[هذه المقالة جزء من ملف حول اللغة الأمازيغية، تحت عنوان «"تانكرا تمزيغت": الصحوة والأصلانية الأمازيغتَيْنِ في الآداب والفنون»].
إن امتلاك الأمازيغ لواحدة من أقدم الأبجديات في العالم لم يسمح لهم بإنتاج أدب مكتوب متّسق. وبالفعل، وعلى الرغم من وجود بعض النصوص المدوّنة بالأحرف العربيّة[1]، لاسيّما في فترة العصور الوسطى، إلّا أن الأدب الأمازيغي يبقى شفهيا حصرا.
ومجموعة النصوص الأولى المتعلّقة بالأدب الأمازيغي تعود إلى فترة الاستعمار. ونفكّر هنا في كتاب[2] الجنرال هانوتو في 1867. ولم يكن هذا العمل إيثاريّا بل كان يستجيب لحاجة ملحّة في تلك الفترة هي "المعرفة من أجل الهيمنة الاستعمارية"[3]. وعلى الرغم من ذلك، تمكّنت هذه المجموعة من النصوص من تثبيت العديد من القصائد التي تتحدّث عن الصدمة الاستعماريّة ومقاومة القبائل لذلك العدوان، ونقلها إلى الأجيال المستقبليّة. ونشير هنا على سبيل المثال إلى مقتطفات من قصيدة تتحدّث عن الحملة الفرنسيّة ضد منطقة القبائل سنة 1857:
Ɣaḍent-iyi tidma msakit,
N Ccerfa, widen n lɛali.
Ass n lɛid, qbel ad tenqer,
Fkant ɣef leǧri n tikli,
Kecment lɣaba am yilfan,
Nsant yakk deg lexlawi.
[…]
Amalah! ya Faṭma n Sumer!
Lal mm lemzur d lḥenni!
Isem-is inuda leɛrac,
Yewwi-tt, tɣab ur telli,
Ahat deg Bni Sliman
Sil, ay iẓri, d leḥmali.[4]
أشفق على النساء التعيسات
في شرفة، ممن يحتللن موقعا رفيعا
يوم العيد، قبل شروق الشمس،
بدأن بالجري على أقدامهن
ورمين أنفسهن بين الشجيرات مثل الخنازير البرّية
وجميعهن أمضين الليل في الحقول
فاطمة نسومير قليلة الحظ!
سيّدة العصبات والحنّة!
كانت القبائل كلّها تعرف اسمها
اختطفها العدو، اختفت
ها هي لدى بني سليمان
آه يا دموعي، انزلي بغزارة.
سوف يتوجب انتظار أكثر من ثلاثة عقود كي يتولّى مدرّس من الأهالي تجميع التراث الأدبي الشفهي القبائلي[5]. وكان اسمه سي أعمر بوليفة الذي حرّر سنة 1904 مجموعته التي تضمّ قصائد قبائليّة. ويندرج هذا العمل ضمن سياق يعمل على تفكيك النظريات الصادرة عن الأعمال الاستعماريّة، لا سيّما عمل الجنرال هانوتو. وهو يكتب في مقدمتّه في هذا الصدّد: "إن مجموعة النصوص للسيد هانوتو هي وثيقة هامّة ونحن أبعد من أن نكون راغبين في التقليل من مرجعيتها العليا. ولكن، وخلال أبحاثنا، وهذا رأي شخصي ننشره بكّل صدق، بدا لنا أن القصائد التي جمعها وصنّفها ليست لها سوى قيمة نسبيّة. فهي في معظمها أعمال لشعراء ثانويين..."[6].
