ليست هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن ميولي الجنسية. لكنّ التفاصيل، والأفكار التي أدوّنها اليوم مختلفة عن أغلب ما كتبته من قبل.
اكتشفت ميلي الجنسي في الثالثة عشر من عمري، ولم أعرف ما هو أو كيف يُوصَف قبل عرض فيلم "عمارة يعقوبيان" الذي يُصنَّف ضمن الأفلام القليلة المصرية التي تضمّ أي شخصية مثلية. رغم أن الغالبية الكاسحة من هذه الأفلام، بما فيها "عمارة يعقوبيان"، شَوَّهت صورة المثليّ والمثليّة، ووصفته المثلي بـ"الشاذ"، إلا أنّ هذا الفيلم - على الأقل - جعلني أدرك معنى مشاعري، وأفهم ردود أفعال جسدي عند النظر إلى النساء ولو لنظرة عابرة.
مَرّت سنوات عدة، كما وصفت في الجزء الأول من هذه المذكرات، وأنا أخاف من رغبتي في النساء. أشعر بالعار والخزي منها. كما كنت أخاف على كلّ امرأة من شهوتي، وأن أفعل بهنّ ما يفعل الرجال. هجستُ بأفكار أن أكون منتهِكة ومعتدِية مستغِلّة مثل الرجال. كنت أحتقر نفسي، ويتملكّني الخزي لأنها ترغب شيئاً أراه محرّماً غير طبيعيّ، وكذلك لأنني أراها رجلاً يتعامل مع المرأة كشيء يستمتع به، ويمزّقه، ويهتكه.
كنت أضرب فخذي بطريقة لا يلحظها الآخرون كلما نظرت لامرأة ولو لثانية واحدة، أو كلما اشتهيت إحداهنّ. حدث ذلك يومياً وفي مرات عدة، مهما حاولت أن أُبقي اتجاه عينيّ دائماً نحو الأرض. اعتدتُ الضرب على الفخذ لفترات طويلة ناهزت السبع سنوات، حتى صار الضرب عملية تلقائيّة أؤديها دون وعي. بمجرّد أن أشتهي امرأة تتحرّك قبضتي بسرعة نحو فخذي. كان الألم سبيلي لإيقاف الشهوة حتى اعتاد جسدي ألا يستقبل أي متعة ويجعل كل متعة ناقصة.
عندما قالت لي طبيبة النساء التي زرتها لكي تجد لي دواء لمشكلة كثرة الإفرازات والاحتلام أن أتزوج غاظني الأمر لعدة أسباب. أحدها أن إفرازاتي واحتلامي ناتجان في الأساس عن رغبتي في النساء، فكيف للزواج برجل أن يغيّر شيئاً؟
مشكلتي مع الاحتلام لم تكن عجزاً عن السيطرة على شهوتي أو انسياقاً خلفها لأنني لم أكن كذلك قط. ولكنّ مشكلتي كانت مع اضطراري إلى الاغتسال اليوميّ بماء شديد البرودة فجراً، حتى في أسوأ أيام الشتاء حتى ألتحق بصلاة الفجر. وكان يعرّضني هذا الاغتسال للإصابة كثيراً بنزلات البرد، ويتسبّب في تساقط شعري بغزارة. كما أظن أنني كنت أحاول في اغتسالي أن أدعك جسدي بعنف لأخلّصه من نجاسة رغباتي، وأحلامي بالنساء.
فكّرت أن أزور طبيباً "يعالج" المثلية كما هو منتشر في مصر، خاصة ذلك المدعو "أوسم وصفي" لكنني لحسن الحظ لم أنفذ فكرتي. أول شخص أخبرته بميلي الجنسي كانت أمي. أنكرت، ولم تصدّق أو تفهم، لكنّ ردّ فعلاه لم يكن عنيفاً. حدث ذلك بعد وصولي إلى الثامنة عشر من عمري. بعدها، أخبرت صديقتي المقرّبة في ذات العام ثم أخبرت مجموعة من صديقاتي في عيد ميلادي التاسع عشر. بعدها بعامين أخبرت الشخص رقم سبعة. أخبرت أستاذ العدالة الاجتماعية والجنسانية الذي كان يدرّسني في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
أخبرته في أحد الأيام بعد انتهاء المحاضرة، فوجدته يشجّعني لزيارة مكتبه. صُدِمَ عندما حكيت له عن حياتي وضربي لنفسي. وسألني إن كنت أفكر في الهجرة لمكان أكثر تقبّلاً لوجودي، لكنني كالعادة أصررت على البقاء عمري بأكمله في وطني مصر. هذه المواجهة كانت الأولى من نوعها لأنني لم أُفصح عن مشاعري هكذا من قبل، رفقة عذاباتي وتعذيبي لنفسي. لم أكن قد رويت أيًا من ذلك لمن أخبرتهم في عبارة واحدة عن ميلي الجنسي. عندما حكيت له كنت أحكي لنفسي. كنت أواجه لأول مرة نفسي في المرآة لأكتشف أنني أعيش في عذاب.
