[ننشر هنا على ثلاث حلقات الفصل الرابع من كتاب الباحث في الاقتصاد السياسي ومدير برنامج الدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج ميسون، بسام حداد، والذي صدر عن مطبعة جامعة ستانفورد بعنوان "شبكات الأعمال في سوريا: الاقتصاد السياسي لنظام استبدادي يثابر على الاستمرار"، والذي يصدر قريبًا في اللغة العربية].
مهدت حرب 1967، التي قيل إنها حدثت نتيجة لاستعجال البعثيين الراديكاليين، لنقطة تحول في تاريخ سوريا الحديث، حتى ولو لم تحصل تغيرات فعلية حتى بعد عدة سنوات، في 1970. وبينما قامت أنظمة راديكالية مثل النظام الناصري في مصر بجعل برامجها الاشتراكية معتدلة بعد 1967، فإنّ النظام السوري "كان مُصمّمًا على مواصلة" النهج الثوري" معبئًا في الداخل السكان من أجل المقاومة الوطنية، وخارجيًّا لجعل سوريًّا عقبة في وجه أي حلّ سياسي للصراع العربي الإسرائيلي".56 وفي ضوء إذعان ناصر والاتحاد السوفياتيّ بإزاء حل سياسي والانقلاب البعثي المعتدل في العراق في 1968، فإنّ استراتيجية "النجم الوحيد" هذه لما بعد الحرب زادت من عزلة النظام إقليميًّا ومحليًّا واستهدفت شرعيته السياسية. ما كان أكثر أهمية، هو أن تداعيات حرب 1967 قادت إلى فراغ إيديولوجي عام داخل حزب البعث. وقوّضتْ الاتهامات المضادة داخل البعث وحدة الحزب مرة أخرى. وقاد الأسد البعثيين المعتدلين داعيًا إلى انفراج مع القوى المحافظة، محليًّا وإقليميًّا، من أجل هدف السعي وراء أهداف قومية. وحين نعيد النظر بالأمر، يتوضح لنا دون أدنى شك، أن الأسد رأى بقاء النظام البعثي على المدى الطويل ووحدته كوظيفة لأدائه الإقليمي. كان الوجه الآخر لهذا الاهتمام "الخارجي" ضرورة تحييد التأثير الخارجي إلى الحد الأدنى، وكان هذا من سمات سياسة سوريا الخارجية في ظل الأسد بعد 1970. وقُوبلتْ دعوة الأسد العلنية إلى إخضاع الصراع الطبقي لهدف الوحدة الوطنية ولتحقيق المصالحة مع المحافظين برضا الجناح الراديكالي للبعث.57 بالتالي، استفاد الأسد من عدد من المسؤولين البعثيين، وكان كثيرٌ منهم انتهازيين من الدرجات الأدنى والوسطى لحزب البعث، والجيش والأجهزة البيروقراطية. وفاقم خليط البعثيين المتطلعين إلى الترقية (الذي تمكّن الأسد من تشكيله) المحسوبية ما أدى إلى تدعيم الشبكات التي ستسود وتدير الدولة بعد 1970. 58
على الصعيد الاقتصادي، وفيما كان الأسد يحول الموارد إلى الجيش، أراد الاستمرار في تجديد الجيش، بينما أراد الراديكاليون تعميق الاشتراكية. وتوسعت خططهم إلى الريف، حيث استفاد فلاحو الطبقة الوسطى من الإصلاحات الزراعية الأولى، ولكنهم يخسرون الآن مزيدًا من الإصلاحات. على أي حال، منعتْ مشكلات سوء الإدارة، وغالبًا الافتقار إلى أية إدارة في بعض المناطق البعيدة، تعميقًا للاشتراكية كهذا من الحدوث. نتيجة لهذا، كان للأسد طريقته، ودَعَمَهُ الفلاحون من الطبقة الوسطى، الذين كانوا يعرفون جيدٍا آنذاك أي فصيل بعثي سيحافظ على مصالحهم. وسرّعت الأحداث المرتبطة بـ "أيلول الأسود" في الأردن سنة 1970 ضربة الأسد الأخيرة للراديكاليين. وبطرق عدّة، ذكّرت هذه الأحداث بهزيمة 1967، بما أن الراديكاليين كانوا مندفعين وكان الأسد مترددًا في التدخل لصالح الفلسطينيين في كفاحهم المسلح ضد الجيش الأردني. وبعد سلسلة من المناوشات القاتلة، والتي كانت غزوًا وذات طابع تعبوي، قام الأسد بانقلاب سنة 1970 ضد الراديكاليين، مستوليًا على قيادة البعث لثلاثة عقود تالية.
