[هذه المقالة ضمن ملف عن الشعر الأفريقي].
[أنطونيو خاسينتو (١٩٢٤- ١٩٩١) شاعر أنغولي أبيض، ينحدر من أبوين برتغاليين من المستوطنين، لكنه انضوى في حركات التمرد ضد الحكم الاستعماري البرتغالي وتعرض للاعتقال وسجن لمدة ١٤ سنة في أسوأ السجون. نُشرت مجموعاته الشعرية في ذلك الوقت، وجُمعت في كتاب بعنوان "قصائد"، وبعد استقلال أنغولا انضم إلى حكومة أغوستينهو نيتو، قائد الحركة الشعبية لتحرير أنغولا ذات التوجة الماركسي، وأشرف على الإصلاحات في مجال التعليم والأنشطة الثقافية].
رسالة من عامل
أردتُ أن أخطّ لكِ رسالةً
يا حبيبتي،
رسالة تخبرك
عن رغبتي
برؤيتك
عن هذا الخوف
من فقدانك
عن ما أشعر به ويتجاوز الحب
عن مرض غير قابل للتشخيص يلاحقني
عن توق أعيش باستسلام كامل له…
أردت أن أخط لك رسالة
يا حبيبتي،
رسالة أسرار حميمة
رسالة ذكريات عنك،
عن شفتيك الحمراوين كالحناء
عن شعرك الأسود كالطين
عن عينيك الحلوتين كالعسل
عن ثدييك الصلبين كالبرتقال البري
عن مشيتك التي كمشية الوشق
عن مداعباتك
التي لا أستطيع العثور على ما هو أفضل منها هنا…
أردت أن أكتب لك رسالة
يا حبيبتي،
تستعيد ذكرى أيام لقائنا
أيامنا الكثيرة التي ضاعت بين الأعشاب الطويلة
تتذكر الظل الذي رمته علينا
أشجار الخوخ
والقمر الذي كان يتصفى عبر أشجار النخيل اللامتناهية
تستعيد جنون
هيامنا
ومرارة
فراقنا…
أردت أن أخط لك رسالة
يا حبيبتي،
لا تُقرأ دون تنهد،
ستخبئينها عن الأب بومبو
ستأخذينها من الأم كيزا
ستقرأينها دون برودة
النسيان
رسالة لا مثيل لها
في كيلومبو…
أردتُ أن أكتب لك رسالة
يا حبيبتي،
رسالة ستنقلها لك الريح العابرة
رسالة يمكن أن تفهمها
أشجار الكاجو والبن
الضباع والجواميس
التماسيح وأسماك التيمالوس
بحيث إذا أضاعتها الريح وهي في طريقها
فإن الوحوش والنباتات
التي تشفق علينا من شدة معاناتنا
ستنقل لك شكوى بعد شكوى
وبربرة بعد بربرة
الكلمات المحمومة
الكلمات الحزينة لرسالتي
التي أردت أن أكتبها لك يا حبيبتي
نقية وحارة.
لكن آه يا حبيبتي، لا أفهم
لماذا لا تستطيعين أن تقرأي،
ولماذا أنا اليائس، لا أعرف أن أكتب!
قصيدة الاستلاب
ليست هذه قصيدتي بعد،
قصيدة روحي ودمي
كلا
ما زلتُ أفتقر إلى المعرفة والقوة كي أكتب قصيدتي
القصيدة العظيمة التي أشعر بها تدور في داخلي
قصيدتي تهيم على وجهها بلا هدف
في الدّغل أو المدينة
في صوت الريح
في أمواج البحر
في مظاهر الوجود.
قصيدتي تخطو نحو الخارج
مرتدية ملابس استعراضية
تبيع نفسها
تبيع:
"ليموناً، اشتروا ليموناً!"
تجري قصيدتي في الشوارع
وعلى رأسها قطعة قماش متسخة
تبيع نفسها
تبيع:
"اشتروا أسماك إسقمري، سرديناً، رنكة، سمكاً رائعاً، سمكاً رائعاً!"
قصيدتي تسير متثاقلة في الشارع
وتصيح
"صحيفة يومية!"
وما من صحيفة تحتوي على قصيدتي بعد
تدخل قصيدتي إلى المقاهي وتصيح:
"يانصيب، غداً السحب!، يانصيب، غداً السحب!"
