[هذه المقالة جزء من ملف حول اللغة الأمازيغية، تحت عنوان «"تانكرا تمزيغت": الصحوة والأصلانية الأمازيغتَيْنِ في الآداب والفنون»].
تنظر هذه المقالة في دور عملية ترجمة الروايات في تطوير وتوجيه الخطاب الروائي الأمازيغي كنوع أدبي جديد، وساحة لم تُستغلّ بعد في الأبحاث المتمحورة حول الأمازيغية. وبعيدا عن القيام بمسح كميّ للترجمات المختلفة، نهتم عوضا عن ذلك في هذه المساهمة عبر عرض صورة عامة عن الروايات المترجمة إلى اللغة الأمازيغية، وتسليط الضوء على اختيار الروايات المُترجمة وما قدّمته في مجال تطوير الحقل الروائي الأمازيغي.
وتركّز مقالتنا على الأهميّة القصوى للترجمة في تأسيس (مينغونو، 2004) النوع الروائي وتطوّره في الحقل الأدبي الأمازيغي. ومن خلال إصدارات مختلفة، فإن للترجمة، إلى جانب الكتابة، خاصيّة بإغناء الحقل الأدبي بإصدارات روائيّة لمشاهير عالميين من جهة، ومن جهة ثانية فهي تمكّن الانفتاح على موضوعات ومواصفات الأنواع الروائية الكونية. وفعليا، فإن الأعمال المترجمة استطاعت الانخراط في التيمات والتنظيمات النصية للخطاب الروائي الأمازيغي.
وغياب الاهتمام بدراسات المسار الروائي الأمازيغي المترجم يعود إلى صعوبة تحديد إشكاليّة الكتابة الروائيّة (سعدي، 2019) كنوع جديد تم تشكيله مع خصائص نصيّة ونيات تواصلية ووظائف اجتماعية من جهة، ومن جهة ثانية إلى هيمنة الإنتاجات الروائيّة التي تُعدّ امتدادًا للأنواع الشفهية التقليديّة وأيضًا إلى هيمنة موضوعات محددة تفرغت عنها منذ بروزها في الحقل الأمازيغي.
ويميّز هذا الواقع بين هاتين العمليتين من حيث تعريف خصائص كل فئة من الكتابة. بالنسبة للكتابة الروائيّة، فإن عملية الابتكار هي امتداد للأنواع الشفهية التقليدية وفعل الكتابة مرتبط بتحديد موقع الكاتب الهوياتي (صالحي، سعدي، 2016) والذي يمليه نصّه.
أمّا بالنسبة لممارسة الترجمة، فيمكن من خلال المقارنة بالنسخة الأصليّة تسليط الضوء على الخصائص النصيّة لهذا النوع وعلى المواقف الإيديولوجيّة المعتمدة من قبل لمُترجم من خلال النصوص المختارة للترجمة.
نشوء خطاب المسار الروائي: تموضع هوياتي
ونشأ المسار الروائي البربري، شأنه شأن نظيريه المسرحي والسينمائي، في ظروف إنتاج فريدة نوعًا ما، وسمتها حركات المطالبة بالاعتراف المؤسساتي والدستوري باللغة الأمازيغية. هكذا، ظهرت الكتابة الروائية، بصفتها نوعا جديدا من الكتابة، كفعل نضالي موسوم بتموقف هوايتي (عليش، 981-1986، سعدي 1983، مزداد، 1990).