السياسات البعثية وتحوّل بنية سوريا الاجتماعية
غيرتْ سياسات البعث على المستوى الاجتماعي والاقتصادي في الستينيات بنية سوريا الاجتماعية في العقود التالية لصالح الأقل تمتعًا بالثروة (بغض النظر عن الطائفة)، وعلى حساب القِطاعين التجاري والزراعيّ. باختصار، "قضى الإصلاح الزراعي والتأميم وإنشاء قطاع عام كبير على حالات اللامساواة الطبقية الصارمة المتأصلة في السيطرة الاحتكارية على وسائل الإنتاج ووزعت الملكية والفرصة على نطاق أوسع".59 بحلول 1970، حسّن الإصلاح الزراعي وتوسع البيروقراطية والجيش والقطاع العام على نحو كبير ثروات البروليتاريا الزراعية والفلاحين الصغار، الذين كانوا يشكلون آنذاك 47،9٪ من البنية الطبقية لسوريا60 ما أنشأ تحالفًا عضويًّا استطاعت الدولة الاعتماد عليه طالما أنها تحمي مصالحه.61 وبحسب هينيبوش، جاء هذا على حساب تقلّص البرجوازية:
"أدّى التوافر المتزايد للفرص وانتشار الملكية إلى اتّساع مهم في الطبقة الوسطى فيما ضمرت قمة وقاع البنية الاجتماعية.. حدث انحدار في البرجوازية، ليس فقط في ثروتها وقوتها، بل حتى في أعدادها بسبب الحركة الانتقالية نحو الأسفل أو مغادرة سوريا. وتواشج هذا مع توسّع في الطبقة العاملة والوسطى المعتمدة على رواتب من الدولة، ازداد من 32،9٪ من السكان الناشطين اقتصاديًّا في 1960 إلى 33،6٪ في 1970 وإلى 37،8٪ في 1975. دُعم جزء مهم من الطبقة العاملة الزراعية التي من دون أراض وتحول إلى طبقة فلاحية ذات ملكية صغيرة". 62
من اللافت أنه بسبب العلاقات العائلية النووية والواسعة في سوريا، فإن الطبقات الاجتماعية المختلفة التي استفادت من صعود البعث الراديكالي شكلت قطاعًا اجتماعيًّا كبيرًا، غالبًا ما دُعي بالبرجوازية الصغيرة؛ وبصورة أدق، هذه هي الطبقة الوسطى الأدنى والتي تتمتع بملكيات أراض وملكيات صغيرة. وتطورت سياسات البعث إلى ما يمكن أن يُرى كتسوية اقتصادية سياسية شبه قائمة على المساواة، وكان هذا إلى حد كبير نتيجة مقصودة لأهدافه الاجتماعية ـ الاقتصادية والاجتماعية ـ السياسية القابلة للتنبؤ. وعزّزتْ التسوية الاجتماعية ـ الاقتصادية والمساواة في البداية استقلالية الدولة في غياب أية قوة اجتماعية مهيمنة تسيطر على الدولة. وقدمت أيضًا للنخبة الريفية المنحدرة من أقليّة فرصة سياسية نادرة للحكم ببعض الشرعية باسم الأغلبية حتى منتصف السبعينيات.
أصل العامل العلوي وتأثيره
يَسْهُلُ أن نتبين هيمنة السُّنة من سكان المدن على جماعة الأعمال من أية قراءة للتاريخ السوري المعاصر،63 لكنّ صعود الأقليات الريفية، تحديدًا من العلويين، إلى ذرى السلطة وهيمنتهم على أجهزة الدولة الحاكمة يتطلب التوضيح في ضوء مقولة العداء بين الدولة وجماعة الأعمال المقدمة في هذا الكتاب. فقد كانت ألوان الظلم الاجتماعي والاقتصادي التي عانت منها الأقليات الريفية، وتحديدًا من العلويين، العامل الوحيد المسؤول بصورة كبيرة عن تبنّيهم لوجهات النظر السياسية الراديكالية، ولتبني القيادة العلوية بعد 1970 لأجندة اقتصادية سياسية تتسم بدرجة أقل من العداء وعابرة للطبقات حافظت على هيمنتها وأنهت استغلال العلويين كجماعة. وللحفاظ على هيمنة قيادة تنحدر من أقلية، يجب أن يُعدّل السياق المؤسساتي: أُضعف حزب البعث كهيئة سلطوية على يد الجيش في أواخر الستينيات. بدوره، حين تولى الأسد السلطة، فإنّ الجيش نفسه كموضع للسلطة الفعلية فسح المجال بالتدريج لدزينة من الأجهزة الأمنية التي وسمت الدولة السورية كدولة مخابرات أو دولة أمنية.64 سمح هذا الانتقال التدريجي في موضع القوة، إن لم يكن السلطة، لمجموعة صغيرة من الأشخاص بأن يحكموا سوريا، دون أن تعرقلهم سياسة الحزب والأولويات البيروقراطية المنافسة. مرة أخرى، اشْتُريَ أمن النظام بثمن مرتفع جدًّا. نُصِّب حكمٌ ريفي منحدر من أقلية بأي ثمن.
