[هذه المقالة ضمن ملف عن الشعر الأفريقي].
[جينا ملوف شاعرة من جنوب أفريقيا متعددة المواهب، مواليد ١٩٥٨. شاعرة، وممثلة وناشطة حقوق إنسان ومناضلة ضد التمييز العنصري، كما أنها كاتبة مسرح، وموسيقية ومخرجة تُرجمت أعمالها إلى لغات عديدة وحصلت على العديد من الجوائز المرموقة.
تفتح شعرها على ثقافتها القبلية والتراث الشفوي وتتناول القضايا الإنسانية العامة. من قصائدها النسوية المشهورة، "قلن لا"، ومن دواوينها "نحن في حرب"].
أحياناً حين يتساقط المطر
أحياناً حين ينهمرُ المطر
أبتسمُ لنفسي
وأفكّرُ بأيام طفولتي
حين كنت أجلس لوحدي
وأتساءل: لماذا يحتاجُ الناسُ إلى ملابس.
أحياناً حين ينزل المطر
أفكّر بأوقات كنتُ
أجري فيها تحته
صارخة:
متى سأكبر؟
متى سأكبر؟
أحياناً حين يهطل المطر
أتذكر أوقاتاً
كنت أراقب فيها العنزات
تجري هرباً منه
بينما الخراف تبدو مستمتعة به.
أحياناً حين ينهمر المطر
أفكر بأوقات
نضطر فيها إلى التعري
وحمل حزم صغيرة من الملابس والكتب
فوق رؤوسنا
كي نعبر النهر بعد الانصراف من المدرسة
أحياناً حين يتساقط المطر
أتذكر أوقاتاً
هطلت فيها أمطارٌ غزيرة لساعات
وملأت برميلنا
فلم نضطر لإحضار الماء
من النهر ليوم أو يومين
أحياناً حين يهطل المطر
لساعات طويلة دون توقف
أفكّر بالناس
الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه
ولا يمتلكون منزلاً
وليس عندهم طعام كي يأكلوا
ولا ماء إلا ماء المطر كي يشربوا.
أحياناً حين تمطر السماء
لأيام دون انقطاع
أفكر بالأمهات
اللواتي يُنجبن في الأكواخ
تحت سقوف بلاستيكية
وتحت رحمة الرياح الباردة المجنونة.
أحياناً حين تتساقط الأمطار
أفكر بالساعين إلى أعمال غير قانونية
في المدن الكبرى
يهربون من دوريات الشرطة تحت المطر
آملين حلول الظلام
كي يعثروا على زاوية رطبة يختبئون فيها.
أحياناً حين يهطلُ المطر
بشدة وغزارة وينضم البَرَد إلى الماء
أفكّر بالمحكومين مدى الحياة
في جميع سجون العالم
وأتساءل إن كانوا ما يزالون يحبون
أن يشاهدوا قوس قزح بعد نهاية المطر.
أحياناً حين يتساقط المطر
ويترافق مع أحجار بَرَد تضربُ الأعشاب
لا أستطيع الامتناع عن التفكير بأنها تشبه الأسنان
وتبدو كأسنان كثيرة لأصدقاء يبتسمون
ثم أتمنى أن يمتلك الآخرون جميعهم
شيئاً ما يبتسمون له.
الخطر
أمي،
يقولون لي إنك كنت راقصةً
يقولون لي إنه كان لك ساقان
طويلتان وجميلتان تحملان جسدك الرشيق
يقولون لي إنك كنت راقصة.
أمي،
يقولون لي إنك غنيتِ على إيقاع ألحانٍ منفردة
يقولون لي إنه حين يكون لحن الأغنية صحيحاً
تغمضين عينيك وترفعين وجهك إلى السماء.
يقولون لي إنك كنت راقصة ساحرة!
