[هذه المقالة ضمن ملف عن الشعر الأفريقي].
[كيتي نيفياباندي شاعرة وكاتبة مقالات من بوروندي من مواليد ١٩٧٨، كتبت معظم شعرها بالإنكليزية والفرنسية ونشرتْهُ على الإنترنت، وفي أنطولوجيات عديدة. لعبت دوراً فاعلاً في الحراك السياسي في بوروندي بعد أن نشبت الاضطرابات والقلاقل في البلاد بسبب قرار رئيس البلاد في ٢٠١٥ المخالف للقانون بتمديد رئاسته فترة ثالثة. قادت الشاعرة احتجاجات ومظاهرات نسوية قُمعت بوحشية. شِعْرها يستقصي موضوعات اجتماعية كالإنسانية في مواجهة الحرب، وكالحب والأنوثة].
تَذَكُّر بوروندي
أتذكّركِ شرارةً تُمزّقُ السماء الزرقاء، بذوراً تغازل السحب، رجالاً يبوحون بأسرارهم للنجوم، أغنيةً دافئة وممتعة محمولة على ظهور حالمة، نسوة تفوح منهنّ رائحة الزبدة، صدورهن مترعة بالحليب، دربَ تبانة، ندى يُطفئ ظمأ الأقدام المتشققة.
أتذكركِ حلماً معجوناً بالتربة الصلصالية والفولاذ، رجالاً فخورين، صدورهم مرفوعة وممتلئة، رماحهم ومعازقهم تتوضع على الأرض المبللة، فيما هم يسيرون عراة إلى الشمس، فتيات كفراشات تتبعثر وهي تحلق، تبلل السماء بالألوان، ضحكات مخنوقة، ضحكات فوضوية، ضحكات حرة، ضحكات بالآلاف.
أتذكركِ أشخاصاً يتخذون وضعية، أشخاصاً حقيقيين، أشخاصاً أسياداً، شعباً محطماً بيد أنه مكتمل، حجرَ يَشَمٍ، جمالاً هارباً، جمالاً برياً غيوراً وساحراً، من النوع الذي يحرق عينيْ نبي، أرضاً صغيرة تجاسرت مرةً على تحدّي الرايخ،
أتذكرك قبل كلمات الريش، قبل أولادك الورقيين، قبل أرضك ذات الفم الفاغر، وأطفالك المتسولين
قبل أن تصبح كرامتك فُتاتاً للبيع على أرصفة الشوارع الجائعة.
أتذكرك في فوضى شعري الزغبي،
في الحبر الذي يتسلل على يديَّ المرتجفتين،
في أحلامي الثمينة، التي يغطيها الغبار.
في تعرّقي وصرخاتي، في الحمى التي تنتابني،
في عينيَّ اللتين تتدليان مفتوحتين على وسعهما من الهلال.
أتذكركِ،
ما أزال أتذكركِ من أمس
وسأتذكركِ غداً بالطبع
بيد أنني لا أعرفُ
إن كنتُ قادرة على فعل ذلك هذا الصباح.
عن الحب
الوقوعُ في الحب
إزهارٌ للقلب
تفتّحٌ
توسُّعٌ للعالم
زهرةُ عباد شمس
تتفتح في السماء
عينان مغمضتان
لسانٌ
يبحث عن السماء
عن قطرة مطرٍ
والطريقة التي يلتوي بها
حين يعثر عليها.
الخروج من الحب
خسارة وهَجْرٌ للقلب
تجعيدةٌ خفيفة
ندبةٌ
هواءٌ باردٌ وعذب
يلعق الغرفة المتعفنة
وينظفها بعد عاصفة
إغلاقُ نافذةٍ أيضاً
يجب أن يُعاد فتحها
كي يتنفّس القلب.
ليس كلّ موت محزناً
ثمة موتٌ يسبقُ الحياة
وهو النوعُ السريّ.
أمل
فراشةٌ مكتهلة،
ترفرفُ بجناحيها الرقيقين
في جوّ دخاني،
منهكة، ومنقطعة الأنفاس
تحلق فوق ساحات معركة رمادية،
تترك على الأراضي الباكية أثرها
الذي يشبه مسحوقاً ذهبياً.
تغوص في بحار رمادية جافة
إنها الآن دوامة
ألوان صفراء غامقة كالزبدة،
ألوان زرقاء غامقة، غامقة
تتنفس وتحيا
في جميع الأزهار التي لم تتفتح بعد.
سيمفونيات صباحية
كلّ صباح، تُغرّد العصافيرُ
على أرضنا الجيرية
فوق بيوت كرتونية
في جو تفوح منه رائحة الفاكهة
على أعمدة كهرباء صدئة
على نافذة وزير فولاذية
على شجرة مانجو
على قبر جدتي
فوق سجن مكتظ
تعزف سيمفونيات متقنة
كل صباح في كورسها الجماعي.
كلُّ شيء يتداعى هنا
الكهرباءُ
المدارسُ
الحكومةُ
الأمل
كل شيء
باستثناء عصافيرنا العظيمة
التي تحمل أقواس قزح
في حناجرها اللامعة.
يجب أن ترسلوا لنا عصافيركم يوماً ما
من أجل العلاج.