حزب العمال الكردستاني، خارج سوريا، والسلطة السورية. ولو قارننا مثلاً موقف الحزب في انتفاضة قامشلي 2004 مع موقفه الحالي لتوصلنا إلى ذلك. ففي العام 2004، كانت علاقة الحزب قد تدهورت مع دمشق بعد طرد زعيم الحزب السيد عبدالله أوجلان، من الأراضي السورية عام 1998 وتوقيع الاتفاقية الأمنية بين دمشق وأنقرة، التي تسمح لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية لملاحقة مقاتلي الحزب. ورغم أن النظام السوري كان أقوى بكثير في 2004، ورغم أن الكرد كانوا معزولين عن بقية السوريين وفي المواجهة لوحدهم، كان حزب الاتحاد الديمقراطي، وإعلامه خصوصاً، يمارس تجييشاً كبيراً وتحريضاً غير مسبوقاً ضدّ النظام السوري، وبإغفال تام لإمكانات الكرد ومقدرتهم على خوض ثورة مستمرّة ضد النظام. إلا أن ذلك كان مطلوباً حينذاك من قبل قيادة حزب العمال الكردستاني للضغط على النظام السوري.

أما في الثورة السورية الراهنة، فنلاحظ لغة سلميّة غير مألوفة منهم تجاه النظام السوري، وبات الشباب المحتجّون ضد النظام السوري عملاءً لأردوغان!
لا أرى أن حزب العمال الكردستاني أداة بيد النظام السوري. إلا أن هناك استفادة متبادلة بين الطرفين. النظام السوري يستفز تركيا عبر الورقة الكردية مجدداً، ويسمح لقادة حزب الاتحاد الديمقراطي، واللجان الشعبية التابعة له، بالنشاط المستقل تماماً عن الحراك الثوري في البلاد، والكابح له في المناطق الكردية. من جهة أخرى، ازدادت وتيرة العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني وشدّتها ضدّ الجيش التركي خلال فترة الأزمة السورية في خطوة أعادت إلى الأذهان الدعم الذي كان يتلقاه الحزب سابقاً من النظام السوري.

م.د: أين يكمن الانعكاس السلبي للحزب على القضية الكردية، خاصة أن هناك من يقول أن الحزب يعمل لاستغلال الأوضاع الحالية للهيمنة على الداخل الكردي لفرض رؤيته القومية؟

ب.ع: ليس من خطأ شنيع ارتكبه الحزب في سوريا بقدر محاولة فرض هيمنته الحزبية على الساحة الكردية، ولو كان ذلك بالعنف الصريح، والاعتداء الجسدي. وهذه، كما نفترض، وسائل غير مشروعة للعمل السياسي والدعاية السياسية ونيل الهيبة الحزبية. الشهوة للسلطة والتلهّف المبكر لها وللتسلّط، كان وراء كل الممارسات الطائشة والقمعيّة للحزب بشكل أضرّ به أيضاً، ووضعه في موقع حرج. كل ما عدا ذلك يخضع للنقاش والاختلاف.

لذلك لست مع نظرة تقول أنه بمجرد سقوط النظام السوري سوف تتوقف هذه الممارسات، بافتراض أن ذلك يجري خدمة للنظام السوري وبأوامر منه. موضوع حزب الاتحاد الديمقراطي وتشابكه مع وضع الـ (ب ك ك) في تركيا معقّد بعض الشيء. وهناك ثقافة قمعيّة ذاتية، وتربية شمولية، و"عبوديّة طوعيّة"، أي لا علاقة مباشرة لها بالموقف من النظام السوري، قد تستثمر في أية لحظة، والقاعدة الشعبية جاهزة للتلبية والتصفيق بطبيعة الحال، وللهجوم أيضاً.

م.د: الحوار بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة الجاري الآن، هل تعتقد أن يكون له انعكاس على الداخل السوري وتوازن القوى، أي هل يمكن أن يبيع الحزب النظام السوري؟

ب.ع: بلا شك، سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي يخضع بشكل مباشر لتأثير الحزب الأم (العمال الكردستاني. ما تزال المفاوضات في بدايتها وغير معلنة للرأي العام، سوى تسريبات من هنا وهناك. ولا نعلم كيف ستسير. وإذا ما قيّض لها النجاح بعد فترة، رغم الصعوبات الكبيرة والجمّة والملفات المرتبطة، سوف يلقى الأمر بظلاله على سياسة الاتحاد الديمقراطي في سوريا. أكبر تأثير إيجابي قد نجنيه في سوريا هو إعادة الاعتبار للسياسة والعقل، والعمل لمصالح الكرد السوريين أنفسهم، وتصالح أنصار حزب العمال الكردستاني السوريين أنفسهم مع مكانهم الواقعي والمحيط المعاش. وربما خلاص باقي أطراف الحركة الكردية من الابتزاز المزمن لحزب العمال الكردستاني.فحتى اليوم لم تكن قضايا الكرد السوريين أنفسهم على رأس أولويات المناصرين للـ pkk، لا قديماً ولا الآن.

