لم يتوقف ألمي العميق بعد بلوغي عند حد غشاء البكارة. لم يكن الخزي، والعار مرطبتين به وحده. العار مرتبط بالدماء التي سالت كأنها شهادة على أنني وصمت للأبد بختم يقول إنني نجسة.
كتبت من قبل أن كل الديانات الحية تتعامل مع الحيض كنجاسة حتى الديانات التي ليس لها أي أصول إبراهيمية. تتحد الديانات كلها لتجعلنا كائنات مدنسة. يوم ينزل حيضنا نصير الدنس. والدنس نتذكره كل شهر فيحرمنا حتى أن نكون قريبات من الإله لأنه بدوره لا يقبل أن يلقانا بالنجاسة التي ابتلانا بها. حاولت البحث لسنوات عن دين بديل يحب جسدي، ويحررني من العار، والنجاسة. بحثت عن دين بديل للإسلام أراه يرفع من قيمة جسدي، ويحب كل ما يخرج من فرجي لكنني وجدت الأديان كلها سواسية. كلها تعتبرني دنسًا يشمئز منه الإله.
في طفولتي كنت أكره حيضي. طفلة في التاسعة من العمر لا تعرف كيف تلعب لأنها تنزف، وتستهلك عشرين فوطة صحية في اليوم لمدة أسبوع. كنت أحاول إخفاء إثمي بأي طريقة. حتى أن أمي علمتني أن أخفي الفوطة الصحية الملوثة بالدماء في حقيبتي حتى لا يراها أحد في سلة المهملات. أخذ الأمر سنوات حتى تشجعت على عصيان أوامر أمي، وإلقاء الفوط الملطخة بالدماء في سلة المهملات بدلًا من حملها في كنت كثيرًا ما أنزف حتى تصطبغ ملابسي بالدماء في المدرسة أو الشارع. وتعرضت للتحرش مرة بالتنمر، والإهانة وسط الشارع بسبب نقطة دم تسربت دون علمي وظهرت على تنورتي، وحكيت عن هذه الحادثة باستفاضة في مذكراتي عن التحرش. في يوم سقط هاتفي النقال بينما غرق جلبابي بالدماء، وأنا خارجة من محل أدوات مكتبية. لم ألحظ سقوط هاتفي، وأنا أجري بسرعة لسيارة أمي لأخفي عاري. وسمعت رجالًا ينادونني من الخلف، فظننتهم متحرشين كغيرهم، وتجاهلتهم حتى نظرت لهم في النهاية لأجد شابًا محترمًا منهم يناولني هاتفي النقال. ولكنني ظللت أشعر بالخزي لسنوات بعد هذا الموقف الذي رأى فيه الشارع كله بقعة دم كبيرة على جلبابي تمثل نجاستي.
عندما كنت صغيرة تمردت منذ اللحظة الأولي على مكاني في الدين. يوم عرفت أنني لا يجوز أن أصوم رفضت بشدة، وأصررت أن أصوم كل أيام حيضي لكنني لم أنتصر تمامًا على الفكرة لأنني مثلما كنت أصوم هذه الأيام كنت أعيد صيامها مرة أخري بعد رمضان. ولم أكن أصلي في حيضي. ليس شعورًا بالنجاسة، ولكن فرصة راحة من وسواس قهري، وعبء عميق. كانت الصلاة حينها لي عبئًا.
الغريب أنني حتى عندما بدأت أتحرر من أفكار كثيرة قمعية مرتبطة بجسدي، لم أتحرر بسهولة من ستري لحيضي. لم أفعل ذلك إلا بعد رحلة شاقة جدًا. كان أسهل أن أتحرر من كراهيتي لميلي الجنسي. فكرة الخزي من الحيض عميقة جدًا. وأعتقد أنها مغروسة داخل كل الثقافات الحية مهما تحررت أو ادعت التحرر من القيود الذكورية لأنه حتى من يبدون انفتاحاً حيال الجنس لا يحبون رؤية دماء متسربة علي الثياب. إنها شيء يعيب حتى إن كان كشف الجسد ذاته غير معيب. هل أجرأ نجمات الإغراء في العالم يقبلن أن تظهر بقعة من حيضهن علي ملابسهن؟ هل فكرة الجنس في الدورة الشهرية فكرة تبعث علي أي شيء سوي الاشمئزاز حتي عند أكثر من يمارسون صنوف الجنس التي تتحدى ”الطبيعي“، ”العيب“، ”والحرام“؟
توقفت عن استخدام الفوط الصحية منذ فترة لأجل الحفاظ على البيئة، وحياة الأشجار، واستبدلتها بسراويل مخصصة لامتصاص الدماء لكنني أتمني لو أنني الآن أخرج الفوط الصحية من حقيبتي دون خجل لأعوض سنوات كان خروجها من حقيبتي بالخطأ شيء يجعلني أود لو انشقت الأرض، وابتلعتني بعده.