جزء أساسي من عذابي تمثّل في أنني أمضيت سنوات طويلة لا أدخل فيها دورات مياه النساء إلا وعيني في الأرض لأن المحجبات يخلعن حجابهن، خشية أن أخدعهنّ أو أعتدي على خصوصيتهن. قد ترفض النسوة رؤيتي لشعورهن إن علمن بميلي الجنسي. لم أكن ألمس النساء قط، حتى تلك اللمسات العادية مثل حضن السلام بين الفتيات امتنعت عنها. لم أكن أسمح لنفسي بالتواجد في الأماكن المقتصرة على النساء، مثل أوقات النساء في حمام السباحة أو أماكن تغيير الملابس. بل كنت أحرص أن أغادر بعد أي تمرين دون أن أستحم أو أغيّر ملابسي، وكنت أنتظر العودة إلى حمام منزلي مهما كان جسدي متعرّقاً أو قذراً عقب الانتهاء من التمارين.
دخلتُ أماكن اغتسال النساء في حمام السباحة أول مرة عندما كان عمري واحداً وعشرين عاماً. قررتُ تخطّي مخاوفي بعد حديثي مع الأستاذ الجامعي. ذهبت إلى حمام السباحة في وقت النساء، وخرجت إلى غرفة الاغتسال وتغيير الملابس. لم يسبق لي تخيُّل شكل المكان، ولم أدرِ أنّ الستائر المغلقة تعني وجود امرأة خلفها. سحبت واحدة بتلقائية، فوجدت امرأة أمامي تصرخ. وخرجتْ بعدها لتستكمل إهانتها لي. لم أستطع أن أنطق. ماذا يمكنني أن أقول؟ هل يمكن لأحد أن يصدق أن امرأة في الحادية والعشرين لم تدخل غرفة اغتسال لنساء من قبل؟ هل يمكن لأحد أن يصدق أنني فعلاً لم أكن أعرف وظيفة الستائر؟ يبدو الأمر تلقائياً جداً، وتعرفه كلّ امرأة منذ طفولتها. الجدير بالذكر أن أمي كانت سبباً في ذلك أيضاً، لأنها رفضت أن نجرّب الثياب خارج المنزل في المتاجر قبل شرائها، فهي تعتقد أنّ خلع الملابس خارج المنزل عيب. لم تسمح لنا بزيارة غرف تغيير الملابس أبداً. كما أنها كانت تخاف دائماً من احتماليّة تصويرنا عراة في أثناء تجربة الملابس داخل غرف التغيير. علمتني أمي أن أعرف مقاس الملابس بالنظر فقط. إنها مهارة مفيدة لأنها جعلتني أختار هدايا أصدقائي دون قياس. فبكل بساطة، وصلت للحادية والعشرين دون أن أعرف شكل الستائر في غرف الاغتسال أو تغيير ملابس النساء! لا أظن أن أحداً سيصدق كلماتي. لكنني أقسم أن هذه هي الحقيقة. رغم نيتي الصافية، إلا أنّ كلمات المرأة التي نسيتها تماماً بعدما كبتها جعلتني أحتقر نفسي مرة أخرى رغم أنها كانت المرة الأولى التي أقرّر فيها ألا أخاف من التواجد وسط النساء.
بعد هذا الموقف قابلت أستاذ الجامعة مرة أخرى ثم اتخذت قراري، ونفذته. الغريب أنني أخبرت أمي بالقرار قبل أن أنفذه، ورغم رفضها، وخوفها استسلمت لقراري. أعلم أن ذلك مستغرب في إطار شخصيتها، وما فعلته معي لكنها كانت تحبني رغم كل شيء. تلك حقيقة. كانت تحبني حدّ العشق، ولم ترفض لي طلباً قط. كانت تؤمن أنها إن حاولت منعي من شيء فسأفعله رغماً عنها. كانت علاقتنا غريبة جداً. لقد كانت امرأة غريبة حقاً.
نفذت قراري. أعلنت ميلي الجنسي في منشور على فيسبوك. أردت للكل أن يتخذ قراره مني بصراحة، وبعد معرفة الحقيقة. أردت أن تدرك النساء اللاتي أعرفهن حقيقتي لكي يتخذن الإجراء الذي تردنه حيالي. ربما تتوقفن عن خلع الحجاب أمامي، ربما تبتعدن عني، وربما تتخّذن مني نفس المسافة اللواتي يتّخذنها من الرجال. كان الأهم بالنسبة لي ألا أكون كالرجل الذي يدخل دورات مياه السيدات متخفياً. كان المهم بالنسبة لي ألا يبقى في حياتي إلا من يريدون حقاً البقاء فيها رغم معرفتهم بحقيقتي. كان المهم بالنسبة لي أن أعيش صادقة في النور. كان المهم أن أتحرر.