م.د: في رأس العين، وبعد اقتتال بين الطرفين، عقد الجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي اتفاقية وشكلوا معاً "لجنة حماية السلم الأهلي والثورة". هل يمكن لهذا الأمر أن ينجح رغم الإيديولوجية المختلفة لكل منهما، والأجندة الخارجية المتضاربة لكل منهما أيضا؟

ب.ع: التفاهم الذي جرى في رأس العين (سري كانيه) كان بين وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي وتشكيل عسكري تابع لـ"الجيش الحر" والإئتلاف الوطني السوري، هو المجلس الثوري العسكري في محافظة الحسكة. ووقع هذا التفاهم بعد زيارة وفد برئاسة المعارض ميشيل كيلو ودعوات عدة من "الهيئة الكردية العليا" وقوى المعارضة وقيادة "الجيش الحر" لوضع حد للمعارك والاقتتال الدائر في رأس العين والذي تسبب بتشريد ومقتل الكثير من أبناء المنطقة ونهب البيوت.

لكن على الفور قامت جهات عديدة بمهاجمة الإتفاق، لا سيما ذات النزوع القومي- الطائفي مثل "جبهة تحرير الفرات والجزيرة" التي يقودها السيد نواف راغب البشير المدعوم من تركيا، والذي يضمر بعض رواسب النزاعات القبلية التي تعود للخمسينات بين عشيرته- البكارة- وبعض العشائر الكردية. ولم يعد يخفي السيد نواف البشير ميوله المعادية للأكراد. إلا أن المفاجأة كانت حين هاجم الجنرال سليم إدريس، رئيس أركان "الجيش الحر" التابع للإئتلاف الوطني الاتفاقية واعتبرها لاغية. من هنا لا أظن أن الصراع انتهى. إذ قد يتجدد بأشكال أخرى وفي منطقة أخرى.

م.د: في البيت الداخلي الكردي هناك طرفان أساسيان: المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل ويحظى بشرعية دولية وعلاقات دولية مقبولة مقابل ضعف سيطرته على الأرض، والاتحاد الديمقراطي المدعوم من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل والمفتقد لشرعية وغطاء دولي في حين لكنه يمسك بالأرض. هل ترى أن الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أربيل وأسفر عن تأسيس "الهيئة الكردية العليا" هو اتفاق حقيقي، أم أنه اتفاق هش أو "زواج مصلحة" ولا يمكن التعويل عليه؟

ب.ع: الاتفاق بين الطرفين الكرديين جاء من أجل تطويق مخاطر حرب كردية-كردية ، حيث بلغت الرغبة لدى الطرف المهيمين على الأرض إلى إقصاء غيرهم بالعنف وفرض هيمنتهم القسرية بطريقة هستريائية، وممنهجة. إنه اتفاق أمر واقع وتجنباً لإراقة الدماء. خلاصة الاتفاق هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع انتزاع الاعتراف الرسمي بكونه "الحزب القائد" عملياً، وهو كان مستعداً لإشعال حرب أهلية كردية من أجل تحقيق هذا الاعتراف، في مقابل إزاحة شبح الاقتتال الكردي- الكردي بعض الشيء. من هذه الزاوية المهمة نال تشكيل "الهيئة الكردية العليا" ارتياحاً كبيراً في الوسط الكردي، رغم الملاحظات العديدة. فالمسؤولية الوطنية والقومية اقتضت تنازلاً سياسياً من قبل الأطراف الكردية تجاه حزب الاتحاد الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة والحرجة.

م.د: من المعلوم أن إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني يدرب جنودا أكراد انشقوا عن الجيش السوري، وهناك من يقول أن تدريب هذه الفرقة العسكرية يأتي في إطار إعداد ذراع عسكرية للمجلس الوطني الكردي لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على الأرض. ما رأيك؟

ب.ع: حسب معلوماتي هي قوة عسكرية قليلة العدد مؤلفة من الجنود السوريين المنشقّين من الرتب الدنيا والمطلوبين للخدمة العسكرية، إذ لا يوجد أكراد برتب عالية في الجيش السوري، لكن بسبب الضجة الإعلامية التي أثيرت، يتوقع المرء أنه جيش كبير كأيّ جيش نظامي.

السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، لم يعرض على المجلس وطني الكردي تبني تلك القوة العسكرية الموجودة في كردستان العراق ولم يعرض إرسالها إلى سورية في أي لقاء مع قيادات المجلس في أربيل، حسبما سمعنا. لكن بالطبع، فور تداول الخبر حول إحتمال عودة الجنود المنشقين المتدربين في كردستان العراق إلى مناطقهم في سوريا، أعلنت قيادات الاتحاد الديمقراطي علناً رفضهم لقدومهم وعدم السماح بدخولهم، والتهديد بمقاومتهم أيضاً بحجة أنّ هذا الأمر سيكون سبباً لاقتتال داخلي كردي. و في هذا هم يتكلمون صحيحاً. إذ لا يمكن أن يرضى "الحزب القائد" بأي شيء يحد من نفوذه، ولو كلف ذلك اقتتالاً كردياً كردياً.
بغياب مركز قرار سياسي كردي موحّد هناك خطر كبير بالفعل من وجود قوتين مسلّحتين مختلفتين في نفس المنطقة.

م.د: بالإطار الأوسع، أي بما يتعلق بسوريا ككل، نقرأ لك انتقادات حادة أحياناً للمعارضة "الراديكاليّة" كما تسميّها. برأيك أين أخطأت المعارضة السورية في تعاملها مع الانتفاضة السورية؟

ب.ع: مع أنه أصبح النقاش حول هذا الموضوع بلا فائدة عمليّة بعد حصول ما حصل وخراب البلد، لكن للتوثيق والتاريخ فقط، يمكن القول أن الخطأ الجوهري الأساسي كان منذ الأسابيع أو الشهور الأولى للانتفاضة. أما الآن فلم يعد بمقدور أحد السيطرة على الوقائع على الأرض، بعد أن أصبح البلد كله مستنقعاً من الدماء و الدمار، وخرج الأمر من سيطرة المعارضة السياسية نفسها. بدون الدخول في التفاصيل أقول: أخفقت المعارضة السورية التقليدية والجديدة في تقدير قوّة النظام السوري و تماسكه، وبالتالي وقوعها في فخّ "الوهم البصريّ" الذي أشاعته الميديا من خلال نمذجة انتفاضتي تونس ومصر عربيّاً؛ أي أن كلّ نظام عربي يلزمه بضعة أسابيع ليسقط. هذا قبل أن تتحوّل بعض الفضائيات العربية المعروفة إلى منبر للمعارضة السورية الراديكالية، التي كانت تدفع الشباب المتحمس والثوار في الداخل إلى مزيد من الحماس، بل إلى التهوّر، وتقوم بتزيين ذهاب زهرة شباب سوريا إلى دورة العنف الجهنميّ و"محرقة" النظام. كما أخفقت المعارضة في البناء على شيء مهم وأساسي تحقّق فعلاً بعد انتفاضتي تونس ومصر هو عودة السوريين إلى السياسة والشأن العام. الأمر الذي غيّب لعقود في "سوريا الأسد".

كانت هذه فرصة تاريخية لا تعوّض ومكسباً كبيراً بالنسبة لشعب كالشعب السوري غيّب عن السياسة والشأن العام تحت حكم ديكتاتورية شنيعة. بيد أن المعارضة الراديكالية ولأسباب مختلفة أحياناً (الإخوان المسلمين في الخارج، الذين وجدوا أنفسهم أمام فرصة مؤاتية للانتقام من النظام، و النشطاء السياسيين، من المعتقلين السابقين الذين ذاقوا الويلات في سجون النظام ،من بعض التنظيمات اليسارية والقومية، وبعض الشباب المتحمّس قليل الخبرة السياسية) وجدت في ذلك فرصة للذهاب إلى أقصى المطالب فوراً ظناً أنه "أقصر السبل". من هنا تفرّعت كلّ المشكلات برأيي.