بالإضافة إلى ذلك، أدى هذا المسار المَطالِبي، الذي تبناه الناشطون، دورًا كبيرًا في مرافقة وتحديد أطر حركات النضال الهوياتي المختلفة. وهكذا، فإن انخراط العديد من الناشطين في الكتابة نجحت في ابتكار نوع جديد من التعبير الأدبي وأيضا مشروع ثقافي تحرّكه تيارات المطالبات. هكذا، بين الثمانينيات والتسعينيات، ميّزت أربع روايات نشوء المسار الروائي في الجزائر. بالقبائليّة، (صدرت) روايتان لرشيد عليش هما "التضحية" و"فافا" نشرتا تباعًا في 1981 و1986. ثم "أسكوتي" (الكشّاف) لسعيد سعدي سنة 1983 و"إيض د واس" (ليل ونهار) لعمّار مزداد سنة 1990. غير أن النقد الأدبي (أمزيان 2008، صالحي 2010) يُرجِعُ نشوء الإصدار الروائي القبائلي الأول إلى نص "الوالي ن ؤُ درار"* (قديس الجبل) لبلعيد آيت علي (1964). وابتداء من التسعينيات، عرفت الكتابة الروائية تطورا ملحوظا وصلت حتى اليوم إلى ما يقارب مئة إصدار.
أمّا بالنسبة للشلوح كتقليد مدوّن قديم بالأمازيغيّة (بو يعقوبي، 2020)، فإن "رابطة تيرا" (2009) أدت دورا كبيرا في بروز الكتابة الروائية الشلحيّة وتطوّرها. هكذا، يعود الفضل إلى محمد أكوناد ومحمد أوسوس اللذين نجحا في نقل عمليّة الكتابة إلى جيل جديد من الكتّاب. ويحتّل أكوناد موقع الكاتب الرائد في الإنتاج الروائي الشلحي ، مع رواياته المنشورة الثلاث وهي "تواركيت د إيميك" (حلم وأكثر) يليه "إيجين ن تيدي" (زهور السيّد) و"تمورت ن إلفاون" (بلاد الخنازير البريّة) التي نشرت تباعا في 2002 و2007 و2013.ومن وقتها، ارتفع مجمل الإنتاج ليصل إلى سبعة عشرة رواية (بو يعقوبي، 2020). أما في جبال الريف، فقد ولد الإنتاج مع منشورات شاشا و"ريز تابو أد د تفغ تفوكت" (اكسر المحظور وستظهر الشمس)، و"تايري ن تايري" (حب الحب)، وقد نشرتا تباعا في 1995 و2016.
ترجمة في سبيل توجّه جديد في المسار الروائي
بعد خطوة تثبيت عملية الكتابة الروائيّة ضمن ظروف من النضال الهوياتي بهدف فرض الذات في الحقل المؤسساتي مع أدوات فعل جديدة، شهدنا جيلًا جديدًا من الكتّاب يهدف إلى التموضع في الحقل الأدبي العالمي انطلاقًا من عملية ترجمة الأعمال العالميّة المشهورة. وهكذا، فإن هذه العملية الجديدة من الإبداع الروائي كانت ترمي إلى إعادة صياغة المسار الروائي كونه نوعًا جديدًا له بنية نصيّة جديدة، وتوجهات موضوعاتية جديدة ووظائف اجتماعيّة جديدة.
إن منظور الإبداع الروائي عبر الترجمة من العربية والإنجليزية والفرنسيّة يسجّل تطورا هائلا في ما يتعلّق بعدد الروايات. وتحلّ القبائليّة في المرتبة الأولى بنحو عشرين رواية. والجدول التالي يوجز أبرز ما في الخطاب الروائي المُتَرجَم.
وتأتي الشلحة في الرتبة الثانية بسبع روايات مُترجمة (بويعقوبي 2020).
إن قراءة في المسح الكمّي لهذين الجدولين تقودنا إلى استخراج تيارين هامين تستهدفهما عملية الترجمة. فمن جهة، هناك فئة تستعيد الذاكرة والهوية التاريخية من خلال ترجمة الروايات المغاربية المكتوبة بالفرنسيّة (معمري، فرعون، كامو، ياسين الخ.)، ومن جهة ثانية هناك فئة تسعى إلى احتواء الأنواع العالمية مع خصائصها النصيّة والمواضيعية كلّها (ويستوود، كارتر، أورويل، إلخ).