وإذا كان سي بوليفة يكتفي بمساءلة منهجية الجنرال هانوتو الذي لجأ إلى شعراء ثانويين لإنجاز عمله، فإنّ مدرسا آخر من الأهالي يذهب إلى حدّ الطعن، ضمنيا طبعا، في "الهيمنة الأدبيّة" للمستعمر الفرنسي. وهذا هو المدرّس براهيم زلال الذي نشر في سنة 1964، ضمن "سجلّ التوثيق البربري"، مدونته وعنوانها "رواية الثعلب" وهو عمل بدأه في 1920. وتَكتب تسعديث ياسين، الباحثة المتخصصة في الدراسات الأمازيغية، عنه قائلة: "يبدو ملتزما بالقيم الثقافية الملّقنة والمكتسبة، (...)، إلّا أنّه وبعد الانفصال، سوف يقوم بعمليّة عودة إلى ثقافة الطفولة، الثقافة الأمّ، الشفهيّة.. وهو ما قد يحيل إلى مسعى هوياتي ورفض العقل الباطن للثقافة المهيمنة. فاستعادة عنوان معروف جدا ليس فيه شيء من البراءة ويمكن أن تكون له دلالات مختلفة، وخاصة المطالبة بالمساواة أو التشكيك بالقيم المكتسبة-وهو ما كان، في إطار تلك الفترة، هرطقة"[7]. وللمزيد من الإيضاح، تواصل تسعديث ياسين كلامها بالقول: "يرجع براهيم زلال إلى "رواية رونار" للتشديد على تعادل "ثقافيّ" (كأنّما الكاتب يريد أن يقول إن "رواية ثعلب" تساوي "رواية رونار") وهو بذلك يدين اللامساواة في المكانة التي تميّز الثقافتين"[8].
وضمن التيار نفسه من جامعي التراث الأدبي الشفهي، يظهر اسم آخر سوف يترك بصمته في الأدب الجزائري الأمازيغي والفرانكوفوني[9]، وهو مولود معمري الذي ترك لنا ثلاثة أعمال لها أهميّة قصوى: "أشعار سي محند" (1968) "أشعار القبائل في القدم" (1980) و "يناياس شيخ محند" (قال الشيخ محند) (1992). وكان ما يشغل هذا الأنثروبولوجي[10] هو الحفاظ على ثقافته الشفهية المهددة بالاختفاء[11]. وعن طريق توريثنا هذه الأعمال، نجح في تخليد شعراء مثل سي محند أو محند، يوسف أو قاسي، علي أو يوسف، موح آيت مسعود، سيدي كالا، يما خليجة توكريفت.. والعالم الحكيم (أموسناو)[12] الشيخ محند أو لحسين. والموضوعات التي يتناولها هؤلاء الشعراء تختلف بحسب الأزمنة التي عاصروها. يوسف أو قاسي يبقى مصدرا في غاية الأهميّة حول العلاقات التي كانت تربط القبائل مع "إيالة الجزائر". وكان سي محند أو محند ينقل إلينا عبر أشعاره التقلبات التي عاشها المجتمع الجزائري عقب الصدمة الاستعماريّة.
وهناك إجماع بين المختصّين بالأدب الأمازيغي على تحديد تاريخ انتقال الأمازيغية إلى الكتابة خلال أربعينيات القرن العشرين، وتحديدا سنة 1946، وهو تاريخ نشر بلعيد آيت علي دفاتره في "سجل التوثيق البربري"[13]. ودفاتر بلعيد هي مجموعة من النصوص التي تحتوي على حكايات، وقصص وأشعار. وفي مجموعة النصوص هذه نص مميّز هو "لوالي ن أودرار" (ولي الجبل). والكاتب نفسه يعتبر هذا النص كحكاية، ولكن، في الواقع، فإنّ بنيتها أقرب إلى بنية الرواية منها إلى أي نوع أدبي آخر. ومن حيث لا يدري، أنتج بلعيد آيت علي الرواية الأمازيغيّة الأولى. ومع ذلك، لن يتم الاعتراف بذلك إلا بعد نحو أربعين عاما[14] من رحيله في 1950.