لا أغفل أننا لسنا في لعبة شطرنج، نختار ما نشاء من خطط وحركات. ونهمل أشياء أخرى، ولسنا في شروط صحيّة تسمح لنا بالتفكير البارد، ولا الواقع يسير بناء على تفكيرنا وبرامجنا. غير أنه كان للحسابات الدقيقة والمدروسة في بداية الانتفاضة أن تنقذ السورييّن من هذه الكارثة الإنسانية التي يعيشونها منذ سنتين، أو تقلّل من حجمها وعمقها. لا ننسى بالطبع أن رعونة النظام ووحشيّته اللامحدودة تتحمل المسؤولية الكبرى عما جرى وما سيجري لاحقاً. ليس من خلاف كبير حول تشخيص النظام، كونه أكبر عصابة منظّمة ومسلّحة ومستولية على مقدرات البلد. الخلاف هو حول سبل المواجهة و الحلول، والخسارة والربح. وأصارحك أنني لا أعرف شيئاً في العالم يستحق كل هذه التضحيات العظيمة بما فيها "الديمقراطية". لا شيء خلف التلّة. "الانتخابات الحرّة" ليست شيئاً عظيماً، بعد خراب البلد.

م. د: كيف تقرأ المستقبل السوري إذن؟

ب.ع: ليس مبشّراً على أية حال، حتى وفق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، إن بقي هناك متفائلون أو سيناريوهات لحلول قريبة. ليس هناك حل سياسي متوقّع للاستعصاء السوري الدموي. ولا حسماً عسكرياً قريباً. برغم رفع درجة التمويل العسكري للجماعات المقاتلة، في الآونة الأخيرة، بدرجة غير كافية للحسم. ولا ترضى أميركا بحسم سريع. بل نتوقع اشتداد ضراوة المعارك وازدياد منسوب العنف وضحاياه.

وهذه ليست مهمة أميركا ولا أوربا على أية حال. ولا يمكن لومهم أيضاً، إذ ليس من مهمة الأميركان وغيرهم إحصاء عدد القتلى السوريين. هناك أشياء واقعيّة أهم بكثير: أمن إسرائيل، خطوط الطاقة في الشرق الأوسط، الاقتصاد الأميركي، إيران وملفها النووي، التنظيمات الجهادية المعادية لها، الخ…

كان أكثر المتشائمين، مثلي، يقول أن النظام السوري لن يسقط إلا بسقوط الدولة بأكملها معه. الآن نحن أمام حالة رهيبة وأشد خطورة: انهيار الدولة وبقاء السلطة! حتى في المناطق المحرّرة (الأدق أن نقول مناطق منكوبة) والتي تغيب فيها الدولة تماماً بأبسط أركانها (ماء، خبز، كهرباء، وقود) هناك "حضور" ما للسلطة بشكل متقطع: صواريخ السكود وطائرات الميغ بين الفينة والأخرى!
أن نقترب من سقوط السلطة الحاكمة لا يعني أن أهداف الثورة قد تحقّقت. فور سقوطها (لا أدري متى) سوف يتعيّن على السوريين إعادة بناء الدولة نفسها، ولملمة أشلاء المجتمع المحطّم، ولن يكون الأمر سهلاً في أي حال من الأحوال. بعد ذلك يمكن الحديث عن إمكان (فقط إمكان) تحقيق الديمقراطية، والحريات والعدالة وحكم القانون ودولة المؤسسات.
وفي ظني أن لحظة سقوط بشار الأسد وسلطته الفاشيّة لن تجلب للسوريين تلك السعادة المتوقعة، بمن فيهم من ضحّى أكثر وفقد أعزّاء من أسرته أو شرّد من بيته على يد هذه السلطة. هي لحظة عابرة وسنفتح أعيننا جميعاً على خرابٍ عميم، وسيتساءل كثيرون: أمن أجل هذا قُتِل أولادنا، وهُجّرنا وشُرّدنا ودمّرت بيوتنا؟.

*بدرخان علي: اسمه الأصلي "آزاد علي"، كاتب وباحث سياسي سوري، من مواليد مدينة القامشلي 1978. درس في جامعة حلب، كلية الطب البشري، وتخرج عام 2004، ومقيم منذ العام 2010 في السعودية. يكتب بدرخان علي في صحف كردية وعربية عديدة حول الشأن الكردي و السوري وقضايا فكريّة تتعلّق بالعلمانيّة والديمقراطيّة. شارك في الكتابة في أول المواقع الكردية في سوريا "موقع عامودا"، وفي العام 2005 انضم لأسرة تحرير مجلة "الحوار"، وهي فصلية ثقافية كردية تصدر باللغة العربية تهتم بالشؤون الكردية وتهدف إلى تنشيط الحوار العربي الكردي، تطبع وتوزع سرّاً منذ عام 1993. يقوم حالياً بإعداد كتاب عن المسألة الكردية في سوريا، يتضمن سجالات مع مثقفين وسياسيين عرب وكرد.


[ نشر الحوار في موقع "مراسلون" Correspondents.org وتعيد “جدلية” نشره]‬
‫ ‬