من أين اكتسبت الأقليات الريفية، وتحديدًا من العلويين، هذا الحماس الثوري والبراغماتية؟
رغم أن الطبقة الوسطى في سوريا في الخمسينيات كانت معارضة كثيرًا للوضع القائم (أي هيمنة الأحزاب البرجوازية وغياب إعادة توزيع عادل للثروة) فإن الصعوبات التي عانت منها كطبقة تكاد تمكن مقارنتها مع سكان الأرياف، وتحديدًا من العلويين. هذا، وبحسب هينيبوش، إن الأصول المتواضعة للعلويين وتعرّضهم للظلم الذي أصاب القرى جعلهم أكثر معاداة للمؤسسة المدينية التقليدية وأكثر تصميمًا على القيام بثورة راديكالية من قادة الحزب المدينيين الذين من الطبقة الوسطى. وقد عكست مواقفهم رفضًا طويلًا مختمرًا للمجتمع التقليدي وتوقًا كبيرًا للإطاحة بنظام اجتماعيّ عَدّوه السبب في افتقارهم إلى الفرص الشخصية وفي أمراض سوريا: تخلفها واللامساواة فيها، وضعفها في وجه إسرائيل والغرب.65
كانت التعبئة الاجتماعية التي قامت بها الطبقات الوسطى وبعض الأحزاب البرجوازية، تحديدًا في حقل التعليم (وقبل ذلك تحت رعاية الاستعمار الفرنسي) والتطوع في الجيش،66 الواسطة التي استخدمها الشباب الريفي كي يدخل إلى قلب المجتمع السوري. وعلى الصعيد الإيديولوجي:
عبّر تمسك العلويين بالبعث والعروبة عن دافع طبيعي وقويّ من أجل أن يُقْبَلوا كأنداد في الثقافة العربية المهيمنة... فقد كان انجذاب العلويين إلى "اشتراكية" البعث طبيعيًّا أيضًا: إن جماعة بموارد محدودة من الأرض، وانفجار سكاني، وتراث تجاري محدود، لا تستطيع التخلّص من الفقر إلا عبر مساعدة الدولة والإصلاح. وربما كان من غير المفاجئ أنه من بين أقليات سوريا الأربع، كانت راديكالية الأقلية العلوية الزراعية هي الأشد، ذلك لأنّ العلويين كانوا ضحايا النظام "الإقطاعي" لسوريا أكثر من الآخرين بكثير.67
كان الضباط العلويون هم من مارس باستمرار الضغط من أجل المزيد من الإصلاحات في المجال الاقتصادي وقاموا بالمزيد من عمليات التطهير على المستوى السياسي في جميع المراحل المتعاقبة لمواجهة المؤسسة المدينية والتخلص من العناصر الداخليين.68 وبالفعل، بعد وقت قصير من استيلاء البعث على السلطة في 1963، سُرح المئات من الضباط المحافظين أو الناصريين، وكانوا بصورة رئيسة من الطبقات السنية المدينية المتوسطة - العليا والمتوسطة. وقد شغل مكانهم بعثيون من أصل ريفي، أو ينحدرون من أقلية بصورة رئيسة، وكان كثير منهم أقرباء لضباط بعثيين قادة، وقد تم تطويعهم بالجملة".69 تواصلت هذه الدورة من التحولات الاقتصادية الثورية والتطهير بصورة جيدة حتى نهاية الستينيات، حين ظهر ما دُعي بـ "ازدواجية السلطة" بين الأسد وجديد، والتي اتسمت بخلاف حول المسار الأكثر ملاءمة للفعل في ما يتعلّق بالمزيد من الإصلاحات المحلية والسياسة الإقليمية. حصل كل ذلك الاضطراب تحت عنوان حزب راديكالي بقيادتين متصارعتين، وليس داخل قيادة مُشخصنة نسبيًّا، كما كانت الحالة بعد 1970. ورُيِّفَ الحزب بصورة فعالة في 1970، هذا إذا لم يكن قد تمت علْوَنتهُ (لم يحصل هذا الأمر الثاني حتى بعد 1975) إلى النقطة التي بدأت فيها ضرورات تدعيم الحكم الشعبوي الاستبدادي تتصارع مع حاجة النظام الماسة إلى الشرعية. تجلى هذا في عزل الحزب حتى عن القوى الاجتماعية في اليسار مثل الناصريين والاشتراكيين والشيوعيين. وبينما "بدأ دافع البعث لتوطيد حكمه كمسألة تحويل مؤسسات سلطة الدولة إلى معاقل ريفية تهيمن على المدن"، فإن نهاية تلك السيرورة عزلتْ الحزب، وتحديدًا بعد 1967، إقليميًّا ومحليًّا في آن. وبحسب هينيبوش، "واجه البعث التحدي الكبير لأزمة شرعية حادة".70 فقد جاء الوقت من أجل إبطاء المسار الثوري وإعادة دمج المجتمع المديني. وكان السؤال هو كيف وإلى أي مدى؟ وبصرف النظر عن جواب نظام الأسد بعد 1970، فإن تجارب الجمهورية العربية المتحدة والحكم البعثي في الستينيات تركت مذاقًا مرًّا في أفواه كلّ من نخبة النظام والمؤسسة المدينية. وبدا كأنّ هناك نظامًا للثقة المنخفضة يسود بشكل لا يمكن عكسه في ذلك الوقت. واستسْلمتْ معظم القطاعات الاجتماعية، التي شعرت بأنها مجردة من القوة ومحرومة (سياسيًّا، هذا إن لم يكن اقتصاديًّا) بلا حول ولا قوة لهيمنة مجموعة وعدت بالوحدة الوطنية والتقدم الاقتصادي.