أمي،
يقولون لي إنك كنت دوماً لطيفة
يشبّهونكِ بشجرة صفصاف
تتمايل بكل جمالها فوق مياه جارية صافية
وحين يتحدثون عنك في أوائل الربيع
يقولون إنك كنت ترقصين على مهل.
أمي،
يقولون لي إنك كنتِ راقصةَ أعراسٍ
يقولون لي إنك كنت تبتسمين وتُغْمضين عينيك
ذراعاك ترتفعان بانحناء نحو الأمام قليلاً
وقدماك تخطوان متمهلتين على الرمال
تشي تشي تشي، تشي شيتا، تشي تشي، تشي تشي شيتا!
آه يا أمي، كم أتمنى لو أنني كنت هناك كي أشاهدك
يقولون لي إن مشاهدتك كانت ممتعة جداً.
أمي،
يقولون لي إنني راقصة أيضاً
لكنني لا أعرف..
لا أعرفُ حقاً ما هي راقصة الأعراس
لم يعد هناك أعراس
لم يعد هناك إلا الكثير الكثير من الجنازات
حيث نغني ونرقص
راكضين بسرعة مع تابوت
عروس محتملة، أو عريس محتمل
ولقد حلتْ ابتساماتٌ غريبة مكان دموعنا
دموعنا مليئة بالانتقام، يا أمي
يا أمي العزيزة، الغالية
يقولون لي إنني راقصة جنازات.
التاريخ مادة ثقيلة
التاريخُ مادةٌ ثقيلةٌ
حيوانٌ غريبٌ متعدّدُ الرؤوس
ألوانهُ كثيرةٌ لا يُحْصى لها عدد.
ألوانُ هذا الكائن الفريدة لها طريقتها
في إيقاظ كبرياء يتعذر وصفها
غير أن آخرين يستعيدون ذكريات حزينة كهذه
يستعيدون أسوأ الذكريات
عن أحداثٍ أربكتْ أسلافنا
وجعلتهم عاجزين عن النطق.
ثم يُشْعركَ هذا الكائن بمتعة هائلة
فتسمع عدداً هائلاً من الطبول تنبض
عميقاً في قلبك، وبأيد لامرئية
تقرع عليها خالقة إيقاعاتها الخاصة
ما يذكّركَ بأن هذه الألوان والوجوه والأعين
هي إرثٌ فخور لأمة
تتوهج، وتتألق زاهية
وإذا ما تحدث أحد أحد الرؤوس مباشرة وقال:
اقتربْ، المسْني
خذ راحتك وداعبْني إن شئت
نعم، واصلْ ذلك. اعرض ذلك. قلْ للعالم
أي صاحب إنجازات عظيم أنت
بذكركَ لاسمي فحسب
ثم تذكّرْ من أنت
ومن أين أنت
وإلى أين أنت منطلق.
وَهْجٌ دافىء لسعادة غامرة
تنتشرُ الابتسامة حتى أصابع قدميك
وتشعرُ بفخر غير قابل للوصف بتاريخكَ
ثم يستديرُ أحد رؤوس هذا الكائن ويصيح
توقّف! توقفْ هناك!
تذكّرْ أن ما يصنع تاريخك
أو تاريخ أية أمةٍ ليس فقط الأحداث العظيمة!
شغّلْ عقلك، تذكّرْ جيداً الفظائع المؤلمة
والأخطاء المريعة
تعلّمْ، انْمُ، وتأكّد من ألا ترجع إلى تلك الأوقات
التي تؤلم روحك.
من الجليّ أن القلب يحب أن يكبح ويغطي جيداً
لأنه يريد بهذه الطريقة
أن يتجنب تبديد دموع ثمينة
لأنه حين يتحطم القلب ويتناثر إلى شظايا
يصبح من المتعذر إيقاف الدموع المتدفقة
وهو يرى القباحة في وجه
الوحش متعدد الرؤوس
الذي يرفع رأساً إلى الأعلى، مهدداً، ناكئاً
الجراح الأسوأ والأعمق
مستحثاً لنا كي نقول بكل جدية
حقاً، إن التاريخ مادة ثقيلة!