بعد استقلال الجزائر، ولأسباب إيديولوجية، قامت الدولة الجزائريّة بتهميش الأمازيغية بشكل متعمّد. وقد انعكس هذا الوضع سلبا على الإنتاج الأدبي بالأمازيغية. وعلى امتداد نحو أربعين عاما، لم يبصر أي عمل أمازيغي النور[15]. كان يتعين الانتظار حتى العام 1981، بعد سنة من أحداث الربيع البربري، لكي ينشر رشيد عليش "أسفل" (العطيّة)[16]، وهي الرواية الثانيّة بعد رواية بلعيد علي. ومنذ ذلك التاريخ، بدأت الكتابة الروائية بالأمازيغية تلتمس طريقها في وسط كان شديد العداء لها عقائديا. وفي سنة 1983، نشر سعيد سعدي روايته الوحيدة "أسكوتي" (الفتى الكشّاف)[17]، تلاه كاتب مسهب هو عمر مزداد الذي نشر حتّى الآن خمس روايات[18]. وسوف يمشي في الطريق نفسها كاتب واعد آخر هو سالم زينيا الذي نشر ثلاث روايات[19]. وشهد المغرب أيضا العمليّة ذاتها: أدخل كتاب مغاربة شبّان الأمازيغية إلى عالم الكتابة الروائية من خلال نشر رواياتهم. ونذكر هنا "أوسان صميضنين" (الأيام الباردة) للمؤمن علي صافي و"إسكراف" (القُيود) لمحمد مستاوي[20].
ومنذ ذلك الحين، لم يكن بإمكان شيء وقف عمليّة الكتابة الروائيّة بالأمازيغيّة، لا سيّما بعد الانفتاح الديمقراطي الذي شهدته الجزائر في أعقاب أحداث تشرين الأول/أكتوبر 1988، وعلى وجه خاص بعد إنشاء "المحافظة الساميّة للأمازيغيّة" في 1995 التي ساهمت بقوة في نشر أكثر من مئة نص من روايات وقصص ومدونات وأمثال وأشعار وعدد من الترجمات، خاصة ضمن مجموعة "إيدليسن-نغ" (كُتُبنا). وقد عزّز الاعتراف بمكانة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية سنة 2002 المسار ذاته أيضا.
وكما يمكننا أن نلاحظ بوضوح، فقد مضت فترة من خمسة وثلاثين عاما بين كتابة "ولي الجبل" (1946) لبلعيد نايت علي وبين "العطيّة" (1981) لرشيد عليش، أو بمعنى آخر مدّة جيل بكامله. والأسباب ليست متعلّقة في الجوهر باللغة الأمازيغية التي اعتُبِرت، خطأً، لغة عاجزة عن إنتاج خطاب أدبي متماسك وبجودة عالية جماليا. إن الأسباب الموضوعيّة لذلك تكمن في عدائية الدول المغاربية تجاه كلّ ما يتعلق بالبعد الأمازيغي[21]. وكيف يمكننا إذا تفسير نشر عشرات الروايات خلال التسعينيات في فترة قصيرة جدا من الوقت[22]؟
وباستثناء "ولي الجبل" الذي يمكننا قراءته كمحاكاة ساخرة لظاهرة المرابطين في القبائل، فإن القضايا المهيمنة في الروايات الجزائريّة الأولى باللغة الأمازيغيّة كانت تدور حول المعركة الهوياتيّة. فروايات "العطيّة"، و"أسكوتي" و "إيض د واس" (ليل ونهار) و"تافرارا" (الفجر) تعالج، كل على طريقتها، الهويّة الأمازيغيّة. وإذا كان سعدي يعالج في "أسكوتي" أحداث الربيع الأمازيغي في 1980، فإنّ مزداد يتناول في "إيض د واس" الهوية الأمازيغيّة خلال العقدين الأوّلين من استقلال الجزائر.
وسوف تتغيّر القضايا في كتابة الروايات الأمازيغية مع الوقت وسيظهر في الساحة الأدبية الأمازيغية جيل جديد من الروائيين اليافعين الذين لديهم قضايا يطرحونها في إنتاجاتهم مختلفة عن السعي الهوياتي[23].
في "نايلة"[24] لبراهيم تزاغارت، يعالج الكاتب قضية الزواج المستحيل بين شخصين لا ينتميان إلى نفس المجموعة اللغوية ، وهو اتحاد ترفضه التقاليد، ويتناول مسألتي التعنّت وقبول "الآخر".
ويتناول الكاتب الشاب لوني حسين في روايته "أسباغ"[25] (الرسّام) علاقة المجتمع بالفن. وفي "يزقر أساكا" (لقد قطع المخاضة)[26] لإلياس بلعيدي، يعالج الروائي قضيّة الويلات التي يواجهها المهاجرين الأفارقة الراغبين بالانضمام إلى الجنّة الأوروبيّة.