لقد حيت بأصدقاء كثر ومتنوعين في كل الخصال، سواء الشخصية أو الانتماءات الفكرية أو السياسية أو العقائد الدينية أو درجة التديّن أو أسلوب الحياة أو الطبقة الاجتماعية والاقتصادية. والغريب أن أغلبهم، وعلى تعدديتهم، لم يتخذوا موقفاً سلبياً مني بل كانوا داعمين، ومؤيدين لي، أو على الأقل متقبلين لاختلافي. قليلون جدًا الذين اتخذوا موقفاً سلبياً مني، ولكن حتى هذه المواقف السلبية كانت في غالبيتها نابعة عن جهل، وعدم فهم لطبيعة ازدواج الميل الجنسي، وتغيرت بمجرد الفهم، والتعلم.
جعلني هذا القبول أتفاجأ، خاصة عندما جاء من أكثر الناس محافظة. للغرابة، إن أبشع موقف تعرضت له لم يكن من إسلاميين أو متدينين أو محافظين إنما كان من صديقة بعيدة للعائلة كانت تدرس حينها في جامعة ليفربول. فهذه الفتاة التي تعيش للدراسة في إنجلترا، وتنتمي لطبقة من أغنى الطبقات في مصر كانت أكثر كراهية لي من أشخاص ولدوا في مجتمعات محافظة جداً. ذهبت لتُعلِمَ عائلة والدي بطريقة فيها مزيج من الاحتقار والاشمئزاز أنها لا تريد أن تعرف أمثالي مما تسبّب لي بمشكلة عائلية ضخمة بعد ذلك.
عندما وجدت القبول والمحبة ممن حولي غيّر ذلك نظرتي لنفسي، جعلني أحبها. أحببتها لأنني شعرت أنّ سرّي ليس خزياً أخفيه، وأن غيري أحبني، ولم يخشني. لكنّ أهم نقطة جعلتني أتحرر كانت صدقي. أحببت نفسي لأنها صادقة. أكره الكذب، وأكره أن أخفي أي شيء أو أعيش رهن أي كذبة.
لم تكن هذه الفترة سهلة أبداً بسبب المعارك الأسرية لكنها كانت العلامة الفارقة التي غيّرت حياتي كلها. تلك كانت واحدة من الفترات القليلة التي بدأت أشعر فيها بقدر من التحرر. الصدق هو نافذة الحرية. الصدق هو النفس.
تدريجياً، توقفت عن ضرب نفسي. وتدريجياً، بدأت أن أكتشف نفسي. بدأت أكتب بحرية عن ميلي الجنسي، وعن حقوق المثليين. وكنت حينها من قلة قليلة في الجامعة الأمريكية، وفي مصر بأكملها، ممّن لا يوارون ميلهم الجنسي. تزامنت تلك الفترة مع حملة منظمة واسعة النطاق على المثليين في مصر، لكنها كانت أيضا من الفترات النادرة في تاريخ مصر الحديث التي أمكن لأشخاص أن يتحدثوا ويكتبوا بحرية دفاعاً عن قضايا مختلفة تمثّل تابوهات للمجتمع المصري.
انضممت لمجموعة دعم نفسي لمجتمع الميم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكانت جلسات المجموعة تمثّل لي نَفَسَاً وحرية. كانت تشعرني أنني وسط مجموعة، وحركة، وأنّ رغبتي لا تستحقّ الخزي والعار. كانت مجموعة محترمة، ومنظمة، وفضاء للتعبير عما يستتر داخل قلبي من ألم. وكان يكفيني أن أشعر أنني لست وحدي. كانت بداية كل جلسة أيضاً تساعدني على تخطّي الخزي من الرغبة لأن الجلسات تُفتتح عادة بأسئلة فكاهية لكل الحضور عن تفضيلاتهم الجنسية المختلفة. احترمت أنّ الجلسة التي تبدأ بهذه البداية لم تجنح يوماً نحو مناحٍ جنسية أو رومانسية رغم أنه في كثير من الأحيان لم يكن بين الحضور أي أستاذ جامعي يبسط سيطرته مثلاً. كانت الجلسة تحترمنا كبشر لا تعاملنا كحيوانات مهووسة بالجنس كما يصوّرنا المجتمع. كانت فعلًا مجموعة دعم نفسي لي.