وبالنتيجة، فإن الرؤيتين ترميان إلى دمج الرواية الأمازيغية في الحقل الأدبي العالمي من فتح خلال آفاق نصيّة وموضوعاتيّة واجتماعيّة جديدة. وهكذا، تمنح هذه الخصائص المسار الروائي الأمازيغي إطارا جديدا يسمح له بانعطاف جديد نحو النوع الغربي.
حتّى لا نختم
من خلال هذه النظرة الاجمالية على الإنتاجات الروائية الأمازيغية المُترجمة، والمُلَخَّصة في هذه المقالة، نتمسّك بالإشارة إلى أن عملية الإبداع الروائي هذه تولي مكانة هامة لتوجيه وتأطير النوع الروائي على أنّه نوع جديد بخصائص عالمية. فالاتجاه الذي يختار ترجمة الأعمال المغاربية ميال إلى البعد التاريخي باستعمال نوع أدبي مستعار أما الكتاب-المترجمون ذوو النظرة المُعَوْلمة فإنهم يسعون إلى دمج النوع الروائي الأمازيغي في الفضاء الأدبي العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، تتعين الإشارة إلى أن هذا العمل مازال في طوره الأولي، مما يستوجب عملا تحليليًّا معمقا للإنتاجات المختلفة. وللقيام بذلك، سيكون من الأجدى، كتمهيد، القيام بعملية مقارنة بين هاتين الصيغتين (النص في اللغة المصدر\والنص المُترجم) بهدف تسليط الضوء على درجة التوافق والتباعد في عملية الترجمة، وذلك في سبيل إبراز خصائص النوع المترجم. وأيضا، سيكون من المثير للاهتمام إجراء عملية مقارنة بين وجهة النظر الإبداعية وتلك المُترْجِمة بهدف التأكيد على دور الترجمة في إعادة تعريف النوع الروائي الأمازيغي.
*عمل كُتب خلال الأربعينيات ونُشر مع نصوص أخرى "دفاتر بلعيد آيت علي".
[ترجمت المقال عن اللغة الفرنسية هنادي سلمان].
مراجع
Abrous, Dehbia, 1989, La production romanesque kabyle : une expérience de passage à l’écrit, DEA (dir. S. Chaker), université de Provence.
Abrous, Dehbia, 1991, « Quelques remarques à propos du passage à l’écrit en Kabyle », Actes du colloque international Unité et diversité de tamazight, Ghardaïa, 20 et 21 avril, pp. 1-14.
Aliche, Rachid, 1981, Asfel. Mussidan : Fédérop, 139 pages.
Aliche, Rachid, 1981, Faffa. I yuɣen irgazen ur ttrun. Mussidan: Fédérop,
Ameziane, Amar, 2008, Tradition et renouvellement dans la littérature kabyle, Thèse de doctorat, Bounfour, A. (sous direct. de), paris-INALCO.
Bouyaakoubi, Anir, 2020, « Tirra, Alliance des écrivains en amazighe. Une nouvelle dynamique autour de l’écrit en amazighe au Maroc », Revue Iles d Imesli, volume 12, N°01, PP. 05-21.
Chaker, Salem, 1992, « La naissance d’une littérature écrite : le cas berbère (Kabylie) », Bulletin des études africaines, N° 17-18, pp. 7-21.
Chaker, Salem, 2007, « Langue et littérature berbères », Clio, 2007, pp. 1-10.
Maingueneau, Dominique, 2002, Analyser les textes de communication, Paris, Nathan.
Maingueneau, Dominique, 2004, Le discours littéraire. Paratopie et scène d’énonciation, Paris, Armand Colin.
Mezdad, Amar, 1990, Iḍ d wass. Alger: Asalu, 182 pages.
Sadi, Nabila, 2019, Problématique de l’écriture romanesque en kabyle. Approche sociopoétique, Thèse de doctorat, Université Mouloud Mammeri de Tizi-Ouzou, Algérie.
Salhi Mohand-Akli., Sadi, Nabila, 201, «Le Roman Maghrébin en Berbère», Contemporary French and Franchophone Studies 20(1), pages 27-36.
Sadi, Sadi, 1983, Askuti. Paris:Imedyazen, 184 pages.