وتتعين الإشارة إلى أن قضية الهجرة عولجت من قبل سنة 1986 في رواية رشيد عليش الثانية "فافا" (فُرَيْنسا) وهو مصطلح تصغيري يشير إلى فرنسا.
أمّا التاريخ فسيظهر في الكتابة الروائية الأمازيغية مع عمر أولعمارا الذي نشر خمس روايات تاريخية ذات جودة ممتازة على المستويين اللغوي والجمالي. وهو قد التحق بالكتابة الأمازيغيّة من خلال نشر روايته الأولى "توليانوم. تاغارا ن يوغورتن" ( توليانوم. نهاية يوغرطة) عن "المحافظة الساميّة للأمازيغيّة" سنة 2009. والرواية تتناول، كما يوضح عنوانها، الملك النوميدي يوغورطة.
وكما يمكن أن نلاحظ، عرفت الرواية الأمازيغيّة حيوية سببها الانفتاح السياسي الذي شهدته الجزائر خلال التسعينيات بالإضافة إلى ظهور عدد من دور النشر التي تخصّصت بالمجال الأمازيغي، مثل دار "عشاب" ودار "تيرا". ويضاف إلى هذين العاملين ظهور جيل من الروائيين الذين تعلّموا الأمازيغيّة في المدرسة والجامعة مثل رشيدة بن سيدهم وشابحة بن غانا. وإلى ذلك يضاف واقع أن الكتّاب الناطقين بالأمازيغيّة يستخدمون لغتهم الأم، مما يسهّل، برأينا، الانتقال إلى المكتوب.
ولن يتوّقف أولعمارا هنا، بلّ سيستمرّ على الطريق التي تمزج بين التاريخ والأدب، كاتبا روايات تاريخيّة أخرى. ونذكر منها: "تمليليت دي 1962" (لقاء 1962) و"أكين ي ودرار" (ما وراء الجبل) و"أوماها بيتش أسا د وسان" ومؤخرًا "أكادير ن روما" (جدران روما)[27].
ونقترح هنا مقتطفا من روايته "تيمليليت دي 1962" حيث يصف جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الفرنسي خلال حرب الاستقلال الجزائريّة:
«Yuli wass mi d-kecmen lɛesker taddart. Ur ǧǧin yiwen ad yeffeɣ. […] Seg yal tama ikeccem-d lɛesker zun d aweṭṭuf. Mi gan tubrint i taddart, tarbaɛt tameqqrant tuɣ abrid n tezribt n ufella. Ur unifen akin neɣ akka. Abrid-nsen yiwen. Mi wwḍen sdat wexxam n Feṭṭa, zzin-as lɛesker-nni seg yal tama. […] Deg yiwet n tegnit, afrag-nni n Feṭṭa yefreg s tizzegzewt n yiserdasen […].
Send ad kecmen wid yellan deg ufrag, winna yessuffeɣ-d ayen yufa deg tesraft-nni: iceṭṭiḍen n yiserdasen isebbaḍen imqefflen n «Pataugas», tibwaḍin n ddwa, snat n teɛlamin n waggur d yitri.
Ur zzin lɛesker-nni ugar deg ufrag n Feṭṭa. Mi wwin Feṭṭa akked Yamina, skecmen-tent akken cuddent, ɣer utemmu n Rabeḥ. Mi yessuli awal-is lqebṭan-nni, syen yerna ṭṭerjman aḥerki yessewzel aseglef-ines, yiwen n uɛeskriw yessaɣ-as times i utemmu-nni. Acemma kan yewweḍ igenni uḥeǧǧaǧu-nni n tmes. Mi yettali wabbu ɣer yigenni, imezdaɣ n taddart ẓẓan allen-nsen deg tmes-nni […].
Mi yeffeɣ lɛesker taddart, ur nufi ayen ara nenṭel. Deg yiɣed n utemmu yegra-d uceṭṭiḍ n tqendurt-nni n tubart n Feṭṭa akked tezweɣ n tesfifin n Yamina.
At-taddart sdduklen iɣed n Feṭṭa akked win n Yamina deg yiwen n uẓekka. Tesddukel-itent tmeddurt, tesddukel-itent taggara. [p. 53].