رغم ذلك، جُرحت مرتين في المجموعة. في المرة الأولى، تحدثت مثلية عن رفضها لمزدوجي الميل الجنسي، وقالت أن أحدًا لا يجب أن يثق فيهم. في المرة الثانية، انتقد بعض المثليين أنني أحرص على الصلاة، وضايقوا فتاة مثلية محجبة بسبب حجابها. في هاتين الحادثتين جُرحت بعمق، لكنّ جرحي لم يطمس المعنى العميق الذي أضافته لي تلك المجموعة.
كنت أكتب عن مواضيع مختلفة في مجلة الجامعة الأمريكية بالقاهرة. فوجئت بعد نزول عدد موضوعه الجنس أن هناك كارثة حدثت للقائمين على المجلة من الطلبة. عرفت بعد ذلك قصة الكارثة، وأسرعت لأقف مع رئيس التحرير، ونائبته الذين كانا من أعز أصدقائي. ما حدث أن المجلة نشرت مشاركة من الجمهور لمثليّ يحكي باسم مستعار عن تجربته، ومخاوفه من السجن، والتنكيل تحت وطئة الحملة المنظمة على مجتمع الميم حينها. تسبّب هذا المقال باستجواب برلماني لوزيري الخارجية، والتعليم العالي، وتسبّب ذلك في توتر لمجتمع الميم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. واستيقظنا كمجتمع الميم بالجامعة على خبر هروب الأستاذ الجامعي، وعودته للولايات المتحدة، وتركه لنا لنواجه مصيرنا.
لم أحترم في حياتي كثيرين مثلما احترمت الترانس مان الذي أسس مجموعة مجتمع الميم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. حينها، لم يكن يعرف تماماً نفسه، وما يزال في خضم صراعاته. إلا أنه رأى عبارة مكتوبة بقلم وراء باب أحد دورات مياه الفتيات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. العبارة التي قرأتها كلّ بنات الجامعة كانت: "I am a lesbian and I feel alone" (أنا مثليّة وأشعر بالوحدة). أثارت هذه العبارة الجامعة كلها في ردود مختلفة عليها كُتبت على الباب أو على فيسبوك، لكنّ ذلك الترانس مان اتخذ قراراً مختلفاً. لقد قرر أن يتصرف حتى لا يشعر أحد من مجتمع الميم في الجامعة بالوحدة، فأسس صفحة مجتمع الميم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة على فيسبوك، ومن ثم تلقّى عرضاً من رئيسة الجامعة لتأسيس مجموعة دعم نفسي لمجتمع الميم بالجامعة. تحمّل كثيراً لأجل مجتمع الميم. لم يكن معلناً مثلي لميله الجنسي، لكنه اختار أن يجازف بنفسه كي لا يترك مجتمع الميم في الجامعة وحيداً. تحمّل كل خطر، وانهار وقت هروب أستاذ الجامعة لكنه لم يتراجع عن دعم مجتمع الميم بالجامعة، وظل يشرف على مجموعة الدعم النفسي حتى تخرجه من الجامعة.
صدمتني تلك التجربة. صدمتني في أستاذ الجامعة الذي جعلني أتقبّل، وأحبّ نفسي، وأواجه المجتمع ثم تركني أمام المدفع، وطار. لكنني تعلمت منها حقيقة قاسية جداً. الأمريكي دائمًا محميّ، ليس مثلنا. نحن لا نرقى لحقوق الأمريكي، ولا نرقى لحقوق المصري. فنحن من العالم الثالث، ولكننا لسنا فقط من هناك. نحن المضطهدون في هذا العالم الثالث. نحن حثالة في نظر العالم الأول لأننا عالم ثالث، ونحن حثالة في نـظر العالم الثالث لأننا "شواذ" لا نفعل سوى "مخالفة الدين، والعرف، والتقاليد، والطبيعة" في عينيه.
لكنّ الصدمة لم تسكتني. واظبت على المواجهة والافتخار بميلي الجنسي، الشيء الوحيد الذي يُشعرني بحريّتي، وبالقدرة على حمل هوية مقابلة لهوية المجتمع القمعي. كان ميلي الجنسي في تلك الفترة أهم ما أعرّف به نفسي. كنت أخبر الأشخاص الذين أتعرّف إليهم لأول مرة اسمي، ودراستي ثم ميلي الجنسي. عاد جزء أساسيّ من الأمر إلى أنني أحاول حماية نفسي من جرح هجرهم عندما يعرفون في مرحلة متأخرة من صداقتنا بميلي الجنسي فيرحلون. وجزء آخر كان قناعة مني أنّ ميلي الجنسي عبارة عن جزء أساسي من تعريفي لذاتي. وجزء أهم كان قناعة مني أنّ ميلي الجنسي هو موقف المقاومة لقمع المجتمع، والدين، والدولة. ميلي الجنسي كان مسألة مبدأ. دفاعي عن مجتمع الميم شكّل جزءاً رئيسياً من معاركي. كنت أدافع عن مجتمع الميم دفاعاً عقائدياً عن الضحية. بعدها بسنوات، صارت الضحية التي يدافع عنها قلبي، وصوتي بنفس الشراسة هي الحيوانات.
