فيصل حسين
(دار نشر جامعة أوكسفورد ، نيويورك، 2021)
جدلية (ج): ما الذي دفعك إلى كتابة هذا الكتاب؟
فيصل حسين (ف. ح.): دفعني مكان وزمان التدريب المرتبط بتخرّجي إلى الرغبة في كتابة تاريخ بيئي للإمبراطورية العثمانيّة. بعيد بدئي بالدراسات العليا بقليل في 2011، ظهر الكتابان الرائدان لكل من آلان ميخائيل وسام وايت، فلفتا انتباهي إلى حقل دراسي لم يكن معظم الباحثين في دراسات الشرق الأوسط قد سمعوا به من قبل- وهو التاريخ البيئي. كنت واحداً من بين العديد من الطلبة الشبان الذين تبنوا المنهاج الجديد والاحتمالات اللامتناهية التي يقدّمها لدراسة تاريخ المنطقة. وكوني طالب دراسات ماجستير في جامعة ييل، كنت أيضاً محظوظاً إلى درجة لا تصدق بلقاء آلان ميخائيل شخصياً، والذي قدّمني إلى مستشار أطروحتي المستقبلي جي. آر. ماك نيل، وهو مؤرّخ عالمي وبيئي مرموق. ومنذ ذلك الحين، كان آلان وجون مصدري دعم وإلهام دائمين لي، عبر أبحاثهما، وكتاباتهما، وشخصياتهما المنزهتين.
لو أنني كنت قد اخترت برنامج دراسات عليا آخر، في توقيت آخر، لما كنت قد كتبت هذا الكتاب.
ومن بين الموضوعات البيئية كافة، قرّرت أن أكتب تاريخا لنهري دجلة والفرات لمعالجة مسائل لم أكن أجد لها إجابات في الأبحاث المتوفرة. وتحديداً، لماذا يبرز دجلة والفرات في الصدارة في الدراسات الاستقصائية للشرق الأوسط القديم، في حين أنهما يلقيان معالجة سطحية في تأريخ مرحلة ما بعد الكلاسيكية؟ وإذا كان النهران التوأمان حيويين في الدولتين السومرية والأكاديّة، فما هو دورهما، إذا كان هناك من دور، في تاريخ الإمبراطورية العثمانية في المنطقة ذاتها؟ كما أنني أدركت أنه في بدايات القرن السادس عشر، وضعت الإمبراطورية العثمانية فعليا مجمل حوض دجلة والفرات تحت سيطرتها، وهو إنجاز لم تنجح سوى حفنة من الدول في تحقيقه على امتداد التاريخ. كنت أريد أن أكوّن فهما أكبر حول تلك الغرابة التاريخية (الاستثناء التاريخي)- كيف تحققت وما معناها.
(ج): ما هي الموضوعات والمسائل والأدبيات التي يتناولها الكتاب؟
(ف. ح.): يتناول الكتاب أكثر الموضوعات المتوّفرة حول دجلة والفرات في المصادر الأرشيفية العثمانية: النقل النهري (وقد خصص الفصل الأول له)، بناء المراكب (الفصل 2) الريّ الزراعي (الفصل 3)، ورعي الماشية (الفصل 4) واستثمار الأراضي الخصبة (الفصل 5) وتحويلات قنوات النهر (الفصلان 6و7). وفي إطار الفترة الزمنية التي يتناولها الكتاب (1534-1780)، كانت تلك المسائل هي الأكثر أهمية للتعامل معها بالنسبة للسلطة العثمانية وللمجتمعات المشاطئة (القاطنة على ضفتي النهرين) للنهرين. ولذلك فإن الكتاب يتبنى أولوياتهم كموضوعات للنقاش عوضاً عن فرض جدول أعماله الخاص الذي ربما يحمل مفارقات تاريخية.