"حين طلع النهار، كان الجنود قد دخلوا إلى القرية. لم يسمح لأحد بمغادرتها. (...) ودخل الجنود من الجهات كلّها كالنمل و حاصروا القرية، أخذت غالبية الجنود طريق "تازريبت نوفلا" ، لم يترددوا لحظة، توجّهوا مباشرة إلى منزل "فطا" الذي حاصروه من كل الجهات (....). وبغمضة عين، أصبحت باحة منزل فطا خضراء كلّها بلون بزّات العسكر. (....)
وقبل أن يدخل الجنود الموجودون في الباحة إلى المنزل، قام الذي دخل إليه بإخراج كلّ ما وجده مخبأً: بزّات عسكرية، أحذية طويلة الساق، عبوات أدوية، ورايتان تحملان الهلال والنجمة. (....)
ولم يتأخر الجنود كثيرا في باحة منزل فطا. حين أحضروا فطا ويمينة، أدخلوهما وأيديهما مقيّدة، إلى كوخ رابح الكائن في تامازيرت نو سامر"، ثم جمعوا مجمل القرويين أمام الكوخ. وبعد انتهاء خطاب القائد العسكري وتوّقف المترجم الحركي عن النباح، أضرم جندي النار في الكوخ. بعدها بثانيّة، اشتعلت النيران بطريقة هائلة حتّى وصل لهيبها إلى السماء. وتجمّد القرويون وهم ينظرون إلى النيران ترتفع في السماء، وثبتوا أعينهم على الحريق.
وحين غادر الجنود، لم نجد شيئا لكي ندفنه. وفي رماد الكوخ بقيت أقمشة من ثوبي فطا ويمينة.
جمع القرويون رماد فطا ويمينة في القبر ذاته. كانتا متّحدتين في الحياة، وسوف تبقيان كذلك في الممات".(ص 53).
ومن خلال رواياته الخمس، يعيدنا أولعمارا إلى فترات مختلفة من تاريخ أفريقيا الشماليّة: إلى القدم في "توليانوم" و"اغادير ن روما"، إلى المقاومة القبائليّة للصدمة الاستعمارية في "أكين إي ودرار"، إلى فترة حرب الاستقلال في "تيمليليت دي 1962" [28].
في روايته "أوماها بيتش أسا د وسان" يقوم الكاتب في القصّة نفسها، ومن خلال ثلاث شخصيّات مختلفة : أمريكي وألماني وقبائلي، بتغطية ثلاثة فضاءات مختلفة يدرج القبائليّة فيها. أولعمارا يبقى حتّى الآن، واحدا من الروائيين الأمازيغيين النادرين الذين اختاروا التاريخ حصرا كحبكة لرواياته.
وفي ما يتعلّق بالكتابة النسائيّة، فقد ظهرت متأخرة على الساحة الروائية الأمازيغيّة. وقد افتتحت الطريق كوداش ليندا حين نشرت في 2009 روايتها الأولى "أعشيو ن تمس" (الكوخ). ثم نشرت روايتها الثانية "تمشهوت تمكروت" (الحكاية الأخيرة) في 2016.
وتدور روايات كوداش حول قضية المرأة القبائلية وتتناول مسائل تتعلّق بمكانة المرأة القبائلية ونزاعاتها العائليّة في المجتمع القبائلي. في روايتها الأولى، تعالج من خلال قصة الطفلة اليتيمة فاطمة عالم النساء الذي لا يرحم وكفاحهنّ من أجل السلطة ضمن المنزل العائلي. في روايتها الثانية، تتناول قصة امرأة نضجت، بسبب تقلّبات الحياة، ولقاءاتها المتنوّعةـ وآلامها المتراكمة منذ سنين، ثم أضحت فيلسوفة نوعا ما. والقصة طويلة جدا ومعقدّة وتتصدى للعديد من المحظورات.
وولجت روائيات أخريات، شابات، الطريق التي فتحتها كوداش. وعلى سبيل المثال، نذكر "دهية لويز" التي نشرت عام 2017 "كر إيكيني ت تمورن" (ما بين السماء والأرض) وخليفي كايسة التي حرّرت سنة "إحولفان" (المشاعر) سنة 2017، وبن غانا شابحة التي كتبت"أمسبريد" (عابر السبيل) 2018، ومؤخرا رشيدة بن سيدهم التي حرّرت "إشنكا ن تلسا" (أعداء الإنسانية) سنة 2020.