تراوح ميلي الجنسيّ لسنوات طويلة بين الانجذاب العاطفي للذكور، والانجذاب الجنسي للإناث. لكنني بعدما قبلتُ ميلي الجنسي، وأحببته، شعرت بالحب لأول مرة في حياتي لامرأة. عشت مشاعر حب عميقة لا تصفها الكلمات، ولم تختف مشاعري ناحيتها قط للحظة مهما مر من الزمن. يوم بحت لها بحبي، ورفضتني لم أشعر بألم الرفض أو الحزن، بل شعرت بالامتنان لأنها رغم رفضها لم تبتعد عني، بل صارت أقرب إليّ. امتننت لأنها لم تدنّي، ولم تخف مني. امتننت لأنها قدّرت حبي بعمق حتى وإن رفضت أن نكون معاً كحبيبتين. حبي لها، وقبولها لي زاد حبي لنفسي، وفي تجربة حبي العميق لها لسنوات طويلة حدثت لي أول تجربة روحية مع الله. شعرت بالله في حبي لها. لا يمكن للكلمات أن تصف التجارب الروحية، فهي تُعاش فقط. وامتننت لأنني بحبّها عشت حقيقة الله. عرفت أنّ الله يعرف بالحب. عرفت أن الله لا يُعرَف إلا بتجربة شخصية معه. عرفت أن الله لا يُعرَف إلا إن أراد أن يُعرَف.
حكيت عن تجربتي تلك لعدة أشخاص. منهم شخص كان يعتقد باللا-أدرية حينها. استخفّ بتجربتي وأنكرها، وقال إنها توهمات. بعدها بعشر سنوات تحوّل إلى إسلامي، وصار يرفض المثلية، ويعتبر من الضروري الجهاد في سبيل مواجهتها. ذكّرته بتلك القصة فلم يتذكرها لكنني قلت له إنه في الماضي أنكر تجربتي الروحية لأنها تجافي هويته اللا-أدرية، واليوم لن يصدّقها أيضاً ولكن لأنه صار إسلامياً يري أنّ الله لن يظهر في شيء محرم كحبّ مثليّ. تغيّرت الأيام، وتغيرت العقائد، وتغيّر هو، وبقي إنكار تجربتي الروحية ثابتاً.
في سنوات الجامعة، كان قلبي يدقّ كلما فُتح موضوع الميل الجنسي في أي فصل دراسي، لكنّ أسوأ تجربة من هذا النوع كانت من أستاذة جامعية مصرية مشهورة في مجال الإعلام، وشخصية عامة. كان الفصل عن القانون الإعلامي، ولم يكن يتضمن منهجاً له علاقة بالمثلية لكنها قرّرت أن تقحم موضوع حكم المحكمة العليا في الولايات المتحدة بتشريع زواج المثليين كجزء من المنهج الدراسي. تنمّرت، وسخرت من المثلية والمثليين، لكنني قلت لها صراحة أمام الفصل بأكمله أن هذه إهانة شخصية لي لأنني مزدوجة الميل الجنسي فكان رد فعلها التأكيد، والتكرار لإهانتها. واظبت على تكرار إهانتها، وسخريتها، وتشجيعها للفصل على السخرية مني في الحصص التالية. واجهتها مرة أخرى بالإهانة التي تنطوي عليها أفعالها، وقلت لها إنها لا تريد الحرية للمثليين بينما تريد الحرية للمسلمين في المجتمعات ذات الأغلبيات غير المسلمة، فوجدتها تسألني بشكل علني: "أيهما أهم بالنسبة إليك؟ دينك أم ميلك الجنسي" فقلت لها إنهما جزآن مختلفان من هويتي، وأنهما جزآن مختلفان من مفهوم ثقافة كل مجتمع. حاولت أن أشكيها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة بسبب اضطهادها لي كمزدوجة الميل الجنسي مما يخالف لوائح الجامعة الأمريكية بالقاهرة لكنّ المسؤولة عن الشكاوى قالت لي أنني إن اشتكيتها فستستغرق الشكوى الفصل الدراسي بأكمله للبتّ فيها، وعندما يُبَتّ في الشكوى ستكون درجاتي قد أُعلنت. خفت من ظلم آخر قد أتعرض له، فاكتفيت بالشجار معها في كل حصة تتنمر وتسخر فيها من المثلية. لكن للأمانة، كانت عادلة معي في الدرجات، وأخذتُ أعلى درجات في الفصل. لكنّ ثمن هذه الدرجات أنني تحملت أن أدخل كل حصصها لأسابيع ونبضي عالٍ، وأسمعه طوال الحصة. وشعرت بشيء من الرضا عندما يهرع إليّ الطلبة الذين يسخرون مني لأساعدهم في التسليمات، ولم أكن أعاملهم بكبر أو بانتقام.
