[هذه المقالة ضمن ملف عن الشعر الأفريقي].
بن أوكري (١٩٥٩-) شاعر وروائي نيجيري وكاتب قصة قصيرة وظف أسلوب الواقعية السحرية كي يعبر عن الفوضى الاجتماعية والسياسية في بلاده. من رواياته أزهار وظلال (١٩٨٠)، المشاهد الطبيعية التي في الداخل (١٩٨١)، كما أن له عدداً من المجموعات الشعرية من بينها "مرثية أفريقية"، وفازت إحدى رواياته بجائزة البوكر.
مرثية أفريقية
نحن معجزاتٌ اجترَحَها الله
كي نتذوَّق ثمارَ الزمن المرّة.
نحن نفيسون،
ويوماً ما ستتحوّل
معاناتنا إلى أعاجيب على الأرض.
هناك أشياء تحرقني الآن
بيد أنها تتوهّج كالذهب حين أكون سعيداً،
ترون لغز ألمنا،
وأننا نحمل علامات البؤس
رغم ذلك نحن قادرون
على الإنشاد العذب والأحلام الجميلة.
لا نلعنُ الهواء أبداً
حين يكون ساخناً
ولا الثمرةَ
حين تكون طيبة المذاق
ولا الأضواء
التي تتقافز
بخفة على وجه المياه
نبارك الأشياء
حتى في ألمنا.
نباركها بصمت
لهذا موسيقانا
تمتلك هذه العذوبة
وتجعل الجو يتذكر.
ثمة معجزات سرية تشتغل
لن يكشفها إلا الزمن.
أنا أيضاً سمعتُ الموتى ينشدون.
ولقد أخبروني أن
هذه الحياة جيدة
وطلبوا مني أن أعيشها
بحب وانفتاح
وباندفاع، ودوماً بأمل.
ثمة أعجوبةٌ هنا
ثمة دهشةٌ
في كل ما يبعثُ فيه اللامرئي روحاً.
المحيط مليءٌ بالأناشيد.
السماء ليست عدواً
والقدر صديقنا.
على حافة الزمن المستقبلي
-١-
أتذكّر التاريخ جيداً:
أتى الجنود والسياسيون
بحقائب وبنادق
وأقاموا احتفالات في ليالي المدينة.
أزالوا الأوساخ
راجعوا تاريخنا
شاهدوا الإعدامات عند الفجر
ثم تآمروا مع رجال الشرطة السريين.
وقرروا أن شيئاً يجب أن يُفعل،
أزالوا الأوساخ
أحْيوا مخططات زرقاء
لأزمنة ماكرة
تتبّعوا أشكال المدن الغارقة.
-٢-
بزغنا من أكوام قمامتنا
اكتشفنا مشهداً للسماء
فيما كان الهواء يرقص في الحرارة.
ومن خلال منظر المدينة
التي تتعالى فيها ألسنة اللهب،
تذكّرْنا أوقات الإعدامات على الشواطئ.
تدفّقَ الملحُ على أقواسنا.
تساقط ضحايا الانتخابات المزورة
في جميع الأمكنة
وحصلت حوادث متشابهة
على طرق جائعة،
كانت شبكة السياسة الإثنية لانهائية
وأحلام السلطة رياحاً محمومة.
الأمة خريطة دُرزت
بإمساك اللحم المستقبلي وتثبيته
وصارت اندفاعاً في وحل التاريخ.
-٣-
بزغنا على حافة
زمن مستقبلي
بأبخرة متوهجة
من أبراج محترقة.
أضاءت الأبخرة مسيرات سياسية.
بدأنا حرباً
أنهيناها
وحلمنا بفرصتنا.
الأسماك الكبيرة تأكل الأسماك الصغيرة
الكبار يرتبون الإعدامات
وعمليات السطو المسلحة.
إن قمامتنا تصوغنا كلنا.
أتذكر التاريخ جيداً.
اشتُريتْ زمجرة النمر
بعملات الصمت.
تضخّم حجم البَيْض:
فقس وخرج منه وجهٌ وحشيّ.