رفض كلٌّ من هينيبوش وهايديمان (كما فعل بطاطو) المقاربة الطائفية لشرْح السياسة السورية، وهذا ما تفعله هذه الدراسة. ما شُدِّد عليه هنا ليس أن الطائفية كانت هدفًا مقصودًا للقيادة التي هيمن عليها العلويون باستمرار. بدلًا من ذلك، كانت الخلفية التاريخية الريفية الأقلوية لهذه القيادة الشعبوية والاستبدادية محفّزًا لردْكَلة السياسة السورية في الستينيات، والتي كان المذنبان الرئيسان فيها هما: البرجوازية المدينية وطبقة مالكي الأراضي. وقد أُعيد تدعيم هذه المعارضة الاجتماعية الثقافية بعد 1966، ولكن على نحو خاص بعد استيلاء الأسد على السلطة في 1970، ما دفع سوريا إلى شفا حرب أهلية بين 1967 و1982. وكما ناقشنا أعلاه، قاد التحدي الذي فرضه توطيد الحكم الشعبوي في بيئة عنيدة القيادة الريفية المنحدرة من أقلية إلى الاعتماد بصورة متزايدة على الخلفية الطائفية كآلية ترابط قللت من خطر حدوث المزيد من الانقسامات وزادت من التماسك في مواجهة ما بدا كأنه يستمر كمؤسسة اقتصادية سياسية مرنة، وأجبرتْ ضرورات تراكم رأس المال والشرعية نظامًا مُدارًا بإحكام في 1970 على أن يحتوي أجزاء مهمة من المؤسسة البرجوازية أكثر من مالكي الأراضي عبر إحداث انفراج من نوع ما معها. ذلك أن الأسد رأى آنذاك:
"أن النظام لا يستطيع تذليل الصعوبات التي تواجهه إلا عبر الانتقال إلى قناة السياسة القائمة على التسوية على الجبهتين الداخلية والإقليمية، ما يمكّن للبلاد بالتالي من التركيز على إعادة البناء وتقوية دفاعاتها. عنى هذا داخليًّا، من حيث الجوهر، تهدئة الصراع المديني ـ الريفي ومصالحة الطبقة الوسطى المدينية".71
تعكس الطريقة التي تم بها إحداث هذا الانفراج محليًّا وإقليميًّا أهمية وتأثير العداء التاريخي الاجتماعي ـ الطائفي والاجتماعي ـ الاقتصادي بين القابضين على مقاليد سلطة الدولة وجماعة الأعمال بصفتها كلًّا. ودفعتْ الحاجة إلى الحفاظ على استقلالية القرار لدى النظام السوري بعد 1970 إلى اتّباع نماذج من التطويع والترقية عززت حجز معظم المناصب الرفيعة للعلويين، ما فاقم بالتالي التنافر بين المسؤولين وأصحاب رؤوس الأموال. ورأت المؤسسة المدينية السُّنية والتابعون لها في السوق المديني المحافظ تقليدياً، أن القيادة مسؤولة عن انتزاع (يقول كثيرون عن سرقة) قاعدة قوتها الاقتصادية، وبالتالي، قوتها السياسية. وكان الاستياء من البعث عميقًا في أوساط البرجوازية والأوساط المدينية المحافظة، التي رأت ثروتها وهيبتها الاجتماعية تفقدان أرضيتهما لصالح ما وصفته بجماعة كانت سابقًا مطيعة ومسحوقة ومصدرًا لاستئجار الخادمات. وعملَ هذا التشابك بين العوامل السياسية والاجتماعية الاقتصادية والاجتماعية الثقافية لإنشاء وإدامة إرث غياب الثقة المتأصّل عميقًا بين الدولة وجماعة الأعمال.