بعدها بعشر سنوات بدأت رحلة العلاج من الصدمات النفسية المتنوعة، ومع هذه الرحلة قرّرت أن أواجه مشاعري المختلفة بأكملها، وأن أواجه الأشخاص الذين لم أواجههم بظلمهم لي. أرسلت لها بريداً إلكترونياً، وفوجئت أنها ردت، وأنها بعد كل تلك السنوات لم تنسَ الموقف. لم يؤثر الموقف فيّ وحدي، وبل أثّر فيها هي الأخرى. هل لأنها لم تعتد خلال أكثر من ثلاثين عاماً من التدريس أن تردّ عليها طالبة، وتظهرها مخطئة؟ هل لأنها تكره المثلية بعمق؟ هل لأنني طالبة لا أُنسى؟ لا أدري. لكنها كانت تذكر التفاصيل عندما واجهتها بها رغم مرور مئات الطلبة عليها خلال هذه السنوات العشر. لم ترض أن تعترف بخطئها مهما شرحت لها حجم الصدمة النفسية التي سبّبتها لي، ومهما نبّهتها إلى الألم الشديد الذي تركه لديّ استغلالها لسلطتها لكي تضطهدني فقط مما منعني من أن أخذ حقي منها. من جانبها، ادعت أنني تأثرت بتنمّرها لأنني هشة، ولا أصدق في هويتي، ولا موقفي! لكنني تصديت لها وأجبتها بعلم النفس، وبالمنطق. وبعد نقاش طويل في الرسائل الإلكترونية قلت لها إنها ترفض الاعتذار لكنّ العالم فيه قوة تشبه الكارما. ومثلما اضطهدتني سيأتي من يضطهدها. وحكيت لها قصة تاريخية من تاريخ الإسلام الذي استخدمته ضدي من قبل. حكيت لها كيف أنّ الغزالي كفّر الفلاسفة، ليأتي اليوم الذي يكفّره فيه ابن تيمية. وعندما عملت في تدريس الفلسفة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة حرصت كل الحرص أن أحمي طلابي باختلافاتهم، حتى أكثرهم اختلافًا عني. وحاولت أن أكون حيادية تمامًا في تدريسي لكي أمنع خطاب الكراهية أو السخرية من الآخر في فصلي.
هل يمكن أن نفقد أعمق مشاعرنا، ورغباتنا؟ هل يمكن أن نفقد هويتنا، وماهيتنا؟ هل يمكن بلفظ أدق أن ننساهم بعدما وجدناهم؟ يمكن. عندما تخرجت من الجامعة، وبدأ العالم حولي يتغير، ورحل كل مجتمع الميم من الجامعة هرباً لأوروبا أو للولايات المتحدة، وصار الكلام عن المثلية مكتوماً، بدأتُ الابتعاد عن نفسي. نسيت ميلي الجنسي ثانية أو تناسيته. تناسيت واحدة من أعمق تجاربي وأثراها بالمعاني والألم.
لم يمت داخلي تماماً دفاعي وارتباطي بمجتمع الميم. لم تمت داخلي مشاعر الغضب، والألم، والحرقة من الظلم، والقهر. اشتعلت تلك المشاعر يوم انتحرتْ سارة حجازي، وتشتعل كلّ عام كالجمر في ذكراها. في ذكراها تكون حفلة الكراهية الجماعية على فيسبوك لمجتمع الميم في أوجها، واستجداء محبّيها للدفاع عن ذكراها، وعن مشاعرهم في رثائها. وفي هذه الذكرى كل عام تكون معركتي، وموسم الحظر الإلكتروني السنويين. لم أعرفها في حياتها. عرفها في حياتها كثير من أصدقائي، حتى أنّ معالجتي النفسية عرفتها. لكنني عرفتها بعمق في موتها. كلماتها الأخيرة حفرت في قلبي حفراً.
"أنا عايزة السما مش الأرض"
"إلى العالم.. كنت قاسياً إلى حدٍّ عظيم لكنني أسامح"
نفذت كلماتها إلى قلبي. هزّت مشاعري الداخلية وترددت كثيراً في جنبات روحي التي تتساءل: "كيف لنا أن نسامح العالم؟" لكنني أشعر بتلك الكلمات. وأشعر أنها سامحت حقاً. تحمل الكلمات الصادقة نبضاً خاصاً. كلماتها تنبض وينفذ نبضها إلى قلبي الذي يرتجّ من قوّتها. وفي داخلي دائماً أتساءل عن حظي الذي جعلني لم ألقَ مصيرها. أقول حظي لأنه مجرّد حظ حقاً. كان يمكن ببساطة أن أهتك مثلها. كان يمكن ببساطة ألا أكون موجودة اليوم. أعلم أنني إن انتهكت أو أُخرجت من مصر فسأنتحر. أعلم أنني مثلها "أضعف من أن أقاوم".