إن العذارى اللواتي نشرفهنّ اليوم هنا
متن متألمات وهن يناضلن من أجل حقوقهن.
لم تكن تلك الأزمنة مثل يومنا هذا البتة
لم تسمح لهنّ قوانين الأرض
أن يبدأن حتى بفتح أفواههنّ الصغيرة
ولم يكن الملك سيتشوايو مستعداً لما حدث
فقد عصين أوامر تجبرهنّ على الزواج من المحاربين القدماء
فأصدر حكماً بإعدامهن.
اليوم نشرّف عذراوات فوج إنغوسي
بطلاتنا اللواتي نحترمهن فيما نقول بكل صدق وإخلاص إنهن
لم يخسرن حياتهن عبثاً
وذكراهن تلهمنا كي نفتح أعيننا
كي نواجه تحديات اليوم.
حان الوقت بالنسبة لنا، شيباً وشباناً
كي نمكّن أنفسنا وبعضنا البعض
كي نبني وطناً
كي نكون مدعاة فخر لأسلافنا في أرض ”مثانيا“
نعم، إن التاريخ مادة ثقيلة حقاً
لكنه معلّمٌ عظيم أيضاً
فتَحَلّوا بالشجاعة، يا أبناء أفريقيا، تحلوا بالشجاعة!
أجلس لوحدي كي أفكر
مؤخراً، ولأكثر من مرة
صرتُ أميل للجلوس وحدي كي أفكر
لا يعني هذا أنه كان لدي الكثير من الوقت
كي أجلس وأفكر
فأنا امرأةٌ مشغولةٌ ولدي جدول أعمال مليء
ويجب أن أجاري العالم السريع الذي حولي.
لكن حينها، ونوعاً ما،
حدث هذا وسط صخب الحياة
توقّف كل شيء
ووجدتُ نفسي أجلس وحيدة، أفكر:
هل سيكون السيد الرئيس رجلاً أفضل
لو كان لديه رحم وثديان مليئان بالحليب؟
هل سيتأثر بعدد الأطفال المسجونين
باسم السلام والقانون والنظام
لو كان لديه فقط ابن في العاشرة بينهم؟
هل ستروق له رائحة الغاز المسيل للدموع
وجراح الرصاصات النازفة
وتولّد تلك الابتسامة المألوفة على وجه الرئيس
لو كان لديه رحم وثديان مليئان بالحليب؟
تأتي إلي جميع هذه الرؤى
حين أجلس لوحدي وأفكر
بأفضل صديقة لي
وهي جالسة في زنزانة سجن
تفيض شوقاً إلى طفلها الصغير
وثدياها المتألمان ينضحان بالحليب.
متّنوا أواصر الحب
متّنوا أواصر الحب، يا أعزائي الأفارقة
متنوا أواصر الحب
اجعلوها متينة كالصخور!
لا معنى لعيد الميلاد
إذا كنا لا نحب بعضنا البعض
ولا نتعاطف مع بعضنا البعض.
يأوي البعض إلى الفراش ببطون خاوية
بينما يملك آخرون كل شيء
أطفالٌ لا يُحْصى لهم عدد فقدوا آباءهم
يشتمهم آخرون، ويكرهونهم
كيف سنصبح أقوياء
إذا كان الوضع على هذا الحال
كيف سننمو ونزدهر؟
إلى أين نتجه
إذا لم يكن لدينا إخلاص أو تعاون؟
يجب أن نظهر لبعضنا البعض الحب والإنسانية
متّنوا الحبّ، يا أعزائي الأفارقة!
ما نحتاج إليه هو الحب والاحترام
فمتّنوا الحب، يا أعزائي الأفارقة!
[ترجمة أسامة إسبر، المصدر دواوين متفرقة للشاعرة].