وعلى الرغم من كلّ عقبات النشر باللغة الأمازيغيّة، إلا أن الإنتاج الروائي بهذه اللغة لا ينفك يتوسع. ويزداد عدد الروايات باستمرار من سنة إلى أخرى. يضاف إلى ذلك أن الكتابة الروائيّة لم تعد حكرا على الجيل الذي عاش المعركة الهوياتيّة، إذ يتوّلاها حاليّا كتّاب شبّاب لم يعيشوا تلك الفترة المثيرة من تاريخهم، إلّا أنهم يبقون متمسّكين بهذه اللغة التي تعرّضت دوما للتهميش. ويبّشر ذلك بأن هناك مستقبلا مشرقا ينتظر الكتابة الروائية بالأمازيغيّة. ويُثبت ذلك في الروايتين "نا غني" لجمال لاصب (2020) و"كويطو" لزيمو (2020) الفائزان بجائزتي آسيا جبار ومحمد ديب الأدبيتين.
في هذا المقال، لم نتناول إلا نوعا واحدا من الأدب الجزائري باللغة الأمازيغيّة، وهو الرواية. أمّا القصة، فهي نوع آخر شهد أيضا أهمية في العقدين الماضيين، وقد نشرت أكثر من مجموعة منذ أن فتح بوعمارة كمال الطريق عبر نشره سنة 1988"نكي د وييض". إلا أن هذا النوع يستحق لوحده مقالا آخر.
[ترجمت المقال عن اللغة الفرنسية هنادي سلمان].
مراجع
Ait-Ouali, Nasserdine, L’écriture romanesque kabyle d’expression berbère (1946-2014), Tizi-Ouzou, L’Odyssée, 2015.
Ameziane Amar [Dirigé par], Les Cahiers de Bélaid Ait-Ali. Regards sur une œuvre pionnière, Bejaia, Tira éditions, 2013.
Boulifa, Si Ammar Ben Saïd, Recueil de poésies kabyles, présentation par Tassadit Yacine, Paris, Alger, Awal, 1990.
Hanoteau, A, Poésies populaires de la Kabylie de Jurjura, Paris, Imprimerie impériale, 1867.
Nacib, Youssef, Anthologie de la poésie kabyle, Deuxième édition bilingue, Alger, Zyriab, [s.d].
Salhi, Mohand Akli, Etudes sur la littérature kabyle, Alger, HCA, 2011.
Yacine-Titouh, Tassadit, Chacal ou la ruse des dominés. Aux origines du malaise culturel des intellectuels algériens, Alger, Casbah éditions, 2004.Zellal, Brahim, Le Roman de Chacal. Texte berbère et français présenté par Tassadit Yacine, Tizi-Ouzou, Editions Achab, 2010.
الهوامش
[1]: خلال القرون الوسطى، كان الأمازيغ يدونون لغتهم بالأبجدية العربية. نذكر مثلا، "مدوّنة أبو غانم الحوراني" المترجمة إلى الأمازيغيّة في العصور الوسطى و"كتاب البربريّة" (ولد براهم وحمي، دراسات ووثائق بربرية، الرقم 27، 2008، ص 47 ص 71) . وفي الزمن المعاصر، أصبح استخدام الأحرف العربيّة هامشيا، وهناك بعض الكتّاب فقط، مثل م. فراج، الذين مازالوا يستخدمونها.
[2] Hanoteau, A, Poésie populaire de la Kabylie du Jurjura, Paris, Imprimerie impériale, 1867.
[3]Lucas, P. et Vatin, J.C, L’Algérie des anthropologues, Paris, Maspero, 1982.
[4] Hanoteau, A, op. cit. Pp.128-134,
[5]Boulifa, Si Ammar Ben Saïd, Recueil de poésies kabyles, Présentation par Tassadit Yacine, Paris, Alger, Awal 1990.
[6] Ibid, p.46.
[7]Zellal, Brahim,Le Roman de Chacal, Texte berbère et français présenté par Tassadit Yacine. Tizi-Ouzou, Editions Achab, 2010, p.13.
[8]Ibid.
