داليا حتوقة
[في الحادي عشر من شهر أيّار/مايو 2022، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلية النار على صحافية "الجزيرة" المخضرمة شيرين أبو عاقلة وقتلتها، فيما كانت تغطي اقتحاماً إسرائيلياً لمخيم جنين للاجئين في مدينة جنين. لمناقشة عملية القتل، وسياقها والردود عليها، قام معين ربّاني، محرر "أفكار سريعة"، والمحرر المشارك في "جدلية"، بإجراء مقابلة مع داليا حتوقة، وهي صحافية مستقلة متخصصة بالشؤون الفلسطينية-الإسرائيلية].
معين رباني (م. ر.): ما الذي نعرفه عن ظروف قتل مراسلة "الجزيرة" المخضرمة في فلسطين شيرين أبو عاقلة؟
داليا حتوقة (د. ح.): كانت شيرين في مهمة في جنين في الضفة العربية المحتلة، وكانت تغطي اقتحاماً إسرائيلياً لمخيم للاجئين هناك، حين قتلت. شاهدت مقطع فيديو مطوّلاً للحدث، يتضمّن مشاهد عنيفة ودموية، ومحزن للغاية، إلا أنه يُظهر أن شيرين كانت ترتدي سترة واقية طُبع عليها كلمة "PRESS" (صحافة) كما أنها كانت تعتمر خوذة وجاءت الطلقة من الخلف، مخترقة الرقبة وخارجة من الوجه. باعتقادي، وحده رام خبير قادر على إحداث إصابة من هذا النوع. وتقوم السلطات الإسرائيلية بتعميم مقطع فيديو لرجال فلسطينيين يطلقون النار في أحد الأزقة ويقولون إن المقاتلين الفلسطينيين هم المسؤولون عن موتها. إلا أن باحثين من مجموعة حقوق الإنسان الإسرائيلية المشهورة "بتسليم" وجدوا أن المقطع صور من نقطة تبعد ثلاثمئة متر عن الحدث، وأنه ليس هناك مجال بصري للموقع الذي قتلت فيه شيرين، مما يثبت أن الفيديو لا علاقة له بموتها.
(م. ر.): هل أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن مقتلها؟
(د. ح.): لا، بالطبع لا. لن يتحملوا أبداً مسؤولية شيء من هذا النوع لأنهم قتلوا بلا عقاب من قبل. وتقديري أن أكثر من تسعين بالمئة من تحقيقاتهم أو استجواباتهم في حوادث قتل تتعلق بصحافيين أثبتت عدم جدواها وهي لم تسفر بعد عن أية نتائج. كل ما فعلوه هو أنهم حاولوا إلقاء اللوم على المقاتلين الفلسطينيين ثم تراجعوا حين قامت "بتسليم" وصحافيون آخرون بالإعلان أن مسار الرصاصات ليس منطقياً ولا يتماشى مع مقاطع الفيديو التي يعممونها لاتهام الفلسطينيين بقتل واحدة منهم.
(م. ر.): ماذا كانت الردود الدولية على عملية القتل هذه، وبماذا يطالب الصحافيون وأنت منهم، كرد فعل عالمي؟
(د. ح.): كانت شيرين مواطنة أميركية، وبصراحة، كان رد الفعل الأميركي باهتاً. أنا أعي أنه صدرت إدانات أكثر من العادة عما هو الحال حين يُقتل فلسطينيون-أميركيون، وعلمتُ أن السفير الأميركي في إسرائيل طالب بتحقيق معمق، وأن الأوروبيين والمملكة المتحدة قالوا أشياء. ولكن، مجدداً، كلهم يطالبون بتحقيق تجريه إسرائيل. وإسرائيل هي الجاني. فكيف يمكن أن تتوقع من الكيان المسؤول عن الفعل أن يجري تقييماً عادلاً لما حدث؟ ليس في ذلك أي شيء من المنطق. وبالنسبة لي، كصحافية، أنا لا أهتم كثيراً برد الفعل الدولي، ما أريده هو تحقيق دولي. أن يأتي من يتفحص الرصاصات - أي خبيراً بالرصاص - لأنهم انتزعوا جزءاً من رصاصة من جسمها حين قاموا بالتشريح وهذا ما يتعين أن نعرفه.
(م. ر.): هل كان قتل شيرين حادثاً معزولاً أو جزءاً من نمط أوسع من العنف والانتهاكات الإسرائيلية ضد الصحافيين الفلسطينيين والصحافة في فلسطين بشكل عام؟
(د. ح.): كلا، هذا ليس حادثاً معزولاً. إن قتل شيرين ألقى الضوء على النسبة العالية من الهجمات الإسرائيلية على العاملين في الإعلام والغياب النسبي لأي عقاب. وكما قلت سابقاً، هذا ما تقوله مجموعات حقوق الإنسان. الصحافية التي كانت معها، واسمها شذى حنايشة، قالت إنهما كانتا في منطقة مكشوفة مع صحافيين آخرين ولم تكن هناك أي مواجهات أو إطلاق للنار من قبل المقاتلين الفلسطينيين. وإذا نظرنا إلى الماضي، أعني السنوات القليلة الأخيرة، قتل كل من أحمد أبو حسين، وياسر مرتجى اللذين أرداهما قناصون إسرائيليون حين كانا يغطيان احتجاجات مسيرة العودة الكبرى في غزة في 2018. وهناك اثنان قتلا وشوها في 2015 و2019، هذا يحصل. هذا يحصل طوال الوقت. وأيضاً يجب ألا ننسى أن هناك استهدافاً وقصفاً لمبان فيها مكاتب إعلامية، مثل ما حصل في أيار/مايو 2021 حين دمرت غارة جوية إسرائيلية مبنى الجلاء المؤلف من 11 طابقاً وكان مقراً لكل من "الجزيرة" ووكالة "أسوشييتد برس"، وبالتالي هذا ليس حدثاً منعزلاً.
(م. ر.): كانت شيرين بمثابة أسطورة وأيقونة بين الصحافيين والمواطنين الفلسطينيين عموماً. هل يمكن أن تصفي مكانتها كصحافية، وكفلسطينية وكزميلة؟
(د. ح.): نعم، أود أن أتحدث عن تركة شيرين. أعني أن شيرين لم تكن صحافية عادية، كانت رائدة في مجالها. هي فتحت الطريق للكثير من الصحافيات من النساء لتغطية الحروب. كانت من أوائل من غطى الحرب والسلام خلال تداعيات اتفاقيات أوسلو للعام 1993. ومن ثم انضمت إلى "الجزيرة" في 1997 خلال بداياتها. وكما قلت، أصبحت اسماً في كل منزل لأنها عملية وبسيطة وهادئة وكانت تعمل على الأرض. وببساطة، وصلت إلى قلوب الناس بسهولة كبيرة. كانت متواضعة وأيضاً طيبة ولطيفة. كانت تحب الحياة، وتحب الاحتفال، وتحب الضحك. لا أعرف تماماً ماذا أقول بعد ذلك، بصراحة. إنها خسارة هائلة، ليس لأسرتها فحسب، وليس لي، وليس لفلسطين، بل لكل من رآها وتحدث معها ولمن فتحوا لها منازلهم. وهذا يشمل معظم الناس في البلدات والقرى ومخيمات اللاجئين الفلسطينية، كانت في كل مكان. وقامت بالموضوعات كلها التي لم يكن يرغب بها أحد. وأعطت صوتاً للناس الذي لم نكن سنعرف عنهم شيئاً لولا ذلك.
[ترجمة هنادي سلمان عن الأصل المنشور في جدلية].