الفشل في السيطرة على القطاع الخاص
بعد انقلاب 1963، كان دور القطاع الخاص محدودًا، ولكنه تواصلَ. ولم يستطع النظام أن يقدم للقطاع الخاص فوائد جمعية (كحافز للتعاون)، ولم يستطع الاستمرار دون الرأسمال والأعمال الحرة. وكما قال هينيبوش: "بينما نُظر إلى التحويل الاشتراكي للاقتصاد في جملته الجامعة على أنه الهدف النهائي، حُوفِظَ في غضون ذلك على دور للمشاريع الخاصة في التجارة الداخلية والبناء والسياحة والصناعة الصغيرة بموجب قانون الدولة؛ وحُوِّلتْ البرجوازية الصغيرة اشتراكيًّا فقط بالتدريج وبالإقناع".72 وبعد 1970، على أي حال، تم التخلي عن المزيد من التحويل الاشتراكي، وتمتعت أجزاء من جماعة الأعمال بقوة أكبر مما سبق أن تصوره البعث قبل 1970 أو سمح به حتى اليوم. لماذا لم يدمج النظام القطاع الخاص بصفته كلًّا؟ هل السبب هو أنه لم يكن راغبًا بالقيام بذلك، أو غير قادر على ذلك؟ يبدو أن النظام، في النهاية، امتلك القدرة كي يقيّد أكثر دورَ القطاع الخاص، لكنه لم يفعل. من ناحية أخرى، أثناء الأعوام التالية كان النظام قادرًا على منح المزيد من "الحقوق" للطبقات الاجتماعية الأقل تمتعًا بالامتيازات واحتكار المزيد من الذرى القائدة للاقتصاد لفائدته. ولكنه لم يفعل هذا أيضًا. ما الذي يفسّر، بالتالي، السلوك الذي يحدّ من الذات، قبل وبعد تولي الأسد في آن؟ ثمة عاملان بارزان في تفسير سلوك الحدّ من الذات لدى النظام: أولًا، الوضع الأقلوي الريفي المتزايد لقيادة تواجه جماعة أعمال معادية وقوية، وثانيًا الأولوية العقلانية للقيادة المرتبطة بذلك والمتمثلة في الحفاظ على كلٍّ من الشرعية والاستقلالية. وكنظام شعبوي، عانى أيضًا من وضع أقلوي ريفي متزايد، أسّس شرعيته عبر القيام بإصلاحات اجتماعية واقتصادية شعبية في أوائل السبعينيات، ما سمّاه بيرتس 73 الانفتاح الأول. ولكن نظرًا لأنّ تعميق هذه الإصلاحات انطوى على مجازفة فقدان النظام لكلٍّ من الاستقلالية عن المستفيدين الجدد (لم تذعن العمالة، وتمت استمالة قادتها) وللدعم الداخلي والخارجي من القوى المحافظة الفاعلة، فقد اختارت القيادة لعبة توازن، والتي كان تقييد الذات منتجًا فرعيًّا منها غير مقصود. وبحسب هينيبوش، "بعد أن تمت بَرْجَزة نخبة السلطة السورية، سعتْ إلى تسوية مؤقتة مع البرجوازية. على أي حال، كي تتجنب الاتّكال على طبقة لا تثق بها حتى الآن، سعت إلى المحافظة على جماهيرها وعلى استقلاليتها عبْر موازنة بين البرجوازيين المعادين والقوى الشعبية".74 هذا ما دعاه هينيبوش والأيوبي وآخرون يدرسون دولًا شرق أوسطية بـ "سوريا البونابرتية" أو "دولة بونابرتية"، دولة تدير الصراع الاجتماعي من فوق.75
المحسوبيّة بصفتها ثمنًا للأمن: كيف حقّق النظام لعبة التوازن؟
اختار النظام، لسبب جوهري هو افتقاره للموارد الاقتصادية والاجتماعية الضرورية في 1970، سيناريو حذرًا كان الجميع فيه خاسرًا، فقد فشل هو والمعارضة في فرض السيطرة: ميّع معياره الإيديولوجي المختلط بعد 1970 قوته الإقناعية ومنعه من إنشاء "كتلة تاريخية" عضوية وذات قاعدة عريضة. بدورهم، افتقر داعمو النظام للوسائل المؤسساتية لتحقيق أي نوع من الهيمنة، ناهيك عن السيطرة. وامتلك النظام وحده هذه الوسائل وتلاعب بها لفائدته ومن أجل تحقيق أهدافه في خدمة تدعيم استقلاليته عن القوى الاجتماعية. وكان لفكرة النظام عن "تحقيق المساواة" دور فعّال في إبقاء الجماهير تحت السيطرة، ولكنها جرّدتْ النظام أيضًا من كثير من إمكانياته التعبوية بسبب فشله في تقديم حوافز انتقائية ربحية جماعية للقطاعات الاجتماعية التعاونية أو الإنتاجية. مواجهًا بما يمكن أن يُدعى "مجتمعًا قويًّا"، كان النظام أقل تصميمًا على تقوية أجزاء معيّنة (بما فيها دائرة أنصاره)، وأكثر تصميمًا على تجريد جميع القطاعات من القوة وموازنتها على نحو مساو من أجل هدف الحفاظ على استقلاليته، والتي كان تعبير النظام اللغوي اللطيف عنها هو "السلم الأهلي". في النهاية، تحقق هذا عبْر تجريد القطاعات الشعبية والجماعات والمنظمات من أية استقلالية ذات معنى بينما تم ربط معيشتها بالدولة،76 من خلال تجريد البرجوازية الكبيرة من القوة المؤسساتية وتقييد دورها الاقتصادي في أنشطة مثقلة بالقوانين أو مُخْضعة للسياسة العليا. لهذا كان مسار ما بعد 1970 مسار تسريح مؤسساتي للقوى الشعبية وتعبئة انتقائية من خارج المؤسسات لأجزاء من جماعة الأعمال في شكل شبكات اقتصادية ناشئة. ورغم أنها ارتبطت على نحو غير رسمي فقط بقمة السلطة كان لهذه الشبكات تأثير حاسم في نموذج التغير الاقتصادي في سوريا لأكثر من ثلاثة عقود تالية. وعكست طبيعة ودينامية هذه الشبكات الاقتصادية حساب التفاضل والتكامل لدى النظام في محاولة لإعادة جماعة أعمال تضادية ومعادية تقليديًّا إلى الصيغة الاقتصادية السياسية من دون التعرض للخطر المرافق بأن تتجاوزه أو تمتصّه القوى الاجتماعية الرأسمالية وحلفاؤها المدينيون من الأوساط التقليدية. وجعلتْ السمة الريفية للقيادة وانحدارها من أقلية، وتاريخ العداء الاجتماعي الطائفي (الذي ما يزال يُشعر به في وقت تأليف هذا الكتاب) النظام ميالًا جدًّا إلى تجنب المجازفات الناجمة عن إعادة دمج جماعة الأعمال المدينية التي يهيمن عليها السُّنة. تم الحفاظ على أمن النظام، بأية حال.