[9] أصدر مولود معمري مجموعة من الروايات باللغة الفرنسية، كما ترك عدد من المؤلفات تطرقت إلى قواعد ومصطلحات اللغة الأمازيغية، مساهمته لإثراء الثقافة الأمازيغية مهمة للغاية.
[10] Cf. Yacine, Tassadit, La face cachée de Mammeri, Alger : Koukou, 2021.
[11] لم يهتم معمري بمنطقة القبائل فحسب، بل اهتم أيضا بفضاء أمازيغي أخر ألا وهو قورارة. راجع كتابه: Ahellil de Gourara.
[12] Amusnaw (imusnawen) : العــــــــــــــــــــالـــــــــــــم.
[13] Naït-Ali, Bélaid,Les Cahiers de Bélaid ou la Kabylie d’antan ; LNI, FDB, 1963, réédité en 2009 chez les éditions Dar Khettab.
[14] Cf. Ameziane Amar [Dirigé par], Les Cahiers de Bélaid Ait-Ali. Regards sur une œuvre pionnière, Béjaia, Tiraéditions, 2013.
[15] من سنة 1973 إلى غاية سنة 1977، قامت "مجموعة الدراسات الأمازيغية" التابعة لجامعة باريس 8، فانسين، بإصدار 13 عدد من مجلتها "نشرة الدراسات الأمازيغية" التي تحتوي على نصوص بالفرنسية والأمازيغية.
[16] Alliche, Rachid, Asfel, Lyon, Edition Fédérop, 1981.
[17] Sadi, Said, Askuti, Paris, Imedyazen, 1983.
سيتم إعادة طبع هذه الرواية عند دار النشر "أسالو" عام 1991، وعند دار النشر "فرانز فانون" بتيزي وزو عام 2016.
[18] إضافة إلى مجموعته القصصية، قام مزداد بإصدار مجموعة شعرية "ثافوناست نيقوجلن" (بقرة اليتامى) بباريس عام 1978 والتي تم إعادة نشرها في 1991 و2017.
[19] يتعلق الأمر برواية "ثافرار" الصادرة بدار النشر "لارماتون" بفرنسا والتي تم إعادة نشرها بدار النشر "ثيرا" بمدينة بجاية بالجزائر ورواية "إيغيل دو فرو"، الصادرة بدار النشر "لارماتون" بفرنسا و"إيزوران ن ثاقوت" الصادرة بدار النشر "ثيرا".
[20] ملاحظة من المحرر: "أوسان صميدنين" عبارة عن مسرحية فيما "إسكراف" عبارة عن ديوان شعري.
[21] هذه العدائية تظهر في كون الوطنية (أو الوطنيات) في شمال أفريقيا رمت بذرة نبذ الأمازيغية لاستبدالها بعروبة خرافية. يجب دائما التذكّر أن الفترة التي شهدت ولادة هذه التيارات، لاسيما في المغرب وفي الجزائر، تزامنت مع إصدار المرسوم الملكي المغربي المتعلق بالبربر في المغرب في 1930 والمعروف بــ "الظهير البربري". وقد تبلورت الأحزاب القومية المغربية والجزائرية في إطار هذا الحدث. وهذا الحقد إزاء الامازيغية ما زال حيويا حتى اليوم.
[22] لن يتوقف نشر الروايات الأمازيغية عن التوسع من سنة إلى أخرى. ففي سنة 2019 مثلا، ظهر أكثر من 15 رواية.
[23] لا نريد القول أن الهوية الأمازيغية لا تمثل شيئا بالنسبة لهذا الجيل الجديد من الروائيين. نبقى مقتنعين أن الكتابة بالأمازيغيّة هو بحد ذاته فعل نضال.
[24] Tazaghart, Brahim, Nayla, Béjaia, Editions Tira, 2015.
[25] Luni, Ḥusin, Asebbaɣ, Tizi-Wezzu, Richa Elsam, [s.d.]
[26] Bélaidi, Lyas, yezger asaka, Tizi-Ouzou, Editions Imru, 2019.
[27] Editions du Festival National du Cinéma Amazigh, Alger, 2009.
[28] باستثناء "توليانوم" و"أوماها بيتش"، الروايات الثلاث الأخرى تم إصدارها عند دار النشر "عشاب".