على حافة الزمن المستقبلي
أنا طفلٌ بقروح نازفة
من تاريخ لا يُنسى
أراقب الدرزات ترتخي
منتظراً ضحك الطوفان
في الرياح المحمومة
سامعاً صرير أولئك
الذين سينضمون إلينا
على البوابات الجبارة
بمخططات جديدة
بالندى كختم جديد
ونار لا تخمد
وطريق عبْر الزمن الماضي
إلينا
نحن الذين نتذكر التاريخ جيداً.
نحيكُ كلمات على الأحمر
وننشد على حافة الأزرق.
وبأعصابنا المستنفرة
سنغزل الحرير من القمامة
ونؤطر الزمن بتصميمنا.
وإذا كان يجب أن تتركيني
إذا كان يجب أن تهجريني
سأقول: إن شبح كاساندرا
مرّ عبْر عيني
سأقول: إن النجوم
في مكرها
تضيء السماء
كي تزيد من عذابي فحسب
وإن الأمواج تتكسر
على الشواطئ
كي تلسع وجهي بملحها:
ذلك أنك تعيدين وصْلي
بكل أضواء السماء
وبملح الأمواج
وأساطير الهواء.
إذا رحلتِ
ستُطْبقُ ظلمةٌ شديدة على المساء
تجعلُ الحلم مستحيلا
فيما سيشتدُّ سطوع الصباح.
ارتفاع حرارة الريح
ارتفاع حرارة الريح
يزعجني
وسط هذه الكروم.
أهناك وضوحٌ حارق
حيال الضجيج
الذي يتصاعد يومياً
من مجرى النهر الذي نقول إنه لنا؟
تنزف درنات اليام أحزاننا
وتصرخ الغربان في الحقول
يائسة، فيما تلوث
الماشيتات طعامنا
بالصدأ.
الأسياد يديرون عمليات نهبهم
عن طريق مجرمين هادئين:
يؤدي الضحايا رقصات العمود المزين الطقسية
حول أضرحة القرية.
ثمة نارٌ باردة في الجو.
أسمعُها
تأكل أربيّات
الأبطال
وتقلّص أحشاء
الشهداء.
اسمُ النار
مطبوعٌ على شواهد القبور:
أسماء معتصرة من أدران الحياة
والجبن الجماعي.
في الليل تصرخُ أمهات أطفالٍ
ضاعوا في نيران المدينة
أطفالٍ ضاعوا في اللافتات الكهربائية
وأقبية الجنون.
أسمع ضجيجاً في الشارع:
ضاع الرجال في الحشد
أو سلكوا دروب القسوة الجارحة
لطلقات البنادق العسكرية
صاروا جيلاً
مبللاً بالنفط
يشتعل كنار المخيمات
ويُشوى
في نوبات حمى
الانتخابات
والشغب
والانقلابات.
ارتفاع حرارة الهواء
يحرق نحو الداخل.
أثمة اسم لهذا الخوف؟
أهناك بلاد مخيفة
في هذه الحقول
حيث تُصنع وقائع كاملة كهذه؟
سمعت سراً
في الحديد المشتعل للصباحات.
حيوانات
وضعتْ بيضاً دموياً.
نساء
اكتشفن سر لحم غامض لا يُنتهك.
ثمة ميتات عديدة
في مجاري الأنهار
وفناءات الخردة
تلوث عالمنا
بإحساس غاضب بالفشل.
هل ننضم إليهم
أم هل يجب أن نحتفل
بمنظر المكاتب الفارغة
وقصر نظر السلطة؟
تقاسموا خبز الشعيرة وحوّلوه
إلى تمرد:
سنحتفلُ بصدورنا المنعتقة
سنشد قبضاتنا ونرفعها
في أعجوبة ارتفاع الحرارة.
أسمع ضوءاً
يندفع صاعداً عبر
الجذور الزرقاء البراقة
والهياكل العظمية الصفراء.
لقد نفخنا حبّ الذات في هذه العظام.
نفخنا رقى
على الديدان التي تزعج هدوءنا.
المقبرة تتنهد.
مجرى النهر يتنهد.
أستيقظ مندهشاً:
صار اتقاد الحرارة لنا
استعادت الهياكل العظمية الأراضي
روح جديدة تتنفس فوسفوراً
نمت
في الجذور الزرقاء للأزمنة.
* الصورة: الشاعر بن أوكري
[ترجمة أسامة إسبر، المصدر The Penguin Book of Modern African Poetry].