شكّل أعضاء ومجموعات منتقاة من جماعة الأعمال، وكذلك انتهازيون عاديون، شبكات معقدة من المصالح مع مسؤولين في النظام، وما هو أكثر أهمية بعد 1970، مع رجال أقوياء في الأجهزة الأمنية المتكاثرة كالفطر. وبقيتْ هذه الشبكات على أي حال مُمَأْسسة على نحو كبير وعملتْ من وراء أبواب مغلقة حتى 1990-91، حين اعترفت الحكومة رسميًّا بدور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني. وتخلّل غياب الثقة الذي وسم العلاقات بين الدولة وجماعة الأعمال بصفتها كلًّا هذه الشبكات أيضًا، ومنع تبادل المعلومات والشفافية المطلوبة للقيام بأعمال مدرة للربح جماعيًّا وقاد إلى نموذج تواطئي من فوائد الأنشطة الريعية من الأنواع الأكثر سوءًا،77 وكان هذا نموذجًا شتت البيروقراطية الاقتصادية، وأنتج سياسات مفصّلة رافقتْها قوانين وقيود متناقضة. ورغم ازدهار محفوف بالمخاطر في أوائل التسعينيات (مشابه لذلك الذي حدث أثناء الانفتاح في مصر بعد ناصر) كانت النتيجة في سوريا بين 1995 و2005 ركودًا اقتصاديًّا بخلفيّة من اللافعالية والمشاكل التنموية.
خاتمة
يمكن النظر إلى حزب البعث بصفته أداةً لانتفاضة ريفيّة ضد المؤسسة السُّنية المدينية. ويشير هينيبوش إلى أن "المشروع البعثي الراديكالي" عَكَسَ الانقسام الحاد بين المديني والريفي والعداوات الطبقية في سوريا.79 ذلك أنّ العلويين الذين عانوا بشدّة من الصعوبات في المناطق الريفية، وتحديدًا من حرمانهم الطبقي كانوا في موقع للاستفادة من أي تغيّر في الوضع القائم، لذلك كانوا في مقدمة التيارات الثورية. ورغم أنّ المؤسسة المدينية وطبقة الوجهاء من مالكي الأراضي كانتا على خلاف في معظم الأحيان فقد نظر إليهما الفلاحون الريفيون والطبقات المسحوقة بصفتهما شريكتين في استغلالهم. وأقنعت الأحداث الإشكالية في أوائل الستينيات بما فيها وضع المؤسسة المدينيّة الثوريين الريفيين الصّاعدين بعدم جدوى التفاعل بينهم وبين المؤسسة المدينيّة وحلفائها، وكانت التسويات فيما بينهم وبين المؤسسة المدينية غير مرجّحة وخطيرة في آن، تحديدًا في السنوات الست الأولى من الحكم البعثي بعد 1963. وحقق التحول الاشتراكي البعثي التسوية الاجتماعية، بانيًا على الإصلاحات التي استهلّتها الجمهورية العربية المتحدة، وردم بشكل ملحوظ الفجوة بين المدينة والريف مقويًّا بالتالي غالبية القطاعات المستبعدة في المجتمع السوري، والتي كان معظمها، حتى في المناطق الريفية، من السُّنّة. وكانت التكلفة الاجتماعية لهذه التسوية تجريد المؤسسة المدينية من القوة، ما أحدث ندوبًا في العلاقة بين الدولة وجماعة الأعمال بصفتها كلًّا لوقت طويل قادم. فضلًا عن ذلك، عزلت هزيمة 1967 على يد إسرائيل النظام سياسيًّا حتى 1970، محليًّا وإقليميًّا. وكان الانفراج الذي أحدثه الأسد مع القوى المحافظة جريئًا وضروريًّا في آن، واستمرّ لأربعة عقود.