في الوقت ذاته، يتعامل الكتاب مع نقاشات قائمة حول التاريخ العثماني والبيئي. ويتعلق أحد تلك النقاشات بالتوسع العثماني شرقاً منذ بداية القرن السادس عشر. والأبحاث عن ذلك الموضوع تُظهر العراق كأنه حجر دومينو آخر يقع تحت الحكم العثماني بعد سقوط كل من مصر وسوريا. إلا أنه من وجهة نظر تاريخية متعمقة، يتضح أن التوسع العثماني داخل العراق كان خارجاً عن أي سياق سياسي، ويفرض السؤال حول إمكانية حدوثه. وخبرت الأناضول، والبلقان، والأراضي المتوسطية حكم إسطنبول الامبراطوري قبل بروز الدولة العثمانية، خلال الفترة البيزنطية على وجه التحديد. أما العراق، من جهة أخرى، فلم يحكم أبداً من قبل إسطنبول على امتداد تاريخه السياسي الذي كان قائماً منذ آلاف السنين. ومنعت ضغوطات المسافات الجغرافية وضغوطات إيران السياسية كل من روما وبيزنطة من إبقاء العراق تحت سيطرة أي منهما لأي فترة مجدية من الزمن. في مطلع القرن السادس عشر، تحدت الإمبراطورية العثمانية من إسطنبول الوقائع الجغرافية والسياسية كي تحكم العراق، مع فترات انقطاع وجيزة، وذلك حتى الحرب العالمية الأولى. كيف أنجز العثمانيون ما عجزت عنه روما وبيزنطة؟ يحاجج الكتاب أنهم نجحوا في ذلك جزئياً بسبب نظام استعماري غير مسبوق من التواصل المنقول عبر المياه على امتداد دجلة والفرات، أبقى الثكنات العثمانية في العراق مسلحة ووفر لجنودها الغذاء المستمر وهم على بعد آلاف الأميال من إسطنبول.
(ج): كيف يرتبط هذا الكتاب أو يبتعد عن عملك السابق؟
(ف. ح.): المقالات التي نشرتها قبل هذا الكتاب في "التاريخ البيئي" كما في "مجلة التاريخ الجامع بين التخصصات" تناولت الموضوع ذاته، إلا أنّها كانت أقرب إلى السردية لأنها اعتمدت بشدة على سجلات كتبت بالعربية وبالتركية العثمانية. في المقابل، فإن معظم الكتاب يركز أقل على السرد منه على الأنماط طويلة الأمد، السياسية منها والبيئية والاقتصادية، كيف كان المزارعون يزرعون الأراضي الخصبة؟ كيف كان الجنود يحصلون على عتادهم؟ كيف كان بناة المراكب يبنون مراكبهم؟ وهذه نماذج عن بعض الأنماط المتناولة. وكانت هذه الانطلاقة ممكنة بفضل الوقت الإضافي الذي حصلت عليه لضم المصادر الأرشيفية العثمانية (إلى مواد الكتاب)، لا سيما سجلات المسح العقاري (تابو تحرير دفترليري) التي توّفر معلومات قيّمة عن الحياة اليومية للناس العاديين التي تستخف بها وتتجاهلها في الغالب السجلات التي مقرّها المدن.
(ج): من تأمل أن يقرأ هذا الكتاب، وما هو التأثير الذي ترغب أن يخلّفه؟
(ف. ح.): الكتاب مبني أساساً على مصادر مكتوبة بالتركية العثمانية، لذا، على الغالب، سيكون قرّاؤه الرئيسيون من الباحثين والطلاب في التاريخ العثماني. في الوقت ذاته، بذلت جهدي لجعل الكتاب مفهوماً ومثيراً لاهتمام القراء الذين ليست لديهم خلفية عن التاريخ العثماني. وعلى وجه الخصوص، آمل أن يستفيد منه المؤرّخون البيئيون المهتمون بأنظمة الأنهر، بغض النظر عن اهتماماتهم الجغرافية.
وتبرز (قضية) أنظمة الأنهار اليوم في الخطابات السياسات الحكومية وهي مصدر للخلافات. هناك مثلاً النزاع بين الصين وبين جيرانها جنوباً حول ميكونغ، وبين الهند وبين باكستان حول نهر السند (الأندوس)، وبين تركيا وكل من سوريا والعراق حول دجلة والفرات.