أما سحبُ قصيدتي
الذي تدور عجلته حين تدور
وتواصل دورانها
لا يتغير أبداً
"يانصيب، والسحب غداً
يانصيب، والسحب غداً"
تأتي قصيدتي من البلدة
أيام السبت كي تحضر ثياب الغسيل
وتأتي أيام الاثنين كي تأخذ ثياب الغسيل
وفي أيام السبت تقدم الغسيل وتقدم نفسها
وفي أيام الاثنين تسلم نفسها وتأخذ الغسيل
قصيدتي معاناة
ابنة غاسلة الثياب التي
تعمل بخجل
في غرفة مغلقة
فيها رب عمل تافه يتسكع
كي يتحين فرصة للانتهاك!
قصيدتي عاهرةُ
البلدة التي تقف أمام الباب المحطم لكوخها وتنادي:
"أسرعْ، أسرعْ
ادفعْ نقودك
تعال وضاجعني".
قصيدتي تلعب الكرة بخفة
في حشد كلُّ أفراده خدم
وتصيح:
"هدف تسلل! هدف تسلل!"
قصيدتي عامل
يذهب إلى حقول البن كي يعمل
عقد العمل عبء
من الصعب تحمله
قصيدتي تسير حافية في الشارع
قصيدتي تحمل الأكياس في المرفأ
تملأ العنابر
وتعثر على قوة في الغناء
"ما يجب أن ينجز
يجب أن ينجز على الفور"
قصيدتي تذهب مقيدة بالحبال
تقابل رجل شرطة
وتدفع غرامة، لأن رب العمل
نسي أن يوقع جواز العبور
تسير على طريق العمل
بشعر حليق
"شعر حليق
كفروج يطبخ ببطء"
منخاس ينخس
وسوط يلعب
قصيدتي تذهب إلى السوق وتعمل في المطبخ
تذهب إلى مقعد العمل
تملأ البار والسجن
ترتدي الأسمال ومتسخة
تعيش في جهل وتخلف
قصيدتي لا تعرف أي شيء عن نفسها
أو كيف تتوسل
قصيدتي مصنوعة كي تمنح نفسها
كي تسلم نفسها
دون مقابل
لكن قصيدتي لا تؤمن بالقضاء والقدر
قصيدتي هي قصيدة تشعر مسبقاً
وتعرف مسبقاً
أنني أنا الأبيض
أركب على أنا الأسود
وأنطلق عبر الحياة.
خادم
في تلك المزرعة الكبيرة لا يتساقط مطر
عرقُ جبيني هو الذي يسقي المحاصيل.
في تلك المزرعة الكبيرة ثمة بنٌّ ينضج
وحمرةُ شجرة الكرز
هي قطراتُ دمي بعد أن استحالت نسغاً.
سيُحمَّص البن،
ويُطْحن، ويسحق
سيصير أسود،
أسود بلون العامل.
أسود بلون العامل!
اسألوا الطيورالتي تغرد،
والجداول التي تتدفق مرتاحة البال
والرياح العالية القادمة من أراضي الداخل:
من يستيقظ باكرا؟ً
من يذهب إلى الكدح؟
من يحمل على الطريق الطويل
الأرجوحة الشبكية أو أكياس الحبوب؟
من يحصد، ويتلقى أجره احتقاراً،
ذرة فاسدة، وأسماكاً متعفنة، وأسمالاً،
وخمسين ليرة،
والضرب مقابل الشكوى؟
من؟
من يجعل الدخن ينمو
وبساتين البرتقال تُزْهر
من؟
من يعطي النقود للرئيس
كي يشتري السيارات والآلات والنساء
ورؤوس أسطوانات للمحركات
سوداء كالزنوج؟
من يجعل الرجل الأبيض يزدهر،
ينمّي الكروش الكبيرة،
ويحضر الكثير من النقود؟
من؟
الطيور التي تغرد،
الجداول التي تتدفق مرتاحة البال
الرياح العالية التي تهب من الداخل
ستجيبك:
إنه الخادم!
آه! دعوني على الأقل أتسلق أشجار النخيل،
دعوني أحتسي،
خمرة نخيل،
وليتعتعني سكري كي أنسى
الخادم!
[ترجمة أسامة إسبر، المصدر: Antonio Jacinto, Poems].