أود لو أتحرر من سنين لا تعد عشت فيها أبشع لحظات الرغبة في الاختفاء عن الأنظار. يشعر المرء بهذه الرغبة إن حوصر، وانكشف في لحظة خطيئة يسترها. وعندما يحدث ذلك فلا يكون الأمر متكررًا فلا أحد يفتضح كل شهر. لكنني كنت كل شهر أعيش هذه المشاعر، وتنغرس داخلي أكثر بكل ما فيها من كراهية للنفس، وخاصة الفرج. هل يستطيع إنسان أن يحمل عارًا، ويمشي به بشكل متكرر، كدوائر لا تنتهي؟ وكنت في بداية كل دائرة أصدم كيف أنسي العار لثلاثة أسابيع قبل أن أعيشه، وأعود إلى نقطته في الدائرة في الأسبوع الرابع.
هل كانت الآلام الرهيبة التي لا يتحملها بشر بسبب الدورة هي في حقيقتها آلام نفسية لثقل حمل العار؟ ليست آلام دورتي عادية أبدًا. ليست تقلصات في أسفل البطن. بل التهابات لثة، والتهابات جيوب أنفية، والتهابات في الأعصاب الطرفية، والتهابات في المفاصل، ودوار، وصداع، وإصابات بعدوي جهاز تنفسي شديدة، وإنهيار عصبي، وتساقط هستيري للشعر، وضعف عام، وإصابة بكل الأمراض التي تنتظر فرصة ضعف الجهاز المناع للهجومي. كل هذه أعراض تحدث عند بعض النساء في الحيض، ولها تفسيرات فيسيولوجية. لكنني لم أعد أصدق هذه التفسيرات. هذه الآلام في حقيقتها آلام حمل وزن الخزي. الخزي يمرض. العار يقتل. ولا يريد المجتمع تحمل هذه الحقائق فيجب أن يسترها بتبريرات علمية ليظل مبررًا بسهولة وصمه للنساء.
هيباتيا الفيلسوفة النيو أفلاطونية كانت ترفض الجنس، فألقت على خاطب قماشة ملطخة بدمائها كرد له على طلبه. قالت إن الحيض هو الجنس، فالجنس دنس. رغم رفضي الشديد لكمية القمع والظلم الذي رسمته عقود وصم الجنس، والحيض لكنني رأيت أن هيباتيا قد عبرت عن حقيقة تناقض المجتمعات القمعية، والظالمة. هذه المجتمعات تريد الحيض لأنه يجعل المرأة صالحة لاستهلاكها جنسيًا بعد نضج أجزائها المستخدمة في الجنس، ولأنه يجعلها تلد، وتضمن استكمال، ونجاة المجتمعات، وهوياتها لكن ذات المجتمعات ترى الحيض دنسًا، وتحتاج أن تراه كذلك كي تبرر دونية النساء. ومع تبرير الدونية تبرر غياب المساواة، وشتى صنوف الظلم.
أريد أن يأتي يوم لا أشمئز فيه من لمس دمي. أود أن أقبل دمي، وأغسل به وجهي. إن هذا الدم مني. إنه من أغلى أجزائي. إنه من الجزء الذي حرمت منه، وحرم عليّ مجرد النظر إليه لسنوات طويلة. إنه من الجزء الذي يمثل روحي النابضة، يمثل كوني حية. إن هذا الدم هو حياتي. إنه فخري. إن فرجي الذي منعت أن أجلس حتى في بنطال وأنا فاتحة رجليّ حتى لا يفكر فيه أحد هو ذات العضو الذي يخرج منه دمي. إنه فخري، إنه هدية لي من فرجي. إنه نبض حياتي.