سيكفيني قهرًا لأنتحر أن يُمَسّ جسدي أو أُعَرّى أو أُسأل مثلما سُئلت عن العقيدة. ستقتلني داخلي المرأة الشرقية التي طالما تألمت من سجن العذرية، وستقتلني المرأة الحرة التي لا تقبل أن يفرض على جسدها انتهاك. ستجتمع المرأة الشرقية والمرأة الحرة في حادثة نادرة لتجعلاني أحكم على نفسي بالموت إن مسّ جسدي بهذه الطريقة. فذلك لن يكون أبداً كأي حادثة تحرش تعرضت لها في حياتي كلها.
استيقظت في إحدى السنوات التي ابتعدت فيها عن ميلي الجنسي على خبر انتحار شخص من مجتمع الميم أعرفه معرفة سطحية جداً ولكنني أعرفه، وقابلته، وأثر فيّ. كان قد رحل مع الكل للغرب لكنه مثل سارة حجازي انتحر هناك. تعرّض للاستغلال، والقهر في المؤسسة الأكاديمية في الولايات المتحدة، وقرر بعد الصراع مع المؤسسة، والفشل في الصراع أن يرحل. كان ذا قلب وفكر مميزين ونادرين. كان اسماً مهماً في مجتمع الميم في مصر. كان علامة في قلب كل من قابله حتى ولو لمرة واحدة. لقد هرب من القهر والظلم، مثليّ مصريّ يحلم بالإنصاف، وأن يرى العدالة، والحرية في العالم الأول. لكنه قُهِر، وظُلِم لانتمائه للعالم الثالث، ولأنه في مكان أضعف في المنظومة الأكاديمية. لم تكن المنظومة الأكاديمية، ولا تمييز العالم الأول هما السبب في النهاية، لكنهما كانا فقط ضغطة الزناد الأخيرة على الرجاء. لم يرحل هناك في الولايات المتحدة. رحل بعدما عاد. عاد لفترة علّه يستطيع أن يقوم ثانية. لكنه لم يستطيع أن يقاوم. قرّر هو الآخر الرحيل.
انهرت وقتها، وذهبت لحفل تأبينه، وقابلت هناك من تبقوا من الأصدقاء. شعرت بالحنين لمن كنا لكن من كنا لم يعد نحن. وحاولت أن أتذكر نفسي لكنني لم أجدها. أخذت في البكاء فقط، والصراخ لأيامٍ متواصلة. كنت أبكيه، وأبكي نفسي، وأبكي سارة، وأبكينا جميعاً، وأبكي زماننا. كنت أصرخ من حرقة القهر.
بعدها بعام كنت في فرنسا ضمن تدريب لطلبة الدكتوراة في القانون بجامعة سيانس بو في وقت ذكري سارة حجازي. ووجدت دعوة من مجموعة من مجتمع الميم العرب لإحياء ذكراها في حديقة عامة. حرصت على الذهاب. اتّسمت الأجواء بمزيج من الفرح والألم والشجن. قُرأت كتابات سارة حجازي وذكرياتها من الحبس. رقص البعض، ورسم البعض الآخر. عرفت أن هذه المجموعة من مجتمع الميم العرب أُسّست خصيصاً لئلا يشعر المهاجرون جرّاء الاضطهاد بالوحدة. هذه المجموعة أسّستها ذكرى سارة.
ربما تناسيت ميلي الجنسي لكنّ الألم داخلي لم ينس للحظة واحدة طوال هذه السنوات. الجراح غائرة، وعميقة. هذه السنوات الحالية هي سنوات قاسية جداً. أغلب ما يُقال حتى من قِبل الجيل الأصغر في أعلى الطبقات الاجتماعية هو خطاب كراهية عميقة لنا، ولكل ما يرتبط بنا. هذه السنوات تزيد ألمي عمقاً لكنها أسوأ لأنني لا أعيش معنًى ولا ثراء يعوّض مقدار الألم كما كان في الماضي. الآن لا يوجد إلا الألم.
سنوات طويلة هربت فيها من ميلي الجنسي مجدداً لأسباب متعددة منها تغير العالم، خوفي، وحدتي، ومنها الألم. لقد عشت صدمات كثيرة جداً مقترنة بجسدي، برغبتي، وبميلي الجنسي. وكل صدمة كانت تبعدني، وتجعلني أهرب من نفسي. أهرب من نفسي كلها، وجزء أساسي من نفسي هو ميلي الجنسي. لم أتذكرني إلا عندما بدأتُ علاج صدماتي. حينها، بدأت أتذكر من أنا. وبدأت أشعر ثانية بميلي الجنسي كرغبات، وعواطف، وذكريات، و"هوية" رغم كل إشكاليات هذا المصطلح.