إذا كان سيكون للكتاب وقع فعلي واحد فإنني آمل صدقاً أن يُظهر أن الأنهار ليست عبارة عن صناديق بارود جاهزة للاشتعال. فإذا تمت إدارتها بتعاون وبشمولية، يمكن لها أن تعزز التجانس الاقتصادي والسياسي، كما فعل دجلة والفرات خلال مطلع العصر الحديث.
(ج): ما هي المشاريع الأخرى التي تعمل على إنجازها الآن؟
(ف. ح.): أعمل على مشروع كتاب جديد عن التاريخ البيئي للتوسع الحدودي العثماني خلال القرن السادس عشر. فقد درس المؤرّخون الأبعاد السياسية والثقافية (الحضارية) للتوسّع العثماني في الشرق الأوسط، ولكن تم تجاهل الأبعاد البيئية إلى حد بعيد. ركّز كتابي الأول على إحدى نتائج التوسع العثماني التي تم إغفالها، وهي التوحيد السياسي للنظام النهري لدجلة والفرات. ولكن الكنوز الدفينة من السجلات المكتوبة المتوفرة عن تلك الفترة - لا سيما سجلات المسح العقاري - تسمح بقصة أكثر توسعاً، تأخذ في عين الاعتبار سياسات أخرى واستراتيجيات اكتفاء معيشي يمكن تطبيقها بشكل مستقل عن الموارد النهرية.
(ج): إلى أين يتّجه حقل التاريخ البيئي في الشرق الأوسط برأيك؟
(ف. ح.): أنا متفائل. فالتاريخ البيئي هو واحد من أكثر الحقول حيوية في دراسات الشرق الأوسط اليوم. وحيويته هذه تعكس اهتماما متناميا في علاقتنا مع باقي الطبيعة بين الباحثين في علوم الإنسانيات من التخصصات كافة، وبغض النظر عن مجالات تخصصاتهم الإقليمية. وليس كتابي إلا عنوانا ضمن قائمة، تطول بسرعة، من الكتب التي تتناول التاريخ البيئي العثماني وفي الشرق الأوسط. وقبيل صدور كتابي، نشر كل من أندريا دافي (جامعة كولورادو الحكومية) ومايكل كريستوفر لو (جامعة أيوا الحكومية) كتابيهما الرائعين عن البحر المتوسط (دافي) وعن الحجاز (لو). أما أونور أينال ويافوز كوسي (فيينا) فقد نشرا مجلدا تمهيديا مفيدا حول هذا الحقل الدراسي. وقريباً، يُصدر كل من كريس غراتين (جامعة فيرجينيا) وصامويل دولبي (هارفرد) واليزابيث زيليامز (ماساشوستس لويل) وغراهام بيتز (جورج واشنطن) وزوزان بيهليفان (مينيسوتا) ودايل سنال (سي يو دنفر) وكاميل كول (كامبردج) وإيزاكار بولانوس (سي اس يو لونغ بيتش)، من بين آخرين، كل كتابه. كل سنة منذ صدور كتابي ميخائيل ووايت في 2011، بات التاريخ البيئي يجذب اهتماماً متزايداً بين مؤرخي الشرق الأوسط، كما أنّه يطوّر فهمنا لماضي المنطقة.
مقطع من الكتاب (من المقدمة، ص. 5-9)
إن كتابة "دجلة والفرات" هي محاولة لإعادة جمع الصور المتقطعة لأحجية مزّقها الزمن. حتى وإن كان علماء الطبيعة يعتبرون أن الوحدة البيولوجية وتلك الطبيعية لأنظمة الأنهار هي من المسلمات، إلا أن النهرين التوأمين يبدوان في غالبية الأعمال التاريخية كجسمين مقطعي الأوصال (منفصلين). في التأريخ العثماني، على سبيل المثال، تظهر نسب متفاوتة للصرف في الحوض النهري في المقالات المتخصصة الوطنية (تختلف) عن تلك الإقليمية، كل بمعزل عن الأخرى. وأضاءت الأبحاث المتخصصة في الوحدات الإدارية على مرونة الحوكمة الإدارة الاستعمارية في مواقع مختلفة إلا أنها حجبت رؤية النظام النهري بكليته. ونتيجة لذلك، تسرب دجلة والفرات من بين تصدّعات أبحاث الأناضول وسوريا والعراق كما مدنها ومحافظاتها.