إنَّ تحويل اقتصادات الدول المتأخرة في التنمية إلى اقتصادات أكثر فعّالية يُعَدُّ تحدّيًا هائلًا، إذا أخذنا في الحسبان تزامن الأزمات التي تواجهها هذه البلدان. إن ما هو أكثر أهمية هو أنّ مهمة جعل الاقتصادات أكثر فعالية وإنتاجية تقتضي أنواعًا من الفعل الجماعيّ، وكشف المعلومات والشفافية وتبادل المعلومات والتبادلية، وهذه أمور من الصعب إنجازها في غياب الثقة بين القابضين على مقاليد السلطة وأصحاب رؤوس الأموال. وإلى أن يحدث تماثل من نوع ما بين الحاملين الاجتماعيين للسلطة ورأس المال، من المرجّح أن تبقى الفعالية الاقتصادية مراوغة وخاضعة لضرورة الحفاظ على الاستقلالية. وتُفاقم دينامية الحكم الشعبوي الاستبدادي مسائل الثقة والفعل الجماعيّ، وتزيد من تسييسها لأن الحكام المستبدين يملكون درجة أدنى من التسامح حيال اللايقين، ويميلون إلى أن يسقطوا من حساباتهم المكافآت على المدى الطويل. من ناحية أخرى، إنّ التزاماته الشعبويّة بإعادة التوزيع تمنع النظام من دمج القطاع الخاص بصفته كلًّا، فيختار بدلًا من ذلك علاقات غير رسمية تتخذ بنى تشبه الشبكات.
هوامش:
٥٦- انظر: هينيبوش، السلطة الاستبدادية وتشكيل الدولة في سوريا البعثية، 137.
٥٧- المصدر نفسه، 138.
٥٨- يؤكد عارف دليلة ونقاد آخرون جريئون للنظام أن الشخصيات التي كانت تحيط بالأسد في ذلك الوقت كانت بين الأكثر وصولية والأقل التزامًا على المستوى الإيديولوجي بالمبادئ الاشتراكية. مقابلة، 5 نيسان\أبريل، 1999. يعتنق وجهة النظر هذه أيضًا مسؤولون في الجيش الذين رأوا مكانتهم تتناقص مع وصول عدد من "الانتهازيين الفاسدين" إلى السلطة. ورغم أن الأسد غير مبرّأ، أُقرّ أنه من أصل مختلف، والسبب في هذا -إلى حد كبير- هو أنه كان قائدًا منظّمًا وأقل اهتمامًا بالمكاسب المادية والمالية الشخصية، كما بيّن نمط حياته. مقابلة مع ضابط سابق في الجيش السوري، واشنطن العاصمة، 30 أيلول\سبتمبر،1999.
٥٩- انظر: هينيبوش، السلطة الاستبدادية وتشكيل الدولة في سوريا البعثية، 141.
٦٠- يشير هذا الرقم إلى نسبة السكان الناشطين اقتصاديًّا. انظر: لونغنيس، "الطبيعة الطبقية للدولة في سوريا"؛ وهينيبوش، السلطة الاستبدادية وتشكيل الدولة في سوريا البعثية،142.
٦١- على نحو لافت من منتصف إلى أواخر السبعينيات، وبالمقارنة، إن ثروات الطبقات الوسطى هي التي توسّعتْ، كانعكاس لأولويات النظام المتغيّرة. انظر: بيرتس، الاقتصاد السياسي في سوريا تحت حكم الأسد، الشكل 3.2.
٦٢- انظر: هينيبوش، السلطة الاستبدادية وتشكيل الدولة في سوريا البعثية، 142.
٦٣- انظر: خوري، سوريا والانتداب الفرنسي.
٦٤- بحسب مسؤولي القطاع العام السابقين، الذين عارضوا النظام منذ ذلك الوقت، كان الأسد مصممًا على السيطرة على الحزب وتجنب "العودة إلى اشتراكية الستينيات"، التي عدّها غير مبررة في سوريا. مقابلات مع مسؤولين سابقين في مصرف سوريا المركزي، دمشق، 7 تشرين الأول\أكتوبر، 1998. انظر أيضًا: نقد رياض الترك الشهير للنظام المؤلف من جزأين في صحيفة الحياة، 9 آب\أغسطس، 2001. سُجن الترك في 1 أيلول\سبتمبر، 2001، من المفترض بسبب كتابة هاتين القطعتين اللتين أثارتا جدلًا كبيرًا في دوائر المجتمع المدني، على فضائية الجزيرة، وفي الصحافة العربية.
٦٥- انظر: هينيبوش، السلطة الاستبدادية وتشكيل الدولة في سوريا البعثية، 122.
٦٦- رغم أن بطاطو يقرّ بـ"السياسة الموجهة نحو الأقليات التي اتبعتها فرنسا من 1921 إلى 1945"، إلا أنه لا يرجع سبب هيمنة العلويين بشكل مباشر إلى تلك السياسة. بالأحرى، يورد "عاملًا أكثر أهمية" هو "الأوضاع الاقتصادية البائسة للعلويين والبدل الذي كان بوسع معظم أبناء الطائفة السنية دفعه كي يُعْفَوا من خدمة العلم فيما كان الريفيون العلويون يُجنَّدون. على أي حال، بينما يفسّر هذا ازدياد عدد العلويين في سلك الجند، كان "صعود العلويين ... في النهاية إلى موقع الهيمنة في سلك الضباط هو الذي ضمن سيطرتهم الحاسمة على القوات المسلحة". وبينما كان الضباط السنة "منقسمين بشكل يائس من الزاوية السياسية والمناطقية والطبقية"، فإن الضباط العلويين لم يكونوا هكذا، في معظم هذه النواحي، بما أن معظمهم كان من أصل فلاحي مشترك. تفسّر هذه الحقيقة، أكثر من أية حقيقة أخرى، تماسكهم. انظر: بطاطو، فلاحو سورية، المتحدرون من الأعيان الريفيين الأدنى، وسياستهم، 158-59.