عدت لدفاعي عن مجتمع الميم. ليس وحده. لم أؤمن قط بالدفاع عن ضحية دون الأخرى. فدفاعي عن مجتمع الميم هو جزء من دفاع أوسع عن كل المظلومين. فإن كانت تجربتي مع ميلي الجنسي ساعدتني في تعلّم التعاطف، فإنها جعلتني أيضاً أدافع عن الحيوانات رغم أني لست حيواناً، وعن الأقليات الدينية رغم عدم انتمائي لأقلية دينية، وعن الأشجار رغم أني لست شجرة. لكن دفاعي ضد الذكورية والأبوية وحده مختلف الأصل، ويسبق معرفتي بميلي الجنسي أصلاً. فهذا الدفاع أصله تجربة مؤلمة مع معنى القهر سأذكرها في جزء لاحق.
أنا ممتنة لميلي الجنسي. ممتنة لربي أنه منحني هذه النعمة التي تبدو للكل نقمة. أنا ممتنة لأنني لولا ميلي الجنسي لصرت مثل الكثيرين لا أستطيع أن أنظر بعين ناقدة إلى الدين أو المجتمع لأنني لا أرى ضحاياهم بل وأحكم عليهم وأسميهم بالمجرمين المستحقين للتنكيل. أنا ممتنة لأنني لولا ميلي الجنسي لما كنت تعلمت التعاطف مع كل ضعيف مُدان ومُضطهَد من الأقوى الذي يضفي المشروعية على قهره. أنا ممتنة لأنه لولا ميلي الجنسي لما عشت تجارب فضحت لي حقيقة العالم، حقيقة قسوته، وظلمه، وجبروته، وتمييزه، وكذبه، وازدواجيته، ونفاقه. أنا ممتنة لأنه لولا ميلي الجنسي لما عشت الثراء العاطفي، والفكري، والروحاني في التجارب العميقة التي حكيتها وسأحكيها رغم أن الكلمات لم تنصف عمقها تماماً. أنا ممتنة لأنني وُضِعت في موقف معقد جعلني أنتقد كل المنظومات. أنا المرفوضة، والمضطهدة من الكل. أنا المضطهدة من العالم الأول بكبريائه، وعجرفته، وأنا المضطهدة من الدين، والمجتمع في العالم الثالث بقسوتهم، وذكوريتهم، ومشروعية ظلمهم. أنا ممتنة لأنني عرفت أن الإجابة كاملة لا تكمن في أي منظومة يُرَوج لها. أنا ممتنة لأن ميلي الجنسي جعلني أرى كل خطايا المنظومات، وساعدني في الإفاقة من الأحلام الوردية والمثالية الزائفة الخاصة بها. أنا ممتنة لأنه لولا ميلي الجنسي لما تعلمت أن أفكر، وأشعر، وأتعاطف، وأنقد، وأعمل باستقلال عن كل منظومة، وأن تكون مسؤوليتي الأخلاقية مستقلة في صالح العدالة لكل المظلومين.
وأنا ممتنة لميلي الجنسي لأسباب أبسط مثل أنه جعلني أعرف الحب بعيداً عن القوالب الجندرية. فقلبي وجسدي وروحي يعرفون كيف يحبون بدون رؤية فروق جندرية أو هكذا صاروا تماماً بعدما قبلت وأحببت ميلي الجنسي. قلبي وروحي وجسدي يحبون بغض النظر عن فروق الجندر. أنا ممتنة لذلك.
أنا بكل ما فيّ صنيعة تجارب معقدة كنت دائماً فيها الطرف الأضعف، وقاومت فيها بصراخ الظلم. أنا أكره الظلم. ولا أرى شيئاً يمثل الظلم مثل غياب المساواة. كان يمكن أن أصير بسبب الظلم ظالمة للأضعف. كان يمكن أن أوجّه القهر الذي بداخلي نحو قهر الأضعف. كان يمكن أن أختار النفاق، والكذب، والمعيشة بوجهين لإرضاء الأقوى. كان يمكن أن أنحاز لمن أعتبر نفسي "منتمية" لهم. كان يمكن أن أتعلم الانتقام. لكنني اخترت أن أتعلم المحبة، والقتال لأجل العدالة. اخترت أن أتعاطف، وأدافع عن كل المستضعفين. هذه صارت أنا، وتصير أكثر مع كل صدمة. أنا أقاوم حتى لا أصير ظالمة لأن ظلم الأضعف أسهل من مقاومة ظلم الأقوى. أنا أقاوم حتى لا أبيع نفسي يوماً، وأخادع، وأتعلم الكذب كخضوع. أنا أقاوم لأجل الضحايا.