[هذه المقالة ضمن ملف عن الشعر الأفريقي].
[مبيلا سون ديبوكو (١٩٣٦- ٢٠٠٩) شاعر وروائي ورسام، ويعتبر من أبرز الشعراء الذين كتبوا في اللغة الإنكليزية في الكاميرون. من أهم مجموعاته الشعرية "الأبيض والأسود في الحب"، التي صدرت في ١٩٧٢، صدر له بعض الروايات وكتب مسرحيات إذاعية، ومن رواياته المشهورة "ليال ونهارات قليلة"].
حياتنا
طائر عليلٌ فوق الصحراء
غرّدَ منشداً ألمه
مطلقاً أغنية في الجو،
قال ساحبو المياه في الواحة:
اجتاز مسافة طويلة
وأغنيته تفطر القلب.
هذا الأمل المجنّح
الذي برهن أنه حلم
(قنّع مصيرنا بقلنسوة سوداء)
في المدن
ردّدْنا الصلوات نفسها
في المدن
اعتنقْنا أساطير الأسلاف
ونقلنا خيبتنا
وحياتنا وفناءنا
إلى بلاد الغد
وبعد الغد الفتية
مُطْرين أنفسنا بطهارة
حب المتبرعين بالدماء.
ألم
كلُّ شيء كان هادئاً في هذه الحديقة
حتّى أعلنت الريحُ كرسولٍ لاهث
أن الطاغية وصل
فأنّتْ الأغصان.
أتذكرون تلك العاصفة الغاضبة؟
خائفة، حملت الأزهار اليابسة
باقات إلى ملك متجهم
كانت الشهب شرابات لتاجه
وكالأغصان
التي لم تتحرك
إلا حين هددتها العاصفة
صرخنا ألماً ونحن نسقط
وقد قطعتْنا الشفرةُ الباردة
لسيفٍ لامرئي.
جرفَ المطر أعضاءنا،
لكنه لم يُزل دمنا،
كان من المتعذر محوه
فقد علق بالجدران
كما يلتصق الصمغ البريُّ
بجذوع الأشجار.
منفى
بصمتٍ
يغادرُ القاربُ ذو الحمولة المفرطة شواطئنا
لكن، من الجنود المموهون؟
من تلك السحب الذاهبة
كي تمطر في أراض غريبة؟
الليل يفقدُ كنوزه
ويبدو المستقبل أسطورةً
ملتوياً فوق نولٍ تشتغل عليه أيد كسولة.
لكن ربما لا يخلو الأمر من شيء جيد لنا
فيما من باب كوخٍ على بعد ألف ميل
يدُ طفلٍ متقرحة ومتقشرة تحيّي
أصابع المطر الطويلة والنحيلة.
قصيدة عن فيلنوف سان جورج
الآنَ، بعد أن تقدم بي العمرُ،
أغراني شيءٌ ما ما كي أفكّر بك
وأرتب موعداً بين أحزاني
وجنون حبكِ.
كلُّ تلك الأزهار
التي تركتِها معلقة على بوابتي
كل تلك الأزهار
التي عصفتْ بها الريح ونثرتها على الثلج!
لماذا يجب أن أتذكرها الآن
وأتذكركِ تنادينني
كمثل نعيب بومة.
حين كنت أراقبكِ
من لوح زجاج النافذة
كان القمر يتوهج فوق السين
وأفريقيا بعيدة جداً
وكنت تنادين
ثم تبكين في ثلْج المنفى
وكان كلبُ الجار يعوي
كما لو أنه يشعر بالضجر
من رقتك المفرطة؟
حين نزلتُ إليكِ
وفتحتُ البوابة
لاعناً برْد بلادك
كنت دوماً تذهبين وتقفين
تحت أشجار حور نهر يريس
في قاع الحديقة
تراقبين بصمت مياهه التي ترفد نهر السين
والقمر الذي يمكن أن يدخل بين الغيوم
رامياً ظلاً شاسعاً
بدا أحياناً كأنه يصل إلى قلبينا.
بعد ذلك تتبعينني على الدرج
تتوقفين لوهلة على شرفة
عالية بعلو كرمة الحديقة
التي تتدلى عليها عناقيد بقيت
حتى نهاية الصيف
منها قطفتِ بضع حبات
أكلناها.
أتذكّر طعمها
كان طعم قُبَلنا.
ثم في الغرفة
كنت تتعرين بسرعة
وكنت تشترين دوماً
شمعة بيضاء وأخرى سوداء
تشعليهما
لون لهبهما كلون
النار التي تتوهج في المصطلى.
في ضوء نيران الحب
كان لونك الأبيض يختفي
وتصيرين سمراء
في منتصف الليل
منذ سنين.
من يومياتي الباريسية
لم يتبق معي إلا ثلاثين سنتاً
لكنني مفعم بالأمل
وأجهل سبب ذلك.
أضحكُ على العالم
وعلى نفسي
كطفلٍ في الخامسة والثلاثين.
صارت حياتي صعبة
منذ أن نفذ مني الشكُّ
وتوقفتُ عن البيع مقابل عمولة
أي صحيفة في العالم
مقرراً أن أوزع فقط
نشرات اليسار
والتي صرتُ أكسب منها الموت بالتقسيط
متبعاً نظاماً غذائياً على شفا المجاعة
وعاجزاً عن دفع الإيجار.
أكيدٌ أن هذه ليست طريقة لكسب الرزق،
أعني بيع شعارات حول عالم أفضل
في حامية القوات المسلحة المنتشرة للدفاع
عن هذه الأيام القاسية
لكنّ الصراع يجب أن يتواصل
ينبغي أن نفتح جبهات جديدة
حتى في أحلامنا.