لذلك، فإنّ واحدا من أهداف هذا الكتاب، هو تخطي السدود التأريخية التي فصلت دجلة عن الفرات ضمن مجار مصطنعة، وإثبات جدوى تبني مقياس مائي يعتبر النظام النهري وحدة متصّلة.
لدى توحيدهما خلال السيطرة العثمانيّة، عزّز النمط الطبيعي لتدفق مياه النهرين التوأمين الروابط الوثيقة بين محافظات المنبع وبين محافظات المصبّ، ناقلا معه ليس المياه والمواد المترسّبة فحسب، بل أيضا مراكب محمّلة بالرجال والأسلحة والبذور التي رسّخت الوجود العثماني في الشرق. ويوضح المقياس المائي حجم هذه التنقلات وتأثيرها. كما أنه يكشف كيف يمكن لدجلة والفرات التوّسع لملامسة الاضطرابات الطبيعية والسياسية التي تحصل في أي مكان يقع في مجراهما. فعلى سبيل المثال، يمكن لحالات الجفاف في المرتفعات في سيواس وديار بكر أن يتسبب بفيضانات في الأراضي المنخفضة (السهول) في بغداد، ويمكن لتوتر أمني في الخليج الفارسي أن يؤدي إلى بناء مراكب نهرية ضد التيار في بيلجيك (لحج).
وطويلا قبل أن تصبح الأحواض النهرية رائجة كمفهوم في القرن العشرين، كانت المفاهيم البشرية كما المؤسسات تفترض وحدتها الطبيعية. واعتبر المسؤولون العثمانيون أن الفرات هو نظام بيئي مترابط حين قاموا مثلا بطرح الخشب (الأشجار) في قاع النهر، تاركينها لمصيرها، وهم يعلمون أن التيار يمكن أن يحملها أكثر من ثمانمائة ميل نحو شركائهم عند المصبّ (أو أسفل مجرى النهر). وبالإضافة إلى ذلك، قدّم علماء الجغرافيا العثمانيون مصطلح الوحدة الجغرافية لحوض دجلة-الفرات. وواحدة من أوائل الصور البانورامية العثمانية للنظام النهري هي خارطة مميّزة بارتفاع 11 قدماً رسمت في منتصف القرن السابع عشر. وتظهر الخارطة مجمل النظام النهري، من جبال طوروس إلى الخليج الفارسي، وهي توضّح الطرق والمستوطنات والمواقع المقدّسة الرئيسية بينهما. وبمعايير ذلك الوقت، تعد الخارطة إنجازاً خرائطياً هائلاً. وحتى المسافرين الذين يطيرون اليوم فوق دجلة والفرات لا يستطيعون رؤية مجمل النهرين في لحظة (لقطة) واحدة. إلا أن حجم المشهد العام لم يتمكن من تحدي حس القياس لدى علماء الخرائط المجهولين، والذين أقرّوا أن المستعمرات على ضفاف دجلة والفرات تنتمي كلّها إلى نظام نهري واحد يمكن إظهاره في خارطة واحدة.
والعمل بمعيار جغرافي غير تقليدي يستدعي (استخدام) مصطلحات غير تقليدية. فليس هناك اسم تاريخي عام للدلالة على مساحة الأرض التي جففها دجلة والفرات. وسوف يشير إليها هذا الكتاب على أنّها حوض الصرف أو النهر، وهو مصطلح جغرافي مرادف لمصطلح مصارف المياه المستخدم في أميركا الشمالية أو منطقة مستجمعات المياه المستخدم في أنحاء أخرى من العالم. ضمن حوض الصرف، لم يكن من الممكن، قبل عصر الطاقة الأحفورية، فصل الري والتنقل عبر الماء عن جزئية جغرافية ستسمى هنا بسهول الطمي. لو أن حوض دجلة والفرات كان قاعة احتفالات قبل القرن التاسع عشر، لكانت سهول الطمي هي المنصة الرئيسية؛ لذلك، فهي تحظى بحصة الأسد من اهتمام هذا الكتاب.