٦٧- انظر: هينيبوش، السلطة الاستبدادية وتشكيل الدولة في سوريا البعثية، 64.
٦٨- ما هو لافت هنا هو أنه "مع كل تطهير، كان السُّنة في سلك الضباط يتناقصون عددًا وأهمية" بسبب الانقسام في مواقفهم والتحالفات التي شكّلها كثيرون منهم مع معارضين متحمّسين، أو أحيانًا، زائفين، للبعث الجديد البازغ. لهذه الأسباب، تم تطهير معظم الضباط الدروز والضباط الريفيين السنة في 1966 و1968، على التعاقب، مع بعض شركائهم العلويين، في كلا المثالين. انظر: بطاطو، فلاحو سورية، المتحدرون من الأعيان الريفيين الأدنى، وسياستهم، 159.
٦٩- إن هذا التعديل المشهور لم يكن مسألة هادئة أو مخادعة، بحسب مسؤولي الجيش في تلك المرحلة؛ كان علنيًّا ومبررًا من قبل النظام:" إن الذين يتعاطفون مع ناصر أو الأفكار غير البعثية، لن يكونوا مفيدين في المرحلة القادمة... سوف يقومون بانقلاب آخر. مقابلة مع ضابط سوري متقاعد، 30 أيلول\سبتمبر، 1999.
٧٠- انظر: هينيبوش، السلطة الاستبدادية وتشكيل الدولة في سوريا البعثية، 120.
٧١- انظر: بطاطو، فلاحو سورية، المتحدرون من الأعيان الريفيين الأدنى، وسياستهم، 173.
٧٢- انظر: هينيبوش، السلطة الاستبدادية وتشكيل الدولة في سوريا البعثية، 126.
٧٣- انظر: بيرتس، الاقتصاد السياسي في لسوريا تحت حكم الأسد، ف2.
٧٤- انظر: هينيبوش، السلطة الاستبدادية وتشكيل الدولة في سوريا البعثية،154.
٧٥- انظر الأيوبي، تضخيم الدولة العربية، 27.
٧٦- يقول هينيبوش، "بقيامه بالمزيد من التوزيع المتساوي للموارد في المجتمع، ولاسيما التوزيع الذي لصالح الأطراف الريفية المحرومة، كان البعث يأمل في أن يكسب الجماهير، فيما إن توسيع سيطرة الدولة على الحياة الاقتصادية سيجعلهم عمليًّا متكلين أكثر على الدولة الجديدة"؛ انظر: هينيبوش، السلطة الاستبدادية وتشكيل الدولة في سوريا البعثية، 127.
٧٧- تحاول الكثير من الأدبيات الحديثة حول العلاقات بين الدولة وجماعة الأعمال التمييز بين أنواع غير إنتاجية بشكل مختلف من الأنشطة الريعية. إن ما هو متصل بهذه الدراسة هو تتبّع ذلك السلوك من الأنشطة الريعية الذي ينتشر في بيئة من الضعف المتبادل للدولة وجماعة الأعمال، مع بيروقراطية دولة تفتقر إلى إلى استقلالية إدارية وجماعة أعمال اتكالية بشكل كبير ولكن غنية برأس المال. في أوضاع كهذه، تصبح الأنشطة الريعية وسيلة تضعف البيروقراطية الاقتصادية وتفتتها أكثر، بصرف النظر عن التوجّه الاقتصادي السياسي، بدون زيادة الإنتاج والتوظيف وبالتالي بدون تقديم أية قيمة مضافة للاقتصاد. انظر: ألكسيف وليتزل، "التواطؤ والأنشطة الريعية"؛ ورينولدز، ورينولدز، "الاقتصاد السياسي للاعتماد المتبادل في الأميركيتين". انظر أيضًا، من أجل مرجع سريع، رتشاردز ووتربري، الاقتصاد السياسي، الخطوط 2.2 حول "الريع الاقتصادي"، 17.
٧٨- انظر: حداد، "التغيّر والركود في سوريا"؛ والمكتب المركزي للإحصاء، "السجلات الوطنية"، في المجموعة الإحصائية 1998. من أجل أرقام 2005، انظر: المكتب المركزي للإحصاء، "السجلات الوطنية"، في المجموعة الإحصائية 2007.
٧٩- انظر: هينيبوش، السلطة الاستبدادية وتشكيل الدولة في سوريا البعثية، 141.
[ترجمة أسامة إسبر، عن Business Networks in Syria The Political Economy of Authoritarian Resilience Stanford University Press, 2012].