توزع الطبيعة سهول الطمي بشكل واضح. من الناحية الجيولوجية، هي أغوار شاسعة ممتلئة بمخزونات من الترسبات الكثيفة جنوبي مدينة هيت على ضفة الفرات وتكريت عند ضفة دجلة، تحاصرها المنحدرات الصخرية للصحراء العربية على امتداد الخاصرة الجنوبية الغربية، ومستنقعات (أهوار) البصرة والأهواز عند الحدود الجنوبية الشرقية، وتلال جبل حمرين في الشمالي الشرقي. طوبوغرافيا، فإن سهل الطمي منبسط بطريقة استثنائية، ويقع بمعظمه على ارتفاع لا يتجاوز 165 قدماً، ودرجة انحداره أقل من واحد بالمئة.
في منتصف القرن السابع عشر، قارنه المسافر العثماني أوليا شلبي بسهول كيبتشاك في أوكرانيا. أما معاصره الفرنسي جان باتيست تافيرنيه فرأى أنه أكثر شبها بتضاريس هولندا. وكان المسافرون الآتون عبر البحر المتوسط، يعرفون أنهم وصلوا إلى سهل الطمي بسبب التغيرات في الغطاء النباتي. هنا، تزيح النخلة شجرة الزيتون عن عرشها وتحكم المملكة النباتية.
تاريخياً، تقع أراضي سهل الطمي تقريبياً ضمن أراضي سمراء وأكدية قديماً، وولايتي بغداد والبصرة العثمانيتين، والعرق العربي كما سميت المنطقة في بدايات الأبحاث العثمانية الحديثة. بالنسبة لدجلة والفرات، فإن سهل الطمي يوازي مكانة جنوبي لويزيانا للمسيسيبي. وتجنبا للإطالة، ستتم الإشارة للمنطقة بتسميتي الطمي أو العراق.
من وجهة نظر مادية بحت، فإن دجلة والفرات هما نهران متواضعان. وإذا استخدمنا مساحة تصريف الحوض وحجم التصريف السنوي كمقاييس للمقارنة العالمية، فإن ترتيب النهرين التوأمين سيكون متدنيا، تغطي عليه الأنهر العالمية الكبرى مثل نهري الأمازون والكونغو. وعلى الرغم من مكانتهما الجغرافية المتواضعة، إلا أنّهما تمكنا مع ذلك من تأدية دور يفوق حجمهما في الشؤون السياسية في المنطقة الأوروبية الآسيوية حين قامت إدارة مركزية مقرها إسطنبول بتنسيق استثمارهما مع مستوطنات المصب والمنبع. ووسعت طاقة التدفق النهري دائرة قتال الجيوش العثمانية في غربي آسيا ودعمت استقرار الحدود الشرقية حين كانت تقاتل في أوروبا الوسطى. وبهذه الطريقة، ساعد النهران التوأمان الإمبراطورية العثمانية في تحقيق توازن انخراطها العسكري بين الجبهات الآسيوية وتلك الأوروبية.
والتأثير التاريخي لدجلة والفرات الذي يتجاوز حجمهما الجغرافي يحيلنا (يعيدنا) إلى تقدير الأشياء الصغيرة في الطبيعة. ويمكن للأنهار الصغيرة أن تكون معقّدة وفاتنة بمقدار تلك الكبيرة. وكما قال هنري دايفيد تورو، كاتبا سنة 1852، فإنه "لا حاجة للساقية لأن تكون كبيرة لتوفر لنا التمتع برمالها وتعرجاتها وشلالاتها وما يرافق ذلك. نحن لا نحتاج إلى الحجم بقدر ما نريد الجمال الخلاب والتناغم. إذا كان صوت خريره يملأ أذني، فذلك كاف".
[نشر في جدلية. ترجمة هنادي سلمان].